باب الزكاة

بسم الله الرحمن الرحيم

الباب السبعون

في أسرار الزكاة


أخت الصلاة هي الزكاة فلا تقس … النص في هذي وتلك على السوا
قامت على التثمين نشأتها لذا … حملت على التقسيم عرش الاستوا
ولذاك تقسم في ثمانية من ال … أصناف شرعاً وهو حكم من استوى
جاء الكتاب بذكرهم وصفاتهم … وعلى مقامهم العليّ قد احتوى
فزكت بها أموالهم وذواتهم … وتقدّست بصلاة من أخذ اللوا
ذاك النبيّ محمد خير الورى … في جنسه وله العلوّ على السوى
نال المحبة من عنايته فما … يشكو القطيعة والصبابة والجوا

قال الله تعالى آمراً عباده {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً} والقرض هنا صدقة التطوّع. فورد الأمر بالقرض كما ورد بإعطاء الزكاة، والفرق بينهما أن الزكاة موقنة بالزمان والنصاب وبالأصناف الذين تدفع إليه، والقرض ليس كذلك وقد تدخل الزكاة هنا في القرض فكأنه يقول « وآتوا الزكاة قرضاً لله بها فيضاعفها لكم » مثل قوله تعالى في الخبر الصحيح  » جعت فلم تطعمني فقال له العبد وكيف تطعم وأنت رب العالمين فقال الله له إن فلاناً استطعمك فلم تطعمه أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي » والخبر مشهور صحيح. فالقرض الذي لا يدخل في الزكاة غير موقت لا في نفسه ولا في الزمان ولا بصنف من الأصناف والزكاة المشروعة والصدقة لفظتان بمعنى واحد. قال تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وقال تعالى {إنما الصدقات للفقراء} فسماها صدقة فالواجب منها يسمى زكاة وصدقة، وغير الواجب فيها يسمى صدقة التطوّع ولا يسمى زكاة شرعاً، أي لم يطلق الشرع عليه هذه الفظة مع وجود المعنى فيها من النموّ والبركة والتطهير. في الخبر الصحيح أن الأعرابيّ لما ذكر للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن رسوله زعم أن علينا صدقة في أموالنا وقال له صلى الله عليه وسلم صدق فقال له الأعرابيّ هل عليّ غيرها قال لا إلا أن تطوّع فلهذا سميت صدقة التطوّع يقول إنّ الله لم يوجبها عليكم فمن تطوّع خيراً فهو خير له ولهذا قال تعالى بعد قوله {وأقرضوا الله قرضاً حسناً وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله} وإن كان الخير كل فعل مقرّب إلى الله من صدقة وغيرها ولكن مع هذا فقد انطلق على المال خصوصاً اسم الخير قال تعالى  » وإذا مسه الخير منوعاً  » أي جبل على ذلك يؤيده  » ومن يوق شح نفسه  » فالنفس مجبولة على حب المال وجمعه قال تعالى  » وإنه لحب الخير لشديد  » يعني المال هنا فجعل الكرم فيه تخلقاً لا خلقاً ولهذا سماها صدقة أي كلفة شديدة على النفس لخروجها عن طبعها في ذلك ولهذا آنسها الحق تعالى بقول نبيه للأنفس إن الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله وذلك لأمرين أحدهما ليكون السائل يأخذها من يد الرحمن لا من يد المتصدّق فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول إنها تقع بيد الرحمن قبل أن تقع بيد السائل فتكون المنة لله على السائل لا للمتصدق فإن الله طلب منه القرض والسائل ترجمان الحق في طلب هذا القرض فلا يخجل السائل إذا كان مؤمناً من المتصدق ولا يرى أن له فضلاً عليه فإن المتصدق إنما أعطى لله للقرض الذي سأل منه وليربيها له فهذا من الغيرة الإلهية والفضل الإلهي والأمر الآخر ليعلمه أنها مودعة في موضع تربو له فيه وتزيد هذا كله ليسخو بإخراجها ويتقي شح نفسه وفي جبلة الإنسان طلب الأرباح في التجارة ونموّ المال فلهذا جاء الخبر بأن الله يربي الصدقات ليكون العبد في إخراج المال من الحرص عليه الطبيعي لأجل المعاوضة والزيادة والبركة بكونه زكاة كما هو في جمع المال وشح النفس من الحرص عليه الطبيعي فرفق الله به حيث لم يخرجه عما جبله الله عليه فيرى التاجر يسافر إلى الأماكن القاصية الخطرة المتلفة للنفوس والأموال ويبذل الأموال ويعطيها رجاء في الأرباح والزيادة ونموّ المال وهو مسرور النفس بذلك فطلب الله منه المقارضة بالكل إذ قد علم منه أنه يقارض بالثلثين وبالنصف ويكون فرحه بمن يقارضه بالكل أتم وأعظم فالبخيل بالصدقة بعد هذا التعريف الإلهي وما تعطيه جبلة النفوس من تضاعف الأموال دليل على قلة الإيمان عند هذا البخيل بما ذكرناه إذ لو كان مؤمناً على يقين من ربه مصدقاً له فيما أخبر به عن نفسه في قرض عبده وتجارته لسارع بالطبع إلى ذلك كما يسارع به في الدنيا مع إشكاله عاجلاً وآجلاً فإن العبد إذا قارض إنساناً بالنصف أو بالثلث وسافر المقارض إلى بلد آخر وغاب سنين وهو في باب الاحتمال أن يسلم المال أو يهلك أو لا يربح شيأ وإذا هلك المال لم يستحق في ذمة المقارض شيأ ومع هذه المحتملات يعمى الإنسان ويعطي ماله وينتظر ما لا يقطع بحصوله وهو طيب النفس مع وجود الأجل والتأخير والاحتمال فإذا قيل له أقرض الله وتأخذ في الآخرة أضعافاً مضاعفة بلا ثلث ولا نصف بل الربح ورأس المال كله لك وما تصبر إلا قليلاً وأنت قاطع بحصول ذلك كله تأبى النفس وما تعطي إلا قليلا فهل ذلك إلا من عدم حكم الإيمان على الإنسان في نفسه حيث لا يسخو بما تعطيه جبلته من السخاء به ويقارض زيداً وعمراً كما ذكرناه طيب النفس والموت أقرب إليه من شراك نعله كما كان يقول بلال:لى الإنسان في نفسه حيث لا يسخو بما تعطيه جبلته من السخاء به ويقارض زيداً وعمراً كما ذكرناه طيب النفس والموت أقرب إليه من شراك نعله كما كان يقول بلال:
كل امرىء مصبح في أهله … والموت أدنى من شراك نعله

ولهذا سماها الله صدقة أي هي أمر شديد على النفس تقول العرب رمح صدق أي صلب شديد قويّ أي تجد النفس لإخراج هذا المال لله شدة وحرجاً كما قال ثعلبة بن حاطب وصل مؤيد قال تعالى في حق ثعلبة بن حاطب  » ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقنّ ولنكونن من الصالحين  » وما أخبر الله تعالى عنه أنه قال إن شاء الله فلو قال إن شاء الله لفعل ثم قال تعالى في حقه  » فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون  » وذلك أن الله لما فرض الزكاة جاءه مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه زكاة غنمه فقال هذه أخية الجزية وامتنع فأخبر الله فيه بما قال فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون فلما بلغه ما أنزل الله فيه جاء بزكاته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه ولم يقبل صدقته إلى أن مات صلى الله عليه وسلم وسبب امتناعه صلى الله عليه وسلم من قبول صدقته أن الله أخبر عنه أنه يلقاه منافقاً والصدقة إذا أخذها النبي منه صلى الله عليه وسلم طهره بها وزكاه وصلى عليه كما أمره الله وأخبر الله أن صلاته سكن للمتصدق يسكن إليها وهذه صفات كلها تناقض النفاق وما يجده المنافق عند الله فلم يتمكن لهذه الشروط أن يأخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة لما جاءه بها بعد قوله ما قال وامتنع أيضاً بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذها منه أبو بكر وعمر لما جاء بها إليهما في زمان خلافتهما فلما ولي عثمان بن عفان الخلافة جاءه بها فأخذها منه مأوّلاً أنها حق الأصناف الذين أوجب الله لهم هذا القدر في عين هذا المال وهذا الفعل من عثمان من جملة ما انتقد عليه وينبغي أن لا ينتقد على المجتهد حكم ما أدّاه إليه اجتهاده فإن الشرع قد قرّر حكم المجتهد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما نهى أحداً من أمرائه أن يأخذ من هذا الشخص صدقته وقد ورد الأمر الإلهيّ بإيتاء الزكاة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا قد يفارق حكم غيره فإنه قد يختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور لا تكون لغيره لخصوص وصف إما تقتضيه النبوّة مطلقاً أو نبوّته صلى الله عليه وسلم فإن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم في أخذ الصدقة تطهرهم وتزكيهم بها وما قال يتطهرون ولا يتزكون بها فقد يكون هذا من خصوص وصفه وهو رؤف رحيم بأمته فلولا ما علم أن أخذه يطهره ويزكيه بها وقد أخبره الله أن ثعلبة بن حاطب يلقاه منافقاً فامتنع أدباً مع الله فمن شاء وقف لوقوفه صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر ومن شاء لم يقف كعثمان لأمر الله بها العام وما يلزم غير النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يطهر ويزكي مؤدّي الزكاة بها والخليفة فيها إنما هو وكيل من عينت له هذه الزكاة أعني الأصناف الذين يستحقونها إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نهى أحداً ولا أمره فيما توقف فيه واجتنبه فساغ الاجتهاد وراعى كل مجتهد الدليل الذي أدّاه إليه اجتهاده فمن خطأ مجتهداً فما وفاه حقه وإن المخطىء والمصيب منهم واحد لا بعينه وصل اعلم أن الله تعالى لما قال  » الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم كان ذلك قبل فرض الزكاة التي فرض الله على عباده في أموالهم فلما فرض الله الزكاة على عباده المؤمنين طهر الله بها أموالهم وزال بأدائها اسم البخثل من مؤدّيها فإنه قال فيمن أنزلت الزكاة من أجله فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فوصفهم بعدم قبول حكم الله فأطلق عليهم صفة البخل لمنعهم ما أوجب الله عليهم في أموالهم ثم فسر العذاب الأليم بما هو الحال عليه فقال تعالى  » يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم  » وذلك أن السائل إذا رآه صاحب المال مقبلاً إليه انقبضت أسارير جبينه لعلمه أنه يسأله من ماله فتكوى جبهته فإن السائل يعرف ذلك في وجهه ثم إن المسؤول يتغافل عن السائل ويعطيه جانبه كأنه ما عنده خبر منه فيكوى بها جنبه فإذا علم من السائل أنه يقصده ولابد أعطاه ظهره وانصرف فأخبر الله أنه تكوى بها ظهورهم فهذا حكم مانعي الزكاة أعني زكاة الذهب والفضة وأما زكاة الغنم والبقر والإبل فأمر آخر كما ورد في النص أنه يبطح لها بقاع قرقر فتنطحه بقرونها وتطره بأظلافها وتعضه بأفواهها . فلهذا خص الجباه والجنوب والظهور بالذكر في الكيّ والله أعلم بما أراد فأنزل الله الزكاة كما قلنا طهارة للأموال وإنما اشتدت على الغافلين الجهلاء لكونهم اعتقدوا أن الذي عين لهؤلاء الأصناف ملك لهم وإن ذلك من أموالهم وما علموا أن ذلك المعين ما هو لهم وأنه في أموالهم لا من أموالهم فلا يتعين لهم إلا بالإخراج فإذا ميزوه حين ذلك يعرفون أنه لم يكن من مالهم وإنما كان في مالهم مدرجاً هذا هو التحقيق وكانوا يعتقدون أن كل ما بأيديهم هو مالهم وملك لهم فلما أخبر الله أن لقوم في أموالهم حقاً يؤدّونه وماله سبب ظاهر تركن النفس إليه لا من دين ولا من بيع إلا ما ذكر الله تعالى من ادّخار ذلك له ثواباً إلى الآخرة شق ذلك على النفوس للمشاركة في الأموال ولما علم الله هذا منهم في جبلة نفوسهم أخرج ذلك القدر من الأموال من أيديهم بل أخرج جميع الأموال من أيديهم فقال تعالى  » وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه  » أي هذا المال مالكم منه إلا ما تنفقون منه وهو التصرّف فيه كصورة الوكلاء والمال لله وما تبخلون به فإنكم تبخلون بما لا تملكون لكونكم فيه خلفاء وعلى ما بأيديكم منه أمناء فنبههم بأنهم مستخلفون فيه وذلك لتسهل عليهم الصدقات رحمة بهم يقول الله كما أمرناكم أن تنفقوا مما أنتم مستخلفون فيه من الأموال أمرنا رسولنا ونوّابنا فيكم أن يأخذوا من هذه الأموال التي لنا بأيديكم مقداراً معلوماً سميناه زكاة يعود خيرها عليكم فما تصرّف نوّابنا فيما هو لكم ملك وإنما تصرّفوا فيما أنتم فيه مستخلفون كما أيضاً أبحنا لكم التصرّف فيه فلماذا يصعب عليكم فالمؤمن لا مال له وله المال كله عاجلاً وآجلاً فقد أعلمتك أن الزكاة من حيث ما هي صدقة شديدة على النفس فإذا أخرج الإنسان الصدقة تضاعف له الأجر فإن له أجر المشقة وأجر الإخراج وإن أخرجها عن غير مشقة فهذا فوق تضاعف الأجر بما لا يقاس ولا يحد كما ورد في الماهر بالقرآن أنه ملحق بالملائكة السفرة الكرام والذي يتتعتع عليه القرآن يضاعف له الأجر للمشقة التي ينالها في تحصيله ودرسه فله أجر المشقة وأجر التلاوة والزكاة بمعنى لاتطهير والتقديس فلما أزال الله عن معطيها من إطلاق اسم البخل والشح عليه فلا حكم للبخل والشح فيه وبما في الزكاة من النموّ والبركة سميت زكاة لأن الله يربيها كما قال  » ويربيس الصدقات  » فتزكوا فاختصت بهذا الاسم لوجود معناه فيها ففي الزكاة البركة في المال وطهارة النفس والصلابة في دين الله ومن أوتي هذه الصفات فقد أوتي خيراً كثيراً وأما قوله فيها إن تقرضه قرضاً حسناً فالحسن في العمل أن تشهد الله فيه فإنه من الإحسان وبهذا فسر الإحسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله عنه جبريل عليه السلام وذلك أن تعلم أن المال مال الله وأن ملكك إياه بتمليك الله وبعد التمليك نزل إليك في ألطافه إلى باب المقارضة يقول لك لا يغيب عنك طلبي منك القرض في هذا المال من أن تعرف أن هذا المال هو عين مالي ما هو لك فكما لا يعز عليك ولا يصعب إذا رأيت أحداً يتصرّف في ماله كيف شاء كذلك لا يعز عليك ولا يصعب ما أطلبه منك مما جعلتك مستخلفاً فيه لعلمك بأني ما طلبت منك إلا ما أمنتك عليه لأعطيه من أشاء من عبادي فإن هذا القدر من الزكاة ما أعطيته قط لك بل أمنتك عليه والأمين لا يصعب عليه آداء الأمانة إلى أهلها فإذا جاءك المصدق الذي هو رسول رب الأمانة ووكيلها أدّ إليه أمانته عن طيب نفس فهذا هو القرض الحسن فإن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إذا رأيته علمت أن المال ماله والعبد عبده والتصرّف له ولا مكره له وتعلم أن هذه الأشياء إذا عملتها لا يعود على الله منها نفع وإذا أنت لم تعملها لا يتضرّر بذلك وإنّ الكل يعود عليك فالزم الأحسن إليك تكن محسناً إلى نفسك وإذا كنت محسناً كنت متقياً أذى شح نفسك فجمع لك هذا الفعل الإحسان والتقوى فيكون الله معك فإنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ومن المتقين من يوق شح نفسه بأداء زكاته ومن المحسنين يعبدني كأنه يراني ويشهدني ومن شهوده إياي علمه أني ما كلفته التصرّف إلا فيما هو لي وتعود منفعته عليه منة وفضلاً مع الثناء الحسن له على ذلك والله ذو الفضل العظيم وصل إيضاح واعلم أن الله فرض الزكاة في الأموال أي اقتطعها منها وقال لرب المال هذا القدر الذي عينته بالفرض من المال ما هو لك بل أنت أمين عليه فالزكاة لا يملكها رب المال ثم إن الله تعالى أنزل نفوسنا منا منزلة الأموال منا في الحكم فجعل فيها الزكاة كما جعلها في الأموال فكما أمرنا بزكاة الأموال قال لنا في النفوس قد أفلح من زكاها كما أفلح من زكى ماله كما ألحقها بالأموال في البيع والشراء فقال  » إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم  » فجعل الشراء والبيع في النفوس والأموال وفي هذه الآية مسئلة فقهية كذلك جعل الزكاة في الأموال والنفوس فزكاة الأموال معلومة كما سنذكرها في هذا الباب على التفصيل إن شاء الله وزكاة النفوس بوجه أبينه لك إن شاشء الله أيضاً على الأصل الذي ذكرناه إن الزكاة حق الله في المال والنفس ما هو حق لرب المال والنفس فنظرنا في النفس ما هو لها فلا تكليف عليها فيه بزكاة وما هو حق الله فتلك الزكاة فيعطيه لله من هذه النفس لتكون من المفلحين بقوله قد أفلح من زكاها ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون فإذا نظرنا إلى عين النفس من حيث عينها قلنا ممكنة لذاتها لا زكاة عليها في ذلك فإن الله لا حق له في الأمكان يتعالى الله علوّاً كبيراً فإنه تعالى واجب الوجود لذاته غير ممكن بوجه من الوجوه ووجدنا هذه النفس قد اتصفت بالوجود قلنا هذا الوجود الذي اتصفت به النفس هل اتصفت به لذاتها أم لا فرأينا أن وجودها ما هو عين ذاتها ولا اتصفت به لذاتها فنظرنا لمن هو فوجدناه لله كما وجدنا القدر المعين في مال زيد المسمى زكاة ليس هو بمال لزيد وإنما هو أمانة عنده كذلك الوجود الذي اتصفت به النفس ما هو لها إنما هوة لله الذي أوجدها فالوجود لله لا لها ووجود الله لا وجودها فقلنا لهذه النفس هذا الوجود الذي أنت متصفة به ما هو لك وإنما هو لله خلعه عليك فأخرجه لله واضفه إلى صاحبه وابق أنت على إمكانك لا تبرح فيه فإنه لا ينقصك شيء مما هو لك وأنت إذا فعلت هذا كان لك من الثواب عند الله ثواب العلماء بالله ونلت منزلة لا يقدر قدرها إلا الله وهو الفلاح الذي هو البقاء فيبقى الله هذا الوجود لك لا يأخذه منك أبداً فهذا معنى قوله قد أفلح من زكاها أي قد أبقاها موجودة من زكاها وجود فوز من الشرّ أي من علم أن وجوده لله أبقى الله عليه هذه الخلعة يتزين بها منعماً دائماً وهو بقاء خاص ببقاء الله فإن الخائب الذي دساها هو أيضاً باق ولكن بإبقاء الله لا ببقاء الله فإن المشرك الذي هو من أهل النار ما يرى تخليص وجوده لله تعالى من أجل الشريك وكذلك المعطل وإنما قلنا ذلك لئلا يتخيل من لا علم له أن المشرك والمعطل قد أبقى الله الوجود عليهما فبينا أن إبقاء الوجود على المفلحين ليس على وجه إبقائه على أهل النار ولهذا وصف الله أهل النار بأنهم لا يموتون فيها ولا يحيون بخلاف صفة أهل السعادة فإنهم في الحياة الدائمة وكم بين من هو باق ببقاء الله وموجود بوجود الله وبين من هو باق بإبقاء الله وموجود بالإيجاد لا بالوجود وبهذا فاز العارفون لأنهم عرفوا من هو المستحق لنعت الوجود وهو الذي استفادوه من الحق فهذا معنى قوله قد أفلح من زكاها فوجبت الزكاة في النفوس كما وجبت في الأموال ووقع فيها البيع والشراء كما وقع في الأموال وسيرد طرف من هذا الفصل عند ذكرنا في هذا الباب في الرقيق وما حكمه ولماذا لم تلحق النفس بالرقيق فتسقط فيه الزكاة وإن كان الرقيق يلحق بالأموال من جهة ما كما سنذكره إن شاء الله في داخل هذا الباب كما سأذكر أيضاً فيما تجب فيه الزكاة من الإنسان بعدد ما تجب فيه من أصناف المال في فصله إن شاء الله من هذا الباب وصل وأما قوله تعالى فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى أي أن الله لا يقبل زكاة نفس من أضاف نفسه إليه فإنه قال  » فلا تزكوا أنفسكم  » فأضافها إليكم أي إذا رأيتم أن أنفسكم لكم لا لي والزكاة إنما هي حقي وأنتم أمناء عليها فإذا ادعيتم فيها فتزعمون أنكم أعطيتموني ما هو لكم وإني سألتكم ما ليس لي والأمر على خلاف ذلك فمن كان بهذه المثابة من العطاء فلا يزكي نفسه فإني ما طلبت إلا ما هو لي لا لكم حتى تلقوني فينكشف الغطاء في الدار الآخرة فتعلمون في ذلك الوقت هل كانت نفوسكم التي أوجبت الزكاة فيها لي أو لكم حيث لا ينفعكم علمكم بذلك ولهذا قال فلا تزكوا أنفسكم فأضاف النفوس إليكم وهي له ألا ترى عيسى عليه السلام كيف أضاف نفسه إليه من وجه ما هي له وأضافها إلى الله من وجه ما هي لله فقال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك من حيث وجودها وهو من حيث ما هي لك والنفس وإن كانت واحدة اختلفت الإضافات لاختلاف النسب فلا يعارض قوله فلا تزكوا أنفسكم ما ذكرناه من قوله  » قد أفلح من زكاها  » فإن أنفسكم هنا يعني أمثالكم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لا أزكي على الله أحداً وسيرد الكلام إن شاء الله في هذا الباب في وجوب الزكاة وعلى من تجب وفيما تجب فيه وفي كم تجب ومن كم تجب ومتى تجب ومتى لا تجب ولمن تجب وكم يجب له من تجب له باعتبارات ذلك كله في الباطن بعد أن نقرّرها في الظاهر بلسان الحكم المشروع كما فعلنا في الصلاة لنجمع بين الظاهر والباطن لكمال النشأة فإنه ما يظهر في العالم صورة من أحد من خلق الله بأيّ سبب ظهرت من أشكال وغيرها إلا ولتلك العين الحادثة في الحس روح تصحب تلك الصورة والشكل الذي ظهر فإن الله هو الموجد على الحقيقة لتلك الصورة بنيابة كون من أكوانه من ملك أو جن أو أنس أو حيوان أو نبات أو جماد وهذه هي الأسباب كلها لوجود تلك الصورة في الحس فلما علمنا أن الله قد ربط بكل صورة حسية روحاً معنوياً بتوجه إلهيّ عن حكم اسم ربانيّ لهذا اعتبرنا خطاب الشارع في الباطن على حكم ما هو في الظاهر قدماً بقدم لأن الظاهر منه هو صورته الحسية والروح الإلهيّ المعنوي في تلك الصورة هو الذي نسميه الاعتبار في الباطن من عبرت الوادي إذا جزته وهو قوله تعالى  » إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار  » وقال  » فاعتبروا يا أولي الأبصار  » أي جوزوا مما رأيتموه من الصور بأبصاركم إلى ما تعطيه تلك الصور من المعاني والأرواح في بواطنكم فتدركونها ببصائركم وأمر وحث على الاعتبار وهذا باب أغفله العلماء ولاسيما أهل الجمود على الظاهر فليس عندهم من الاعتبار إلا التعجب فلا فرق بين عقولهم وعقول الصبيان الصغار فهؤلاء ما عبروا قط من تلك الصورة الظاهرة كما أمرهم الله والله يرزقنا الإصابة في النطق والأخبار عما أشهدناه وعلمناه من الحق علم كشف وشهود وذوق فإنّ العبارة عن ذلك فتح من الله تأتي بحكم المطابقة وكم من شخص لا يقدر أن يعبر عما في نفسه وكم من شخص تفسد عبارته صحة ما في نفسه والله الموفق لا رب غيره واعلم أنه لما كان معنى الزكاة التطهير كما قال تعالى تطهرهم وتزكيهم بها كان لها من الأسماء الإلهية الاسم القدوس وهو الطاهر وما في معناه من الأسماء الإلهية ولما لم يكن المال الذي يخرج في الصدقة من جملة مال المخاطب بالزكاة وكان بيده أمانة لأصحابه لم يستحقه غير صاحبه وإن كان عند هذا الآخر ولكنه هو عنده بطريق الأمانة إلى أن يؤدّيه إلى أهله كذلك في زكاة النفوس فإن النفوس لها صفات تستحقها وهي صفة يستحقها الممكن وقد يوصف الإنسان بصفات لا يستحقها الممكن من حيث ما هو ممكن ولكن يستحق تلك الصفات الله إذا وصف بها ليميزها عن صفاته التي يستحقها كما أن الحق سبحانه وصف نفسه بما هو حق للممكن تنزلاً منه سبحانه ورحمة بعباده فزكاة نفسك إخراج حق الله منها فهو تطهيرها بذلك الإخراج من الصفات التي ليست بحق لها فتأخذ مالك منه وتعطي ماله منك وإن كان كما قال تعالى  » بل لله الأمر جميعاً  » وهو الصحيح فإن نسبتنا منه نسبة الصفات عند الأشاعرة منه فكل ما سوى الله فهو لله بالله إذ لا يستحق أن يكون له إلا ما هو منه قال صلى الله عليه وسلم مولى القوم منهم وهي إشارة بديعة فإنها كلمة تقتضي غاية الوصلة حتى لا يقال إلا أنه هو وتقتضي غاية البعد حتى لا يقال أنه هو إذ ما هو منك فلا يضاف إليك فإن الشيء لا يضاف إلى نفسه لعدم المغايرة فهذا غاية الوصلة وما يضاف إليك ما هو منك فهذا غاية البعد لأنه قد أوقع المغايرة بينك وبينه فهذه الإضافة في هذه المسئلة كيد الإنسان من الإنسان وكحياة الإنسان من الإنسان فإنه من ذات الإنسان كونه حيواناً وتضاف الحيوانية إليه مع كونها من عين ذاته ومما لا تصح ذاته إلا بها فتمثل هذه الإصابة تعقل ما أومأنا إليه من نسبة الممكنات إلى الواجب الوجود لنفسه فإن الإمكان للممكن واجب لنفسه فلا يزال انسحاب هذه الحقيقة عليه لأنها عينه وهي تضاف إليه وقد يضاف إليه ما هو عينه فهذا معنى قوله  » لله الأمر جميعاً  » أي ما توصف أنت به ويوصف الحق به هو لله كله فمالك لا تفهم مالك بما في قوله أعطني مالك فهو نفي من باب الإشارة واسم من باب الدلالة أي الذي لك وأصليته من اسم المالية ولهذا قال  » خذ من أموالهم  » أي المال الذي في أموالهم مما ليس لهم بل هو صدقة مني على من ذكرتهم في كتابي يقول الله ألا تراه قد قال إن الله فرض علينا زكاة أو صدقة في أموالنا فجعل أموالهم ظرفاً للصدقة والظرف ما هو عين المظروف فمال الصدقة ما هو عين مالك بل مالك ظرف له فما طلب الحق منك ما هو لك فالزكاة في النفوس آكد منها في الأموال ولهذا قدّمها الله في الشراء فقال  » إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم  » ثم قال وأوالهم فالعبد ينفق في سبيل الله نفسه وماله وسيرد من ذلك في هذا الباب ما تقف عليه إن شاء الله وصل في وجوب الزكاة الزكاة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع فلا خلاف في ذلك أجمع كل ما سوى الله على أن وجود ما سوى الله إنما هو بالله فردوا وجودهم إليه سبحانه لهذا الإجماع ولا خلاف في ذلك بين كل ما سوى الله فهذا اعتبار الإجماع في زكاة الوجود فرددنا ما هو لله إلى الله فلا موجود ولا موجد إلا الله وأمّا الكتاب فكل شيء هالك إلا وجهه وليس الوجه إلا الوجود وهو ظهور الذوات والأعيان وأمّا السنة فلا حول ولا قوّة إلا بالله فهذا اعتبار وجوب الزكاة العقلي والشرعي وصل في ذكر من تجب عليه الزكاة اتفق العلماء على أنها واجبة على كل مسلم حر بالغ عاقل مالك للنصاب ملكاً تاماً هذا محل الاتفاق واختلفوا في وجوبها على اليتيم والمجنون والعبد وأهل الذمّة والناقص الملك مثل الذي عليه الدين أو له الدين ومثل المال المحبس الأصل وصل اعتبار ما اتفقوا عليه المسلم هو المنقاد إلى ما يراد منه وقد ذكرنا أن كل ما سوى الله قد انقاد في ردّ وجوده إلى الله وأنه ما استفاد الوجود إلا من الله ولا بقاء له في الوجود إلا بالله وأمّا الحرية فمثل ذلك فإنه من كان بهذه المثابة فهو حر أي لا ملك عليه في وجوده لأحد من خلق الله جل جلاله وأما البلوغ فاعتباره إدراكه للتمييز بين ما يستحقه ربه عز وجل وما لا يستحقه وإذا عرف مثل هذا فقد بلغ الحدّ الذي يجب عليه فيه ردّ الأمور كلها إلى الله تعالى علوّاً كبيراً وهي الزكاة الواجبة عليه وأما العقل فهو أن يعقل عن الله ما يريد الله منه في خطابه إياه في نفسه بما يلهمه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ومن قيد وجوده بوجود خالقه فقد عقل نفسه إذ العقل مأخوذ من عقال الدابة وعلى الحقيقة عقال الدابة مأخوذ من العقل فإن العقل متقدم على عقال الدابة فإنه لولا ما عقل إن هذا الحبل إذا شدت به الدابة قيدها عن السراح ما سماه عقالاً وأما قولهم المالك للنصاب ملكاً تاماً فملكه للنصاب هو عين وجوده لما ذكرناه من الإسلام والحرية والبلوغ والعقل وأما قولهم ملكاً تاماً فملكه للنصاب هو عين وجوده لما ذكرناه من الإسلام والحرية والبلوغ والعقل وأما قولهم ملكاً تاماً إذ التام هو الذي لا نقص فيه والنقص صفة عدمية قال فهو عدم فالتام هو الوجود فهو قول الإمام أبي حامد وليس في الإمكان أبدع من هذا العالم إذ كان إبداعه عين وجوده ليس غير ذلك أي ليس في الإمكان أبدع من وجوده فإنه ممكن لنفسه وما استفاد إلا الوجود فلا أبدع في الإمكان من الوجود وقد حصل فإنه ما يحصل للمكن من الحق سوى الوجود فهذا معنى اعتبار قولهم ملكاً تاماً وأما اعتبار ما اختلفوا فيه فمن ذلك الصغار فقال قوم تجب الزكاة في أموالهم وقال قوم ليس في مال اليتيم صدقة وفرق قوم بين ما تخرجه الأرض وبين ما لا تخرجه فقالوا عليه الزكاة فيما تخرجه الأرض وليس عليه زكاة فيما عدا ذلك من الماشية والناض والعروض وفرق آخرون بين الناض وغيره فقالوا عليه الزكاة إلا في الناض خاصة اعتبار ما ذكرنا اليتيم من لا أب له بالحياة وهو غير بالغ أي لم يبلغ الحلم بالسنّ أو الإنبات أو رؤية الماء قال تعالى  » لم يلد  » وقال  » سبحانه أن يكون له ولد  » فليس الحق بأب لأحد من خلق الله ولا أحد من خلقه يكون له ولداً سبحانه وتعالى فمن اعتبر التكليف في عين المال قال بوجوبها ومن اعتبر التكليف في المالك قال لا يجب عليه لأنه غير مكلف كذلك من اعتبر وجوده لله قال لا تجب الزكاة فإنه ما ثم من يقبلها لو وجبت فإنه ما ثم إلا الله ومن اعتبر إضافة الوجود إلى عين الممكن وقد كان لا يوصف بالوجود قال بوجوب الزكاة ولابد إذ لا بد للإضافة من تأثير معقول.

ولهذا تقسم الموجودات إلى قسمين إلى قديم وإلى حادث فوجود الممكن وجود حادث أي حدث له هذا الوصف ولم يتعرض للوجود في هذا التقسيم هل هو حادث أو قديم لأنه لا يدل حدوث الشيء عندنا على أنه لم يكن له وجود قبل حدوثه عندنا وعلى هذا يخرج قوله تعالى  » ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث  » وهو كلام الله القديم ولكن حدث عندهم كما تقول حدث عندنا اليوم ضيف فإنه لا يدل ذلك على أنه لم يكن له وجود قبل ذلك فمن راعى أن الوجود الحادث غير حق للموصوف به وأنه حق لغير الممكن قال بوجوب الزكاة على اليتيم لأنه حق للواجب الوجود فيما اتصف به هذا الممكن كما يراعى من يرى وجوبها على اليتيم في ماله أنها حق للفقراء في عين هذا المال فيخرجها منه من يملك التصرف في ذلك المال وهو الولي ومن راعى أن الزكاة عبادة لم يوجب الزكاة لأن اليتيم ما بلغ حد التكليف وقد أشرنا إلى ذلك ولنا:قسم الموجودات إلى قسمين إلى قديم وإلى حادث فوجود الممكن وجود حادث أي حدث له هذا الوصف ولم يتعرض للوجود في هذا التقسيم هل هو حادث أو قديم لأنه لا يدل حدوث الشيء عندنا على أنه لم يكن له وجود قبل حدوثه عندنا وعلى هذا يخرج قوله تعالى  » ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث  » وهو كلام الله القديم ولكن حدث عندهم كما تقول حدث عندنا اليوم ضيف فإنه لا يدل ذلك على أنه لم يكن له وجود قبل ذلك فمن راعى أن الوجود الحادث غير حق للموصوف به وأنه حق لغير الممكن قال بوجوب الزكاة على اليتيم لأنه حق للواجب الوجود فيما اتصف به هذا الممكن كما يراعى من يرى وجوبها على اليتيم في ماله أنها حق للفقراء في عين هذا المال فيخرجها منه من يملك التصرف في ذلك المال وهو الولي ومن راعى أن الزكاة عبادة لم يوجب الزكاة لأن اليتيم ما بلغ حد التكليف وقد أشرنا إلى ذلك ولنا:
الرب حق والعبد حق … يا ليت شعري من المكلف

هذا في البالغ والصغير غير مكلف وهو اليتيم وهكذا سائر العبادات على هذا النحو فإنّ الشيء لا يعبد نفسه وإذا تحقق عارف مثل هذا وتبين أنه ما ثم إلا الله خاف من الزلل الذي يقع فيه من لا معرفة له ممن ذمه الشارع من القائلين بإسقاط الأعمال نعوذ بالله من الخذلان فنظر العارف عند ذلك إلى الأسماء الإلهية وتوقف أحكام بعضها على بعض وتفاضلها في التعلقات كما قد ذكرناه في غير ما موضع فيوجب العبادات من ذلك الباب وبذلك النظر ليظهر ذلك الفعل في ذلك المحل من ذلك الاسم الإلهيّ القائم به إذا خاطبه اسم إلهيّ ممن له حكم الحال والوقت فتعين على هذا الاسم الإلهيّ الآخر إن تحرّك هذا المحل لما طلب منه فسمى ذلك عبادة وهو أقصى ما يمكن الوصول إليه في باب إثبات التكاليف في عين التوحيد حتى يكون الآمر المأمور والمتكلم السامع وأما اعتبار من فرّق بين ما تخرجه الأرض وبين ما لا تخرجه الأرض فاعتباره ما بطهره من الموصوف بالوجود الذي هو الممكن من الأشياء على يديه مما هو سبب ظهورها فإن أضاف وجود ذلك إلى ما أضاف إليه وجوده قال لا زكاة وإن لم يضف واعتبر ظهورها منه قال بالواجب وأما من فرق بين الناض وما سواه فالناض لما كان له صفة الكمال أو التشبه بالكمال ونزل ما سوى الناض عن درجة الكمال أو التشبه بالكمال واتصف بالنقص أوجب الزكاة في الناقص ليطهره من النقص ولم يوجبه في الكمال فإن الكمال لا يصح أن يكون في غيره إذ لا كمال إلا في الوحدة ومن ذلك أهل الذمة والأكثر على أنه لا زكاة على ذميّ إلا طائفة روت تضعيف الزكاة على نصارى بني تغلب وهو أن يؤخذ منهم ما يؤخذ من المسلمين في كل شيء وقال به جماعة ورووه من فعل عمر بهم وكأنهم رأوا أن مثل هذا توقيف وإن كانت الأصول تعارضه والذي أذهب إليه أنه لا يجوز أخذ الزكاة من كافر وإن كانت واجبة عليه مع جميع الواجبات إلا أنه لا يقبل منه شيء مما كلف به إلا بعد حصول الإيمان به فإن كان من أهل الكتاب ففيه عندنا نظر فإن أخذ الجزية منهم قد يكون تقريراً من الشارع لهم دينهم الذي هم عليه فهو مشروع لهم فيجب عليهم إقامة دينهم فإن كان فيه أداء زكاة وجاؤوا بها قبلت منهم والله أعلم وليس لنا طلب الزكاة من المشرك وإن جاء بها قبلناها يقول الله تعالى  » وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة  » ويقول الله تعالى  » قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف  » والكافر هنا المشرك ليس الموحد وصل الاعتبار قال الله تعالى  » لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة  » الأل الله اسم من أسمائه والذمة العهد والعقد فإن كان عهداً مشروعاً فالوفاء به زكاته فالزكاة على أهل الذمة فإن عليهم الوفاء بما عوهدوا عليه من أسقط عنهم الزكاة رأى أن الذميّ إذا عقد ساوى بين اثنين في العقد ومن ساوى بين اثنين جعلهما مثلين وقد قال تعالى  » ليس كمثله شيء  » فلا يقبل توحيد مشرك فإن المشرك مقرّ بتوحيد الله في عظمته لقوله  » ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى  » فهذا توحيد بلا شك ومع هذا منع الشرع من قبوله واعلم أن الديل يضادّ المدلول والتوحيد المدلول والدليل مغاير فلا توحيد فمن جعل الدليل على التوحيد نفس التوحيد لم يكن هنالك من تجب عليه زكاة فلا زكاة على الذميّ والزكاة طهارة فلابدّ من الإيمان فإن الإيمان طهارة الباطن وليس الإيمان المعتبر عندنا إلا أن يقال الشيء لقول المخبر على ما أخبر به أو يفعل ما يفعل لقول المخبر لا لعين الدليل العقليّ وعلم الشرك من أصعب ما ينظر فيه لسريان التوحيد في الأشياء إذ الفعل لا يصح فيه اشتراك البتة فكل من له مرتبة خاصة به لا سبيل له أن يشرك فيها وما ثم إلا من له مرتبة خاصة لكن الشرك المعتبر في الشرع موجود وبه تقع المؤاخذة وصل متمم اعلم أن الكفار مخاطبون بأصل الشريعة وهو الإيمان بجميع ما جاء به الرسول من عند الله من الأخبار وأصول الأحكام ورفوعها وهو قووله صلى الله عليه وسلم وتؤمنوا بي وبما جئت به وهو العمل بحسب ما اقتضاه الخطاب من فعل وترك فالإيمان بصدقة التطوّع أنها تطوّع واجب وهو من أصول الشريعة وإخراج صدقة التطوّع فرع ولا فرق بينها وبين الصدقة الواجبة في الإيمان بها وفي إخراجها وإن لم يتساويا في الأجر فإن ذلك لا يقدح في الأصل فإن افترقا من وجه فقد اجتمع من الوجه الأقوى فالإيمان أصل والعمل فرع لهذا الأصل بلا  شك ولهذا لا يخلص للمؤمن معصية أصلاً من غير أن يخالطها طاعة فالمخلط هو المؤمن العاصي فإن المؤمن إذا عصى في أمر مّا فهو مؤمن بأن ذلك معصية والإيمان واجب فقد أتى واجباً فالمؤمن مأجور في عين عصيانه والإيمان أقوى ولا زكاة على أهل الذمّة بمعنى أنا لا تجزي عنهم إذا أخرجوها مع كونها واجبة عليهم كسائر جميع فروض الشريعة لعدم الشرط المصحح لها وهو الإيمان بجميع ما جاءت به الشريعة لا بها ولا ببعض ما جاء به الشرع فلو آمن بالزكاة وحدها أو بشيء من الفرائض إنها فرائض أو بشيء من النوافل أنها نافلة ولو ترك الإيمان بأمر واحد من فرض أو نفل لم يقبل منه إيمانه إلا أن يؤمن بالجميع ومع هذا فليس لنا أن نسأل ذمياً زكاته فإن أتى بها من نفسه فلي لنا ردّها لأنه جاء بها إلينا من غير مسئلة فيأخذها السلطان منه لبيت مال المسلمين لا يأخذها زكاة ولا يردّها فإن ردّها عليه فقد عصى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما العبد فالناس فيه على ثلاثة مذاهب فمن قائل لا زكاة في ماله أصلاً لأنه لا يملكه ملكاً تاماً إذ للسيد انتزاعه ولا يملكه السيد ملكاً تاماً أيضاً لأن يد العبد هي المتصرفة فيه إذن فلا زكاة في مال العبد وذهبت طائفة إلى أن زكاة مال العبد على سيده لأن له انتزاعه منه وقالت طائفة على العبد في ماله الزكاة لأن اليد على المال توجب الزكاة فيه لمكان تصرفها فيه تشبيهاً بتصرف الحر قال شيخنا وجمهور من قال لا زكاة في مال العبد على أن لا زكاة في مال المكاتب حتى يعتق وقال أبو ثور في مال المكاتب الزكاة والذي أقول به أنه لا يخلو الأمر إما أن يرى أن الزكاة حق في المال ولا يراعى المالك فيجب على السلطان أخذها من كل مال بشرطه من النصاب وحلول الحول على من هو في يده ومن رأى أن وجوب الزكاة على أرباب المال جاء ما ذكرناه من المذاهب في ذلك فالأولى كل ناظر في المال هو المخاطب بإخراج الزكاة منه اعتبار ذلك العبد وما يملكه لسيده فبأي شيء أمره سيده وجبت عليه طاعته والزكاة حق أوجبه الله في عين المال لأصناف مذكورين وهو بأيدي المؤمنين فإنه لا يخلو مال عن مالك أي عن يد عليه لها التصرف فيه فالزكاة أمانة بيد من هو المال بيده لهؤلاء الأصناف وما هو مال للحر ولا للعبد فوجب أداؤه لأصحابه ممن هو عنده وله التصرف فيه حراً كان أو عبداً من المؤمنين والكل عبيد الله فلا زكاة على العبد لأنه مؤدّ أمانة والزكاة عليه بمعنى إيصال هذا الحق إلى أهله فإن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وتطهيره المال الذي فيه الزكاة بالزكاة أعني بإخراجها منه والزكاة على السيد لأنه يملكه من باب ما أوجبه الحق لخلقه على نفسه مثل قوله  » كتب ربكم على نفسه الرحمة  » وقوله  » فسأكتبها  » وقوله  » وكان حقاً علينا نصر المؤمنين  » وقوله  » أوف بعهدكم  » فكل من رأى أصلاً مما ذكرناه ذهب في مال العبد مذهبه وصل ومن ذلك المالكون الذين عليهم الديون التي تستغرق أموالهم وتستغرق ما تجب فيه الزكاة من أموالهم وبأيديهم أموال تجب الزكاة فيها فمن قائل لا زكاة في مال حباً كان أو غيره حتى يخرج منه الدين فإن بقي منه ما تعجب فيه الزكاة زكى وإلا فلا وقالت طائفة الدين لا يمنع زكاة الحبوب ويمنع ما سواها وقالت طائفة الدين يمنع زكاة الناض فقط إلا أن تكون له عروض فيها وفاء له من دينه فإنه لا يمنع وقال قوم الدين لا يمنع زكاة أصلاً الاعتبار في ذلك الزكاة عبادة فهي حق الله وحق الله أحق أن يقضى بذا ورد النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله قد جعل الزكاة حقاً لمن ذكر من الأصناف في القرآن العزيز الذي  » لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد  » والدين حق مترتب متقدّم فالدين أحق بالقضاء من الزكاة وصل ومن ذلك المال الذي هو في ذمة الغير وليس هو بيد المالك وهو الدين فمن قائل لا زكاة فيه وإن قبض حتى يمر عليه حول وهو في يد القابض وبه أقول ومن قائل إذا قبضه زكاة لما مضى من السنسن وقال بعضهم يزكيه لحول واحد وإن قام عند المديان سنين إذا كان اصله عن عوض فغن كان على غير عوض مثل الميراث فإنه يستقبل به الحول اعتبار الباطن في ذلك لا مالك إلا الله ومن ملكه الله إذا كان ما ملكه بيده بحيث يمكنه التصرّف فيه فحينئذ تجب عليه الزكاة بشرطها ولا مراعاة لما مر من الزمان فإن الإنسان ابن وقته ما هو لما مضى من زمانه ولا لما يستقبله وإن كان له أن ينوي في المستقبل ويتمنى في الماضي ولكن في زمان الحال هذا كله فهو من الوقت لا من الماضي ولا من المستقبل فلا مراعاة لما مر على ذلك المال من الزمان حين كان بيد المديان فإن على الفتوح مع الله تعالى دائماً الذي بيده المال هو الله فالزكاة واجبة فيه لما مر عليه من السنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجي عن أبيك وأمر صلى الله عليه وسلم وليّ الميت بما على الميت من صيام رمضان وما هو إلا إيصال ثمرة العمل لمن حج عنه أو صام عنه مما هو واجب عليه إلا أن فرّط فله حكم آخر ومع هذا ومع هذا فمن حج عنه أو عمل عنه عمل ما فهو صدقة من عمل هذا العمل على المعمول عنه ميتا كان المعمول عنه أو غير ميت غير أن الحيّ لا يسقط عنه الواجب عليه إلا إذا لم يستطع فعله فإن فعله وليه عنه كان له أجر من أدّى ما وجب عليه وليس ذلك إلا في الحج بما ذكرناه والثواب ما هو له بقابض إلا أن كان المعمول عنه ميتا فإنه أخراويّ فإن كان حياة فالقابض عنه الوكيل وهو الله فإذا قبضه أعطاه في الآخرة لمن عمل له هنا في الدنيا وصل من اعتبار هذا الباب ومن اعتباره الشخص يتمنى أن لو كان له مال لعمل به برا فيكتب الله له أجر من عمل فإن نيته خير من عمله ويكتب له علي أو في حظ وهو في ذمة الغير ليس بيده منه شيء فإذا حصل له ما تمناه من المال أو مما تمناه مما يتمكن له به الوصول إلى عمل ذلك البر وجب عليه أن يعمل ذلك البر الذي نواه فإن لم يفعل لم يكتب له أجر ما نواه فلو مات قبل اكتساب ما تمنى كتب له أجر ما نواه قال تعالى  » إنما أموالكم وأولادكم فتنة  » أي هما اختبار لإقامة الحجة في صدق الدعوى أو كذبها وصل ومن هذا الباب اختلافهم في زكاة الثمار المحبسة الأصول فمن قائل فيها الزكاة ومن قائل لا زكاة فيها وفرق قوم بين أن تكون محبسة على المساكين فلا يكون فيها زكاة وبين أن تقوم على قوم بأعيانهم فتجب فيها الزكاة وبوجوب الزكاة أقول كانت على من كانت بتعيين أو بغير تعيين فإن كانت بتعيين قوم وجب عليهم إخراج الزكاة وإن كانت بغير تعيين وجب على السلطان أخذ الزكاة منها بحكم الوكالة اعتبار الباطن في ذلك الثمر هو عمل الإنسان المكلف العمل قد يكون مخلصا لله كالصلاة والصيام وأمثالهما وقد يكون فيه حق للغير كالزكاة إلا أنه مشروع مثل أن يعمل الإنسان عملا فيقول هذا الله ولوجوهكم فهو لوجوهكم أو مالي إلا الله وأنت قال النبي صلى الله عليه وسلم من قال هذا الله ولوجوهكم ليس لله منه شيء ثم شرع لمن هذا قوله أن يقول هذا الله ثم لفلان ولا يدخل واو التشريك فهذا العمل فيه لله وهو نظير الزكاة في المال المحبس الأصل وفيه للخلق وهو قوله ثم لفلان بحرف ثم لا بحرف الواو وهو ما يبقى بيد الموقوف عليه من هذا الثمر الزائد على الزكاة فهذا اعتبار من يرى فيه الزكاة ومن يرى أنه لا زكاة فيه أي لا حق لله فيها فاعتباره قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو لوجوهكم ليس لله منه شيء أي لا حق فيه لله ومن رأى أن الزكاة حق الفقراء رأى في اعتباره أن زكاة الثمر المحبس الأصل وهو العمل من هذا العبد الذي هو محبس على سيده لا يعتق أبدا يقول أن العمل هو لله بحكم الوقفية وللحور العين وأمثالهم من ذلك العمل نصيب وهو المعبر عنه بالزكاة كما قال بعضهم في حق المجاهدينه ما هو لما مضى من زمانه ولا لما يستقبله وإن كان له أن ينوي في المستقبل ويتمنى في الماضي ولكن في زمان الحال هذا كله فهو من الوقت لا من الماضي ولا من المستقبل فلا مراعاة لما مر على ذلك المال من الزمان حين كان بيد المديان فإن على الفتوح مع الله تعالى دائماً الذي بيده المال هو الله فالزكاة واجبة فيه لما مر عليه من السنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجي عن أبيك وأمر صلى الله عليه وسلم وليّ الميت بما على الميت من صيام رمضان وما هو إلا إيصال ثمرة العمل لمن حج عنه أو صام عنه مما هو واجب عليه إلا أن فرّط فله حكم آخر ومع هذا ومع هذا فمن حج عنه أو عمل عنه عمل ما فهو صدقة من عمل هذا العمل على المعمول عنه ميتا كان المعمول عنه أو غير ميت غير أن الحيّ لا يسقط عنه الواجب عليه إلا إذا لم يستطع فعله فإن فعله وليه عنه كان له أجر من أدّى ما وجب عليه وليس ذلك إلا في الحج بما ذكرناه والثواب ما هو له بقابض إلا أن كان المعمول عنه ميتا فإنه أخراويّ فإن كان حياة فالقابض عنه الوكيل وهو الله فإذا قبضه أعطاه في الآخرة لمن عمل له هنا في الدنيا وصل من اعتبار هذا الباب ومن اعتباره الشخص يتمنى أن لو كان له مال لعمل به برا فيكتب الله له أجر من عمل فإن نيته خير من عمله ويكتب له علي أو في حظ وهو في ذمة الغير ليس بيده منه شيء فإذا حصل له ما تمناه من المال أو مما تمناه مما يتمكن له به الوصول إلى عمل ذلك البر وجب عليه أن يعمل ذلك البر الذي نواه فإن لم يفعل لم يكتب له أجر ما نواه فلو مات قبل اكتساب ما تمنى كتب له أجر ما نواه قال تعالى  » إنما أموالكم وأولادكم فتنة  » أي هما اختبار لإقامة الحجة في صدق الدعوى أو كذبها وصل ومن هذا الباب اختلافهم في زكاة الثمار المحبسة الأصول فمن قائل فيها الزكاة ومن قائل لا زكاة فيها وفرق قوم بين أن تكون محبسة على المساكين فلا يكون فيها زكاة وبين أن تقوم على قوم بأعيانهم فتجب فيها الزكاة وبوجوب الزكاة أقول كانت على من كانت بتعيين أو بغير تعيين فإن كانت بتعيين قوم وجب عليهم إخراج الزكاة وإن كانت بغير تعيين وجب على السلطان أخذ الزكاة منها بحكم الوكالة اعتبار الباطن في ذلك الثمر هو عمل الإنسان المكلف العمل قد يكون مخلصا لله كالصلاة والصيام وأمثالهما وقد يكون فيه حق للغير كالزكاة إلا أنه مشروع مثل أن يعمل الإنسان عملا فيقول هذا الله ولوجوهكم فهو لوجوهكم أو مالي إلا الله وأنت قال النبي صلى الله عليه وسلم من قال هذا الله ولوجوهكم ليس لله منه شيء ثم شرع لمن هذا قوله أن يقول هذا الله ثم لفلان ولا يدخل واو التشريك فهذا العمل فيه لله وهو نظير الزكاة في المال المحبس الأصل وفيه للخلق وهو قوله ثم لفلان بحرف ثم لا بحرف الواو وهو ما يبقى بيد الموقوف عليه من هذا الثمر الزائد على الزكاة فهذا اعتبار من يرى فيه الزكاة ومن يرى أنه لا زكاة فيه أي لا حق لله فيها فاعتباره قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو لوجوهكم ليس لله منه شيء أي لا حق فيه لله ومن رأى أن الزكاة حق الفقراء رأى في اعتباره أن زكاة الثمر المحبس الأصل وهو العمل من هذا العبد الذي هو محبس على سيده لا يعتق أبدا يقول أن العمل هو لله بحكم الوقفية وللحور العين وأمثالهم من ذلك العمل نصيب وهو المعبر عنه بالزكاة كما قال بعضهم في حق المجاهدين

أبواب عدن مفتحات … والحور منهنّ مشرفات
فاستبقوا أيما استباق … وبادروا أيها الغزاة
فبين أيديكمو جنان … فيها حسان منعمات
يقلن والخيل سابقات … مهورنا الصبر والثبات

فالصبر والثبات من عمل الجهاد بمنزلة الزكاة من الثمر وكونه محبس الأصل هو قوله تعالى  » وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون  » فما خلقهم إلا لعبادته فهم موقوفون عليه ثم جعل في أعمالهم التي هي بمنزلة الثمر من الشجر نصيبا لله وهو الإخلاص في العمل وهو من العمل وحق لصاحب العمل وهو ما يحصل له من الثواب عليه وهو بمنزلة الزكاة التي يطلبها الثواب فهذا اعتبار زكاة الثمر المحبس الأصل باختلافهم والله الهادي وصل ومن هذا الباب على من تجب زكاة ما تخرجه الأرض المستأجرة فقال قوم من العلماء إن الزكاة على صاحب الزرع وقال قوم إن الزكاة إنما تجب على رب الأرض وليس على المستأجرة شيء وبالقول الأول أقول إن الزكاة على صاحب الزرع وصل الاعتبار في ذلك الإمام والمؤذن والمجاهد والعامل على الصدقة وكل من يأخذ على عمله أجرا ممن يستأجره على ذلك والأرض المستأجرة هي نفس المكلف وما تخرجه هو ما يظهر عن هذه النفس من العمل والزارع الحق تعالى يقول تعالى  » أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون  » ورب الأرض هو الشارع وهو الحق سبحانه من كونه شارعا كما هو في الزرع من كونه موفقا قال تعالى مخبرا عن بعض أنبيائه وما توفيقي إلا بالله فهو سبحانه يبذر حب الهدى والتوفيق في أرض النفوس فتخرج أرض النفوس بحسب ما زرع فيها وفيما يظهر من هذه الأرض ما يكون حق لله فيه ومنها ما يكون فيه حق للإنسان فما هو لله فهو المعبر عنه بالزكاة وما بقي فهو للإنسان والإجارة مشروعة فإن الله اشترى منا نفوسنا ثم أجرنا إياها بالعشر فقال منن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فالحسنة منا هي العشر الذي نعطيه سبحانه مما زرعه في أراضي نفوسنا من الخير الذي أنبت هذا العمل الصالح فهو سبحانه رب الأرض وهو الزارع وهو المؤجر وهو المستأجر وهو الذي يجب عليه الزكاة وهو الذي يأخذ الصدقات كما قال وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ولكن بوجوه ونسب مختلفة فهو المعطى والآخذ لا إله إلا هو ولا فاعل سواه فيوجب من كونه كذا ويجب ويجب عليه من كونه كذا قال تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة أي أوجب وفرض لم يوجب ذلك عليه موجب بل هو سبحانه الموجب على نفسه منة منه وفضلا علينا فحقائق أسمائه بها تعرّف إلينا وعلى حقائق هذه الأسماء أثبتت الشرائع الإلهية كلها قل كلّ من عند الله فما لهؤلاء القومم لا يكادون يفقهون حديثا وقسمم فقال في نسق هذا الكلام ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وهو ما يسوءك فأنت محل أثر السوء فمن حيث هو فعل لا يتصف بالسوء هو للاسم الإلهي الذي أوجده فإنه يحسن منه إيجاد مثل هذا الفعل فلا يكون سوءا إلا من يجده سوأ أو من يسوءه وهو نفس الإنسان إذ لا يجد الألم إلا من يوجد فيه ففيه يظهر حكمه لا من يوجده فإنه لا حكم له في فاعله فهذا معنى قوله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وإن كانت الحسنة كذلك فذلك يحسن عند الإنسان فإنها أيضا تحسن من جانب الحق الموجد لها فاضيفت الحسنة إلى الله فإنه الموجد لها ابتداء وإن كانت بعد الإيجاد تحسن أيضا فيك ولكن لا تسمى حسنة إلا من كونها مشروعة ولا تكون مشروعةة إلا من قبل الله فلا تضاف إلا إلى الله ولهذا قلنا في السيئة أنها من قبل الحق حسنة لأنه بينها لتجتنب فتسوء من قامت به أما في الدنيا وأما في العقبى فقد يكون الترك سيئة وليس بفعل وقد يكون الفعل سيئة وكذلك الحسنة قد تكون فعلا وتركا والتوفيق الإلهيّ هو المؤثر في الفعل اوالترك من حيث ما هو ترك له ومن حيث ما هو ظاهر منه إذا كان فعلا وما من حق واجب على العبد من ترك وفعل إلا والله فيه حق يقوم به الحاكم نيابة عن الله فإن كان ما بقي من ذلك الفعل أو الترك حق الله تعالى فهو حق لله من جميع وجوهه لا حق لمخلوق فيه كالصلاة وإقامة الحدود وإن كان ما بقى من ذلك الفعل أو الترك حق لمخلوق كضرب أو شتم أوغصب مال ففيه حق لله وهو ما ذكرناه وفيه حق للمخلوق والحق الذي فيه للههو عين الزكاة الذي في جميع أغفعال الله في خلقه والحاكم نائبه فيما استخلفه فيه فإن شاء قبضه وإن شاء تركه على ما يعطيه الحال والمصلحة ولا حرج عليه في ذلك وهو المسمى تعزيرا فيما لا حدّ فيه فتقطع يد السارق ولا بدّ وإن أخذ المال من يده عاد إلى صاحبه فالحاكم مخير إن شاء عزره بذلك القدر الذي فيه لله من الحق المشروع وإن شاء لم يعزره ويترك ذلك لله حتى يتولاه في الآخرة بلا واسطة وصل ومن هذا الباب أرض الخراج إذا انتقلت إلى المسلمين وهي الأرض التي كانت بيد أهل الذمّة هل فيها عشر مع الخراج أم لا فمن قائل أن فيها العشر أعني الزكاة ومن قائل ليس فيها عشر فاعلم أن الزكاة إما أن تكون حق الأرض أو حق الحب فإن كانت حق الأرض لم تجب الزكاة لأنه لا يجتمع فيها حقان وهو العشر والخراج وإن كانت حق الحب كان الخراج حق الأرض والعشر حق الحب والخلاف في بيع أرض الخراج معلوم عند العلماء وصل الاعتبار في ذلك الأعمال البدنية بمنزلة الزرع والبدن بمنزلة الأرض والهوى حاكم على الأرض فإذا انتقلت هذه الأرض إلى حكم الشرع الذي هو العمل بما يقتضيه الإسلام فخراج الأرض هو ما لله عليه من الحقوق من حيث أن جعلها ذات إدراكات وهو علم يستقل بإدراكه العقل فلله في هذه الأرض الخراج إذ شكر المنعم محمود وهو المنعم بها سبحانه فإذا حصلت هذه الأرض في يد المسلم أعني الشرع وانتقلت إليه فالمسلمون على قسمين عارف وغير عارف فالعارف إذا زرع الأعمال الصالحة في هذه الأرض رأى أن الزكاة حق العمل لا حق الأرض فأوجب الزكاة في العمل وهو أن يردّ الأعمال إلى عاملها وهو الحق سبحانه وغير العارف يرى إن العمل للقوى البدنية وقد وجب عليهاالخراج فلا تجب عنده الزكاة حتى لا يجتمع عليها حقان فإنه لا يرى العمل إلا لنفسه فإنه غير عارف ولم يكلف الله نفسا إلا ما آتاها وقال ذلك مبلغهم من العلم وأمّا قولنا في هذه المسئلة فإنه يجتمع في الأرض حقان ولا يبعد ذلك لأن الأرض من كونها بيد من هي بيده يمنع غيره من التصرف فيها غلا بإذنه فعليه حق فيها يسمى الخراج ومن حيث أنه زرعها فاختلف حال الأرض بكونها قد زرعت من كونها لم تزرع فوجب فيها حق آخر من كونها ذات زرع فوجب العشر فيها من كونها مزدرعة ووجب الخراج فيها من كونها بيده وحكمه عليها وكذلك نأخذه في الاعتبار وصل وأمّا أرض العشر إذا انتقلت إلى الذمي فزرعها فمن قائل ليس فيها شيء أعنى لإخراج ولا عشر وقال العمان إذا اشترى الذمي أرض عشر تحوّلت أرض خراج فكأنه رأى إن العشر حق أرض المسلمين ووالخراج حق أرض الذميين ومن يرى هذا فينبغي إن أرض الذمي إذا انتقلت إلى المسلم إن تعود أرض عشر اعتبار ذلك للعقل حكم في النفس من حيث ذاته ونظره وللشرع حكم في النفس فإذا سلب العقل النفس من يد الشرع بشبهة اشتراها بها فهل يقبل الله منه كل عمل حمد صورته الشرع ولكن كان عمله ممن جهة العقل لا من جهة الشرع فمنا من قال يقبل ويجازي عليه في الدنيا إن لم يكن موحدا وكان مشركا فإن كان موحدا قبل منه وجوزى عليه جزاء غير المؤمن فإن المؤمن له في عمله يوم القيامة جزاآن جزاء من حيث إنه مؤمن عامل بشريعة وجزاء من حيث إن ذلك العمل من مكارم الخلاق وأنه خير وقد قال صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام حين أسلم وكان قد فعل في الجاهلية خيرا أسلمت على ما أسلفت من خير فجازاه الله بما كان منه من خير في زمان جاهليته فإن الخير يطلب الجزاء لنفسه فإذا اقترن به الإيمان تضاعف الجزاء لزيادة هذه الصفة فإن لها حقا آخر فحكم الشرع العشر وحكم العقل الخراج وصل إذا أخرج الزكاة فضاعفت فقال قوم تجزى عنه وقال قوم هو لها ضامن حتى يضعها موضعها وقوم فرّقوا بين أن يخرجها بعد أن أمكنه إخراجها في أول الوجوب ولم يقع منه تفريط لم يضمن وقال قوم إن فرط ضمن وبه أقول وإن لم يفرّط زكى ما بقي وقال قوم بل يعد الذاهب من الجميع ويبقى المساكين ورب المال شريكين على تلك النسبة في الباقي فالحاصل في المسئلة خمسة أقوال قول أنه لا يضمن بإطلاق وقول أنه يضمن بإطلاق وقول إن فرّط ضمن وإن لم يفرّط يضمن وقول إن فرط ضمن وإن لم يفرط زكى ما بقي والقول الخامس يكونان شريكين في الباقي وأما إذا ذهب بعض المال بعد الوجوب وقيل تمكن إخراج الزكاة فقيل يزكى ما بقي وقال قوم حال المساكين وحال رب المال حال الشريكين يضيع بعض ما لهما وأما إذا وجبت الزكاة وتمكن الإخراج فلم يخرج حتى ذهب بعض المال فإنه ضامن باتفاق والله أعلم إلا في الماشية عند من يرى أن وجوبها إنما يتم بشرط خروج الساعي مع الحول وهو مذهب مالك وصل الاعتبار في ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنحوا الحكمة غير أهلها فنظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم

وانفاق الحكمة عين زكاتها ولها أهل كما للزكاة أهل فإذا أعطيت الحكمة غير أهلها وأنت تظن أنه أهلها فقد ضاعت كما ضاع هذا المال بعد إخراجه ولم يصل إلى صاحبه فهو ضامن لن ضاع لأنه فرط حيث لم يتثبت في معرفة من ضاعت عنده هذه الحكمة فوجب عليه أن يخرجها مرّة أخرى لمن هو أهلها حتى تقع في موضعها وأما حكم الشريكين في ذلك كما تقرر فإن حامل الحكمة إذا جعلها في غير أهلهها على الظن فهو أيضا مضيع لها والذي أعطيت له ليس بأهل لها فضاعت عنده فيضيع بعض حقها فيستدرك معطي الحكمة غير أهلها ما فاته بأن ينظر في حال من ضاعت عنده الحكمة فيخاطبه بالقدر الذي يليق به ليستدرجه حتى يصير أهلالها ويضيع من حيق الآخر على قدر ما نقصه من فهم الحكمة الأولى التي ضاعت عنده والحال فيما بقي ألجمه الله بلجام من نار فسأله من ليس بأهل للحكمة قال لا يضمن على الإطلاق ومن أخذ بقوله فيما سأله ما يليق به وإن لم يصح ذلك في نفس الأمر كالأينية فيمن لا يتصف بالتحيز ومن أعرض عن الجواب الأول إلى جواب في المسئلة يقتضيه حال السائل والوقت قال يزكى ما بقي ويكون حكم ما مضى وضاع كحكم مال ضاع قبل الحول ومن قال يتعين عليه النظر في حال السائل فلما لم يفعل فقد فرط فإن فعل وغلط لشبهة قامت له تخيل أنه من أهل الحكمة فلم يفرط فهو بمنزلة من قال إن فرط ضمن وإن لم يفرط لم يضمن والقول الخامس قد تقدم في الشريك ولا يخلو العالم أن يعتقد فيما عنده من العلم الذي يحتاج الخلق إليه أن يكون عنده لهم كالأمانة فحكمه في ذلك حكم الأمين أو يعتقد فيه أنه دين عليه لهم فحكمه حكم الغريم والحكم في الأمانة والدين والضياع معلوم فيمشي عليه الاعتبار بتلك الوجوه والله أعلم نفاق الحكمة عين زكاتها ولها أهل كما للزكاة أهل فإذا أعطيت الحكمة غير أهلها وأنت تظن أنه أهلها فقد ضاعت كما ضاع هذا المال بعد إخراجه ولم يصل إلى صاحبه فهو ضامن لن ضاع لأنه فرط حيث لم يتثبت في معرفة من ضاعت عنده هذه الحكمة فوجب عليه أن يخرجها مرّة أخرى لمن هو أهلها حتى تقع في موضعها وأما حكم الشريكين في ذلك كما تقرر فإن حامل الحكمة إذا جعلها في غير أهلهها على الظن فهو أيضا مضيع لها والذي أعطيت له ليس بأهل لها فضاعت عنده فيضيع بعض حقها فيستدرك معطي الحكمة غير أهلها ما فاته بأن ينظر في حال من ضاعت عنده الحكمة فيخاطبه بالقدر الذي يليق به ليستدرجه حتى يصير أهلالها ويضيع من حيق الآخر على قدر ما نقصه من فهم الحكمة الأولى التي ضاعت عنده والحال فيما بقي ألجمه الله بلجام من نار فسأله من ليس بأهل للحكمة قال لا يضمن على الإطلاق ومن أخذ بقوله فيما سأله ما يليق به وإن لم يصح ذلك في نفس الأمر كالأينية فيمن لا يتصف بالتحيز ومن أعرض عن الجواب الأول إلى جواب في المسئلة يقتضيه حال السائل والوقت قال يزكى ما بقي ويكون حكم ما مضى وضاع كحكم مال ضاع قبل الحول ومن قال يتعين عليه النظر في حال السائل فلما لم يفعل فقد فرط فإن فعل وغلط لشبهة قامت له تخيل أنه من أهل الحكمة فلم يفرط فهو بمنزلة من قال إن فرط ضمن وإن لم يفرط لم يضمن والقول الخامس قد تقدم في الشريك ولا يخلو العالم أن يعتقد فيما عنده من العلم الذي يحتاج الخلق إليه أن يكون عنده لهم كالأمانة فحكمه في ذلك حكم الأمين أو يعتقد فيه أنه دين عليه لهم فحكمه حكم الغريم والحكم في الأمانة والدين والضياع معلوم فيمشي عليه الاعتبار بتلك الوجوه والله أعلم

وصل إذا مات بعد وجوب الزكاة عليه

قال قوم تخرج من رأس ماله وقال قوم أن أوصى بها أخرجت من الثلث وإلا فلا شيء عليه ومن هؤلاء من قال يبدأ بها إن ضاق الثلث ومنهم من قال لا يبدأ بها وصل الاعتبار في ذلك الرجل من أهل طريق الله يعطى العلم بالله وقد قلنا إن زكاة العلم تعليمه فجاء مريد صادق متعطش فسأله عن مسئلة عن علم ما هو عالم به فهذا أو إن وجوب تعليمه إياه ما سأله عنه كوجوب الزكاة بكمال الحول والنصاب فلم يعمله ما سأله فيه من العلم فإن الله يسلب العالم تلك المسئلة فيبقى جاهلا بها فيطلبها في نفسه فلا يجدها فذلك موته بعد وجوب الزكاة فإن الجهل موت قال أو من كان ميتا فأحييناه أو يكون العالم يجب عليه تعليم من هو أهل فعلم من ليس بأهل فذلك موته حيث جهل الأهلية ممن هو للحكمة أهل غيره أو يعلمها ممن قد علمه ذلك العالم قبل ذلك فيكون في ميزان العالم الأوّل وإن كان قد جهلها فهذاا معنى يجزي عنه ويخرج من رأس ماله فإن اعتذر ذلك العالم للمريد واعترف بعقوبته وذنبه ففتح الله على المريد بها فاعترافه بمنزلة من أوصى بها وأمّا إخراجها من الثلث فإن المريض لا يملك من ماله سوى الثلث لا غير فكأنها وجبت فيما يملك وكذلك هذا العالم لا يملك في هذه الحالة من نفسه إلا الاعتذار والثلثان الآخران لا يملكها وهو المنة فلا منة له في التعليم بعد هذه الواقعة ولا يجب عليه فإنه قد نسيها وبالجملة فينبغي لمن هذه حالته إن يجدد توبة مما وقع فيه ويستغفر الله فيما بينه وبين الله فإن الله يحب التوابين وصل في خلافهم في المال يباع بعد وجوب الصدقة فيه فقال قوم يأخذ المصدق الزكاة من المال نفسه ويرجع المشتري بقيمته على البائع وقال قوم البع مفسوخ وقال قوم المشتري بالخيار من إنفاذ البيع ورده والعشر مأخوذ من الثمرة أو من الحب الذي وجبت فيه الزكاة فلاتخلو الزكاة إما أن تكون في عين المال أو تكون في ذمة المكلف فإن كانت في ذمة المكلف وجبت على البائع وإن كانت في نفس المال وجب تزكيتها على من بيده المال في عين المال فيخرجها المشتري من المال ويرجع بالقيمة على البائع وإذا كان وجوبها على البائع فللبائع أن يزكى ذلك القدر مما عنده من المال كالشيخ المرشد يملك نفوس تلامذته فيزكى منها بقدر ما وجب عليه في نفسه من الزكاة قبل بيعها من الله إذ قد كانت وجبت عليه الزكاة في نفسه فتقوم له زكاةة نفوس من عنده من المريدين مقام ذلك وإن كان ممن يقول بفسخ البيع فإنه يرجع في بيعه حتى يزكيها وحينئذ يبيعها من الله وإن كان ممن يقول المشتري بالخيار من إنقاذ البيع وردّه فذلك إلى الله إن شاء قبلها وزكاها وإن شاء ردّها على البائع حتى يزكيها وصل ومن هذا الباب اختلافهم في زكاة المال الموهوب واعتباره أن الموهوب له بالخيار إن شاء قبل الهبة وقد عرف ما فيها من الحق فأوصل الحق منها إلى مستحقه ومسك ما بقي وإن شاء ردّ قدر ما يجب فيها من الزكاة على البائع حتى يؤدّيها والموهوب له هو الحق هنا والذين لهم الزكاة من هذه النفس ما تطلب منهم الجنة ومن فيها هل هو حق لهم من نفس المؤمن انتهى الجزء الحادي والخمسون


بسم الله الرحمن الرحيم

وصل في حكم من منع الزكاة ولم يجحد وجوبها

ذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أن حكمة حكم المرتد فقاتلهم وسبى ذريتهم وخالفه في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأطلق من استرق منه وبقول عمر قال الجمهور وذهبت طائفة تكفير من منع فريضة من الفرائض وإن لم يجحد وجوبها وصل الاعتبار في ذلك اعلم أن في نفس المؤمن حظ الجنان ومن فيه منها الزكاة ولله ما بقي وهو الذي يصح فيه البيع وإلى هذا ذهبت جماعة المحقيقن من أهل طريق الله لتعدد أصناف من تجب لهم الزكاة من أنفسهم عليهم فالجنة فيها أصناف يطلبون من نفس المؤمن ما يستحقونه وهي الزكاة فالقصر يطلبه بالسكنى والزوجات يطلبنه بما احتجن إليه فيه فالثمانية الأعضاء المكلفة من الإنسان كما يجب فيها الزكاة على الإنسان كذلك لها نسبة في أن تأخذ الزكاة من جهة أخرى فيقوم ما في الجنان مقام من يقسم عليهم ما يليق به فمن منع الزكاة من نفسه عن أحد هؤلاء الأصناف وهو مقربها أنها واجبة عليه فهو ظالم غير كافر إلا في الصلاة خاصة فإن تاركها كافر فإن الشرع سماه كافرا بمجرد الترك وما أدرى ما أراد وإنما مانع الزكاة فهو ظالم حيث مسك حق الغير الذي يجب لهم وسأذكر بعد هذا إن شاء الله ما تجب فيه الزكاة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وصل في ذكر ما تجب فيه الزكاة

اتفق العلماء على أن الزكاة تجب في ثمانية أشياء محصورة في المولدات من معدن ونبات وحيوان فالمعدن الذهب والفضة والنباتت الحنطة والشعير والتمر والحيوان الإبل والبقر والغنم هذا هو المتفق عليه وهو الصحيح عندنا وأما الزبيب ففيه خلاف الاعتبار في ذلك الزكاة تجب من الإنسان في ثمانية أعضاء البصر والسمع واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ففي كل عضو نوعلى كل عضو من هذه العضاء صدقة واجبة يطلب الله بها العبد في الدار الآخرة وأما صدقة التطوع فعلى كل عرق في الإنسان صدقة وكل تهليلة صدقة وكذلك التحميد والتكبير فالزكاة التي في هذه الأعضاء هي حق الله تعالى الذي أوجبها على الإنسان من هذه الأعضاء الثمانية كما أوجبها في هذه الثمانية من الذهب والورق وسائر ما ذكرنا مما تجب فيه الزكاة بالاتفاق فتعين على المؤمن آداء حق الله تعالى في كل عضو فزكاة البصر ما يجب لله تعالى فيه من الحق كالغصن عن المحرّمات والنظر فيما يؤدي النظر إليه من القربة عند الله كالنظر في المصحف وفي وجه العالم وفي وجه من يسرّ بنظرك إليه من أهل وولد وأمثالهم وكالنظر إلى اككعبة النحو تنظر في جميع الأعضاء المكلفة في الإنسان من تصرفها فيما ينبغي وكفها عما لا ينبغي بيان وإيضاح واعلم أن هذه الأصناف قد أحاطت بمولدات الأركان كما قلنا وهي المعدن والنبات والحيوان وما ثم رابع ففرض الله الزكاة في أنواع مخصوصة من كل جنس من المولدات نلطهارة الجنس فتطهر النوع بلا شك من الدعوى التي حصلت فيه من الإنسان بالملك فإن الأصل فيه الطهارة من حيث أنه ملك لله مطلقا وذلك أن الأصل الذي ظهرت عنه الأشياء من أسمائه القدوس وهو الطاهر لذاته من دنس المحدثات فلما ظهرت الأشياء في أعيانها وحصلت فيها دعاوى الملاك بالملكية طرأ عليها هذا الدنس العرضي بملك الغير لها وكفى بالحدث حدثا وهذه الأجناس لا تصرف لها في أنفسها فأوجب الله على مالكها فيها الزكاة وجعل ذلك طهارتها فعين الله فيها نصيبا يرجع إلى الله عن أمر الله لينسبها إلى مالكها الأصلي فتكتسب الطهارة فإن الزكاة إنما جعلها الله طهارة الأموال وكذلك في الاعتبار فإن هذه الأعضاء المكلفة هي طاهرة بحكم الأصل فإنها على الفطرة الأولى ولا تزول عنها تلك الطهارة والعدالة ألا تراها تستشهد يوم القيامة وتقبل شهادتها لزكاتها الأصلية وعدالتها فإن الأصل في الأشياء العدالة لأنها عن أصل طاهر والجرحة طارئة قال تعالى  » إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا  » وقال  » يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم  » وقال تعالى  » وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا  » وقال تعالى  » وما كنتم تسترون أنيشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم  » فهذا كله أعلام من الله لنا أن كل جزء فينا شاهد عدل زكي مرضي وذلك بشرى خير لنا ولكن أكثر الناس لا يعلمون صورة الخبر فيها فإن الأمر إذا كان بهذه المثابة يرجى أن يكون المآل إلى خير وإن دخل النار فإن الله أجل وأعظم وأعدل من أن يعذب مكرها مقهورا وقد قال إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وقد ثبت حكم المكره في الشرع وعلم حدّ المكره الذي اتفق عليه والمكره الذي اختلف وهذه الجوارح من الكرهين المتفق عليهم أنهم مكرهون فتشهد هذه الأعضاء بلا شك على النفس المدبرة لها السلطانة عليها والنفس هي المطلوبة عند الله عن حدوده والمسؤلة عنها وهي مرتبطة بالحواس والقوى لا انفكاك لها عن هذه الأدوات الجسمية الطبيعية العادلة الزكية المرضية المسموع قولها ولا عذاب للنفس غلا بوساطة تعذيب هذه الجسوم وهي التي تحس بالآلام المحسوسة لسريان الروح الحيواني فيها وعذاب النفس بالهموم والغموم وغلبة الأوهام والأفكار الرديئة وما ترى في رعيتها مما تحس به من الآلام ويطرأ عليها من التغييرات كل صنف بما يليق به من العذاب وقد أخبر بمآلها لإيمانها إلى السعادة لكون المقهور غير مؤاخذ بما جبر عليه وما عذبت الجوارح بالألم إلاإحساسها أيضا باللذة فيما نالته من حيث حيواناتهاا فافهم فصورتها صورة من أكره على الزنى وفيه خلاف والنفس غير مؤاخذة بالهم ما لم تعمل ما همت به بالجوارح والنفس الحيوانية مساعدة بذاتها مع كونها من وجه مجبورة فلا عمل للنفوس إلا بهذه الأدوات ولا حركة في عمل للأدوات إلا بالأغراض النفسية فكما كان العمل بالمجموع وقع العذاب بالمجموع ثم تفضى عدالة الأدوات في ىخر الأمر إلى سعادة المؤمنين فيرتفع العذاب الحسي ثم يقضي حكم الشرع الذي رفع عن النفس ما همت به فيرتفع أيضا العذاب المعنوي عن المؤمن فلا يبقى عذاب معنوي ولا حسي على أحد من أهل الإيمان وبقدر قصر الزمان في الدار الدنيا بذلك العمل لوجود اللذة فيه وأيام النعيم قصار تكون مدة العذاب على النفس الناطقة والحيوانية الداركة مع قصر الزمان المطايق لزمان العمل فإن أنفاس الهموم طوال فما أطول الليل على أصحاب الآلام وما أقصره بعينه على أصحاب اللذات والنعيم فزمان الشدة طويل على صاحبه وزمان الرخاء قصير افصاح واعلم أن للزكاة نصابا وحولا أيمقدار في العين الزمان كذلك الاعتبار في زكاة الأعضاء لها مقدار في العين والزمان فالنصاب بلوغ العين إلى النظرة الثانية فإنها المقصودةة والإصغاء إلى السماع الثاني وكذلك الثواني في جميع الأعضاء لأجل القصد والمقدار الزماني يصحبه فلنذكر ما يليق بهذا الباب مسئلة مسئلة على قدر ما يلقى الله عز وجل في الخاطر من ذلك ولله الموفق والهادي إلى صراط مستقيمب بالمجموع ثم تفضى عدالة الأدوات في ىخر الأمر إلى سعادة المؤمنين فيرتفع العذاب الحسي ثم يقضي حكم الشرع الذي رفع عن النفس ما همت به فيرتفع أيضا العذاب المعنوي عن المؤمن فلا يبقى عذاب معنوي ولا حسي على أحد من أهل الإيمان وبقدر قصر الزمان في الدار الدنيا بذلك العمل لوجود اللذة فيه وأيام النعيم قصار تكون مدة العذاب على النفس الناطقة والحيوانية الداركة مع قصر الزمان المطايق لزمان العمل فإن أنفاس الهموم طوال فما أطول الليل على أصحاب الآلام وما أقصره بعينه على أصحاب اللذات والنعيم فزمان الشدة طويل على صاحبه وزمان الرخاء قصير افصاح واعلم أن للزكاة نصابا وحولا أيمقدار في العين الزمان كذلك الاعتبار في زكاة الأعضاء لها مقدار في العين والزمان فالنصاب بلوغ العين إلى النظرة الثانية فإنها المقصودةة والإصغاء إلى السماع الثاني وكذلك الثواني في جميع الأعضاء لأجل القصد والمقدار الزماني يصحبه فلنذكر ما يليق بهذا الباب مسئلة مسئلة على قدر ما يلقى الله عز وجل في الخاطر من ذلك ولله الموفق والهادي إلى صراط مستقيم

 

وصل في زكاة الحلي

اختلف العلماء رضي الله عنهمفي زكاة الحللي فمن قائل لا زكاة فيه ومن قائل فيه الزكاة الاعتبار في ذلك الحلي ما يتخذ للزينة والزينة مأمور بها قال الله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وقال تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده وأضافها إليه ما أضافها إلى الدنيا ولا إلى الشيطا والزكاة الحق له وما كان مضافا إليه لا يكون فيه حق له لأنه كله له فلا زكاة في زينة الله ومن اتخذه لزينة الحياة الدينا وسلب عنه زينة الله أوجب فيه الزكاة وهو أن يجعل لله نصيبا فيه يحيي به ما أضاف منه إلى نفسه ويزكو ويتقدّس كما شرع الله للإنسان أن يستعين بالله ويطلب العون منه في أفعاله التي كلفه سبحانه أن يعملها وهو العمال سبحانه لا هم فكذلك ينبغي أن يجعل الزكاة في زينة الحياة الدينا وإن كانت زينة الله التي أخرج لعباده فأوجبو الزكاة في تلك الزينة كما أوجبها من أوجبها في الحلي

 

وصل في زكاة الخيل

اختلفوا في الخيل فالجمهور على أنه لا زكاة في الخيل وقال قوم إذا كانت سائمة وقصد بها النسل ففيها الزكاة أعني إذا كانت ذكرانا وإناثا وصل الاعتبار في ذلك هذا النوع من الحيوان وأمثاله من جملة زينة الله قال تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة وهي من زينة الله التي أخرج لعباده ثم إنه من الحيوان الذي له الكر والفر فهو أنفع حيوان يجاهد عليه في سبيل الله فالأغلب فيه أنه لله وما كان لله فما فيه حق لله لأنه كله لله النفس مركبها البدن فإذا كان البدن في مزاجه وتركيب طبائعه بحيث أن يساعد النفس المؤمنة الطاهرة على ما تريد منه من الإقبال على طاعة الله والفرار عن مخالفة الله كان لله فلا حق فيه لله لأنه كل لله وإذا كان البدن يساعد وقتا ولا يساعد وقتا آخر لخلل فيه كان رد النفس بالقهر فيما لا يساعد فيه من طاعة الله زكاة فيه كمن يريد الصلاة ويجد كسلا في أعضائه وتكسر افيتثبط عنها مع كونه يشتهيها فأداء الزكاة في ذلك الوقت أن يقيمها ولا يتكرها مع كسلها وهي في ذلك الوقت سائمة من السآمة اعتبار متخذة للنسل لأن فيها ذكرانا وإناثا أي خواطر عقل وخخواطر نفس وصل في سائمة الإبل والبقر والغنم وغير السائمة فإن قوما أوجبوا الزكاة فيها كلها سائمة وغير سائمة وذهب الأكثرون إلى أن لا زكاة في غير السائمة من هذه الثلاثة الأنواع اعتبار هذا الوصل السائمة الأفعال المباحة كلها وغير السائمة ما عدا المباح فمن قال الزكاة في السائمة قال إن المباح لما كانت الغفلة تصحبه أوجبوا أن يحضر الإنسان عند فعله المباح أنه مباح بإباحة الشراع ولو لم يبح فعله ما فعله فهذا القدر من النظر هو زكاته وأما غير السائمة فلا زكاة فيها لأنها كلها أفعال مقيدة بالوجوب أو الندب أو الخطر أو الكراهة فكلها لا تخيير على الإطلاق للعبد فيها فكلها لله تعالى وما كان لله لا زكاة فيه فإن الزكاة حق لله في هذا كله وألحق بعض أصحابنا المندوب والمكروه بالمباح فجعل فيه الزكاة كالمباح سواء وقالت طائفة أخرى ما هو مثل المباح فإن فيه ما يشبه الواجب والمحظور وفيه ما يشبه المباح فإن كان وقته تغليب أحد النظرين فيهما كان حكمه بحكم الوقت فيهما وهو أن يحضر له في وقت إلحاقهما بالمباح وفي وقت إلحاقهما بالواجب والمحظور في ما شبه المباح فإن كان وقته تغليب أحد النظرين فيهما كان حكمه بحكم الوقت فيهما وهو أن يحضر له في وقت إلحاقهما بالمباح وفي وقت إلحاقهما بالواجب والمحظور والصورة في الشبه أن السائمة مملوكة وغير السائمة مملوكة فالجامع بينهما الملك ولكن ملك غير السائمة أثبت لشغل المالك بها وتعاهده إياها والسائمة ليست كذلك وإن كانت ملكا وكذلك المندوب والمكروه وهو مخير في الفعل والترك فأشبه المباح وهو مأجور في الفعل فيهما والترك فأشبه الواجب والمحظور وهذا اسد مذاهب القوم عندنا ومن قال الزكاة في الكل قال إنما أوجب ذلك في الكل سائمة وغير سائمة لأن الأفعال الواقعة من العبد منسوبة للعبد نسبة إلهية وإن اقتضى الدليل خلافها فوجبت الزكاة في جميع الأفعال لما دخلها من النسبة إلى المخلوق وصورة الزكاة فيها استحضارك أن جميع ما يقع منك بقضاء وقدر عن مشاهدة وحضور تام في كل فعل عند الشروع في الفعل وذلك القدر هو زمان الزكاة بمنزلةة انقضاء الحول وقدر ذلك الفعل الذي يمكن الردّ فيه إلى الله ذلك هوو نصاب ذلك الفعل وهذا مذهب العلماء بالله أن الأفعال كلها لله بوجه وتضاف إلىالعبد بوجه فلا يحجبنهم وجه عن وجه كما لا يشغله شأن عن شأن

 

وصل في زكاة الحبوب

وأما ما اختلفوا فيه من النبات بعد اتفاقهم على الأصناف الثلاثة فمنهم من لم ير الزكاة إ لا في تلك الأصناف الثلاثة ومنهم من قال الزكاة في جميع المدخر المقتات من النبات ومنهم من قال الزكاة في كل ما تخرجه الأرض ما عدا الحشيش والحطب والقصب الاعتبار في كونه نباتا فهذا النوع مختص بالقلب فإنه محل نبات الخواطر وفيه يظهر حكمها على الجوارح فكل خاطر نبت في القلب وظهر عينه على ظاهر أرض بدنه ففيه الزكاة لشهادة كل ناظر فيه أنه فعل من ظهر عليه فلا بد أن يزكيه بردّه إلى الله ذلك هو زكاته وما لم يظهر فلا يخلو صاحبه لما نبت في قلبه ما نبت هل كان ممن رأى الله فيه أو قبله فإن كان من هذا الصنف فلا زكاة عليه فيه فإنه لله ومن رأى الله بعده من أجله فتلك عين الزكاة قد أدّاها وإن لم ير الله بوجه وجبت عليه الزكاة عند العلماء بالله ولم تجب عليه الزكاة عند الفقهاء من أهل الطريق لأن الشراع لم يعتبرا لهم حتى يقع الفعل فكان نباتا سقطت فيه الزكاة كما سقطت المؤاخذة عليه فإن كان النبات من الخواطر التي فيها قوت للنفس وجبت الزكاة لما فيها من حظظ النفس فإن كان حظ النفس تبعا فلا زكاة فإن قوت هذا الذي هذه صفته فهو الله الذي به يقوم كل شيء قيل لسهل بن عبد الله ما القوت قال الله قيل له سألناك عن قوت الأشباح قال الله فلما ألحوا عليه قال مالكم ولها دع الديار إلى مالكها وبانيها إن شاء عمرها وإن شاء خربها

وصل في النصاب بالاعتبار


وأما النصاب في الأعضاء فهو أن تتجاوز في كل عضو من الأول إلى الثاني ولكن من الأول المعفو عنه لا من الأول المندوب فإن الأول المعفو عنه لا زكاة فيه فإنه لله والثاني لك ففيه الزكاة لا بدّ سواء كان في النظرة الأولى أو السماع الأول أو اللفظة الأولى أو البطشة الأولى أو السعي أو الخاطر الأول والجامع كل حركة لعضو لا قصد فيها فلا زكاة عليه فإذا كانت الثانية التالية لها فإنها لا تكون إلا نفسية عن قصد فوجبت الزكاة أي طهارتها والزكاة فيها هي التوبة منها لا غير فتلتحق بالحركة الأولى في الطهارة من أجل التوبة والتوبة زكاتها هذا حد النصاب فيما تجب فيه الزكاة من جيمع ما تجب فيه الزكاة ولا حاجة لتعدادها في الحكم الظاهر المشروع في تلك الأصناف لأن المقصود الاعتبار وقد بان فاكتفينا بذلك عن تفصيله وقد تقدّم اعتبار وقت الزكاة وبقي لنا اعتبار من أخرج الزكاة قبل وقتها فإن قوماً منعوا من ذلك وبه أقول وأجازه بعضهم اعتباره تطهير المحل للخاطر قبل وقوعه بالاستعداد له مع علمه بما يخطر له من جهة الكشف الذي هو عليه فإن قطع بحضوره ولا بد لم يجزه فإنه راجع إلى الطهارة الأولى وإذا وقع فلا بد من طهارة لوقوعه بلا شك فلا يتعدى بالأمور أوقاتها فإن الحكم للوقت ومن أخرجها قبل الوقت فقد عطل حكم الوقت.

وصل في ذكر من تجب لهم الصدقة

وهم الثمانية الذين ذكر الله في القرآن الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم والرقاب والغارمون والمجاهدون وابن السبيل اعتبارهم الأعضاء المذكورة تخرج الزكاة من أفعالها وتردّ على أعيانها وهو المعبر عنه بثوابها ففي أفعال هذه الأعضاء الزكاة وعلى أيعانها تقسم الزكاة فمن زكى نظره بنفسه أعطى الزكاة بصره فعاد يبصر بربه بعدما كان يبصر بنفسه وكذلك من زكى سمعه بنفسه أعطى الزكاة سمعه فصار يسمع بربه وهو قوله كنت سمعه وبصره وكذلك يتكلم ويبطش ويسعى كل ذلك بربه ويتقلب في أموره كلها بربه وصل في تعيين الأصناف الثمانية الذين تقسم الزكاة عليهم اعتباراً فمنهم الفقراء قال الله تعالى  » إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة علبوهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله  » يقول فرضها الله لهؤلاء الأصناف قسمت عليهم الصدقة بحسب ما يوجد منهم لكن على الأصناف لا على الأشخاص ولو لم يوجد من صنف منهم إلا شخص واحد دفع إليه قسم ذلك الصنف وإن وجد من الصنف أكثر من شخص واحد قسم على الموجودين منه ما تعين لذلك الصنف قل الأشخاص أو كثروا وكذلك العامل عليها قسمه في ذلك البلد بحسب ما يوجد من الأصناف فإن وجد الكل فلكل صنف ثمن الصدقة إلى سبع وسدس وخمس وربع وثلث ونصف وللكل ثم إنا نقدم من قدم الله بالذكر في العطاء وكذلك أفعل هنا في تعيينهم في هذا الباب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء في حجة وداعه إلى السعي بين الصفا والمروة تلا قوله تعالى  » إن الصفا والمروة من شعائر الله  » ابدأ بما بدأ الله به وحدثني بحكايته في هذا بعض أشياخنا قال أراد رجل من أهل القيروان الحج فبقي يتردّد هل يمشي في البحر أو في البر وما ترجح عنده واحد منهما فقال اسأل أول رجل اجتمع به فحيث ما قال لي سلكت ذلك الطريق قال فأول من لقيه يهودي فحار في أمره هل أسأله فعزم على سؤاله فشاوره فقال له يا مسلم أليس الله يقول  » هو الذي يسيركم في البر والبحر  » فقدم البر فقدم ما قدم الله هذا هو الطريق نبدأ بما بدأ الله به ونقدم ما قدم الله فإنه من التزم ذلك رأى خيراً في حركاته اعتبار الفقير الذي يجب إعطاء الصدقة له لا أنه يجب عليه أخذها عند أهل الطريق إلا عندنا فإنه واجب عليه أخذها إذا أعطيته ولا يسألها أصلاً ولو تحقق بالعبودية أسنى مرتبة فيها وجاءته أخذها فإن الزكاة وإن كانت لهؤلاء الأصناف فإنها حق الله في هذه الأموال وللعبد أن يأكل من مال سيده فإنه حقه وإنما حرمت على أهل البيت تخصيصاً لهذه الإضافة وسواء تحققوا بالعبودية أو لم يتحققوا فلو كان ذلك للتحقق بالعبودية ما حرمت إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان على قدمه الأمر وليس كذلك فأهل الله أولى من تصرّف في حقوق الله ثم نرجع فنقول الفقير عندنا الذي ليس وراءه مرتبة للفقر هو الذي يفتقر إلى كل شيء ولا يفتقر إليه شيء وإلى الآن فما رأيت أحداً تحقق بهذه الصفة يقول الله تعالى من باب الغيرة الإلهية  » يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله  » فقد كنى عن نفسه في هذه الآية بكل ما يفتقر إليه والله هو الغنيّ الحميد فما افتقر فقير إلا إلى الله عرف ذلك هذا الشخص أو لم يعرفه فإن الفقير الإلهيّ يرى الحق عين كل شيء وهو في عبوديته منغمس مغمور حين رأى الله تسمى له باسم كل شيء يفتقر إليه وما في الوجود شيء إلا ويفتقر إليه مفتقر ما من جميع الأشياء ولا يفتقر إليه شيء لوقوف هذا الفقير عند هذه الآية  » يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيّ الحميد فتحقق بهذه الآية فأوجب الله له الطهارة والزكاة حيث تأدّب مع الله وعلم ما أراد الله بهذه الآية فإنها من أعظم آية وردت في القرآن للعماء بالله الذين فهموا عن الله فلم يظهر عليه صفة غنى بالله ولا بغير الله فيفتقر إليه من ذلك الوجه فصح له مطلق الفقر فكأن الله غناه بما هو من الأغنياء بالله فإن الغنيّ بالله من افتقر إليه الخلق وزها عليهم بغناه بربه فذلك لا يجب له أن يأخذ هذه الزكاة فما قدّم الحق الفقراء بالذكر وفوقهم من هو أشدّ حاجة منهم لا مسكين ولا غيره فإن الفقير هو الذي انكسر فقار ظهره فلا يقدر على أن يقيم ظهره وصلبه فلاحظ له في القيومية أبداً بل لا يزال مطأطىء الرأس لانكساره فافهم هذه الإشارة

والمساكين المسكن من السكون وهو ضدّ الحركة والموت سكون فإذا تحرّك الميت فبتحريك غيره إياه لا بنفسه فالمسكين من يدبره غيره فلهذا فرض الله له أن يعطى الزكاة ولا يقال فيه إنه آخذ لها وهو لا يتصف بالحاجة ولا بعدم الحاجة ولهذا قلنا في الفقير أنه ما فوقه من هو أشدّ حاجة منه فإن المسكين هو عين المسلم المفوّض أمره إلى الله عن غير اختيار منه بل الكشف أعطاه ذلك ولهذا ألحقناه بالميت فالمسكين كالأرض التي جعلها الله لنا ذلولاً فمن ذل ذلة ذاتية تحت عز كل عزيز كان من كان فذلك المسكين لتحققه أن العزة لله وإن عزته هي الظاهرة في كل عزيز وهذه معرفة نبوية يقول تعالى  » أما من استغنى فأنت له تصدّى  » فعند المحققين ضمير له لله وإن كانت الآية جاءت عتباً ولكن في حق فهم العرب ونحن مع شهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وذوقه ومرتبته فإن العارفين منا ولهم هذا المقام حسنة من حسنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تبالي بذاك العزيز فنقول أنه ممن أشقاه الله بعزه فإن هذا المسكين ما ذل إلا للصفة وهذه الصفة لا تكون إلا لله عنده حقيقة لم تدنسها الاستعارة قط فهذا المسكين لم ير بعينه إلا الله إذ كان لا يرى العزة إلا عزته تعالى لا بعينه ولا بقلبه ونظر إلى ذلة كل ما سواه تعالى بالعين التي ينبغي أن ينظر إليهم بها فتخيل المخلوق الموصوف عند نفسه بالعزة أنه ذل هذا المسكين لعزه وإنما كان ذلك للعز خاصة والعز ليس إلا لله فوق المقام حقه فمثل هذا هو المسكين الذي يتعين له إعطاء الصدقة والعاملين عليها العامل المرشد إلى معرفة هذه المعاني والمبين لحقائقها والمعلم والأستاذ والدال عليها وهو الجامع لها بعلمه من كل من تجب عليه فله منها على قدر عمالته وليس الأمر في حقه منها إلا كما قدمناه والأولى بالمرشد أن يقول ما قالت الرسل إن أجري إلا على الله فقد يكون هذا القدر الذي لهم من الزكاة الإلهية فلهم أخذ زكاة الاعتبار لا زكاة المال فإن الصدقة الظاهرة على الأنبياء حرام لأنهم عبيد والعبد لا يأخذ الصدقة من حيث ما تنسب إلى الخلق فاعلم ذلك والمؤلفة قلوبهم فهم الذين تألفهم الإحسان على حب المحسن لأن القلوب تتقلب فتألفها هو أن تتقلب في جميع الأمور كما تعطى حقائقها ولكن لعين واحدة وهي عين الله فهذا تألفها عليه لا تملكها عيون متفرّقة لتفرق الأمور التي تتقلب فيها فإن الجداول إذا كانت ترجع إلى عين واحدة فينبغي مراعاة تلك العين والتألف بها فإنه إن أخذته الغفلة عنها ومسكت تلك العين ماءها لم تنفعه الجداول بل يبست وذهب عينها وإذا راعى العين وتألف بها تبحرت جداولها واتسعت مذانبها وفي الرقاب فهم الذين يطلبون الحرّية من رق كل ما سوى الله فإن الأسباب قد استقرت رقاب العالم حتى لا يعرفوا سواها وأعلاهم في الرق الذين استرقتهم الأسماء الإلهية وليس أعلى من هذا الاستراق إلا استرقاق أحدية السبب الأوّل من كونه سبباً لا من حيث ذاته ومع هذا فينبغي لهم أن لا تسترقهم الأسماء لغلبة نظرهم إلى أحدية الذات من كونه ذاتاً لا من كونها إلهاً ففي مثل هذه الرقاب تخرج الزكاة والغارمين هم الذين أقرضوا الله قرضاً حسناً عن أمره وهو قوله عز وجل آمراً وأقرضوا الله قرضاً حسناً فالقرض ثالث ثلاثة ولكن ما عين ما تقرضه كما لم يعين ما تزكيه كما لم يعين صلاة بعينها فعمت كل صلاة أمرنا بإقامتها وكل زكاة وكل قرض إلا أنه نعت قرضاً بقوله حسناً مع تأكيده بالمصدر وسبب ذلك أن الصلاة والزكاة العبد فيهما عبد اضطرار وفي القرض عبد اختيار فمن الناس من أقرض الله قرض اختيار وهو الذي لم يبلغه الأمر به وبلغه إن تقرضوا الله أو قوله  » من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً  » فيأخذ الزكاة الغارم الأول الذي أعطى على الوجوب الصدقة بحكم الوجوب أي أنها تجب له ويأخذها الثاني باختيار المصدق حيث ميزه دون غيره ولاسيما في مذهب من يرى في عدد هؤلاء الأصناف أنه حصر المصرف في هؤلاء المذكورين أي لا يجوز أن تعطى لغيرهم فإذا أعطيت لنصف منهم دون صنف فقد برئت الذمة وهي مسئلة خلاف فهذا المقرض بآية  » من ذا الذي يقرض ه  » وأن تقرضوا الله لا يأخذها بحكم الوجوب والمقرض بآية الأمر يأخذها بحكم الوجوب لأن المأمور أدّى واجباً فجزاؤه واجب وكان حقاً علينا نصر المؤمنين فإن الإيمان واجب فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بئاياتنا يؤمنون. وهذه كلها واجبات، فأوجب الجزاء بالرحمة لهم بلا شك.

وفي سبيل الله: فيمكن أن يريد المجاهدين والإنفاق منها في الجهاد، فإن العرف في سبيل الله عند الشرع هو الجهاد وهو الأظهر في هذه الآية مع أنه يمكن أن يريد بسبيل الله سبل الخير كلها المقرّبة إلى الله. فأما هذا الصنف بحكم ما يقتضيه الطريق فسبيل الله ما يعطيه هذا الاسم الذي هو الله دون غيره من الأسماء الحسنى الإلهية، فيخرجها فيما تطلبه مكارم الأخلاق من غير اعتبار صنف من أصناف المخلوقين كرزق الله عباده، بل ما تقتضيه المصلحة العامة لكل إنسان بل لكل حيوان ونبات حتى الشجرة يراها تموت عطشا فيكون عنده بما يشتري لها ما يسقيها به من مال الزكاة، فيسقيها بذلك فإنّه من سبيل الله ولا قائل بهذا. وإن أراد المجاهدين فالمجاهدون معلومون بالعرف من هم، والمجاهدون أنفسهم أيضا في سبيل الله فيعاونون بذلك على جهاد أنفسهم، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: »رَجِعْتُمُ مِنَ الجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الجِهَادِ الأَكْبَرِ » يريد جهاد النفوس  ومخالفتها في أغراضها الصارفة عن طريق الله تعالى.

وابن السبيل: وأبناء السبيل معلومون وهم في الاعتبار أبناء طريق الله لأن الألف واللام للتعريف، فهما بدل من الإضافة، ونصيب هؤلاء من الزكاة التي هي الطهارة الإلهية التي ذكرناها فيما قيل.

 

وصل متمم في زكاة حقوق الله

 

وصل في اعتبار الأقوات بالأوقات

 

وصل في مقابلة وموازنة الأصناف الذين تجب لهم الزكاة بالأعضاء المكلفة من الإنسان

 

وصل في معرفة المقدار كيلا ووزنا وعددا

 

وصل في توقيت ما سقي بالنضح وما لم يسق بهم

 

وصل في إخراج الزكاة من غير جنس المزكي

 

وصل في فصل الخليطين في الزكاة

 

وصل فيما لا صدقة فيه من العمل

 

وصل في فصل إخراج الزكاة من الجنس

 

وصل في ذكر ما لا يؤخذ في الصدقة

 

وصل في فصل زكاة الورق

 

وصل في فصل زكاة الركاز

 

وصل في فصل زكاة المدبر

 

وصل في فصل الصدقة قبل وقتها

 

وصل في فصل زكاة الفطر

 

وصل في فصل وجوبها على الغني والفقير والحر والعبد والذكر والانثى والصغير والكبير