عاشوراء بتلمسان

تعرف أزقة وأسواق مدينة تلمسان، تزامنا بيوم عاشوراء، نشاطا متميزا يعكس حرص سكان عاصمة الزيانيين على إحياء هذه المناسبة، وحفاظهم على العديد من العادات والتقاليد التي تعود إلى عدة قرون خلت، وتتكرر طقوسها سنويا•

 وبإمكان المتجول في الشوارع والأحياء العتيقة للمدينة ملاحظة تلك الحركة غير العادية أمام المحلات التجارية وعلى الأرصفة التي يتخذها الباعة المتجولون فضاء لعرض منتوجاتهم، وما ينجر عنه من ازدحام بفعل توافد المواطنين، خاصة العنصر النسوي لاقتناء مختلف المواد والسلع•  

وهذا الإقبال الكبير للناس حوّل المدينة إلى مهرجان شعبي ضخم على صورة سوق كبير تطول أجنحته كل الشوارع، حيث تعرض البضائع النسوية والعقاقير ولوازم الزينة التقليدية من حناء وغسول وكذا مواد العطارة و »البخور »•

ويعتبر بعض التجار والباعة بالمنطقة التجارية العتيقة لمدينة تلمسان مثل  »القصارية » و »سيدي حامد » و »المدرس » عاشوراء فرصة سانحة لتزكية الأموال وانتعاش الأعمال• 

وتشكل هذه المناسبة فرصة بالنسبة للعديد من المواطنين الميسورين، مثل التجار والأغنياء بصفة عامة الذين تتوفر فيهم شروط الزكاة، من أجل تطهير أموالهم عن طريق توزيع زكاتهم العينية أوالنقدية على الفقراء والمساكين•

فيما يفضل البعض الآخر توجيه تلك الأموال لصندوق الزكاة قبل أن توزع على مستحقيها من قبل الجهات المعنية•  

ويغتنم التجار في نفس الوقت هذا اليوم لبيع البضاعة المكدّسة بأثمان متواضعة تغري الزبائن وتجعلهم يتهافتون عليها بشكل ملفت للنظر، حيث يرى بعض الباعة  »أن هذه العملية تسمح بالمساهمة في العمل الخيري ونيل بركة هذا اليوم المبارك من جهة، والتخلص من المخزون المكدس وبالتالي تجديد الأنشطة وإنعاشها من جهة أخرى »•  

وبالمقابل يغتنم الفقراء الذين استلموا نصيبهم من أموال الزكاة كرم السوق و »رحمته » الموسمية بغية اقتناء حاجاتهم من ألبسة وأقمشة وأحذية ومختلف اللوازم المعروضة•

ومن الناحية الاجتماعية يرتبط يوم عاشوراء بعدد من العادات والتقاليد النابعة من صميم المجتمع والمتوارثة أبا عن جد، حيث تتميز بالاختلاف والتنوع من وسط اجتماعي إلى آخر، وكل منطقة صارت تضفي على هذه الطقوس شيئا من خصوصيتها التراثية والإجتماعية•

فتجد مثلا الطرق الصوفية الدينية التي تجعل من هذه المناسبة الفرصة المواتية للقيام ببعض الأنشطة على مستوى الزوايا، كالطريقة الجزولية العيساوية التي تكثف من  »حضراتها » بالأذكار والإبتهالات الروحية•  كما تتميز الاحتفالات بهذا اليوم على مستوى عاصمة الزيانيين بتحضير الأطعمة في أجواء عائلية، حيث تتشكل تلك الأطباق من بقايا لحوم الأضحية التي تم تجفيفها وتصبيرها خصيصا لهذه المناسبة، وكذا صناعة الحلويات والمأكولات الشعبية، منها على سبيل المثال  »الثريد » و »السفنج »، مع الإقبال على صيام هذا عاشوراء ويوم قبلها أو بعدها، عملا بسنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم• 

عن الأستاذ محمد قنانش

______________________________________________________________________________

شبهة  صيام عاشوراء


المبحث الأول

أخرج البخاري : عن عائشة رضي الله عنها قالت

كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه . 

وأخرجه مسلم  (وعنده : فلما جاء الإسلام ) .

والترمذي وقال:

(والعمل عند أهل العلم على حديث عائشة وهو حديث صحيح لا يرون صيام يوم عاشوراء واجبا)

وأخرج مسلم عن عبد الله بن عمر أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه

وفي رواية عنده : ((ومن كره فليدعه)) .

واخرج البخاري : عن ابن عمر قال صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك وكان عبد الله ابن عمر لا يصومه

واخرج البخاري: عن علقمة عن عبد الله ابن مسعود قال دخل عليه الأشعث وهو يطعم فقال اليوم عاشوراء فقال كان يصام قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ترك فادن فكل.

قلت :الأشعث هو ابن قيس كما ذكره ابن حجر في الفتح .

واخرج مسلم : عن عبد الرحمن بن يزيد قال دخل الأشعث بن قيس على عبد الله ابن مسعود وهو يتغذى فقال يا أبا محمد ادن إلى الغداء فقال أوليس اليوم يوم عاشوراء قال وهل تدري ما يوم عاشوراء قال وما هو قال إنما هو يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك .

أخرج مسلم :  عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ترجمة ابن مسعودمن هو ابن مسعود؟

قال الذهبى:« هو الإمام البحر فقيه الامة كان من السابقين الأولين، و من النجباءالعالمين شهد بدراً و هاجر الهجرتين… و مناقبه غزيره روى علماً كثيراً. اتفقا له فى الصحيحين على اربعة و ستين و انفرد له البخارى باخراج احد و عشرين حديثا ًو مسلم باخراج خمسة و ثلاثين حديثاً و له عند بقي بالمكرر ثماني مئة و اربعون حديثاً و نسب إلى الامام علي انه قال فيه: فقيه فى الدين عالم و بالسنة.

و عن ابى موسى: لا تسألونى عن شيء مادام هذا الحبر بين اظهركم و عنه ايضاً: مجلس كنت اجالسه ابن مسعود اوثق فى نفسى من عمل السنة.

و عن الشعبى: ما دخل الكوفة احد من الصحابة انفع علماً لا افقه صاحباً من عبدالله….»

اقول كيف يترك العامة قول من هو عندهم فقيه الامة و روى علماً كثيراً و انه عالم بالسنة و فقيه فى الدين و يقال بأن الامة اجمعت على الاستحباب و ترك قول ابن مسعود و ابن عمر؟!! و كيف يتلائم هذا مع مبناهم و اصولهم!!

اخرج مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميمى و قتيبة بن سعيد جميعاً عن حماد قال يحيى: اخبرنا حماد بن زيد عن غيلان عن عبدالله بن معبد الزمانى عن ابى قتادة رجل اتى النبى…ثلاث من كل شهر و رمضان الى رمضان فهذا صيام الدهر كله… و صيام يوم عاشورا احتسب على الله ان يكفر السنة التى قبله.»[1]

قال الترمذى: «لا نعلم فى شيء من الروايات انه قال:

صيام يوم عاشورا كفارة سنة

الا فى حديث ابى قتادة.»[2]

و قال ابن حجر: قال البخارى: لا يعرف له -اى ابن معبد- سماع من ابى قتاده.»[3] ذ

و اورده ابن عدى فى الضعفاء.[4]

 اخرج الهيثمى: عن عمار قال: امرنا بصوم عاشورا قبل ان ينزل رمضان فلما نزل رمضان لم نؤمر.[5]

قال الهيثمى: رواه الطبرانى فى الكبير و رجاله رجال الصحيح.

الاكاذيب فى التوسعة و الاكتحال فى عاشوراء:

لقد افتعلوا احاديث و نسبوها زوراً الى الرسول الاكرم فى فضل عاشورا مفادها: فضل التوسعة على العيال فى ذلك اليوم و الاكتحال و الادّهان و التطيب فيه و التزين..!! و هى كما ستعرف روايات ضعيفة الاسناد غريبة المتون و قد صرح علماء السنة بأنّها من مفتعلات جهلة وآنها من وضع الكذابين كما عن العينى و ان فيها من الكذب ما يقشعر له الجلد كما عن ابن الجوزى و أنها من وضع قتلة الإمام الحسين- بني امية – كما عن الحاكم و غيره و هذه التصريحات و الاعترافات الخطيرة تغنينا عن البحث فى اسناد هذه الاباطيل فنكتفى فى المقام ببعض تلك الموضوعات ثم بيان موقف علماء السنة منها:

– الشوكانى:  من وسع على عياله يوم عاشورا و سع الله عليه سائر سنة.»

رواه الطبرانى عن انس مرفوعاً و فى اسناده الهيصم بن شداخ مجهول.

و رواه العقيلى عن ابى هريرة و قال: سليمان بن ابى عبدالله مجهول و الحديث غير محفوظ. و قال فى اللئالي: قال الحافظ ابو الفضل العراقى فى امالية: قد ورد من حديث ابى هريرة من طرق: صحح بعضها ابو الفضل ابن ناصر و تعقبه ابن الجوزى فى الموضوعات و ابن تيمية فى فتوى له فحكما بوضع الحديث من تلك الطريق قال: و الحق ما قالاه.»[6]

اى ان الحديث موضوع. اقول اورد الهيثمى حديثين بهذا المضمون فى احدهما محمد بن اسماعيل الجعفرى قال فيه ابو حاتم: منكر الحديث.

و الثانى: عن ابن الشداخ و هو ضعيف جداً.[7]

 قال هشام الكلبى:  «انى ادركت بنى اود و هم يعلّمون ابنائهم و حرمهم سب علي و منهم رجل دخل على الحجاج فكلمه بكلام فاغلظ عليه الحجاج فى الجواب، فقال لا تقل هذا ايها الامير فما لقريش و لا لثقيف منقبة يعتدون بها الا و نحن نعتد بمثلها قال: و ما مناقبكم قال ما ينقص عثمان و لا يذكر بسوء فى نادينا قط، قال هذه منقبة قال و لا روىءَ منّا خارجى قط قال: منقبة. قال: و ما شهد منا مع ابى تراب مشاهده الا رجل فاسقطه ذلك عندنا قال: منقبة قال: و ما اراد رجل منا قط ان يتزوج امراة الا سال عنها: هل تحب ابا تراب او تذكره بخير؟ فان قيل أنها تفعل ذلك اجتنبها قال: منقبة. قال: ولا ولد فينا ذكر فسمى علياً و لا حسناً و لا حسيناً و لا ولدت فينا جارية فسميت فاطمه. قال: منقبة. قال: ونذرت امراة منا ان قتل الحسين ان تنحر عشر جزور فلما قتل وفت بنذرها، قال: منقبة. قال: و دعى رجل منا الى البرائة من على و لعنه، فقال: نعم و ازيدكم حسناً وحسيناً. قال منقبة والله (الغارات 2:843.) اذن من يكون هذا رايه فى آل البيت الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام لا يتورع فى جعل احاديث و بهذا الحجم من الاكاذيب تغطية لجرائم الشجرة الملعونة.

بن ناصر عن ابي هريرة :  ان الله افترض على بنى اسرائيل صوم يوم فى السنة و هو يوم عاشورا و هو اليوم العاشر من المحرم فصوموه و وسعوا على اهليكم فانه اليوم الذى تاب الله فيه على آدم. قال الشوكانى: «رواه ابن ناصر عن ابى هريرة مرفوعاً و ساق فى اللئالى مطولا: و فيه من الكذب على الله و على رسوله ما يقشعر له الجلد فلعن الله الكذابين و هو موضوع بلا شك.»[8]

قال ابن الجوزى: «… فمن الاحاديث التى و ضعوا:… عن الاعرج عن ابى هريرة قال: قال رسول الله ان الله عزوجل افترض على بنى اسرائيل صوم يوم فى السنة يوم عاشورا ء و هو اليوم العاشر من المحرم فصوموه[9] و وسعوا على اهليكم فانه من وسع على اهله من ماله يوم عاشورا وسع عليه سائر سنته فصوموه فانه اليوم الذى تاب الله فيه على آدم و هو اليوم الذى رفع الله فيه ادريس مكاناً علياً و هو اليوم الذى نجى فيه ابراهيم من النار و هو اليوم الذى اخرج فيه نوحاً من السفينة و هو اليوم الذى انزل الله فيه التوراة على موسى و فدى الله اسماعيل من الذبح و هو اليوم الذى اخرج الله يوسف من السجن و هو اليوم الذى ردَّ الله على يعقوب بصره و هو اليوم الذى كشف الله فيه عن ايوب البلاء و هو اليوم الذى اخرج الله فيه يونس من بطن الحوت. و هو اليوم الذى فلق الله فيه البحر لبنى اسرائيل و هو اليوم الذى غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم و ما تأخر و فى هذا اليوم عبر موسى البحر و فى هذا اليوم انزل الله تعالى التوبة على قوم يونس فمن صام هذا اليوم كانت له كفارة اربعين سنة. و اول يوم خلق الله من الدنيا يوم عاشورا….و اول مطر نزل من السماء يوم

قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يشك عاقل فى وضعه ولقد ابدع من وضعه و كشف القناع و لم يستحيى واتى فيه المستحيل و هو قوله: و اول يوم خلق الله يوم عاشورا و هذا تغفيل من واضعه لانه انما يسمى يوم عاشورا اذا سبقه تسعة.

و قال فيه: خلق السموات و الارض والجبال يوم عاشورا.

و فى الحديث الصحيح: ان الله تعالى خلق التربة يوم السبت و خلق الجبال يوم الاحد.

و فيه من التحريف فى مقادير الثواب الذى لا يليق بمحاسن الشريعة… و ما اظنه الأ دسّ فى احاديث الثقات و كان مع الذى رواه نوع تغفل و لا احسب ذلك الا فى المتاخرين. و ان كان يحيى بن معين قد قال فى ابن ابى الزناد: ليس بشىء و لا يحتج بحديثه و اسم ابى الزناد: عبدالله بن ذكوان و اسم ابنه عبدالرحمن كان ابن مهدى لا يحدث عنه.

و قال احمد: هو مضطرب الحديث و قال ابو حاتم الرازى: لا يحتج به فلعل بعض اهل الهوى قد ادخله فى حديثه.»[10]

ابن الجوزى: «…حدثنا حبيب بن ابى حبيب عن ابراهيم الصائغ عن ميمون بن مهران عن ابن عباس، قال: قال رسول الله من صام يوم عاشورا كتب الله له عبادة ستين سنة . . . إلى آخره »

قال ابن الجوزى:« هذا حديث موضوع بلا شك و قال احمد بن حنبل كان حبيب بن ابى حبيب يكذب و قال ابن عدى كان يضع الحديث و فى الرواة من يدخل بين حبيب و بين ابراهيم ابله.

قال ابو حاتم ابو حبان: هذا حديث باطل لا اصل له قال: و كان حبيب من اهل مرو يضع الحديث على الثقاة لا يحل كتب حديثه الا على سبيل القدح فيه.»[11]

اقول: و عن ابى داود: كان من اكذب الناس و عن الرازى و الازدى: متروك الحديث و عن ابن عدى: احاديثه كلها موضوعة، عن مالك و غيره و ذكر له عدة احاديث ثم قال: و هذه الاحاديث مع غيرها مما روى حبيب عن هشام بن سعد كلها موضوعة و عامة حديث حبيب موضوع المتن مقلوب الاسناد و لا يحتشم فى وضع الحديث على الثقات و امره بيّن فى الكذب.»[12]

 قول أئمة أهل البيت

عارض الائمة (عليهم السلام) هذه المؤامرة الاموية الخبيثة وتخطيطها الشيطانى بشأن اعلان يوم عاشورا عيداً فتصدوا لهذا التيار الظالم و البدعة القبيحة بكل ما لديهم من طاقة. فهم يكشفون الستار عن مؤامرة الشجرة الملعونة عاظهم فى جعل يوم شهادة الحسين(عليه السلام) يوم عيد و بركة لدفن القضية و صرف الاذهان عن الفاجعة الكبرى بشان سيد شباب اهل الجنة رجاء ان يعدل الرأى العام  من الاستنكار والشجب ونسيان الجريمة .

–  عن ابن طاووس:« و روينا باسنادنا الى مولانا على بن موسى الرضا(عليه السلام) انه قال: من ترك السعى فى حوائجه يوم عاشورا قضى الله له حوائج الدنيا والاخرة و من كان يوم عاشورا يوم مصيبته و حزنه و بكائه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه و سروره و قرت بنا فى الجنة عينه و من سمى يوم عاشورا يوم بركة وادخر لمنزله فيه شيئا لم يبارك له فيما ادخرها و حشر يوم القيامة مع يزيد و عبيد الله بن زياد و عمر بن سعد لعنهم الله فى اسفل درك من النار.»[13]

–  عن جبلة المكية، قالت:  سمعت ميثم التمار قدس الله روحه يقول: والله لتقتل هذه الامة ابن نبيها فى المحرم لعشر يمضين منه و ليتخّذن اعداء الله ذلك اليوم يوم بركة و ان ذلك لكائن قد سبق فى علم الله تعالى ذكره. اعلَم ذلك بعهد عهده الىَّ مولاى اميرالمؤمينن (عليه السلام) و لقد اخبرنى انه يبكى عليه كل شيء حتى الوحوش فى الفلوات و الحيتان فى البحر و الطير فى السماء و يبكى عليه الشمس و القمر والنجوم و السماء و الارض و مؤمنو الانس و الجن و جميع ملائكة السماوات والارضين و رضوان و مالك و حملة العرش و تمطر السماء دما و رماداً ثم قال: و جبت لعنة الله على قتلة الحسين كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله الها آخرو كما وجبت على اليهود و النصارى و المجوس

قالت: جبلة: فقلت له: يا ميثم ! فكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذى قتل فيه الحسين يوم بركة ؟ فبكى ميثم رضى الله عنه ثم قال: يزعمون لحديث يضعونه انه اليوم الذى تاب الله فيه على آدم و انما تاب الله على آدم فى ذى الحجة و يزعمون انه اليوم الذى قبل الله فيه توبة داود وانما قبل الله عزوجل توبته فى ذى الحجة و يزعمون انه اليوم الذى اخرج الله فيه يونس من بطن الحوت و انما اخرج الله عزوجل يونس من بطن الحوت فى ذى الحجة و يزعمون انه اليوم الذى استوت فيه سفينة نوح على الجودي و انما استوت على الجودي فى يوم الثامن عشر من ذى الحجة و يزعمون انه اليوم الذى فلق الله عزوجل فيه البحر لبنى اسرائيل و انما كان ذلك فى ربيع الاول ثم قال ميثم: يا جبلة اعلمى ان الحسين بن على سيد الشهداء يوم القيامة و لأصحابه على سائر الشهداء درجة.

يا جبلة: اذا نظرت السماء حمراء كانها دم فاعلمى ان سيد الشهداء الحسين قتل. قالت جبلة: فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كانها الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ و بكيت و قلت: قد والله قتل سيدنا الحسين بن علي

 المبحث  الثاني

اولاً – كلام اهل اللغة: ان كلمة عاشوراء لم تكن معروفة قبل استشهاد الامام الحسين عليه السلام واهل بيته في العاشر من محرم وبرزت كلمة عاشوراء بعد احيائها من قبل ائمة اهل البيت عليهم السلام ومحبيهم، وهذا ما يؤكده ابن الاثير في كتابه النهاية  حيث يقول  :    ان عاشوراء اسم اسلامي. وهذا ما اكده ابن دريد ايضاً في الجمهرة، اي عاشوراء اسم اسلامي لا يعرف في الجاهلية، واكده القاضي عياض في مشارق الانوار  :   ان عاشوراء اسم اسلامي لا يعرف في الجاهلية.

ثانيا – كلام أهل التاريخ:

أ – الفلكي ابو ريحان البيروني في كتابه الآثار الباقية، نقل عنه العلامة الشيخ عباس القمي في الكنى والالقاب قوله: ان بني امية لبسوا وتزينوا واكتحلوا واقاموا الولائم واطعموا الحلاوات في قتلهم الامام الحسين عليه السلام، بينما الشيعة ينوحون ويبكون اسفا لقتل سيد الشهداء عليه السلام.

ب – قال المقريزي في خططه بعد ذكره لحزن العلويين المصريين يوم عاشوراء وتعطيلهم للاسواق: ان الايوبيين اتخذوا عاشوراء يوم سرور

وينبسطون في المطاعم جريا على عادة اهل الشام التي سنها لهم الحجاج ليرغموا آناف شيعة علي بن ابي طالب الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن.وقال: وقد ادركنا بقايا مما علمه بنو ايوب من اتخاذ عاشوراء يوم سرور.

ثالثا: كلام أهل الفلك.

أ – يقول الفلكي محمود باشا في تقويم العرب قبل الاسلام: ان هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كانت يوم الاول من ربيع الاول، ولم يكن يوم العاشر من محرم مع العلم ان اليهود يصومون يوم العاشر من شهرهم المسمى «تشري» وهو يوم الكفارة المزامن لتلقي اللوح الثاني من الواح الشريعة العشرة وخص هذا اليوم في دينهم لتبادل العفو فيما بينهم، وكيفية حياتهم تختلف عنا ايضا، فهم يصومون من غروب الشمس الى غروبها من اليوم التالي.

ب يقول الفلكي الكويتي د. صالح العجيري: ان بالحساب الفلكي الموثوق ان اليهود كانوا صائمين يوم دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بذات اليوم وليس بيوم اخر سواه حسبما تقدم، وبالحساب الفلكي فان يوم الهجرة النبوية الشريفة هو الاثنين 8 ربيع الاول من سنة 1 هجرية الموافق 20 سبتمبر 622م المصادف 10 تشري سنة 383 عبرية يوم عاشوراء اليهود وكانوا صائمين نفس اليوم.                  

فكيف تم نقل صيام عاشوراء من شهر ربيع الاول الى العاشر من محرم يوم مقتل الحسين عليه السلام؟!

ولليهود يومان في السنة كلاهما عاشوراء، اولهما العاشر من شهر «تشري» اول شهور السنة العبرية، والثاني العاشر من شهر «طبت» رابع

شهور السنة العبرية الذي يصادف ذو القعدة، فلماذا لا يصومون هذا اليوم بدلا من العاشر من المحرم الحرام يوم استشهاد الامام الحسين عليه السلام؟

رابعاً – كلام أهل الحديث:

(1) أجاب ابن تيمية في الفتاوى الكبرى عن اظهار السرور في يوم عاشوراء وهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح،

قال: انه لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن اصحابه، ولا استحب ذلك احد من ائمة المسلمين ولا غيرهم

ولا روى اهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا ولا يعرف شيء من هذه الاحاديث على عهد القرون الفاضلة. وفي جواب آخر يقول: انما جعلوا يوم عاشوراء يوم افراحهم مقابل الشيعة الذين جعلوه يوم أحزانهم!

(2) يقول ابن الجوزي: «تمذهب قوم من الجهال بمذهب اهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا احاديث في فضل عاشوراء ونحن براء

من الفريقين».

(3) عن عائشة ام المؤمنين قالت: «كانوا يصومون عاشوراء قبل ان يفرض رمضان وكان يوما تستر فيه الكعبة، فلما فرض الله رمضان

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء ان يصومه فليصمه ومن شاء ان يتركه فليتركه». فلماذا الاصرار على صيام عاشوراء وعدم الاصرار على صيام يوم ستر الكعبة والتركيز على عاشوراء الحسين عليه السلام؟

وواضح من كلام الرسول عليه السلام «من شاء فليصمه ومن شاء فليتركه» انه عليه السلام يلغي اي خصوصية لصيام يوم عاشوراء ويجعله كباقي ايام السنة.

(4) روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود وعن عبدالله بن عمر: ان اهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وان رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل ان يفترض شهر رمضان فلما فرض صيام شهر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان عاشوراء

يوم من ايام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه»! وواضح هنا نفي اي خصوصية لصيام يوم عاشوراء وهو كبقية أيام السنة.

(5) وفي صحيح مسلم عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.

وواضح من هذا الحديث عدم خصوصية صيام يوم عاشوراء، ولكن كل شهر محرم الحرام بعد شهر رمضان المبارك ليس الا.

(6) وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عباس يقول: حين صام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم عاشوراء وامر بصيامه قالوا:

يا رسول الله انه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): فإذا كان العام المقبل ان شاء الله صمنا اليوم التاسع،

قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

ونرى بوضوح .

اولا: كيف يصوم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم عاشوراء وهو يوم يعظمه اليهود. وهل رسول الله جاهل بشريعة نبينا موسى عليه السلام حتى ينبهه اصحابه بذلك وهو العليم بجميع شرائع الله وما نزل منها سبحانه وتعالى؟!

وثانيا: ما علاقة النصارى باليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام كما يقولون في هذا الحديث؟!

ثالثا: كل المسلمين يروون عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا تشبهوا باليهود، ومن تشبه بقوم فهو منهم»! فكيف يتشبه

الرسول (صلى الله عليه وسلم) باليهود بصيامه يوم عاشوراء؟!

رابعا: قوله عليه السلام: اذا كان العام المقبل ان شاء الله صمنا يوم التاسع، وهذه دلالة قوية على عدم خصوصية صيام يوم عاشوراء لأنه

عليه السلام اشار إلى انه سوف يصوم التاسع فلماذا الاصرار اذن على صيام عاشوراء ومخالفة رغبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

بمخالفته اليهود وصيامه يوم التاسع منه كما في الحديث؟

وقد ذكر النووي في حكم استحباب صوم تاسوعاء وابن عباس وسعيد بن المسيب، ونص عليه احمد بن حنبل وقال الشافعي: انه يستحب صوم

التاسع لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) صام العاشر ونوى صوم التاسع منه.

خامسا: واضح عدم صحة مثل هذه الروايات، حيث قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة في السنة الاولى من الهجرة وعاش فيها الى

السنة العاشرة منها، فكيف تقول الرواية «فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)»في حين عاش رسول الله (صلى

الله عليه وسلم) عشر سنوات بعد الهجرة؟

ولم تبين الروايات والاحاديث صومه عليه السلام لا يوم التاسع ولا العاشر ولا الجمع بينهما كما في احاديث اخرى موضوعة.

سادسا: ان هذا الحديث يخالف الحديث السابق وغيره: ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يصوم عاشوراء في الجاهلية!

واخيرا وليس اخرا يقول ابن حجر في فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ان الباعث على امر النبي «صلى الله عليه وسلم» بصومه

مخالفة اليهود لأن يوم العيد لا يصام!

وما علاقة المسلمين بعيد اليهود وصيامهم؟ وهل تشريعات المسلمين تبنى على مخالفة تشريعات اليهود او النصارى مع مخالفة ذلك لحديث آخر هو قوله عليه السلام: «فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه».

فكيف يخالفهم رسول الله «صلى الله عليه وسلم» ويصوم يوم صيامهم؟!

فما كل هذه التناقضات في هذه الروايات؟!

الرواة: بعض رواة حديث صيام يوم عاشوراء مثل ابي موسى الاشعري، لم يدخل المدينة إلا بعد سنوات من هجرة الرسول «صلى الله عليه وسلم» إليها،

فكيف يروي عن رسول الله وهو بمكة المكرمة؟!

ومن الرواة ايضاً عبدالله بن الزبير وكان عمره يوم الهجرة دون السابعة.

ومن الرواة ايضاً معاوية بن أبي سفيان! والمعروف ان معاوية وأباه ابو سفيان لم يسلما إلا بعد سنوات من الهجرة النبوية، بل في عام الفتح.

وبالتالي واضح ان هذه الاحاديث سندها ضعيف، واحتمال قوتها ضعيف جداً.

والخلاصة:

إن الاحاديث التي وضعت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل صيام يوم عاشوراء، لا اصل لها وانها موضوعة.

ولم يكن يصوم عاشوراء لا اليهود ولا النصارى ولا المسلمون.

فتعالوا نصوم أياماً اخرى من السنة وهي كثيرة ودعونا في يوم عاشوراء نتذكر تلك التضحيات الكبيرة التي قدمها ابو الشهداء والاحرار الحسين بن

علي عليهما السلام في سبيل الحفاظ على الدين من  الانحرافات،

ولنتذكر في هذا اليوم الحزين جميع الشهداء الذين سقطوا في التاريخ دفاعاً عن الحق والحرية وبالتالي يكون يوم الحسين عليه السلام يوم الشهيد نستذكر فيه الشهادة والشهيد.

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:(قل لا أسألكم عليه أجراء إلا المودة في القربى). ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:« إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي اهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا».

روى الشيخ الصدوق باسناده الى الامام الرضا عليه السلام كما في امالي الصدوق ومناقب ابن شهر آشوب أنه قال:  ان المحرم شهر كان اهل الجاهلية يحرمون فيه القتال واستحلت فيه دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا وسبي فيها ذرارينا واضرمت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا ولم ترع لرسول الله حرمة في امرنا».

وان يوم الحسين اقرح جفوننا واسبل دموعنا واذل عزيزنا أرض كرب وبلاء وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء. فعلى مثل الحسين فليبكً الباكون فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام.


[1] – مسلم 2:489. ابن ماجة 1:553. انظر احمد 5:307 و 308و 311و 296و304و295و مصنف عبدالرزاق 4:286/ح 7832و السننن الكبرى 4:286. الحميدى 1:205/ح 429.

[2] – الجامع الصحيح 3:126/ب48/ ح752.

[3] – تهذيب التهذيب 6:36.

[4] – الكامل فى الضعفاء 4:224.

[5] –   مجمع الزوائد 3:188و186. كنزالعمال 8:656/ ح 24593.

[6] – الفوائد المجموعة للشوكانى :100.

[7] – مجمع الزوائد 3:189.

– [8] الفوائد المجموعة: 100                                        

[9]ان ابن تيمية يقبح اعمال بنى امية و يحكم بوضع حديث صوم عاشورا انظر كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم – نشر مكتبة الرياض الحديثة.

[10] الموضوعات  2- 202

[11] –  الموضوعات 2:202. والصحيح ابن حبان بدل «ابو حبان »                          

[12] –  تهذيب الكمال 4:116. الكامل فى الضعفاء 2:412. و الحديث هذا الذى شانه و انه اشبه شىء بالاساطير مع ذلك نرى ان البعض من العامة يورده فى كتابه و يرسله ارسال المسلمات من دون اى نقد و تحقيق. كما ارتكبه فى حاشية الجمل على شرح المنهج 2: 347.

[13] الاقبال 3:82. عنه البحار 95:344و 44:284رواه فى عيون اخبار الرضا 2:299. امالى الصدوق :112. الوسائل 14:504/ ب 66/ ح 7.

عن الأستاذ ناصر عبود

إعداد: محمد بن أحمد باغلي