الشَّابُ الظَّرِيفُ التِّلِمْسَانِي

شمس الدين محمّد بن عفيف الدّين سليمان بن شمس الدين علي بن تيس العُبَّادِي الكومي التّلمساني

وُلِدَ فِي القَاهِرَةِ عَام 661هـ

الموافق في غرّته 14 نوفمبر1262م

تُوُفِيَّ بِدِمَشْق عَام 688هـ

الموافق في غرّته 25 جانفي 1289م

نَشَأَ بِدِمَشْق وَوُلِيَ عَمَالَةَ الخَزَانَةِ فِيهَا

– لَهُ فِي النَّثْرِ « مَقَامَاتُ العُشَّاقِ »

قام بتحقيق وترجمة نصّها التُّهَامِي الشَّرْقِي سنة 1984 بجامعة وهران

– وله ديوان شعر

طبع في مصر عام 1287هـ ثمّ 1308هـ وفي بيروت سنة 1885م وفي العراق سنة 1967م.

ثمّ طبع بالجزائر في سنة 1991م في مجموعة الأنيس بتقديم محمّد قنانش المعروف في كتاباته خلال الحركة الوطنية باسم »الشاب الظريف التلمساني » الذي اقترحه عليه مفدي زكرياء.

****

قطعة أدبية لشهاب الدين بن فضل الله العمري المتوفّى 749هـ/م1348

يقرض بها شعر الشّاب الظّريف التّلمساني:

 نَسِيمٌ سَرَى وَنَعِيمٌ جَرَى وَطَيْفُ، لاَ بَلْ أَخَفَّ مَوْقِعًا مِنَ الكَرَى.

لَمْ يَأْتِ إِلاَّ بِمَا خَفَّ عَلَى القُلُوبِ وَبُرْئَ مِنَ العُيُوبِ. رَقَّ شِعْرُهُ فَكَادَ أَنْ يُشْرَبَ، وَدَقَّ فَلاَ غَرْوَ لِلْقَضْبِ أَنْ تَرْقُصَ وَالحَمَامِ أَنْ يَطْرِبَ، وَلَزِمَ طَرِيقَةً دَخَلَ فِيهَا بِلاَ اسْتِئْذَانِ، وَوَلَجَ القُلُوبَ وَلَمْ يَقْرَعْ بَابَ الآذَانِ.

وَكَانَ لِأَهْلِ عَصْرِهِ، وَمَنْ جَاءَ عَلَى آثَارِهِمْ اِفْتِنَانٌ بِشِعْرِهِ، وَخَاصَّةً أَهْلَ دِمَشْقَ. فَإِنَّهُ بَيْنَ غَمَائِمَ حِيَاضِهِمْ رُبًى، وَفِي كَمَائِمِ رِيَاضِهِمْ حُبًى، حَتَّى تَدَفَّقَ نَهْرُهُ، وَأَيْنَعَ زَهْرُهُ. وَقَدْ أَدْرَكْتُ جَمَاعَةً مِنْ خُلَطَائِهِ، لاَ يَرَوْنَ عَلَيْهِ تَفْضِيلَ شَاعِرٍ. وَلاَ يَرَوْنَ لَهُ شِعْرًا إِلاَّ وَهُمْ يُعَظِّمُونَهُ كَالمَشَاعِرِ. وَلاَ يَنْظُرُونَ لَهُ بَيْتًا ِإلاَّ كَالَبيْتِ. وَلاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِ سَابِقًا حَتَّى لَوْ قُلْتَ: « وَلاَ امْرَأَ القَيْسِ لَمَا بَالَيْتَ ». وَمَرَّتْ لَهُ وَلَهُمْ بِالحِمَى أَوْقَاتٌ لَمْ يَبْقَ مِنْ زَمَانِهَا إِلاَّ تَذَكُّرُهُ، وَلاَ مِنْ إِحْسَانِهَا إِلاَّ تَشَكُّرُهُ. وَأَكْثَرُ شِعْرِهِ، لاَ بَلْ كُلُّهُ، رَشِيقُ الأَلْفَاظِ سَهْلٌ عَلَى الحُفَّاظِ لاَ يَخْلُو مِنَ الأَلْفَاظِ العَامِّيَّةِ، وَمَا تَحْلُو بِهِ المَذَاهِبُ الكَلاَمِيِّةِ. فَلِهَذَا عَلِقَ بِكُلِّ خَاطِرٍ، وَوَلِعَ بِهِ كُلُّ ذَاكِرٍ.

وَعَاجَلَهُ أَجَلُهُ فَاحْتُرِمَ، وَحُرِمَ أَحِبَّاءُهُ لَذَّةَ الحَيَاةِ وَحُرِمَ.

 

من أشهر قصائد الشّاب الظّريف التّلمساني 

1.  لاَ تَخْفِ  مَا صَنَعَتْ  بِكَ  الأَشْوَاقُ *

وَاشْـرَحْ هَوَاكَ  فَكُلُّنَا  عُشَّاقُ 

2.  قَدْ كَانَ يُخْفَى الحُبُّ لَوْلاَ دَمْعُك الـ*

ـجَارِي  وَلَوْلاَ  قَلْبُك  الخَفَّاقُ 

3.  فَعَسَى يُعِينُك مَنْ شَكَوْت لَهُ الهَوَى  *

فِي حَـمْلِـهِ فَالعَاشِقُونَ رِفَاقُ 

4.  لاَ تَجْزِعَنَّ فَلَسْتَ أَوَّلُ مُغْـــرَمٍ  *

فَتَكَتْ بِهِ الوَجَنَاتُ  وَالأَحْدَاقُ 

5.  وَاصْبِـرْ عَلَى هَجْـرِ الحَبِيبِ فَرُبَّمَا *

عَادَ الوِصَالُ  وَلِلْهَوَى  أَخْلاَقُ 

6.  كَمْ لَيْلَةٍ أَسْهَرْتُ أَحْـــدَاقِي بِهَا *

مَلْقًى وَلِلأَفْكَارِ بِي ِإحْــدَاقُ  

7.  يَا رَبُّ! قَدْ بَعُـــدَ الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ *

عَنِّي وَقَدْ أَلِفَ الرِّفَاقُ فِــرَاقُ 

8.  وَاسْوَدَّ حَظِّي عِنْدَهُمْ لَمَّا سَــرَى *

فِيهِ بِنَارِ  صَبَابَتِي  ِإحْـــرَاقُ  

9.  عُـــرْبٌ رَأَيْتُ أَصَحَّ مِيثَاقٍ لَهُمْ *

أَنْ لاَ يَصِحَّ لَـــدَيْهِمْ  مِيثَاقُ 

10.     وَعَلَى النِّيَّاقِ وَفِي الأَكِلَّةِ مَعْرَضٌ *

فِيهِ نِفَارٌ دَائِـــــمٌ وَنِفَاقٌ 

11.     مَا  نَاءَ  ِإلاَّ  حَارَبَتْ  أَرْدَافَــهُ *

خَصْرًا عَلَيْهِ  مِنَ  العُيُونِ  نِطَاقُ

 12.     تَرْنُو العُيُونُ إِلَيْهِ  فِي  أَطْــرَافِهِ *

فَإِذَا  رَنَا  فَلِكُلِّهَا   ِإطْــرَاقُ  

 

من أشهر مدحه للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم 

 1.  أَرْضُ  الأَحِبَّةِ  مِنْ سَفْحٍ  وَمِنْ كُثُبٍ *

سَقَاكَ مُنْهَمِـرُ الأَنْوَاءِ مِنْ كَثَبِ

2.  وَلاَ عُدْتَ أَهْلَكَ النَّائِينَ مِنْ نَفْسِ الـ*

صِّبَا تَحِيَّةُ عَانِي  القَلْبِ  مُكْتَئِبِ 

3.  قَوْمٌ هُمُ العُــرْبُ مُحَمَّى جَارِهِمْ  *

فَلاَ رَعَى اللهُ ِإلاَّ أَوْجُهِ  العَـرَبِ 

4.  أَعَزُّ عِنْدِي مِنْ سَمْعِي وَمِنْ بَصَرِي *

وَمِنْ فُؤَادِي وَمِنْ أَهْلِي وَمِنْ نَشَبِي 

5.  لَهُم ْعَلِيَّ حُقُوقٌ مُذْ عَــرَفْتُهُمْ  *

كَأَنَّنِي   بَيْنَ  أُمٍّ مِنْـهُـمْ    وَأَبِ 

6.  إِنْ كَانَ أَحْسَنُ مَا فِي الشِّعْرِ أَكْذَبَهُ*

فَحُسْنُ شِعْرِي فِيهِمْ غَيْرُ ذِي كَذِبِ 

7.  حَيَّاكَ يَا تُرْبَةَ الهَادِي الشَّفِيعِ حَيًا *

بِمَنْطِقِ الرَّعْدِ بَادٍ  مِنْ فَـمِ السَّحَبِ 

8.  يَا سَاكِنِي طِيبَةَ الفَيْحَاءَ هَلْ زَمَنٌ *

يُدْنِي المُحِبَّ لِنَيْلِ  السُّؤْلِ  وَالأَرِبِ 

9.  ضَمَمْتُ أَعْظُمَ مَنْ يُدْعَى بِأَعْظَمِ مَنْ*

يَسْعَى ِإلَيْهِ أَخُو صِدْقٍ فَلَمْ  يَخِبِ 

10.     وَحُزْتُ أَفْصَحَ مَنْ يَهْدِي وَأَوْضَحَ مَنْ *

   يُبْدِي وَأَرْجَحَ مَنْ يُعْزِي ِإلَى نَسَبِ 

11.     تَحْدُوا النِّيَّاقُ كِرَامَ نَحْوَ تُرْبَتِهِ *

فَتَمْلَأُ الأَرْضَ مِنْ نُجْبِ وَمِنْ نُحُبِ 

12.     يَسْعَوْنَ نَحْوَ هِضَابٍ طَابَ مَوْرِدُهَا*

كَأَنَّمَا العَذْبُ مُشْتَقُّ مِنَ العَذَبِ 

13.     أَرْضٌ مَعَ اللهِ عَيْنُ الشَّمْسِ تَحْرِسُهَا*

فَِإنْ تَغِبْ حَرَسَتْهَا أَعْيُنُ الشِّهَبِ 

14.     يَا خَيْــرَ سَاعٍ بَبَاعٍ لاَ يُرَدُّ وَيَا *

أَجَلَّ دَاعٍ مُطَاعٍ  طَاهِرِ الحَسَبِ 

15.     مَاكَانَ يَرْضَى لَكَ الرَّحْمَـنُ مَنْزِلَةً *

يَاأَشْرَفَ الخلْقِ إِلاَّأَشْرَفَ الرُّتَبِ 

16.     لِي مِنْ ذُنُوبِي ذَنْبٌ وَافِـرٌ فَعَسَى*

شَفَاعَةٌ مِنْكَ تُنَجِّينِي مِنَ اللَّهَبِ 

17.     جَعَلْتُ حُبَّكَ لِي ذُخْرًا وَمُعْتَمَدًا *

فَكَأَنَّ لِي نَاظِرًا مِنْ نَاظِرِ النُّوَبِ 

18.     ِإلَيْكَ وَجَّـهْتُ آمَالِي فَلاَ حُجِبَتْ *

عَنْ بَابِ جُودِكَ ِإنَّ المَوْتَ فِي الحُجُبِ 

19.     وَقَدْ دَعَوْتُكَ أَرْجُو مِنْكَ مَكْرُمَةً*

حَاشَاكَ حَاشَاكَ أَنْ تُدْعَىفَلَمْ تَجِبِ 

مقامة العشّاق

لم أزل مذ بلغت سن التّمييز، أولع بنظم الأراجز. وقد شبّ عمري عن الطّوق، مغرى بالغرام والشّوق. أعتمد خلع العذار، في حبّ السّالف والعذار وأهيم بالشمول والشّمائل، وأشرب في زجاجة صفراء كالأصائل. وأقدم على رشف ثغور البيض، ولا أقدم حذراً من ضرب المرهفات البيض. وأتوجّه لضمّ أعطاف السّمر، ولا أتوجّع لضيم انعطاف السّمر. وأتنزّه في كلّ نادٍ ووادٍ، وأتنزّه عن كلّ معاندٍ ومعادٍ. فخرجت بعض الأيّام إلى الغياض، وولجت بين حياض ورياض. قد ضاع نشرها، وضاء بشرها. وقبّل خد الشّقيق بها ثغر الأقاح.  وملأت قماريها تلك النّواحي بالنّواح. فمن جدول يميل كالأيّم، شطآه بالزّهر كقزح في الغيم. فهو من صور الحباب كالحباب، ومن طرف الاضطراب في عباب. تصفق غدرانها وترقص أغصانها، وتفخر أزهارها، ويشدو هزارها، وتبكي عيون نرجسها بينبوع منبجسها، ويميل طربًا وسميها إذا أتاه نسيمها، ويحمرّ شقيقها خجلاً، ويصفرّ بهارها وجلا.

ويبدو حسنها خضرا  * 

ويبدي زهرها خضلا

إذا ما الصب شاهده  *

  صبا واستأنف الغزلا

وتحسب جنة الفردو  *

  س عنه حسنها  نقلا

ومنها:

 وأمّاسبب تعلقي بحبّه، ووقوع قلبي في شراك عينيه وهدبه أنّه تراءى لي بعض الأيّام بالجامع المعمور وهو من وجهه وشعره كالقمر في الديجور. يميس كالقضيب، ويرنو كالرّشأ الرّبيب. قد حمى ورد خدّه وأقاح ثغره بعقارب أصداغه وحيّات شعره.

قمر رأيت الكون ضاء ببشره  *

  لما سرى حسنا وضاع بنشره

ظبي وما للظبي لفتة  جيـده  * 

غصن وما للغصن دقّة خصره

يبـدو اعتدال قوامه في ميله  * 

وتبين صحّة جفنه في كسـره

قد استمد بديع الشعر منه نقسه، فعرض بديع الحسن عليه نفسه. فللجمال بوجهه تقسيم، وللحسن بناظره تسهيم.

ومنها يصف محبوبه

 وجه كالبدر في سناه وسنِّه، وعطف لا يشفع العطف عنده إلاّ بإذنه، ومبسم كالبرق ضياء ولمعا، وعين يخيّل لي من سحرها أنّها تسعى. قد نادت محاسن وجهه بكلّ من هام بحبّها: لنأتينّكم بجنود لا قِبَلَ لكم بها. وقد أحدق بكلّ ناظر وحدّق إلى جماله المناظر. فراقتني هيبته، وجعلت أستجلي محيّاه، واستحلى من حديث حميّاه. فما أرسلت إليه رائد نظرة إلاّ وأرسل إليّ حسرة. فعدت إلى منزلي بأسى وأسف، وشعف وشغف، أكفكف الدّموع، وأطوي على الحرِّ الضّلوع وبتّ لا أعرف للمنام بجفني قرارًا، ولا أجد عن الغرام لقلبي فرارًا

 

إعداد: محمد بن أحمد باغلي