قراءة في كتاب المواقف والمخاطبات  للنفري

وشرحه  لعفيف الدين التلمساني

 الموقف رقم 8: موقف الوقفة

 إعداد وتحقيق:  محمد بن أحمد باغلي

من هو النفري ؟

محمّد بن عبد الجبّار بن الحسن ابن أحمد النفّري الصوفي البصري ( ت354 هـ/م 965 )

عاش محمّد بن عبد الجبّار النفّري في آفاق الدنيا الواسعة، سائحًا طوّافاً مجهولاً، لا تستقر به أرض، ولا يهدأ له قدم أو حال أو مقام.

»كُلَّمَا اتَّسَعَتِ الرُّؤْيَةُ، ضَاقَت العِبَارَةُ…«

نشر « آرثر أربري » سنة 1934 بالقاهرة المواقف والمخاطبات للنفّري

تأليف النفّري يحتوي على 78 موقفاً وعلى 57 مخاطبة.

يقول عفيف الدين التلمساني بأن هناك من يقول بأنّ الذي أعدّ المواقف هو ابن الشيخ النفّري وهناك من يقول أنّ الذي سجّل هذه الممواقف هو ابن ابنة الشيخ النفّري وليس ولده المباشر وليس الشيخ نفسه بكلّ تأكيد.

الشارح الأوّل والأخير للمواقف والمخاطبات هو عفيف الدين التلمساني المولود بتلمسان 616هـ/م1219، المتوفى بدمشق 690هـ/م1291.

من هو عفيف الدين التلمساني ؟

سليمان بن شمس الدين علي بن عبد الله علي بن تيس العُبَّادِي الكومي التّلمساني

وُلِدَ وَنَشأَ بِتِلِمْسَان عام 610هـ

الموافق في غرّته 22 ماي 1213م

تُوُفِيَّ بِدِمَشق  عام 690هـ

 الموافق في غرّته 4 جانفي 1291م

أَدِيب، مُتصوّف، شاعر :

 » مَنْ عَرَفَ اللهَ، كَيْفَ يَخَافُهُ !

وَاللهِ!  مُنْذُ عَرَفْتُهُ مَا خِفْتُهُ وَأَنَا فَرْحَانٌ بِلِقَائِهِ

رحلات عفيف الدين التلمساني :

 ارتحل إلى الشرق فدخل القاهرة ثمّ سافر إلى بلاد الرّوم وبنى فيها أربعين خلوةً ثمّ استوطن دمشق وعُيِّن موكلاً بخزانة مال دمشق. كان متصوفًا، يتكلّم على اصطلاح « القوم » ويتّبع طريقة ابن العربي في أقواله وأفعاله .  اتّهمه فريق بالميل إلى مذهب النصيرية . أُصيب بفاجعة لا يصبر عليها كثير من الأدباء وهي أنّ ابنه الشاب الظّريف التّلمساني توفيّ في معية الصبا، ولم يدرك الثلاثين، فغالت أحزانه على ابنه ورثاه ذاكرًا أخاه أيضًا بمرثاة يرثي لهما. وتوفي بعده بعامين.

من مؤلّفاته :

  v– شرح « مواقف » النفّري (ت 354هـ/م965) من خلال نظرية وحدة الوجود لابن عربي ومدرسته الكبرى التي نجد من أعلامها عفيف الدّين التلمساني نفسه.

v– شرح كتاب الفصوص لابن عربي

v– شرح كتاب « منازل السائرين » للمردي

v– شرح أسماء الله الحسنى

v– شرح قصيدة ابن سينا في الروح التي مطلعها :

هبطت إليك في المحلّ الأرفع *

 ورقاء ذات تعزز وتمنع

–        vله كتاب في العروض

–        vوله ديوان شعر،

   قال فيه الذهبي : « وشعره في الذّروة العليا من حيث البلاغة ».

8 موقف الوقفة

أَوْقَفَنِي فِي الوَقْفَةِ

1.8.- وَقَالَ لِي:

               إنْ لَمْ تَظْفَرْ بِي ، 

               أَلَيْسَ يَظْفِرُ بِكَ سِوَايَ؟

1.1.8.- قلت : معناه: إِنْ لَمْ تَظْفَرْ بِي، فَقَدْ أَخَذَتْكَ القَوَاطِعُ وَظَفَرَتْ بِكَ المَوَانِعُ.

وَلِنَذْكُرْ شَيْئاً مِنْ مَعْنَى الوَقْفَةِ:

هِيَ مَقَامُ فَنَاءَ ذَاتِ الطَّالِبِ فِي ذَاتِ المَطْلُوبِ.

وَسُمِّيَتْ ‘وَقْفَةُ’ لِلْوُقُوفِ فِيهَا عَنِ الطَّلَبِ.

وَهِيَ نِهَايَةُ السَّفَرِ الأَوَّلِ مِنَ الأَسْفَارِ الأَرْبَعَةِ.

وَأَوَّلُ هَذَا السَّفَرُ هُوَ فَوْقَ التَّعَرُّفِ وَآخِرُهُ الوَقْفَةُ.

 2.8.- وَقَالَ لِي:

                     مَنْ وَقَفَ بِي، أَلْبَسْتُهُ الزِّينَةَ

                فَلَمْ يَرَ لِشَيْءٍ زِينَةً.

1.2.8.- قلت :  الزِّينَةُ، هُنَا:

                     مَعَانِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالأَفْعَالِ.

فَكَأَنَّهُ يَجْعَلُهُ مَعْنَى الكَوْنِ كُلِّهِ ، وَتَقُومُ بِهِ صِفَاتُ سَيِّدِهِ،  وَالحُسْنُ كُلُّهُ منْهَا، فَيَكُونُ الحُسْنُ كُلُّهُ لَهُ.

فَلاَ يَرَى لِشَيْءٍ غَيْرَهُ زِينَةً.

 3.8.- وَقَالَ لِي:

                تَطَهَّرْ لِلْوَقْفَةِ وَإِلاَّ نَفَضْتُكَ.

1.3.8- قلت :  معناه: تَطَهَّرْ مِنْ دَنَسِ السِّوَى وَإِلاّ نَفَضَكَ مَقَامُ الوَقْفَةِ أَيْ رَمَى بِكَ.

وَصِفَةُ الطُّهُورِ، الإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَى المُطَهَّرِِ الحَقِّ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

وَالطَّهَارَةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالحَقِّ، وَلاَ قُدْرَةَ لِلْخَلْقِ عَلَى تَحْصِيلِهَا لِأَنَّهَا الفَنَاءُ عَنْ رُؤْيَةِ الخَلْقِ.

4.8.- وَقَالَ لِي

                إِنْ بَقِيَ عَلَيْكَ جَاذِبٌ مِنَ السِّوَى،            

                لَمْ تَقِفْ.

1.4.8.- قلت :  يَعْنِي بِالجَاذِبِ أَدْنَى تَعَلُّقِِ بِشَيْءٍ مَا غَيْرِهِ –تَعَالَى- مِنْ حَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ.

 5.8.- وَقَالَ لِي:

                فِي الوَقْفَةِ تَرَى السِّوَى بِمَبْلَغِ السِّوَى    

                فَإِذَا رَأَيْتَهُ خَرَجْتَ.

1.5.8- قلت :  مَبْلَغُ السِّوَى أَنْ يَكُونَ عَدَماً، وَمَنْ رَآهُ كَذَلِكَ خَرَجَ عَنْهُ، وَمَنْ رَآهُ وُجُودِيًّا لَمْ يَرِدْ بِمَبْلَغِهِ. فَلاَ جَرَمَ أَنَّهُ قَدْ لاَ يَخْرُجْ عَنْهُ.

 6.8.- وَقَالَ لِي

                 الوَقْفَةُ يَنْبُوعُ العِلْمِ،

                 فَمَنْ وَقَفَ كَانَ عِلْمُهُ تِلْقَاءَ نَفْسِهِ،

                 وَمَنْ لَمْ يَقِفْ كَانَ عِلْمُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ .

1.6.8.- قلت :  معناه: أَنَّ مَنْ وَقَفَ كَانَ عِلْمُهُ تَفْصِيلَ نَفْسِه ِ، وَهُوَ مَعْنَى تِلْقَاءَ نَفْسِهِ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: كَانَ عِلْمُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، أَيْ لَمْ يَأْخُذْ عِلْمُهُ فِعْلاً وَلاَ تَقْلِيداً. وَمَنْ لَمْ يَقِفْ كَانَ عِلْمُهُ نَقْلاً فَحَسْب. وَأَهْلُ النَّظَر كُلُّهُمْ نَقَّالُونَ لِقِيَاسِهِمْ الغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ بِالإِثْبَاِت إِنْ شَبَّهُوهُ بِهِ، وَبِالسَّلْبِ إِنْ نَزَّهُوهُ عَنْهُ. فَهُمْ فِي الحَالَيْنِ أَهْلُ نَقْلٍ.

7.8.- وَقَالَ لِي

                  الوَاقِفُ يَنْطِقُ وَيَصْمِتُ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ.

1.7.8.- قلت : معناه: أَنَّ الوَاقِفَ يَرَى عَدَمِيَّةَ فِي وُجُودِ سَيِّدِهِ فِي حَالِ نُطْقِهِ وَحَالِ صَمْتِهِ. فَحَالُهُ وَاحِدَةٌ فِي المَرْتَبَتَيْنِ.

وَقَالَ لِي: 8.8.-

                   الوَقْفَةُ نُورِيَّةُ،

               تَعْرِفُ القِيَمَ وَتَطْمِسُ الخَوَاطِرَ.

1.8.8.- قلت : معناه: أَنَّ الوَقْفَةَ تُشْبِهُ النُّورَ فِي إِظْهَارِ مَا سَتَرَتْهُ الظُّلْمَةُ. وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهَا تَعْرِفُ القِيَمَ . وَأَمَّا كَوْنُهَا تَطْمِسُ الخَوَاطِرَ فَشَبَّهَ الخَيَالَاتُ تتزياً فِي الظُّلْمَةِ بِالخَوَاطِرِ الوَهْمِيَّةِ. فَكَمَا أَنَّ الظُّلْمَةَ تَتَضَمَّنُ الخَيَالاَتِ فَيَصِيرُ فِيهَا النُّورُ، فَكَذَلِكَ النَّفْسُ الَّتِي قَبْلَ مَقَامِ الوَقْفَةِ تَكُونُ مُظْلِمَةٌ مُتَخَيِّلَةٌ بِخَوَاطرٍ لاَ صِدْقَ لَهَا. فَتَجِيءُ الوَقْفَةُ، فَتَعْرِفُ تِلْكَ الخَيَالاَتِ وَالخَوَاطِرِ، فَهِيَ نُورِيَّةٌ بِالفِعْلِ. وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِ: تَعْرِفُ القِيَمَ أَيْ أَنَّهَا تَعْرِفُ العَبْدَ أَنَّهُ عَدَمٌ أَزَلاً وَأَبَدًا فِي وُجُودِ بَارِئِهِ –تَعَالَى-. فَالوَقْفَةُ عَرَّفَتْهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَتَعْرِفُهُ أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا بَقِيَ بِرَبِّهِ –تَعَالَى- بَعْدَ الفَنَاءِ، عَرَّفَتْهُ قِيمَتُهُ وَهُو أَنَّهُ السَّيِّدُ المَقْصُودُ. فَهِيَ إِذَنْ تُعَرِّفُ القِيَمَ. وَحَقِيقَةُ تَطْمِسُ الخَوَاطِرَ تُزيلُ عَنِ النَّفْسِ الخَوَاطِرَ الَّتِي مَضْمُونُهَا إِثْبَاتُ السِّوَى.

9.8.- وَقَالَ لِي:

                  الوَقْفَةُ وَرَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،

                 وَوَرَاءَ مَا فِيهِمَا من الأَقْدَارِ.

 1.9.8- قلت : معناه: أَنَّ مَقَامَ الوَقْفَةِ وَرَاءَ إِدْرَاكِ العُقُولِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ مَدَارِكَ العُقُولِ لاَ تَخْرُجْ عَنِ المَقُولاَتِ العَشْرِ، وَمَرْجَعِهَا إِلَيْهَا، وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الجَوْهَرِ وَالعَرَضِ، وَمَا تَجَرَّدَ عَنْهُمَا. وَلمََّا كَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ هُمَا مِنَ الزَّمَاِن اللاَّحِقِ بِحَرَكَاتِ الجِسْمِ، كَانَتِ الوَقْفَةُ وَرَاءَهُ أَيْ فَوْقَهُ. فَالعِلْمُ كُلُّهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِيمَا فِيهَا مِنَ الأَقْدَارِ وَالمَعْرِفَةِ، وَإِنْ كَانَتْ نُورِيَّةً، إلِاَّ أَنَّ لِلْعِلْمِ تَعَلُّقًا بِهَا لِكَوْنِهَا بَاطِنَةً. فَلَهَا تَعَلُّقٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار.وَأَمَّا الوَقْفَةُ، فَلَيْسَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِشَيْءٍ وَلاَ لِشَيْءٍ تَعَلَّقَ بِهَا، بَلْ الَّذِي يَخُصُّهَا هُوَ نَفْيُ الشَّيْئِيَّةِ عَمَّنْ هُوَ فِي مَقَامِهَا.

10.8.- وَقَالَ لِي: الوَقْفَةُ نَارُ السِّوَى، 

                 فَإِنْ أَحْرَقْتُهُ بِهَا وَإِلاَّ أَحْرَقَتْكَ بِهِ.

1.10.8- قلت : معناه:

 أَنَّ مَشْهَدَ الوَقْفَةِ لاَ يَبْقَى مَعَه أَثَرٌ لِلْغَيْرِيَّةِ.

وَهَذَا هُوَ مَعْنَى إِحْرَاقِ السِّوَى بِالوَقْفَةِ.

وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتِمّْ المَشْهَدُ، فَإِنَّ الوَقْفَةَ تَنْفَضُّ السَّالِكُ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَنْحَجِبُ مَعَ بَقَائِهِ مَعَ مُلاَحَظَةِ السِّوَى.

وَذَلِكَ هُوَ اِحْتِرَاقُهُ بِالسِّوَى.

فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ:  إِنَّ قَبْلَ مَقَامِكَ وَاسْتِعْدَادِكَ ذِكْرُ الوَقْفَةِ وَإِلاَّ رَجَعْتَ إِلَى السِّوَى لاَ حَائِلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. وَذَلِكَ اِحْتِرَاقُهُ بِهِ.

 11.8.- وَقَالَ لِي:

                   دَخَلَ الوَاقِفُ كُلَّ بَيْتٍ فَمَا وَسِعَهُ، وَشَرِبَ مِنْ كُلِّ مَشْرَبٍ فَمَا رًوِيَ،                  

                   فَأَفْضَى إِلَىَّ،     

                   وَأَنَا قَرَارُهُ وَعِنْدِي مَوْقِفُهُ.

 1.11.8.-قلت : معناه: أَنَّ مَشْهَدَ الوَقْفَةِ فِيهِ كُلُّ المَقَامَاتِ  لِإِحَاطَتِهِ بِهَا. فَالتَّحَقُّقُ بِهَا يَسِعُ الأَذْوَاقَ كُلِّهَا وَيَنْفَرِدُ بِمَعْنَى الإِطَاحَةِ. وَهِيَ حَقِيقَةٌ خَارِجَةٌ عَمَّا فِي تِلْكَ المَقَامَاتِ مِنَ الخَوَاصِّ. وَتِلْكَ المَقَامَاتُ هِيَ حَضَرَاتُ الأَسْمَاءِ. وَالوَقْفَةُ تَتَعَلَّقُ بِالمُسَمَّى ‘الحَقُّ’. فَهَذَا هُوَ مَعْنَى خَارِجُ كُلِّ بَيْتٍ فَمَا يَسِعُهُ. وَدَاخِلُ فِي كُلِّ بَيْتٍ لِاشْتِمَالِ الوَقْفَةِ عَلَى كُلِّ البُيُوتِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَعْنَى شَرِبَ مِنْ كُلِّ مَشْرَبٍ، أَيْ حَصَلَ لَهُ ذَوْقُ كُلِّ مَقَامِ. وَمَعْنَى فَمَا رُوِيََ أَيْ لَمْ يَقْنَعْ بِمَعَانِي الأَسْمَاءِ وَطَلَبَ بِالاِسْتِعْدَادِ الحَقَّ –تَعَالَى- كَمَا وَرَدَ فِي بَيْتِ شِعْرٍ:

 وَدَعْنِي مَنْ دَعْدَ وَسَعْدِي وَزَيْنَبَ * فَمَقْصُودِي الأَسْمَاءُ تُجَاوِزُ بِي الأَسْمَاءَ

وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ وَأَنَا قَرَارُهُ وَعِنْدِي مَوْقِفُهُ . فَالأَنَانِيَّةُ المَذْكُورَةُ وَالعِنْدِيَّةُ المَذْكُورَةُ هِيَ الذَّاتُ المُقَدَّسَةُ. فَشُهُودُ الوَقْفَةِ إِذَنْ هُوَ الشُّهُودُ الذَّاتِيُّ، وَمَا دُونَهُ هُوَ مِنَ المَشَاهِدِ فِي حَضَرَاتِ الأَسْمَاءِ.

12.8.- وَقَالَ لِي

                 إِذَا عَرَفْتَ الوَقْفَةَ

                 لَمْ تَقْبِلْكَ المَعْرِفَةُ

                 وَلَمْ يَتَأَلَّفْ بِكَ الحَدَثَان.

1.12.8.- قلت : معناه: إِذَا تَحَقَّقْتَ بِمَقَامِ الوَقْفَةِ، زَالَ السِّوَى عَنْكَ، مَا قَلَّ مِنْهُ وَمَا جَلَّ. فَالمَعْرِفَةُ اِعْتِبَارُ السِّوَى فِيهَا قَلِيلٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لاَ تَسَعُكَ. أَيْ أَنَّ العَارِفَ يَنْكُرُ عَلَيْكَ، كَمَا يَنْكُرُ عَلَيْهِ هُوَ وَأَهْلُ العِلْمِ لِضَيْقِهِمْ عَنْهُ، وَلِضَيْقِهِ هُوَ عَنْكَ. وَمَعْنَى لَمْ يَأْتَلِفْ بِكَ، أَيْ يَقُومَ بِكَ مَا قَامَ بِأَبِي يَزِيدِ عِنْدَمَا قَالَ: « سُبْحَانِي، وَمَا فِي الجُبَّةِ غَيْرُهُ » وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ. فَإِنَّ العَدَمَ لاَ يَأْتَلِفْ بِهِ الحُدُوثُ، وَالحُدُوثُ وَالحَدَثَانُ وَاحِدٌ. فَتَأَمَّلْ مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللهُ-تَعَالَى-.

13.8.- وَقَالَ لِي

                  مَنْ فَوَّضَ إِلَيَّ فِي عُلُومِ الوَقْفَةِ،

                  فَإِلَى ظَهْرِهِ أَسْتَنِدْ وَعَلَى عَصَاهُ أَعْتَمِدْ.

1.13.8.-قلت : معناه: أَنَّ المتَحَقَّقَ بِالوَقْفَةِ هُوَ الَّذِي وَجَدَ ذَاتُهُ. فَإِذَنْ مِنْ فَوْضٍ إِلَى مَشْهُودِهِ فِي عُلُومِ الوَقْفَةِ، وَجَدَ نَفْسَهُ هِيَ المُفَوَّضُ إِلَيْهَا لِظُهُورِ مَعْنَى الوَحْدَانِيَّة. فَإِذَنْ هُوَ، إِلَى ظَهْرِهِ اسْتَنَدَ وَعَلَى عَصَاهُ اِعْتَمَدَ، بِمَعْنَى لَمْ يُفَوَّضْ إِلاَّ إِلَى نَفْسِهِ.

 14.8.- وَقَالَ لِي

                 إِنْ دَعَوْتَنِي فِي الوَقْفَةِ خَرَجْتُ مِنَ الوَقْفَةِ،

                وَإِنْ وَقَفْتَ فِي الوَقْفَةِ خَرَجْتَ مِنَ الوَقْفَةِ.

1.14.8.-قلت : معناه: الدَّعَاءُ يَكُونُ مِنْ عَبْدٍ لِرَبٍّ. وَالوَقْفَةُ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الرَّبِّ –تَعَالَى-.

فَلِذَلِكَ كَانَ مَنْ دُعِيَ خَرَجَ مِنَ الوَقْفَةِ.

2.14.8.- قلت : معناه: أَنَّ الوَقْفَةَ وَإِنْ كَانَتْ عَالِيَّةُ المَقَامِ، إِلاَّ أَنَّ الوَاقِفَ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاقِفًا فِيهَا بِهِ –تَعَالَى-، لاَ بِهَا، وَإِلاَّ خَرَجَ مِنَ الوَقْفَةِ. فَإِنَّ حُكْمَ الوَاقِفِ فِي الوَقْفَةِ، هُوَ أَنْ يَكُونَ بِاللهِ لاَ بِهَا، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ وَقْفُهُ فِي حَقِّهِ.

15.8.- وَقَالَ لِي:

                 لَيْسَ فِي الوَقْفَةِ ثُبْتٌ

                 وَلاَ مَحْوٌ وَلاَ قَوْلٌ وَلاَ فِعْلٌ وَلاَ عِلْمٌ وَلاَ جَهْلٌ.

1.15.8.-  قلت : الصَّمَدُ  في اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي لاَ جَوْفَ لَهُ مُصْمِتًا. فَشَبَّهَ مَقَامَ أُحُدِيَّةِ الجَمْعِ، وَهُوَ الوَقْفَةُ بِالصَّمْدَانِيَّةِ، وَيُسَمَّى فِي زَمَانِنَا هَذَا الوَحْدَانِيَّةُ المُطَبَّقَةُ، وَإِلَيْهَ الإِشَارَةُ فِي « مَحَاسِن المَجَالِس » فِي الأَبْيَاتِ القَافِيَّةِ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا:

فَأَلْقُوا حِبَالَ مَرَاسِيهِمْ * وَغَطُّوا فَغَطَّاهُمْ وَانْطَبَق

16.8.- وَقَالَ لِي:

                  الوَقْفَةُ مِنَ الصَّمَدِيَّةِ،

                  فَمَنْ كَانَ بِهَا، كَانَ ظَاهِرُهُ بَاطِنُهُ وَبَاطِنُهُ ظَاهِرُهُ.

1.16.8.-قلت : معناه: أَنَّ دَوَامَ الشُّهُودِ، هُوَ لِأَهْلِ شُهُودِ الوَقْفَةِ. فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِهَذَا التَّنَزُّلِ.

17.8.- وَقَالَ لِي

                  لاَ دَيْمُومَةٌ إِلاَّ لِوَاقِفٍ، 

                  وَلاَ وَقْفَةٌ إِلاَّ لِدَائِمٍ.

1.17.8.-قلت : معناه: أَنَّ لِلْوَاقِفِ ذَوْقًا كُلِّيًّا يَحْصُلُ  لِلْوَاقِفِ فَيَنْفَتِحُ بِهِ كُلُّ عِلْمٍ. وَلَيْسَ لِعِلْمٍ مِنَ العُلُومِ ذَوْقُ مَنْ ظَفَرَ بِهِ يَنْفَتِحْ لَهُ بِهِ مَعْنَى الوَقْفَةِ. وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِأَنَّهَا أُحَدِيَّةُ الجَمْعِ، وَهَذَا الجَمْعُ الَّذِي هِيَ أَحَدِيَّتُهُ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ َأحْصَاهَا، وَهُوَ الكِتَابُ المُشَارُ إِلَيْهِ فِي الآيَةِ. وَلَوْلاَ الإِطَالَةُ لَشَرَحْتُ كَيْفَ ذَلِكَ.

18.8.- وَقَالَ لِي

                 لِلْوَقْفَةِ مَطْلَعٌ عَلَى كُلِّ عِلْمٍ، 

                 وَلَيْسَ عَلَيْهَا مَطْلَعٌ لِعِلْمٍ.

1.18.8.-قلت : معناه: مَنْ لَمْ يَشْهَدْ أُحَدِيَّةَ الجَمْعِ، وَهُوَ مَا بِهِ يَتَّحْدِ، كَانَ عُرْضَةً لِمَا بِهِ يَفْتَرِقْ.

وَجَانِبُ الحَقِّ –تَعَالَى- هُوَ القَيُّومِيَّةُ الوَحْدَانِيَّةُ  وَهِيَ وَاحِدَةٌ لِلْجَمْعِ. فَإِذَا لَمْ يُلْحِظْهَا فِي العُلُومِ، كَانَتِ العُلُومُ شَوَاغِلَ.

وَكَوْنُهَا شَوَاغِلٌ هُو َالمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ:  أَوْقَفَهُ كُلُّ شَيْءٍ دُونِي وَالحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ كَوْنُهَا شَوَاغِلَ فَحَسْب هُوَ الَّذِي يُوقِفُهُ  بَلْ وَزِيَادَةٌ أَنَّهَا هِيَ السِّوَى المُشَارُ إِلَيْهِ أَنَّهُ حِجَابٌ. وَذَلِكَ أَنَّ المَوْجُودَاتِ بِأَسْرِهَا وِحْدَانِيَّتُهَا لِلْحَقِّ –تَعَالَى-.

وَجَانِبُ كَثْرَتِهَا وَهُوَ مَا بِهِ يَتَمَايَزُ هُوَ لِلسِّوَى. وَالَّذِبِهِ يَتَمَايَزُ هِيَ أَعْرَاضٌ إِذَا حَقَّقْتَ وَجَدْتَ عَدَمِيَّةً.

19.8.- وَقَالَ لِي:

مَنْ لَمْ يَقِفْ بِي أَوْقَفَهُ كُلُّ شَيْءٍ دُونِي.

.1.19.8- قلت : مَعْنَاهُ: مَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَحَدِيَّةَ الجَمْعِ، وَهُوَ مَا بِهِ يَتَّحِدُ، كَانَ عُرْضَةً لِمَا بِهِ يَفْتَرِقُ. وَجَانِبُ الحَقِّ –تَعَالَى- هُوَ القَيُّومِيَّةُ الوَحْدَانِيَّةُ وَهِيَ وَاحِدَةٌ لِلْجَمْعِ. فَإِذَا لَمْ يَلْحَظْهَا فِي العُلُومِ، كَانَتِ العُلُومُ شَوَاغِلَ، وَكَوْنُهَا شَوَاغِلٌ هُوَ المَقْصُودُ بِقَوْلِهِ: « أَوْقَفََهُ كُلُّ شَيْءٍ دُونِي« . وَالحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ كَوْنَهَا شَوَاغِلٌ فَحَسْب هُوَ الَّذِي يُوقِفُهُ، بَلْ وَزِيَادَةَ أَنَّهَا هِيَ السِّوَى المُشَارُ إِلَيْهِ أَنَّهُ حِجَابٌ. وَذَلِكَ أَنَّ المَوْجُودَاتِ بِأَسْرِهَا وَحْدَانِيَّتُهَا لِلْحَقِّ-تَعَالَى-. وَجَانِبُ كَثْرَتِهَا وَهُوَ مَا بِهِ يَتَمَايَزُ هُوَ لِلسِّوَى. وَالَّذِي بِهِ يَتَمَايَزُ هِيَ أَعْرَاضٌ إِذَا حُقِّقَتْ وُجِدَتْ عَدَمِيَّةً. قَالَ حُجَّةُ الإِسْلاَمِ الغَزَالِي –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي كِتَابِ « مِشْكَاةِ الأَنْوَارِ » مَا مَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ –تَعَالَى-{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}

[28]القصص88  وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَـهًا آخَرَصه لآَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَصه كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ اِلاَّ وَجْهَهُوصه لَهُ الحُمْدُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَصه 

مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ دَائِمٌ وَأَنَّ الهَلاَكَ المُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ العَدَمُ. وَلَوَّحَ تَلْوِيحًا، يُفْهَمُ أَنَّ الهَلاَكَ المَعْدُومُ دَائِمًا هُوَ مَا بِهِ تَتَمَايَزُ الأَشْيَاءُ، وَأَنَّهَا نِسَبٌ عَدَمِيَّةٌ. وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ مَنْ عَرَفَهَا قَطَعَ مَرَاتِبَ الخَلْقِ وَاتَّصَلَ بِالخَلاَقِ الحَقِّ. وَلَسْنَا نَجِدْ شَيْئًا تَشْتَرِكُ فِيهِ المَوْجُودَاتُ إِلاَّ الوُجُودَ. وَالوُجُودُ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ فِي الخَارِجِ.

 20.8.- وَقَالَ لِي:

                  الوَاقِفُ يَرَى الأَوَاخِرَ،

                  فَلاَ تَحْكُمْ عَلَيْهِ الأَوَائِلُ.

1.20.8.- قلت : هَذَا التَّنَزُّلُ فِيهِ سِرٌّ مُرَتَّبٌ عَلَى التَّنَزُّلِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ أَنَّ الاِمْتِيَازَاتَ الَّتِي يَرَاهَا هَذَا العَبْدُ المُشَاهِدُ سَوْفَ تَنْحَلُّ  وَيَرْجَعُ مَرْكَبُهَا إِلَى بَسِيطِهِ  فَيَفْنَى مِنْهَا قَسْطُ الخَلْقِ وَيَبْقَى قَسْطُ الحَقِّ –تَعَالَى- وَيَشْهَدُ حَقِيقَةً أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْجُودٍ أَزَلاً وََأبَدًا. فَإِذَا رَأَى أَوَاخِرَ الأَشْيَاءِ كَذَلِكَ لَمْ يَرَ مَعَ قِسْطِ الحَقِّ –تَعَالَى- غَيْرَهُ. فَهوَ إِذَنْ يَرَى أَوَاخِرَ الأَشْيَاءِ عِنْدَ رُؤْيَةِ أَوَائِلِهَا. فَلاَ تَحْكُمُ الأَوَائِلُ عَلَيْهِ، وَالأَوَائِلُ المَذْكُورَةُ حَالَ كَوْنِهَا مُتَمَايِزَةٌ ، وَالأَوَاخِرُ هُوَ كَوْنُهَا تَنْحَلُّ إِلَى وَاحِدٍ. فَإِذَنْ هُوَ يَرَى هَذَا الوَاحِدَ دَائِمًا، فَلاَ تَحْكُمْ عَلَيْهِ الكَثْرَةُ.

21.8.- وَقَالَ لِي

                     الوَقْفَةُ تَعْتِقُ مِنْ رِقِّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

1.21.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَرَى نَفْسَهُ مُطْلَقًا عَنْ أَحْكَامِ قُيُودِ التَّقْلِيدِ المَحْبُوبَةِ شَرْعًا، فَضْلاً عَنْ غَيْرِ المَحْبُوبَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا المَقَامَ لاَ يُبْقِي رَسْمًا أَصْلاً.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ وَرَدَ هَذَا المَشْرَبَ الأَعْظَمَ بِلِسَانِ الفَارِسِيَّةِ وَهُوَ : دوبيت مردي ديدم تشته برضائك زمين كفرنه إسلام نه دنيانه دين نه حق نه حقيق تنه كما ن ونه يقين أندر دوجهان كرايو ذر هرة اين.

 22.8.-وَقَالَ لِي

                 الصَّلاَةُ تَفْتَخِرُ بِالوَاقِفِ،

                 كَمَا تَفْتَخِرُ بِهَا السَّائِرُ.

1.22.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ الوَاقِفَ إِذَا صَلَّى كَانَ فَاعِلُهَا هُوَ الحَقُّ، فَافْتَخَرَتْ بِفَاعِلِهَا. وَأَمَّا السَّائِرُ، فَهُوَ خَلْقٌ، فَيَفْتَخِرُ بِصُوَرِ طَاعَةِ سَيِّدِهِ، وَالصَّلاَةُ مِنْ أَشْرَفِهَا.

23.8.- وَقَالَ لِي:

                     مَا عَرَفَنِي شَيْءٌ،

                 فَإِنْ كَادَ أَنْ يَعْرِفَنِي فَالوَاقِفُ.

1.23.8.- قلت : لَمَّا كَانَ شَرْطُ مَعْرِفَةِ الحَقِّ اِضْمِحْلاَلَ الرَّسْمِ، وَكَانَ مِنْ سِوَى الوَاقِفِ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ رَسْمٍ مَا، كَانَ الوَاقِفُ إِذَنْ هُوَ أَحَقُّ بِمَعْرِفَتِهِ لاِضْمِحْلاَلِ الرُّسُومِ فِي شُهُودِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ  » كَادَ    يَعْرِفَنِي » وَلَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّهُ عَرَفَهُ لِبَقَاءِ رَسْمِ الوَقْفَةِ فَحَسْب.

24.8.- وَقَالَ لِي:

                     كَادَ الوَاقِفُ يُفَارِقُ حُكْمَ البَشَرِيَّةِ.

1.24.8.- قلت : يَعْنِي أَنَّهُ فَانٍ عَنْ نَفْسِهِ، بَاقٍ فِي بَشَرِيَّتِهِ بِإِبْقَاءِ ذَاتِ بَارِئِهِ. فَالبَشَرِيَّةُ فِي اصْطِلاَحِ القَوْمِ عِبَارَةٌ عَنْ أَحْكَامٍ وَصِفَاتٍ غَيْرُ مُنْقَلِبَةٌ فِي الشُّهُودِ عَنِ الخَلْقِيَّةِ إِلَى الحَقِّيَّةِ. وَأَمَّا ذَاتُ الوَاقِفِ، فَقَدْ تَبَدَّلَتْ فِي عِيَانِهِ.

 25.8.- وَقَالَ لِي :

                   سَقَطَ قَدْرُ كُلِّ شَيْءٍ فِي الوَقْفَةِ،

                    فَمَا هُوَ مِنْهَا وَلاَ هِيَ مِنْهُ.

 1.25.8.- قلت : مَعْنَاهُ مَا سَبَقَ مِنْ ٌَوْلِهِ، لِأَنَّ الوَقْفَةَ تَعْرِفُ القِيَمَ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ هَذَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ أَقْدَارَ المَوْجُودَاتِ كَانَتْ عِنْدَ هَذَا العَبْدِ عَلَى مَرَاتِبٍ. فَلَمَّا أُقِيمَ فِي الوَقْفَةِ، رَأَى مَرَاتِبَهَا غَيْرَ تِلْكَ المَرَاتِبِ، وَأَقْدَارَهَا غَيْرَ تِلْكَ الأَقْدَارِ. فَقَدْ سَقَطَتْ إِذَنْ تِلْكَ الأَقْدَارِ فِي الوَقْفَةِ. وَأَمَّا كَيْفَ سَقَطَتْ فَذَلِكَ بِتَبَدُّلِ خَلْقِيَّتِهَا بِحَقِّيَتِهَا. فَقَدِ ارْتَفَعَتْ دَرَجَاتُ أَقْدَارِ تِلْكَ المَوْجُودَاتِ إِلَى حَضْرَةِ الحَقِّ، وَسَقَطَتْ دَرَكَاتُهَا الأَوَّلُ الَّتي هِيَ مِنْ عَالَمِ الخَلْقِ. وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ، مُنْكَرٌ عِنْدَ َأهْلِ الحِجَابِ. وَكِلاَ القَبِيلَيْنِ فِي تَعْرِيفِ رَبِّهِمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-. وَمَعْنَى «  فَمَا هُوَ مِنْهَا وَلاَ هِيَ مِنْهُ » أَيْ حَضْرَةُ الخَلْقِ لاَ نِسْبَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَضْرَةِ الحَقِّ. فَالوَقْفَةُ حَضْرَةُ الحَقِّ.

26.8.- وَقَالَ لِي:

                    فِي الوَقْفَةِ،

                عَزَاءٌ مِمَّا وَقَفْتَ عَنْهُ، وَأُنْسُ مِمَّا فَارَقْتَهُ.

1.26.8.- قلت :مَعْنَاهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ السَّالِكِ وَبَيْنَ مَقَامِ الوَقْفَةِ مَقَامَاتٌ عَدِيدَةٌ. فَيَخْتَصِرُ لَهُ الطَّرِيقُ بِنَوْعٍ مِنَ الجَذْبِ، فَيَقُومُ فِي مَقَامِ الوَقْفَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. وَحِينَئِذٍ يَجِدُ الوَاقِفُ فِي عُلُومِ الوَقْفَةِ مَا يُنْسِيهِ التَّعَلُّقُ بِعُلُومِ تِلْكَ المَقَامَاتِ الَّتِي لَمْ يَسْلُكْ بِهِ فِيهَا. بَلْ يَجِدُ تِلْكَ العُلُومِ بِنَفْسِهَا فِي مَقَامِ الوَقْفَةِ بِوَجْهٍ أَكْمَلِ. فَفِي ذَلِكَ، عَزَاءٌ عَمَّا وَقَفَ عَنْهُ مِنْ تِلْكَ المَقَامَاتِ، وَأُنْسٌ هُوَ عَوْضٌ عَمَّا فَارَقَهُ مِنْ أُنْسِ تِلْكَ الأَحْوَالِ.

27.8.- وَقَالَ لِي:

                 الوَقْفَةُ بَابُ الرُّؤْيَةِ،

                 فَمَنْ كَانَ بِهَا رَآنِي وَمَنْ رَآنِي وَقَفَ وَمَنْ لَمْ يَرَنِي لَمْ يَقِفْ.

1.27.8.- قلت : الوَقْفَةُ هِيَ بَابُ الرُّؤْيَةِ التَّامَّةِ. فَمَنْ كَانَ بِهَا – أَيْ فِيهَا – حَصَلَتْ تَمَامُ الرُّؤْيَةِ لَهُ، وَمَنْ رَآهُ فِي مَبَاديءِ الرُّؤْيَةِ رُؤْيَةً غَيْرَ تَامَّةٍ، وَقَفَ. فَالرُّؤْيَةُ الجُزْئِيَّةُ بَابُ الوَقْفَةِ. وَالوَقْفَةُ التَّامَّةُ بَابُ كَمَالِ الرُّؤْيَةِ. فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ وَإِنْ أَوْهَمَ اللَّفْظُ ذَلِكَ.

28.8.- وَقَالَ لِي :

                   الوَاقِفُ يَأْكُلُ النَّعِيمَ وَلاَ يَأْكُلَهُ،

                   وَيَشْرَبُ الاِبْتِلاَءَ وَلاَ يَشْرَبَهُ.

 1.28.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَنَعَّمُ وَلاَ يَمْلِكُهُ حُبُّ النَّعِيمِ، فَيَنْحَجِبُ بِهِ، وَيَتَأَلَّمُ وَلاَ يَمْلِكُهُ الجُورُ فَيَنْحَجِبُ بِهِ. وَالمَقْصُودُ أَنَّ الوَاقِفَ مُتَصَرِّفٌ وَحَاكِمٌ عَلَى حَالِهِ.

29.8.- وَقَالَ لِي :

              مُزِجَتْ حِسُّ الوَاقِفِ بِجَبَرُوتِ عِصْمَتِي، 

             فَنَبَّأَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَلاَ يُلاَئِمُهُ شَيْءٌ.

1.29.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ وَصْفَ الوَاقِفِ هُوَ وَصْفٌ حَسَنٌ مَمْزُوجٌ بِوَصْفِ الحَقِّ، وَهُوَ الجَبَرُوتُ لِتَبَدُّلِ ,َصْفِهِ الخَلْقِي بِوَصْفِ حَقِّي. فَمَا تُلاَئِمُهُ المُخْلُوقَاتُ إِذْ ذَاكَ.

30.8.- وَقَالَ لِي :

                  لَوْ كَانَ قَلْبُ الوَاقِفِ فِي السِّوَى مَا وَقَفَ،

                  وَلَوْ كَانَ السِّوَى فِيهِ مَا ثَبَتَ.

1.30.8.- قلت : مَعْنَاهُ لَوْ تَعَلَّقَ قَلْبُ الوَاقِفِ بِالسِّوَى أَدْنَى تَعَلُّقٍ، لَمْ يَكُنْ وَاقِفًا. فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:  » مَا وَقَفَ« .

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ السِّوَى فِيهِ مَا ثَبَتَ إِنْ قُلْنَا مَا ثَبَتَ السِّوَى فَصَحِيحٌ. وَإِنْ قُلْنَا مَا ثَبَتَ القَلْبُ فِي الوَقْفَةِ فَصَحِيحٌ.

فَإِنَّ الوَقْفَةَ تُنَاقِضُ السِّوَى، وَالسِّوَى يُنَافِي قَلْبَ الوَاقِفِ.

31.8.- وَقَالَ لِي :  

                  الوَاقِفُ عِلْمٌ كٌلُّهُ، حِكَمٌ كٌلُّهُ،

                  وَلَنْ يَجْمَعَهُمَا مَعًا إِلاَّ الوَاقِفُ .

1.31.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ العُلُومَ كُلُّهَا سَانِحَةٌ لَهُ دَائِمًا دَفْعَةً وَاحِدَةً حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ ذَاتُ العِلْمِ، وَلِذَلِكَ هُوَ حُكْمٌ كُلُّهُ. وَالحُكْمُ هُوَ أَيْضًا مُصَادَفَةُ المَعْنَى الحَقّ فِي العِلْمِ مِنْ دُونِ المُحْتَمَلاَتِ البَاطِلَةِ. وَلَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ غَيْرُ الوَاقِفِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ اَلأشْيَاءَ بِالحَقِّ –تَعَالَى- َأدْرَكَهَا حَقِيقَةً. 

32.8.- وَقَالَ لِي :

                  الوَاقِفُ لاَ يَصْلُحُ عَلَى العُلَمَاءِ،

                  وَلاَ تَصْلُحُ العُلَمَاءُ عَلَيْهِ.

1.32.8.- قلت : العُلَمَاءُ هُمْ الَّذِينَ عِلْمُهُمْ مُسْتَنِدٌ إِلَى العَقْلِ وَالنَّقْلِ أَوْ إِلَى أَحَدِهِمَا. وَهُمْ يَجْهَلُونَ الوَاقِفَ وَلاَ يَثْبِتُونَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَظْفِرُوا بِالحُكْمِ فَيَكُونَ عَمَلَهُمْ نَافِعًا وَهُوَ يَتَحَقَّقَهُمْ، فَيَعْرِفُ جَهْلَهُمْ، فَلاَ يَثْبِتَ لَهُمْ حُكْمًا. فَهَذَا مَعْنَى  « لاَ يَصْلِحُ عَلَيْهِمْ وَلاَ يَصْلِحُونَ عَلَيْهِ ».

33.8.- وَقَالَ لِي : 

                    الوَاقِفُ يَبْعُدُ بِقُرْبِ العَالِمِينَ،

                   وَيَحْتَجِبُ بِعُلُومِ العَالِمِينَ.

1.33.8.- قلت : مَعْنَاهُ : يَقْرُبُ إِلَى الحَقِّ وَإِلَى الحَقِيقَةِ بِأَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ هِيَ عِنْدَ العُلَمَاءِ مِمَّا يُوجِبُ البُعْدَ، وَيَحْتَجِبُ عَنْ إِدْرَاكِ بِمَا يَظُنُّهُ العُلَمَاءُ مِمَّا يُوجِبُ العِلْمُ وَالإِدْرَاكُ. وَلِذَلِكَ يُنْكِرُونَهُ.

 34.8.- وَقَالَ لِي :  

                  إِنْ وَقَفْتَ بِي فَالسِّوَى حَرَمِي،

                  فَلاَ تَخْرُجْ إِلَيْهِ فَتَنْحَلُّ مِنِّي.

1.34.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ الوَاقِفَ هُوَ فِي النُّورِ، وَالنُّورُ مِنَ الحَقِّ فَهُوَ فِي الحَقِّ، وَالسِّوَى هُوَ فِي الظُّلْمَةِ. فَمَنْ دَخَلَ في الظُّلْمَةِ انْحَلَّ مِنَ النُّورِ.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ « حَرَمِي » أَيْ حِمَايَ الَّذِي أَحْمِيهِ أَنْ يَدْخُلَ. فَمَنْ دَخَلَهُ فَهُوَ عَاصٍ. وَيَعْنِي بِالعَاصِي، الخَارِجَ مِنَ الهِدَايَةِ، هِدَايَةُ الخَاصِّ فَقَط.  

35.8.- وَقَالَ لِي:   الوَاقِفُ هُوَ المُؤْتَمِنُ

                    وَالمُؤْتَمِنُ هُوَ المُخْتَزِنُ.

1.35.8.- قلت :مَعْنَاهُ هُوَ مُؤْتَمَنٌ لِأَنَّ الوَقْفَةَ أَظْهَرَتْهُ عَلَى الأَسْرَارِ، فَكَأَنَّهَا ائْتَمَنَتْهُ عَلَيْهَا. وَهَذَا المُؤْتَمَنُ لاَ تُدْرِكُهُ بَصَائِرُ العُلَمَاءِ، فَهُوَ بِذَلِكَ مُخْتَزَنٌ. 

36.8.- وَقَالَ لِي:

                  قِفْ بِي وَلاَ تَلْقِنِي بِالوَقْفَةِ،

                  فَلَوْ أَبْدَيْتُ لَكَ ثَنَائِي عَلِيَّ وَعِلْمِي الَّذِي يَنْبَغِي إِلاَّ لِي،

                  عَادَت الكَوْنِيَّاتُ إِلَى الأُوَّلِيَّةِ، وَرَجَعَتْ الأُوَّلِيَّةُ إِلَى الدَّيْمُومِيَّةِ.

                  فَلاَ عِلْمُهَا فَارَقَهَا وَلاَ مَعْلُومُهَا غَابَ عَنْ عِلْمِهَا.

                  وَرَأَيْتَنِي فَرَأَيْتَ الحَقََّ لاَ فِيهِ وُقُوفٌ فَتَعْرِفُهُ وَلاَ سَيْرٌ فَتَعْبِرُهُ.

1.36.8.- قلت : مَعْنَاهُ ك قِفْ بِي ذَاهِلاً عَنِ الوَقْفَةِ غَيْرَ مُعْتَدٍ لَكَ بِالوُقُوفِ. فَإِنْ فَعَلْتَ، فَإِنَّ رَسْمَكَ بَاقٍ، فَتَنْحَلَ مِنِّي، ثُمَّ رَغْبُهُ فِي مَعَانِي التَّحْقِيقِ بِهِ إِذَا لَمْ تَلْقِه بِالوَقْفَةِ. فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ مَشْهَدِي إِذَا لَمْ تَلْقِنِي بِالوَقْفَةِ لَرَأَيْتَ الثَّنَاءَ عَلَيَّ هُوَ مِنِّي، وَلاَ شَيْئًا مِنَ الأَشْيَاءِ هُوَ إِذْ ذَاكَ غَيْرٌ فِي شُهُودِي. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى عَوْدِ الكَوْنِيَّةِ إِلَى الأَوَّلِيَّةِ لِأَنَّ الكَوْنِيَّةَ عَالَمُ الصُّوَرِ وَهُوَ العَالَمُ نَفْسُهُ، وَالأَوَّلِيَّةُ وَحْدَانِيَّةُ النُّورِ الوُجُودِي قَبْلَ أَنْ تَبْدُو البِدَايَاتُ، وَتَحْدُو الحَادِيَاتُ.

وَهُنَا سِرٌّ شَرِيفٌ فِي قَوْلِهِ: « وَرَجَعَتْ اَلأوَّلِيَّةُ إِلَى الدَّيْمُومِيَّةِ« ، وَهُوَ أَنَّ الدَّيْمُومِيَّةَ هِيَ شُهُودُ بَقَاءِ الأَوَّلِيَّةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الكَوْنِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ، فَلاَ عَلِمَهُ وَهُوَ السَّابِقُ فَارَقَهُ، وَلاَ مَعْلُومَهُ وَهُوَ الكَوْنُ اللاَّحِقُ غَابَ عَنْهُ. فَإِذَنْ الدَّيْمُومِيَّةُ مُشْتَمِلَةُ الحُكْمِ فِي شُهُودِهِ عَلَى طَرَفَي الأَوَّلِيَّةِ وَالكَوْنِيَّةِ. وَذَلِكَ هُوَ شُهُودُ أُحَدِيَّةِ الجَمْعِ، وَذَلِكَ هُوَ رُؤْيَةُ الحَقِّ، لاَ وَقْفَةَ فِيهِ وَلاَ سَيْرَ.

37.8.- وَقَالَ لِي:

                  الوَاقِفُ يَرَى العِلْمَ كَيْفَ يُضَيِّعُ المَعْلُومَ.

                  فَلاَ يَنْقَسِمْ بِمَوْجُودٍ وَلاَ يَنْعَطِفْ بِمَشْهُودٍ.

1.37.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ الوَاقِفَ يَرَى مَزَلاَّتِ أَقْدَامِ العُلَمَاءِ فِي مَبَالِغَ عِلْمِهِمْ. فَيَجِدْ عِلْمَهُمْ قَدْ ضَيَّعَ المَعْلُومَ.

فَإِذَا انْقَسَمَ ذَلِكَ العِلْمُ، لَمْ تَكُنْ أَقْسَامُهُ إِلاَّ أَوْهَامًا وَخَيَالاَتٍ، لاَ أَقْسَامًا وُجُودِيَّةً. فَهُوَ إِذَنْ لاَ يَنْقَسِمُ بِمَوْجُودٍ كَمَا تَنْقَسِمُ المَعَارِفُ وَالحَقَائِقُ الشُّهُودِيَّةُ. فَإِنَّ أَقْسَامَهَا وُجُودِيَّةَ، وَهُوَ أَمْرٌ لَوْ شَرَحَ لَطَالَ، بَلْ لاَ يَفْهَمُهُ المَحْجُوبُ بِحَالٍ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ: » لاَ يَنْعَطِفْ بِمَشْهُودٍ » أَيْ إِذَا رَدَدْتَ تِلْكَ الأَقْسَامَ وَعَطَفْتَهَا وَجَدَتْهَا لاَ تَنْعَطِفْ بِمَشْهُودٍ كَمَا تَرْجِعُ المَدَارِكُ الحَقِيقِيَّةُ بِمَشْهُودَاتِهَا. وَهَذَا التَّنَزُّلُ فَصِيحُ العِبَارَةِ مُعْجِزُ الإِشَارَةِ.

38.8.- وَقَالَ لِي :

                  مَنْ لَمْ يَقِفْ رَأَى المَعْلُومَ وَلَمْ يَرَ العِلْمَ.

                  احْتَجَبَ بِاليَقْضَةِ كَمَا يَحْتَجِبُ بِالغَفْلَةِ.

1.38.8.- قلت : العُلُومُ هِيَ فِي الأَذْهَانِ. وَأَمَّا المَعْلُومَاتُ فَإِنَّهَا خَارِجِيَّةٌ فِي الأَعْيَانِ. وَالوَاقِفُ يَشْهَدُ القَيُّومِيَّةُ، فَيَرَى بِهَا المَعْلُومَاتِ، وَالعَالِمُ لاَ يَشْهَدُ شُهُودًا أَصْلاً، بَلْ يَرَى وَيَدْرِكُ المَحْسُوسَاتِ وَيَتَعَلَّقُ فِي دَاخِلِ الذِّهْنِ بِصُوَرٍ وَقَضَايَا غَيْرَ جَقِيقَات. فَيَقْظَتُهُ لِغَفْلَتِهِ إِذْ كَانَ لاَ يَدْرِكُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا الحَقِيقَةَ، وَهُوَ الحِجَابُ المُشَارُ إِلَيْهِ.

39.8.- وَقَالَ لِي :

                  الوَاقِفُ لاَ يَرُوقُهُ الحَسَنُ،

                  وَلاَ يَرُوعُهُ الرَّوْعُ إِن أَحْسَبَهُ، وَالوَقْفَةُ حَدُّهُ.

1.39.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ الوَاقِفَ فَوْقَ مَرَاتِبَ أَهْلِ الحُظُوظِ. وَإِنَّمَا يَرُوقُ الحَسَنُ صَاحِبَ حَظٍّ، وَيَرُوعُ الرَّوْعُ مَنْ هُوَ خَائِفٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ حَظٍّ. وَالتَّرْتِيبُ أَنَّ العَالِمَ يَتَعَلَّقُ بِحُسْنِ الصُّورَةِ، وَالعَارِفُ يَتَعَلَّقُ بِصُورَةِ الحَسَنِ، وَهُوَ مَعْنَى غَيْرُ الأَوَّلِ. وَالوَاقِفُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَقِّهِ: أَنَا حَسْبُهُ، أَيْ كِفَايَتَهُ. وَالوَقْفَةُ حَدُّهُ. وَالوَقْفَةُ لَيْسَتْ بِحَدٍّ لَكِنَّهَا سَلْبُ الحُدُودِ. وَإِنَّمَا سَمَّاهَا حَدًّا مَجَازًا. وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ الوَاقِفَ حَدُّهُ أَنْ لاَ حَدَّ لَهُ، فَجَعَلَ لاَ حَدَّ حَدًّا بِضَرْبِ مِنَ المَجَازِ. وَمِثْلُهُ مَا وَقَعَ لِي نَظْمًا فِي مَدْحِ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بَيْتٌ:

أَحَطْتُ وَلَكِنْ لَمْ أُحِطْ أَجَلَ إِنَّنِي* أَحَطْتُ فَلِلإِطْلاَقِ بِالقَيْدِ أَوْثَقُ

وَمَنْ يَكُنِ الإِطْلاَقُ قَيْـدًا  لِمِثْلِهِ * فَلاَ بُدَّ مِنْ شَيْئِيَّةِ السَّبْقِ أَسْبَقُ 

40.8.- وَقَالَ لِي

                 إِنْ تَوَارَيْتَ عَنْهُ فِي مَشْهُودِ شَاهِدٍ،

                 شَكَرَ ضَرَّ فَقْدِيّ لاَ ضَرَّ الشَّاهِد.

1.40.8.- قلت : شَرْحُ هَذَا التَّنَزُّلِ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْطِئَةِ. وَهِيَ أَنَّ الوَاقِفَ يَشْتَمِلُ شُهُودَهُ عَلَى كُلِّ مَشْهَدٍ لِإِحَاطَتِهِ. فَلَوِ اتَّفَقَ أَنْ فَقَدَ مَشْهُودَهُ فِي مَرْتَبَةٍ مَا، وَلَوْ كَانَتْ جُزْئِيَّةً فَإِنَّهُ يَفْقِدُ مَشْهُودَهُ مُطْلَقًا، إِذْ لَوْ كَانَ شُهُودُهُ المُطْلَقُ حَاضِرًا لَمْ يَحْتَجِبْ عَنْهُ فِي مَرْتَبَةٍ مَا. فَهُوَ إِذْ ذَاكَ يَشْكُو ضَرَّ فَقْدِ مَشْهَدِ تِلْكَ المَرْتَبَةِ الخَاصَّةِ لِأَنَّ صَاحِبَ ذَلِكَ المَشْهَدِ يَفْقِدُ مَشْهُودَهُ إِذَا فَقَدَهُ الوَاقِفُ. وَفِيهِ سِرٌّ آخَرٌ، وَهُوَ المَقْصُودُ الحَقُّ فِي هَذَا التَّنَزُّلِ. وَهُوَ أَنَّ الوَاقِفَ إِنْ لَمْ يَصْدُقْ كُلُّ نَاطِقٍ في حَقٍّ كَانَ أَوْ فِي بَاطِلٍ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّصْدِيقِ يَسْتَنِدُ فِيهِ إِلَى شُهُودِ مَرْتَبَةِ ذَلِكَ النَّاطِقِ، فَلْيَشْكُ ضُرَّ الفَقْدِ. كَذَلكَ حَالُهُ فِي صَمْتِ كُلِّ صَامِتٍ، وَفِي كُلِّ اعْتِبَارٍ مَا. فَهَذَا حُكْمُهُ حَتَّى لاَ يَجِدَ في الوُجُودِ تَفَاوُتًا أَصْلاً. وَيَشْهَدُ مَعْنَى قَوْلِهِ –تَعَالَى-: {مَا تَرَىا فِي خَلْقِ الرَّحْمَـنِ مِن تَفَتوُتٍ}

  [67]الملك3 الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَـوَاتٍ طِبَاقًاصه مَّا تَرىا فِي خَلْقِ الرَّحْمَـنِ مِن تَفَـوُتٍصه فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرىا مِن فُطُورٍصه

أَنَّهُ عَلَى هَذَا الحُكْمِ. وَمنْ لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ فَلَيْسَ وَاقِفًا. فَهُو َيَشْكُو ضُرَّ الفَقْدِ. وَلَيْسَ أَرْبَابَ تِلْكَ المَرَاتِبِ مَطْلُوبِينَ بِدَرْكِ احْتِجَابِهِمْ إِذْ مَقَامُهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ. فَلاَ يَمَسُّهُمْ مِنَ احْتِجَابِهِمْ ضُرٌّ هُوَ يَشْكُوهُ. وَهَذَا هُوَ الشَّرْحُ المُطَابَقُ.

41.8.- وَقَالَ لِي

                 حَارَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الوَاقِفِ،

                 وَحَارَ الوَاقِفُ فِي الصُّمُودِ.

1.41.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ صَاحِبِ مَقَامٍ لَيْسَ يَسَعُ الوَاقِفَ، فَهُوَ حَائِرٌ فِيهِ. وَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ حَيْرَةً إِلاَّ فِي الصُّمُودِ وَهُوَ مَشْهَدُ وَحْدَانِيَّةِ مُطَبََّقَةٍ لَيْسَ فِيهَا لِشَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ رَسْمٌ.

 42.8.- وَقَالَ لِي:

                  الوَقْفَةُ رُوحُ المَعْرِفَةِ،

                  وَالمَعْرِفَةُ رُوحُ العِلْمِ،

                  وَالعِلْمُ رُوحُ الحَيَاةِ.

1.42.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ الحَيَاةَ إِنْ لَمْ يُصْحِبْهَا عِلْمٌ، كَانَتْ حَيَوَانِيَّةٌ بَهِيمِيَّةٌ، وَإِنْ صَحِبَهَا العِلْمُ كَانَتْ حَيَاةٌ إِنْسَانِيَّةٌ أَوْ مِلْكِيَّةٌ. فَالعِلْمُ هُوَ الَّذِي رَقَّى مَنْ هُوَ لَهُ عَنْ دَرَجَةِ البَهَائِمِ الشَّبِيهَةِ بِالأَمْوَاتِ، فَصَيَّرَهُ فِي دَرَجَةِ الحَيَاةِ الَّتِي تَبْقَى بَعْدَ المَوْتِ، فَهُوَ رُوحُ الحَيَاةِ. لَكِنَّ العِلْمَ إِنْ لَمْ يُظْفَرْ بِالحُكْمِ فَهُوَ مَيِّتٌ. فَإِذَا ظُفِرَ بِهِ كَانَتِ المَعْرِفَةُ بَاطِنَةً. فَالمَعْرِفَةُ هُنَا رُوحُ هَذَا العِلْمِ، يَعْنِي العِلْمُ النَّافِعُ.

لَكِنَّ المَعْرِفَةَ هِيَ أَيْضًا ظَاهِرُ الوَقْفَةِ، فَالوَقْفَةُ رُوحُهَا. فَنِسْبَةُ الحَيَاةِ إِلَى العِلْمِ كَنِسْبَةِ العِلْمِ إِلَى المَعْرِفَةِ، وَنِسْبَةُ العِلْمِ إِلَى المَعْرِفَةِ كَنِسْبَةِ المَعْرِفَةِ إِلَى الوَقْفَةِ.

 43.8.- وَقَالَ لِي :

                  كُلَّ وَاقِفٍ عَارِفٌ

                  وَمَا كُلُّ عَارِفٍ وَاقِفٌ.

1.43.8.- قلت : الأَعْلَى يَتَصَرَّفُ فِي الأَدْنَى وَلاَ يَنْعَكِسُ. 

44.8.- وَقَالَ لِي :

                       الوَاقِفُونَ أَهْلِي،

                  وَالعَارِفُونَ أَهْلُ مَعْرِفَتِي.

1.44.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ النِّسْبَةَ إِلَى اللهِ –تَعَالَى- إِلاَّ الوَاقِفُونَ. فَإِنَّ العَارِفِينَ، وَإِنْ كَانُوا فَوْقَ العُلَمَاءِ، فَلَيْسَ يَسْتَحِقُّونَ النِّسْبَةَ إِلَيْهِ –تَعَالَى- بَلْ إِلَى مَعْرِفَتِهِمْ.

 45.8.- وَقَالَ لِي :

                      أَهْلِي الأُمَرَاءُ،

                  وَأَهْلًُ المَعَارِفِ الوُزَرَاءُ.

1.45.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ الوَاقِفِينَ هُمْ أَهْلُهُ. وَأَهْلُهُ هُمْ الَّذِينَ قَامَ بِهِمْ وَصْفُهُ كَمَا يَقُومُ وَصْفُ المُلُوكِ بِالأُمَرَاءِ فِي زَيِّهِمْ وَفِي نُفُوذِ أَمْرِهِمْ حَتَّى يَكُونُ المُلُوكُ تَخْفَقُ عَلَيْهِمْ الأَعْلاَمُ، وَيَحْمِلُونَ السِّلاَحَ فَيَكُونُ الأُمَرَاءُ كَذَلِكَ. وَلَيْسَ الوُزَرَاءُ كَالمُلُوكِ فِي الَّذِي شَرَحْنَاهُ. فَلِذَلِكَ نِسَبُ أَهْلِهِ وَهُوَ الوَاقِفُونَ إِلَى الإِمَارَةِ، وَنِسَبُ مَنْ دُونِهِمْ، وَهُمْ العَارِفُونَ، إِلَى الوِزَارَةِ تَمْثِيلاً.  

46.8.- وَقَالَ لِي         لِلْوَقْفَةِ عِلْمٌ مَا هُوَ الوَقْفَةُ،

                    وَلِلْمَعْرِفَةِ عِلْمٌ مَا هُوَ المَعْرِفَةُ.

1.46.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ لِلْوَاقِفِ فِي الوَقْفَةِ حَالَتَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: حَالُ الفَنَاءِ فِي الشُّهُودِ، وَذَلِكَ هُوَ حَقِيقَةُ الوَقْفَةِ. وَحَالَةٌ أُخْرَى: دُوَن تِلْكَ، تَكُونُ بَعْدَ الصَّحْوِ مِنْ سُكْرَةِ الفَنَاءِ فِي الشُّهُودِ. وَهَذِهِ الحَالَةُ الأَخِيرَةُ يَجِدُ الوَاقِفُ فِي نَفْسِهِ عِلْمًا بَاقِيًا مِنْ آثَارِ تِلْكَ الحَالَةِ الأُولَى. فَهَذَا هُوَ عِلْمُ الوَقْفَةِ وَلَيْسَ هُوَ حَقِيقَةُ الوَقْفَةِ. وَهَذَا الكَلاَمُ بِعَيْنِهِ يَكُونُ مِثْلُهُ فِي مَقَامِ الَمعْرِفَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى العَارِفِ، لَكِنْ فِي مُشَاهَدَةٍ جُزْئِيَّةٍ.  

47.8.- وَقَالَ لِي

                      يَمُوتُ جِسْمُ الوَاقِفِ

                  وَلاَ يَمُوتُ قَلْبُهُ.

1.47.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ جِسْمَ الوَاقِفِ يَطْرَأُ عَلَيْهِ المَوْتُ كَسَائِرِ الأَجْسَامِ، غَيْرَ أَنَّ رُوحَهُ لاَ يُلْحِقُهَا المَوْتُ لاِنْصِبَاغِهَا بِنُورِ الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ. فَعَبَّرَ عَنِ الرُّوحِ بِالقَلْبِ. وَلِذَلِكَ يَنْسِبُونَ الإِدْرَاكَ لِلْقَلْبِ وَنِسْبَتُهُ فِي الحَقِيقَةِ إِلَى الرُّوحِ. فَإِذَنْ هُمْ يَطْلِقُونَ القَلْبَ عَلَى الرُّوحِ وَبِالعَكْسِ.

وَالمُرَادُ بِالرُّوحِ هُنَا، هُوَ مَا تُسَمِّيهِ عُلَمَاءُ الفَلاَسِفَةِ نَفْسًا، وَيَصِفُونَ أَنَّهَا بَاقِيَّةً. وَالصُّوفِيَّةُ يُسَمَّوْنَهَا رُوحًا. وَأَمَّا النَّفْسُ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ فَهِيَ الأَوْصَافُ المَذْمُومَةُ غَالِبًا. 

48.8.- وَقَالَ لِي :

                   دَخَلَ المُدَّعِي كُلّ شَيْءٍ،

                   فَخَرَجَ مَنْهُ بِالدَّعْوَى؛

                   وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِالدُّخُولِ إِلاَّ الوَقْفَة،

                   فَمَا دَخَلَهَا وَلاَ يَدْخُلُهَا وَلاَ أَخْبَرَ عَنْهَا وَلاَ يُخْبِرُ عَنْهَا.

1.48.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ المُدَّعِيَ إِذَا ادَّعَى مَقَامًا ممَّا دُونَ الوَقْفَةِ، فَقَدْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ دَخَلَهُ، أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ دَخَلَهُ. ثُمَّ هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ بِنَفْسِ الدَّعْوَى، وَذَلِكَ أَنَّ المَقَامَاتِ إِنَّمَا تَمْلِكُ بِالفَنَاءِ، وَالفَنَاءُ لاَ يَقْتَضِي الدَّعْوَى. فَهُوَ بِالدَّعْوَى خَارِجٌ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي ادَّعَاهُ. فَلاَ جَرَمَ أَنَّهُ لاَ يُنْسَبُ إِلَى الحَقِّ مَنْ هُوَ دُونَ مَقَامِ الوَقْفَةِ. فَهَذَا مَعْنَى « فَخَرَجَ عَنْهُ بِالدَّعْوَى« . وَمَعْنَى قَوْلُهُ: « وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِالدُّخُولِ » أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّ دُخُولَهُ إِنَّمَا كَانَ دَعْوَى لاَ حَقِيقَةً. فَلاَ جَرَمَ أَنَّهُ لاَ يُنْسَبُ إِلَى الحَقِّ مَنْ هُوَ دُونَ مَقَامِ الوَقْفَةِ. فَهَذَا مَعْنَى إِخْبَارُهُ بِالدُّخُولِ إِخْبَارًا كَاذِبًا. فَهُوَ يُخْبِرُ أَنَّهُ دَخَلَ وَلَمْ يَدْخُلْ. وَهَذَا الحُكْمُ لاَ يَقَعُ فِي الوَقْفَةِ. فَإِنَّ الوَقْفَةَ لاَ عِبَارَةَ عَنْهَا، فَكَيْفَ يَدَّعِي مَا إِذَا ادَّعَى فَضَحَتْهُ الدَّعْوَى بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: لاَ عِبَارَةَ عَمَّا أَنْتَ تُحَاوِل العِبَارَةُ عَنْهُ فَيَنْقَطِعُ. فَإِنْ قُلْتَ : إِنْ كَانَتِ الوَقْفَةُ لاَ تَقْبِلُ العِبَارَةَ، فَكَيْفَ وَرَدَتْ هَذِهِ التَّنَزُّلاَتُ فِي الوَقْفَةِ ؟ فَالجَوَابُ أَنَّ العِبَارَةَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الإِشَارَةِ. وَالإِشَارَةُ فِيهِ لاَ تُؤَدِّي إِلَى المَطْلُوبِ أَيْضًا مِنْ كَوْنِهَا إِشَارَةً. بَلْ، الاِعْتِمَادُ فِيهَا عَلَى مَا يَجِدُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ المُتَخَاطِبَيْنِ القَائِمَيْنِ بِالوَقْفَةِ فِي ذَوْقِهِ، لاَ مِمَّا يُفْهَمُ مِنَ العِبَارَةِ، وَتَكُونُ العِبَارَةُ وَالإِشَارَةُ مُنَبِّهَةٌ لِلذَّائِقِ عَلَى مُطَالَعَةِ ذَوْقِهِ بِمَا أَبْقَتِ الوَقْفَةُ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِهَا لاَ مِنْهَا كَمَا سَبَقَ شَرْحُهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: « وَلاَ أَخْبَرَ عَنْهَا وَلاَ يَخْبِرُ »  لِأَنَّ الإِخْبَارَ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الأَنَانِيَّةِ. وَفِي التَّنَزُّلِ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذُكِرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: « إِنْ كُنْتَ فِيهَا عَلَى عَمَدٍ، فَاحْذَرْ مَكْرِي مِنْ ذَلِكَ العَمَدِ وَسَيَأْتِي« .

49.8.- وَقَالَ لِي:

                  إِنْ كُنْتَ فِي الوَقْفَةِ عَلَى عَمَدٍ

                  احْذَرْ مَكْرِي مِنْ ذَلِكَ العَمَدِ.

1.49.8.- قلت : مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ رَسْمُكَ بَاقِيًا بِحَيْثُ يَصِحُّ مِنْكَ العَمَدُ، فَمَا أَنْتَ فِي الوَقْفَةِ. فَإِنَّكَ بِنَفْسِ العَمَدِ تَخْرُجُ مِنَ الوَقْفَةِ. فَإِنَّ العِمَدَ فِيهِ دَعْوَى الأَنَانِيَّةِ. وَهُوَ يَخْرُجُ بِالدَّعْوَى مِمَّا تَحْتَ الوَقْفَةِ. فَكَيْفَ تَثْبُتُ لَهُ الوَقْفَةُ. فَإِذَنْ الوَقْفَةُ تَرْمِيهِ عَنْ نَفْسِهَا، وَهُوَ المَكْرُ المُشَارُ إِلَيْهِ فِي التَّنَزُّلِ.

50.8.- وَقَالَ لِي :

                  الوَقْفَةُ تَنْفِي مَا سِوَاهَا

                  كَمَا يَنْفِي العِلْمُ الجَهْلَ.

1.50.8.- قلت : مَعْنَاهُ أَنَّ الوَقْفَةَ نُورِيَّةٌ كَمَا سَبَقَ. فَكُلُّ مَا دُونَهَا ظُلْمَةٌ أَوْ فِي حُكْمِ الظُّلْمَةِ. فَهِيَ تَنْفِي الظُّلُمَاتِ كَمَا أَنَّ نُورَ العِلْمِ يَنْفِي ظُلْمَةَ الجَهْلِ.

… 

 إعداد: محمد بن أحمد باغلي