« مطْلَبُ عِلْمِ التَّصَوُّفِ

هُوَ مَا لاَ يَقِفُ التَّحْقِيقُ

عِنْدَ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِهِ » ،

بمعنى أن الطالب لمسألة من مسائله إذا حقّقها، يجعله ذلك التّحقّقُ مستعدّا لما وراءها. فإذا تحقّق بمااستعدّ له، ممّا وراء تلك المسألة، استعدّ كذلك، وهكذا فلا نهاية لمسائل التّصوّف ومطالبه دون الذّات البحتالغيبُ المُطلق

من الموقف 119 للأمير عبد القادر

« La réalisation de la quête

de la science mystique

n’est pas dans les questions »

Ce qui veut dire que celui qui cherche au sujet de telle question, une fois qu’il l’a examinée, cela le rend prêt pour ce qu’il y a derrière la question ; et une fois qu’il a examiné ce pour quoi il était prêt derrière la question, il est à nouveau prêt et ainsi de suite. Ainsi les questions au sujet de la Mystique sont sans fin, sans parler de l’Essence pure, absolument invisible.

   سافر الأمير عبد القادر مع والده من وهران برًّا إلى الحجاز 1241هـ/م1825

وبعد أداء فريضة الحج، قصد المدينة المنورة ومنها توجّه إلى دمشق وتتلمذ على الشيخ خالد النقشباندي

    ثمّ سافر إلى بغداد فزار مع أبيه مقام سيدي عبد القادر الجيلالي وأخذ كلّ منهما الإجازة بالطّريقة القادرية عن الشيخ محمود القادري

   ثمّ رجعا إلى دمشق ومنها عادا إلى الحجاز، فحجا مرّة ثانيّة

ثمّ رجعا إلى الوطن وذلك عام 1243هـ/م 1827 

 

المَوْقِفُ التَّاسِعُ عَشَرَ وَمِائَة        119

قَالَ  تَعَالَى: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [1]

وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالبَصَرِ [2]

وَقَالَ :{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ [3]} وَفِي قِرَاءَةٍ مَن رَفَعَ «كُلُّ»؛ وَقَالَ :{ قُل لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِذَ البَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَذَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [4]}.

وَوَرَدَ فِي الخَبَرِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :

}أَنَا مِنْ نُورِ رَبِّي ؛ وَالمُؤْمِنُونَ مِنْ نُورِي{

وَوَرَدَ: }أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورَ نَبِيِّكَ، يَا جَابر{

اِعْلَمْ أَنَّ الحَقَّ تَعَالَى، قَدْ أَشْهَدَنِي مَعَانِي هَذِهِ الآيَاتِ وَالأَخْبَارِ، فِي مَشْهَدٍ أُقْدُسِيٍّ ذَاتِيٍّ مِنْ وِجْهٍ، قُدْسِيٍّ صِفَاتِيٍّ مِنْ وِجْهٍ، بِمِثَالٍ ضَرَبَهُ لِي :

شَهَدْتُ نُورًا شِبْهَ المَنَارَةِ مُمْتَدًا إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَفِي مُقَابَلَتِهِ شَمْعَةٌ شِبْهَ المَنَارَةِ مُمْتَدَّةً إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ, وَمَنَارَةُ النُّورِ مُتَسَلِّطَةٌ عَلَى الشَّمْعَةِ وَمُنْقَضَّةٌ عَلَيْهَا، وَطَالِبَةٌ لَهَا. وَعِنْدَ وُصُولِ النُّورِ بِشِدَّتِهِ وَقُوَّتِهِ تَنْطَفِيءُ الشَّمْعَةُ. فَإِذَا جَازَتِ قُوَّةُ النُّورِ وَسَوَرَتْهُ، اتَّقَدَتْ الشَّمْعَةُ مِنْ أَثَرِ النُّورِ. ثُمَّ يَنْدَفِعُ النُّورُ بِقُوَّتِهِ وَتَنْطَفِئُ الشَّمْعَةُ ثُمَّ تَتَّقِدُ مِنْ أَثَرِهِ وَبَقِيَّتِهِ.. وَهَكَذَا عَلَى الدَّوَامِ. وَكُنْتُ أَعْلَمُ حِينَ ذَلِكَ الشُّهُودِ أَنَّ الشَّمْعَةَ مِثَالُ الحَقِيقَةِ المُحَمَّدِيَّةِ المُسَمَّاةِ بِحَضْرَةِ الأَمَاكِنِ، وَبِهُيُولِي العَالَمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَهِيَ تَقْبَلُ الإِضَاءَةَ وَالانْطِفَاءَ وَالإِيجَادَ وَالإِعْدَامَ. وَأَنَّ مَنَارَةَ النُّورِ بِاعْتِبَارِ قُوَّتِهَا وَسَوَرََتِهَا مِثَالُ الأَحَدِيَّةِ، وَبِاعْتِبَارٍ آخَرَ هِيَ أَيْ الشَّمْعَةُ مِثَالُ مَرْتَبَةِ الأُلُوهِيَّةِ.  فَالأَحَدِيَّةُ بِمُقْتَضَى حَقِيقَتِهَا تَطْلُبُ نَفْيَ مَا يَشْفَعُهَا وَإِعْدَامَهُ، حَتَّى تَصِحَّ الأَحَدِيَّةُ الحَقِيقِيَّةُ وَتَنْتَفِي الغَيْرِيَّةُ المَجَازِيَّةُ. فَهِيَ تُعْدِمُ نُورَ الشَّمْعَةِ بِظُهُورِهَا، فَلاَ يَبْقَى غَيْرُ الأُلُوهِيَّةِ، الَّتي هِيَ مَرْتَبَةُ الأَسْمَاءِ تَطْلُبُ ظُهُورَ آثَارِهَا، فَتَتَّقِدُ الشَّمْعَةُ لِأَنَّ الأُلُوهِيَّةَ هِيَ اسْتِتَارُ الذَّاتِ الأُحُدِيَّةِ بِظُهُورِهَا بِصُورَةِ الغَيْرِ. فَالأُلُوهِيَّةُ مَرْتَبَةُ الذَّاتِ الأُحَدِيَّةِ، لَيْسَ لَهَا رُتْبَةُ الَعيْنِيَّةِ وَلاَ رُتْبَةُ الغَيْرِيَّةِ . وَالمَخْلُوقَاتُ دَائِمًا بَيْنَ هَذَيْنِ المُقْتَضَيَيْنِ، مُقْتَضَى الأُحَدِيَّةِ وَمُقْتَضَى الأُلُوهِيَّةِ، فَهِيَ دَائِمًا بَيْنَ إِيجَادٍ وَإِعْدَامٍ. وَهَذَا مَعْنَى الخَلْقِ الجَدِيدِ، الَّذِي النَّاسُ فِي لَبْسٍ مِنْهُ. وَوُرُودِ النُّورِ بِقُوَّتِهِ عَلَى الشَّمْعَةِ وَإِطْفَاؤُهَا ثُمَّ اتِّقَادُهَا ثُمَّ عَوْدَتُهُ كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ زَمَانٌ وَلاَ يَظْهَرُ لَهُ تَرْتِيبٌ إِلاَّ فِي التَّعَقُّلِ، وَإِلاَّ فَزَمَانُ هَذَا كَلَمَعَانِ البَرْقِ، زَمَانُ لَمَعَانِهِ زَمَانُ انْصِـبَاغِ الهَوَاءِ بِهِ، وَزَمَانُ انْصِبَاغِ الهَوَاءِ بِهِ زَمَانُ انْكِشَافِ الأَشْيَاءِ بِهِ ، وَزَمَانُ انْكِشَافِ الأَشْيَاءِ بِهِ، زَمَانُ تَعَلُّقِ الإِدْرَاكِ البَصَرِيِّ وَوُقُوعِهِ عَلَيْهَا. وَلاَ تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذِهِ الأُمُورِ فِي الحِسِّ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِتَرْتِيبِهَا بِالعَقْلِ. فَهَكَذَا هُوَ الأَمْرُ الإِلَهِي وَهُوَ مَعْنَى {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالبَصَرِ [5]} . وَأَمْرُهُ صِفَتُهُ، وَصِفَتُهُ عَيْنُ ذَاتِهِ. ثُمَّ أَنَّ النُّورَ الَّذِي يُوجَدُ فِي الشَّمْعَةِ بِاتِّقَادِهَا، وَيَنْعَدِمُ بِانْطِفَائِهَا، هُوَ عَيْنُ النُّورِ المُتَوَجَّهِ عَلَيْهَا بِالإِيقَادِ وَالإِطْفَاءِ، مَا هُوَ غَيْرُهُ، إِذْ حَقِيقَةُ النُّورِيَّةِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ. وَإِنَّمَا تَعَدَّدَ بِحَسَبِ المَظْهَرِ وَالتَّعَيُّنِ. كَمَا يُوقَدُ مِصْبَاحٌ مِنْ مَصَابِحِ فِي الحِسِّ ؛ فَالمِصْبَاحُ الثَّانِي عَيْنُ الأَوَّلِ، ظَهَرَ فِي فَتِيلَةٍ أُخْرَى لاَ غَيْرُهُ، فَهُوَ يُوجَدُ نَفْسُهُ فِي مَظْهَرٍ وَيُعْدَمُ نَفْسُهُ فِي مَظْهَرٍ وَهَذَا مَعْنَى : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ [6]} ثُمَّ إِنَّ هَذَا الاشْتِعَال المُتَعَاقِب عَلَى الدَّوَامِ، هُوَ كَلِمَاتُ اللهِ الَّتِي لاَ تَتَّقِدُ. فَانْظُرْ ِإلَى هَذَا التَّعْرِيفِ، وَالمِثَالِ المُنِيفِ : { وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلْهَا إِلاَّ العَالِمُونَ [7]} . فَالأَمْثَالُ لاَ تُضْرَبُ إِلاَّ لِلنَّاسِ، أَيْ الَّذِينَ فِيهِمْ صِفَةُ الإِنْسَانِيَّةِ لاَ لِمُطْلَقِ الحَيَوَانِ. وَمَا يَعْقِلُ تِلْكَ الأَمْثِلَةَ وَيَعْرِفُهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ سَلاَلِيمٌ يَرْقَى بِهَا إِلَى المَقْصُودِ، حَتَّى يَصِيرَ المَعْقُولُ مَحْسُوسًا، إِلاَّ العَالِمُونَ بِالعِلَمْ الحَقِيقِيِّ، فَيَعْبُرُونَ مِنْ ظَاهِرِهَا إِلَى بَاطِنِهَا، وَهُمْ العُلَمَاءُ عَلَى الحَقِيقَةِ الَّذِينَ عَرَفُوا : أَنَّ العِلْمَ وَالعَالِمَ وَالمَعْلُومَ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ، تَعَدَّدَتْ أَسْمَاؤُهَا لِتَعَدُّدِ نِسَبِهَا ؛ لاَ العُلَمَاءُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : العَالِمُ حَقِيقَةٌ، وَالمَعْلُومُ حَقِيقَةٌ أُخْرَى غَيْرُهَا ؛ وَالعِلْمُ حَقِيقَةٌ أُخْرَى تُغَايِرُ العَالِمَ وَالمَعْلُومَ . وَمَا هُوَ هَذَا عِلْمٌ وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ.

قِيلَ لِي فِي وَاقِعَةٍ مِنَ الوَقَائِعِ :

 » مَطْلَبُ عِلْمِ التَّصَوُّفِ

هُوَ مَا لاَ يَقِفُ التَّحْقِيقُ عِنْدَ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِهِ » ،

بِمَعْنَى أَنَّ الطَّالِبَ لِمَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِهِ إِذَا حَقَّقَهَا، يَجْعَلُهُ ذَلِكَ التَّحَقُّقُ مُسْتَعِدًّا لِمَا وَرَاءَهَا ؛

فَإِذَا تَحَقَّقَ بِمَا اسْتَعَدَّ لَهُ، مِمَّا وَرَاءَ تِلْكَ المَسْأَلَةِ، اسْتَعَدَّ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا فَلاَ نِهَايَةَ لِمَسَائِلِ التَّصَوُّفِ وَمَطَالِبِهِ، دُونَ الذَّات البَحْت الغَيْبُ المُطْلَقُ. وَهُنَالِكَ مُنْتَهَى العِبَارَاتِ وَمُنْقَطَعُ الإِشَارَاتِ وَبَحْرُ الظُّلُمَاتِ.

ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذَا المَشْهَدِ أَلْقَى الحَقُّ تَعَالَى إِلَيَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا [8]} يَعْنِي أَنَّ الحَقَّ تَعَالَى، لَمَّا أَدْخَلَ مَنْ أَدْخَلَ جَنَّةَ مَعْرِفَتِهِ، سَقَاهُمْ شَرَابَ العِلْمِ وَالكَشْفِ عَنِ الحَقَائِقِ، طَهُورًا مِنْ قَذُرَاتِ التَّلْبِيسِ وَالشُّكُوكِ، صَافِيًا مِنْ دَنَسِ الأَفْكَارِ، غَيرَ مُكَدَّرٍ بِأَوْسَاخِ الطَّبِيعَةِ. اهـ

 ———————————

المَوْقِفُ ثلاثمائة وسبعون         370

رَأيْتُ فِي المَنَامِ، قَبْلَ القِيَامِ لِلتَّهَجُّدِ، الشَّيْخَ عَبْدُ الغَنِي النَّابُلْسِي-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَأَنَّهُ يُدَرِّسُ لَنَا دَرْسًا فِي التَّصَوُّفِ لَيْلاً. فَغَلَبَنِي النَّوْمُ وَنِمْتُ.

فَأَفَقْتُ فِي الوَقْتِ المُخْتَارِ لِلصُّبْحِ، فَوَجَدْتُ الشَّيْخَ عَبْد الغَنِي صَلَّى الصُّبْحَ مَعَ أُوْلَئِكَ الجَمَاعَةِ. فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ الصُّبْحَ، وَجَلَسْنَا.

فَجَاءَ الشَّيْخُ لِلْجَمَاعَةِ وَقَالَ لَهُمْ:

      – أَعِيدُوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّنَا صَلَّيْنَا قَبْلَ الوَقْتِ !


[1]  من الآية 15 من سورة ق [50]

[2]  من الآية 50 من سورة القمـر [54]

[3]  من الآية 49 من سورة القمـر[54]

[4]  من الآية 109 من سورة الكهف [18]

[5]  من الآية 50 من سورة القمـر [54]

[6]  من الآية 49 من سورة  القمــر [54]

[7]  من الآية 43 من سورة العنكبوت [29]

[8]  من الآية 21 من سورة الانسان [76]

إعداد: محمد بن أحمد باغلي