محمّد بن عمر الملاّلي

 المواهب القدسية

 في المناقب السّنوسيّة

 بسم الله الرحمن الرحيم        

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

يقول عبيد الله تعالى[1] الفقير الحقير المعترف

بكثرة الذنب والتّقصير محمّد بن عمر بن أبي أهيم

بن عمر بن علي الملاّلي لطف الله تعالى به اللّطف الجميل

وخار الله له في المقام والرّحيل

الحمد لله الذي ملأ قلوبَ أوليائه بأنوار معرفته، وأزال عنها حجابه حتى شهدوا عظيم جلاله وعظمته، وأمدّهم سبحانه وتعالى بتوفيقه وبمنّ يده. فنهضوا إلى القيام بخدمته، وطهّر قلوبهم من كلّ ما يكدر عليه بنور المعرفة وقربهم إليه فصاروا من أهل حضرته، وكساهم بفضله وكرم حلل كرامته، فغرقوا في بحار هيبته ومحبّته، وأطلعهم سبحانه وتعالى من عجائب قدرته وبعض مغيباته، فتحقّقوا بأحديّته وممديّته، وكشف لهم عن خسّة الدّنيا وما يئول إليه أمرُها فلم يلتفتوا إلى شيء من زخارفها وشدتها لما عاينوا من جميل ذاته العلية العديمة المثال، وعظيم ألوهيته وحفظ المولى تبارك وتعالى وحفظ بهم البلاد وجميع العباد وجعلهم رحمة لكافة الخلق على ما سبق في أوّليّته.

وَالصّلاة والسّلام على سيّد الأوّلين والآخرين، خاتم النّبيّين والمرسلين، سيّدنا ونبيّنا ومولانا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، المصطفى من خليقته؛ وعلى آله وعترته وأصحابه؛ وصلاة وسلاما دائمين بدوام أبديّته.

وبعد؛

فإنّي عزمت في هذا التّقييد المفيد وفّق الله فيه للصّواب والتّحقيق، وسّر في إتمامه على أكمل الطّريق، أن أذكر فيه جُمَلاً من فضائل شيخنا الإمام البالغ في التّحقيق والورع منّتها المرام، قطب الوجود، البركةُ الشّاملةُ لكلّ موجود، وروحُ خُلاصةِ أهلِ الإيمان والطّريق الموصلِ إلى رضَا الرّحمن، يتقرّب إلى الله تعالى به كلّ صديق، ولا يُبغِضهُ إلاّ مُلحِدٌ أو زِندِيق، وهو إمام المتّقين وسلطانُ العارفين وقدوة السّالكين ومنقذُ الهالكين، صاحبُ الإشاراتِ العلِيّةِ والعِبارات السنّيّة والحقائق القدسيّة والأسرار الربّانيّة والهممُ العرشِيّة والإخوان المحمّديّة منشئ العالِم الطّريقة بعد جفاء آثارها ومُبدي علوم الحقائق بعد غيبة أنوارها، المعدوم القرين في هذا الزمان الذي جعلهُ اللهُ كرامةً لأهلِ تلمسان، سيّدنا ومولانا وبركتنا ودخيرتنا ووسيلتنا إلى ربّنا، الواصل إلى الله تعالا، الموصل إليه أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن عمر بن شعيب السّنوسي الحسني تغمّده الله تعالى بجميع الرّضوان وأسكنه فراديس الجنان مع أهله وجيرانه وأصحابه وأصدقائه وتلامذته وكلّ من أحبّه من سائر الإخوان، وأفاض علينا من أنواره ووفقنا إلى اتّباع كريم آثاره، وجعلنا بفضله وكرمه من جِواره، بجاه سيّدنا ونبيّنا ومولانا محمّد صلّّى الله عليه وسلّم خاتم رُسُله وأنبيائه .

وأُقَدِّمُ من أخَذَ عنه منَ الشُّيُوخ واعتمد عليه في عُلُومِهِ ومعارفِهِ من أَهْل الرُّسُوخ، وما يتيسّرُ من فضائلهم ومَآثِرِهم، ويتوصّل إليه العلم من فوائدهم ومحاسنهم وخُصُوصًا أخوه شيخنا وبركتنا وعُمدتُنا الشيخ العالِمُ المتفنّنُ الحافِظُ المُنقَطِع الزَّاهِدُ العَابِدُ الوَرَعُ الصَّالِحُ البَرَكة المنقطع إلى اللهِ سُبحانه وإلى صحبة أوليائه سيدي أبي الحسن علي بن سيدنا وبركتنا أبو عبد الله محمد بن علي التّالوتي، تغمّده الله برحمته وأسكنه بفضله وكرمه فراديس جنته مع أهله وقرابته وجيرانه وأصحابه وتلامذته وسائر أحبّته.

وأُلَمِّعُ مع ذلك بشيء من فوائده، وما سمعتُ منه من مُهِمَّاتِ المسائلِ الَّتي أشكلت على كثيرٍ مِن العُلمَاء الأعيان في هذا الزّمانِ

وما قاله من تفسير آياتٍ من القرءان وتفسير حديثٍ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكلامٍ على حقيقته ممّا نَقَل على أحدٍ من أئمّّة أهل التّصوّف أشكل معناه، وما ألّفه من التّآلف بحسب ما رأيتُ منهَا وما حدّثني به عن بعضِ تآليفه ممّا هو كرامةٌ له،

وأذكُرُ ما بلغني من عظيم كرامته ممّن أثِقُ به بكلامه،

وأذكُرُ أيضًا أحواله وعلومه وأسرارهُ وما قال -رضي الله تعالى عنه- من الشّعر أو قيل فيه في حياته أو بعد مماته.

وينحصرُ في مُقدّمة وعشرةِ أبواب:

الباب الأوّل في التّعريف بأشياخه؛

الباب الثاني في مكاشفاته وكراماته؛

الباب الثالث في علمه وزُهده ووعظه وورعه ورفع همّته وحلمه وصبره وسداد طريقته وشمائله؛

الباب الرّابع في عدد تواليفه وما قيل في بعضها من الشّعر وما حدّثني به عن بعض تواليفه ؛

الباب الخامس في ءايات من كتاب الله تعالا تكلّم على تمييز معناها وأزال ما ظهر من أشكالها ؛

الباب السّادس في تفسيره لما أشكل من الأحاديث النّبويّة وما استنبط منها من الأحكام الشّرعيّة ؛

الباب السّابع في تفسيره لما أشكل من كلام أهل الحقائق وحمله ذلك على أجمل الطّريق ؛

الباب الثّامن في ذكر أوراد حظّ عليها جل تلامذته وأصحابه وذكر أدعية حسنة كتبها بخطّه ؛

الباب التّاسع في وفاتِهِ وما اتّفق له في أيّام مرضه -رضي الله تعالى عنه- ونفعنا به ءامين ؛

الباب العاشر فيما قاله من الشعر أو قيل فيه مما يتضمّن ذكرُ خُصُوصيّته وعُلُوّ منزلته -رضي الله تعالى عنه- ونفعنا به.

  

وليس كلّ شيء سمعته من الشيخ -رضي الله عنه- استحضرته وقت وضعي لهذا التّقييد المفيد، ولا كل شيء استحضرته يمكن إثباته. ما حملني على وضع هذا التّقييد المفيد إلاّ كثرةُ محبّتي لهذا السيّد الشّريف الذي قيدنا بجميل إحسانه إلينا وأفاض من بركاته وأنواره علينا حتّى صرت لا أجري على لساني إلاّ طيب شكره ولا أقوم ولا أقعد إلاّ بذكره ولا استنشق إلا عبر نشره ولا أسئلُ عن حُبّه بغيره وأيضا فقد رأيت تخليد مناقبه العالية ومفاخره السامية في الدّفاتر، أعمّ نفعا وألصق بالخاطرة.

وليتحدّثْ بها في مستقبلات الأزمنة البادي والحاضر.

وسمّيته بالمواهب القدسية في المناقب السنوسية.

وأنا أسأله، جلّ وعلا متوسّلا إليه بنبيِّه صلّى الله عليه وسلّم نبيّ الرّحمة والمنجلي به في هذه الدّنيا والآخرة، عظائم كلّ عِلْمِهِ.

وأن يعينني في هذا التّأليف وفي كلّ عملٍ على الإحسان فيه وإخلاص النّيّة، ويكفيني شرّ نفسي وشرّ كلّ ذي شرٍّ حتّى نلقاه على أكمل الحالات وأحسن طريقة، فإنّه أصل الجود والتفضل به لا لعرض بل سِعَتِ كَرَمِهِ قبل السؤال والمفضي على من شاء ولا يبالي بما أعطى ولا لمن أعطى أعظم ما ينال.

ولنشرَع فيما قصدته مستعينا بالله تعالا وهو المنفرد بالاعانة وجميل الهداية ؛ ومصلّيا على نبيّه صلاواتُه وسلامُه عليه فهو الوسيلة العظمى لكل مطلبٍ والمعتصم الأسنَى من كلّ غوايةٍ.

فنقول :



[1] تعلى، تعالا : هكذا في المخطوطة وكتبت في هذا التّحقيق : تعالى

إعداد وتحقيق: محمد بن أحمد باغلي