مجلس في فضائل شهر رمضان

لسيدي عبد القادر الجيلالي

 ولد عام 470هـ/م1077-1078

 توفي عام 561 هـ/م1166  ودفن ببغداد

من مناقبه :

1.- حكي عن أمّه-رضي الله عنها- وكان لها قدم في الطريق أنّها قالت: لمّا وضعت ولدي عبد القادر كان لا يرضع ثديه في نهار رمضان، ولقد غمّ على الناس هلال رمضان فأتوني وسألوني عنه فقلت لهم أنها لم يلتقم اليوم له ثديا، ثم اتّضح أنّ ذلك اليوم كان من رمضان، واشتهر ببلدنا في ذلك الوقت أنه ولد للأشراف ولد لا يرضع في نهار رمضان.

بسم الله الرحمن الرحيم

مجلس في فضائل شهر رمضان

من كتاب الغنية لطالب طريق الحقّ عزّ وجلّ

قال الله عزّ وجلّ:

(2)البقرة182- يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمٌ الصِّيَّام كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

قال الحسن البصري –رحمه الله- : إذا سمعت الله تعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا} فارع لها سمعك، فإنها لأمر تؤمر به أو نهي تنهى عنه

وقال جعفر الصادق –رحمه الله- : لذّة ما في النداء إزالة تعب العبادة والعناءُ.

قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا}

{يا} نداء من العالم و{أي} اسم من المعلوم المنادى و{ها} تنبيه على نداء المنادي الذي هو إشارة إلى المعرفة السابقة والصحبة القديمة {ءامنوا} إشارة إلى السر المعلوم بيد المنادى والمنادي

كأنه يقول يا من هو لي بسره المخلص له بضميره وبلبه كتب أي فرض وأوجب عليك الصيام وهو مصدر كقولك صمت صياما وقمت قياما وأصل الصيام في اللغة الإمساك

يقال صامت الريح إذا سكنت وأمسكت عن الهبوب

وصامت الخيل إذا وقفت وأمسكت عن السير

ويقال صام النهار إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة لأن الشمس إذا بلغت كبد السماءُ وقفت وأمسكت عن السير هنية كما قال الشاعر

حتى إذا صام النهار واعتدل * وسال للشمس لعاب فنزل

ويقال للرجل إذا صَمَتَ وَأمْسَك عن الكلام، صَامَ.

مقال الله تعالى:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي صمتا

فالصوم هو الإمساك عن المعتاد من الطعام والشراب والجماع في الشرع مع ترك الآثام.

قال الله عزّ وجلّ {كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} أي من الأنبياء والأمم أولهم آدم عليه السلام

وهو ما روي عبد الملك بن هرون بن عنترة عن أبيه عن جدّه قال

سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول

أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم عند انتصاف النهار وهو في الحجرة فسلمت عليه فردّ عليّ السلام ثم قال

يا علي جبريل يقرئك السلام

فقلت عليك وعليه السلام يا رسول الله

فقال صلى الله عليه وسلم أدن مني

فدنوت منه

فقال يا علي يقول لك جبريل صم من كلّ شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم عشرة آلاف سنة وباليوم الثاني ثلاثون ألف سنة وباليوم الثالث مائة ألف سنة

فقلت يا رسول الله هذا الثواب لي خاصة أم للناس عامّة

قال صلى الله عليه وسلم : يا علي يعطيك الله  هذا الثواب ولمن يعمل بعملك بعدك

قلت يا رسول الله وما هي

قال الأيام البيض: ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر

قال عنترة فقلت لعلي رضي الله عنه

لأي شيء تسمى هذه الأيام أيام البيض

فقال علي رضي الله عنه لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام من الجنة إلى الأرض أحرقته الشمس فاسود جسده فأتاه جبريل عليه السلام فقال

يا آدم أتحب أن يبيض جسدك؟

قال

نعم

قال له فصم من الشهر ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر

فصام آدم عليه السلام أول يوم فابيض ثلث جسده ثم صام اليوم الثاني فابيض ثلثا جسده ثم صام اليوم الثالث فابيض جسده كله فسميت أيام البيض

فآدم عليه السلام من الذين كتب عليهم الصيام من قبل محمد صلى الله عليه وسلم

———–

قال الحسن وجماعة من العلماء بالتفسير:

أراد الله تعالى {بالذين من قبلكم} النصارى شبه صيامنا بصيامهم لاتفاقهما في الوقت والقدر وذلك أن الله تعالى فرض على النصارى صيام شهر رمضان، فاشتد ذلك عليهم لأنه ربّما كان يأتي في الحرّ الشّديد أو في البرد الشّديد وكان يضرّهم في أسفارهم ومعايشهم

فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف فجعلوه في الربيع وزادوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا فصار أربعين يوما

ثمّ إن ملكا لهم اشتكى فمه فجعل لله إن هو برئ من وجعه ذلك يزيد في صومهم أسبوعا، فزادوا فيه ثم مات ذلك الملك ووليهم ملك آخر فأتموه خمسين يوما.

————

قال مجاهد رحمه الله أصلهم موتان فقال زيدوا في صيامكم فزادوا عشراً قبل وعشرًا بعد

———–

قال الشعبي رحمه الله لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه فيقال من شعبان ويقال من رمضان وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل وذلك أنهم كانوا ربما صاموا في القيظ فعدوا ثلاثين يوما ثم جاء بعدهم قرن منهم فأخذوا بالثقة في أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوماً وبعدها يوماً ثم لم يزل الآخر يستن بسنة القرن الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما فذلك قوله عز وجل {كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يعني لكي تتقوا الأكل والشرب والجماع

————-

وقال أهل التفسير أيضا:

فرض الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى المومنين صوم يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر حين قدم المدينة فكانوا يصومونها إلى أن نزل صيام شهر رمضان قبل قتال بدر بشهر وأيام

————-

قال الله تعالى:{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} يعني شهر رمضان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما

————-

وروي عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

أنا وأمتي أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا وهكذا لتمام الثلاثين

وسمي الشهر شهرا لشهرته وهو مأخوذ من الشهرة وهي البياض

ومنه يقال شهرت السيف إذا سللته وشهر الهلال إذا طلع

——————————————————

فصل في قوله عزّ وجلّ {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان}

روى  عن عطية ابن الأسود أنه سأل ابن عباس –رضي الله عنهما- فقال أنه قد وقع الشك في قوله تعالى

{إنّا أنزلناه في ليلة مباركة} وقد نزل القرءان في سائر الشهور.

قال الله تعالى {وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث}

فقال له: نزل القرءان جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان. فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل به جبريل –عليه السلام- على محمد –صلى الله عليه وسلم- نجوما نجوما في ثلاث وعشرين سنة. وذلك قول الله عزّ وجلّ {فلا أقسم بمواقع النجوم}.

————

وقال داوود بن أبي هند: قلت للشعبي: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان، أما كان ينزل عليه –عليه السلام- في سائر السنة ؟ قال: بل ولكن جبريل –عليه السلام- كان يعارض محمدا –صلى الله عليه وسلم- في رمضان بما نزل الله فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء وينسيه ما يشاء

عن شهاب بن طارق عن أبي ذرّ الغفّاري –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلّم- قال:

أنزلت صحف إبراهيم في ثلاث ليال مضين من شهر رمضان

وأنزلت توراة موسى –عليه السلام- في ست ليال مضين من شهر رمضان

وأنزل زبور داود –عليه السلام- في ثماني عشرة ليلة مضت من شهر رمضان

وأنزل الفرقان على محمد –صلى الله عليه وسلم- في الرابعة والعشرين من شهر رمضان

ثمّ وصف عز وجل القرءان فقال:{هدًى للناس} من الضلالة {وبينات} من الحلال والحرام والحدود والأحكام من الهدى والفرقان يفصل بين الحق والباطل

————————————————————–

فصل فيما يختص بشهر رمضان من الفضائل

أخبرني أبو نصر عن والده قال: أنبأنا ابن الفارس قال حدّثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الجلودي النيسابوري قال أخبرنا محمد بن إسحاق ابن خزيمة قال أنبأنا علي بن حجر السعدي قال أنبأنا يوسف بن زياد قال أخبرنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسوالله –صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبان وقال:

« أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة من الخير أو أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن فمن أفطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء

قالوا: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم

قال: يعطي الله هذا الثواب لمن أفطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار فمن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقة من النار فاستكثروا فيه من أربع خصال خصلتان ترضون بها ربكم  وخصلتان لا غنى لكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه وأما اللتان لا غني لكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ومن أشبع فيه صائما سقاه الله تعالى من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبدا .

————

وعن الكلبي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ أبواب الجنّة زأبواب السّماء لتفتح لأوّل ليلة من شهر رمضان ولا تغلق إلى آخر ليلة منه ليس من عبد وأمة يصلي في ليلة منه إلا كتب الله له بكل سجدة ألفا وسبعمائة حسنة وبنى له بيتا في الجنة من ياقوتة حمراء فإذا صام أول يوم من شهر رمضان غفر الله له كل ذنب إلى آخر يوم من رمضان وكان كفارة إلى مثلها وكان له بكل يوم يصومه قصر في الجنة له ألف باب من ذهب واستغفر له سبعون ألف ملك من غدوة إلى أن تتوارى بالحجاب وكان له بكل سجدة سجدها من ليل أو نهار شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها

————–

وأخبرني أبو نصر عن واله بإسناده عن الأعراج عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه وإذا نظر إلى عبد لم يعذبه أبدا ولله عز وجل في كل يوم ألف ألف عتيق من النار

————-

وأخبرني أبو نصر عن والده بإسناده عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

« إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين »

———

وعن نافع بن بردة عن ابن مسعود الغفاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ما من عبد يصوم يوما من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة مجوفة مما نعت الله عز وجل حور مقصورات في الخيام على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى ويعطي سبعين لوناً من الطيب ليس منهالون على لون الآخر ويعطي سبعين لوناً من الطيب ليس منها لون على لون آخر ويعطي سبعون سريرا من ياقوتة حمراء موشحة بالدر على كل سرير سبعون فراشا على كل فراش أريكة لكل امرأة سبعون ألف وصيف لحاجتها وسبعون ألف وصيفة لزوجها مع كل وصيفة صحفة من ذهب فيها لون من طعام فيجد لآخر لقمة منها لذة لم يجدها لأوله ويعطي زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر هذا لكل يوم صامه من رمضان سوى ما يعمل من الحسنات.