صناعة الورق

من كتاب « صبح الأعشى » للقلقشندي

ومن كتاب « الفهرست » لابن النديم

– فيما كانت الأمم السالفة تكتب فيه في الزمن القديم

وقد كانت الأمم في ذلك متفاوتة، فكان أهل الصين يكتبون في ورق يصنعونه من الحشيش والكلأ، وعنهم أخذ الناسُ صنعةَ الورق

ُوأهل الهند يكتبون في خِرَقِ الحرير الأبيض

والفُرْس يكتُبون في الجلود المدبوغة من جلود الجواميس والبقر والغنم والوحوش

وكذلك كانوا يكتبون في اللِّخَأفِ وهي حجارة بيض رقَاق

وفي النّحاس والحديد ونحوهما

وفي عُسُوب النخل وهي الجريد الذي لا خُوصَ عليه- واحدها عَسِيب

وفي عظم أكتاف الإبلِ والغنمِ

وعلى هذا الأسلوب كانت العَرَبُ لقربهم منهم

واستمرّ ذلك إلى أن بُعِث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونزل القرآن والعربُ على ذلك

فكانوا يكتبُون القرءان حين ينزل ويقرؤه عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في اللِّخَأفِ وَالعُسُبِ

فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال عند جمعه القرءان

فجَعَلتُ أَتَتَبَّعُ القُرءان من العُسُبِ وَاللِّخَافِ

وفي حديث الزهري

قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرءانُ في العُسُبِ

وربّما كتب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعض مكاتباته في الأدَم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى

وأجمع رأيُ الصحابة رضي الله عنهم على كتابة القرءان في الرِّقِّ لطُول بقائه، أو لأنّه الموجود عندهم حينئذ

َوبقي الناس على ذلك إلى أن وًَلِيً الرّشِيدُ الخلافةَ، وقد كثُر الورق وفشا عمله بين الناس، أَمَرأن لا يكتب الناس إلا في الكَاغِدِ لأن الجلود ونحوها تقبل المحو والإعادةَ فتقبل التّزوير بخلاف الورق فإنّه متى مُحِي منه فسد، وإن كُشِط ظهر كَشْطُهُ

وانتشرت الكتابة في الورق إلى سائر الأقطار وتعاطاها من قَرُب وَبَعُد واستمرّ الناس على ذلك إلى الآن

 في بيان أسماء الورق الواردة في اللغة، ومعرفة أجناسه

الوَرقُ اسم جنس يقع على القليل والكثير،

واحده ورقة، وجمعه أوراق وجمع الوَرَقَة وَرَقَات 

وبه سمي الرّجل الذي يكتب وَرَّاقًا

وقد نطق القرءان الكريم بتسميته قِرْطَاسًا وصَحِيفَةً  كما مرّ بيانه

ويسمّى أيضاً الكَاغَدَ

ويقال للصحيفة أيضًا

 طِرْس ويجمع على طُرُوس

 ومُهْرَقٌ ويجمع مَهَارق وهو فارسي معرب قاله الجوهري

وأحسنُ الوَرَق ما كان ناصع البياض غرفا صَقِيلاً، متناسب الأطراف، صبورًا على مٍُُور الزَّمَان

وأعلى أجناس الورق فيما رأيناه البغدادي وهو ورق ثخين مع ليونة ورِقَّة حاشية وتناسب أجزاء، وقطعه وافر جدًّا، ولا يكتب فيه في الغالب إلا المصاحف الشّريفة وربّما استعنله كُتَّاب الإنشاء في مكاتبات القانات ونحوها كما سيأتي بيانه في المكاتبات السلطانية

ودونه في الرتبة الشامي وهو على نوعين

نوع يعرف بالحموي وهو دون القطع البغدادي

ونوع دونه في القدر وهو المعروف بالشامي وقطعه دون القطع الحموي

ودونهما في الرتبة الورق المصري وهو أيضاً على قطعين

القطع المنصوري وقطع العادة

والمنصوري أكبر قطعا وقلّما يُصقل وجهاه جميعا

أما العادة فإن فيه ما يصقل وجهاه ويسمّى في عُرف الورّاقين المصلوح

وغيره عندهم على رتبتين : عال ووسط

وفيه صِنفٌ يعرف  بالقوِّيّ صغير القطع، خشن غليظ خفيف الغرف، لا يُنتفع به في الكتابة، يُتّخذ لِلْحَلْوَى والعِطر ونحو ذلك

وإنما نبّهت على ذلك وإن كان واضحا لأمرين

أحدهما أن لا نُخلِي كِتابنا من بيان الورق الذي هو أحد أركان الكتابة

الثاني أنه قد ينتقل الكِتَاب إلى إقليم لا يعرف فيه تفاصيل أمر الورق المصري

كما لا يعرِفُ المصريّون ورق غير مصر معرِفَتَهم بورق مصر، فيقع الاطلاع على ذلك لمن أراده

ودون ذلك ورق أهل الغرب والفرنجة فهو ردئ جدًّا، سريع البِلَى، قليل المكث ولذلك يكتبون المصاحف غالبا في الرِّقِّ على العادة الأولى طلبا لطول البقاء

وسياتي الكلام على مقادير قطع الورق عند أهل التّوقيع وأهل الدَّيْوَنَة عند ذكر ورق كلّ فنّ وما يناسبه من القطع إن شاء الله تعالى

 من كتاب « صبح الأعشى » للقلقشندي ج 2 ص 475-477

ومن كتاب « الفهرست » لابن النديم

{الكلام على أنواع الورق}

يقال أول من كتب آدم على الطين

ثم كتبت الأمم بعد ذلك برهة من الزمان في النحاس والحجارة للخلود هذا قبل الطوفان

وكتبوا في الخشب وورق الشجر للحاجة في الوقت

، كتبوا في التوز الذي يعلا به القسى أيضا للخلود، وقد استقصينا خبر ذلك في مقالة الفلاسفة

ثم دبغت الجلود فكتب الناس فيها

وكتب أهل مصر في القرطاس المصري ويعمل من قصب البردي

وقيل أول من عمله يوسف النبي عليه السلام

والروم تكتب في الحرير الأبيض والرق وغيره وفي الطومار المصري وفي الفلجان وهو جلود الحمير الوحشية

وكانت  الفرس تكتب في جلود الجواميس والبقر والغنم

والعرب تكتب في أكتاف الإبل واللخاف وهي الحجارة الرقاق البيض وفي العسب عسب النخل

والصين في الورق الصيني ويعمل من الحشيش وهو أكثر ارتفاع البلد

والهند في النحاس والحجار وفي الحرير الأبيض

فأما الورق الخراساني فيعمل من الكتان ويقال أنه حدث في أيام بني أمية وقيل في الدولة العباسية وقيل إنه قديم العمل وقيل إنه حديث وقيل أن صناعا من الصين عملوه بخراسان على مثال الورق الصيني

فأما أنواعه السليماني الطلحي النوحي الفرعوني الجعفري الطاهري

أقام الناس ببغداد سنين لا يكتبون إلا في الطروس لأن الدواوين نهبت في أيام محمد بن زبيدة وكانت في جلود فكانت تمحا ويكتب فيها

قال وكانت الكتب في جلود دباغ النورة وهي شديدة الجفاف

ثم كانت الدباغة الكوفية تدبغ بالتمر وفيه لين

إعداد وتقديم: محمد بن أحمد باغلي