.
سيدي أحمد بن محمد بن مختار التجاني
وُلِدَ عام 1150هـ الموافق في غرّته 1 ماي سنة 1737م بعين ماضي
(تبعد من الأغواط بـ 70كلم ومن العاصمة بـ450كلم)
المُتَوَفَّى صبيحة يوم الخميس 17 شوال 1230هـ
الموافق 22 سبتمبر 1815م
بحومة البليدة الرحراوية بفاس
-
أُمُّهُ السيدة عائشة بنت محمد السنوسي
يرجع نسبها إلى سيدي الشيخ امحمد من قبيلة بني توجين
-فلهذا غلب على سيدي أحمد لقب التجاني نسبة إلى أخواله بني توجين –
وسيدي الشيخ امحمد هذا تزوج الحرة الجليلة امباركة بنت عيسى بن الحي من آل سيدي معمر مولى العالية
فولدت السيد امحمد والسيد عيسى
والذي وفد إلى عين ماضي سيدي امحمد الذي وَلَدَ
سيدي أحمد الذي وَلَدَ
سيدي المختار الذي وَلَدَ
سيدي محمد الذي وَلَدَ
سيدي أحمد التجاني
ونسبه يرفع إلى محمد النفس الزاكية
بن عبد الله الكامل
بن الحسن المثنى
بن الحسن السبط
بن علي كرم الله وجهه وفاطمة الزهراء بنت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
-
نشأته
حفظ القرءان وعمره 7 سنوات عن شيخه سيدي محمد بن حمو التجاني
ثمّ اشتغل بطلب العلوم الأصولية والفروعية والأدبية
وقرأ على شيخه المبروك بن بوعافية
مختصر خليل
والرسالة للقيرواني
ومقدمة ابن رشد
والأخضري
وكان يفتي وهو ابن خمسة عشر عاما
.
وفي السادسة عشر من عمره (1753م) توفي أبواه في يوم واحد
بسبب تفشي وباء الطاعون في المنطقة
.
وفي عام 1170هـ الموافق 1757-1758م
وعمره 21 عاما خرج من قرية عين ماضي متوجها إلى فاس
حيث تلقى علم الحديث
ثم قصد زاوية وزان
للقاء الشيخ أبو محمد مولانا الطيب، قطب زمانه
ثمّ قصد مولانا أحمد الصقلي بفاس
كما لقي سيدي محمد بن الحسن الوانجلي
وسيدي عبد الله من أولاد معن الأندلس
وسيدي أحمد الطواش نزيل تازة
.
كما أخذ القادرية بفاس
.
وأخذ الناصرية عن سيدي محمد بن عبد الله التزاثني الشهير بالريف
.
وأخذ طريق سيدي أحمد الحبيب السجلماسي الصديقي
.
وبعد هذا رجع إلى مسقط رأسه عين ماضي على أمر السيد الوانجلي
الذي بشره بأن الفتح لا يكون له إلا هناك
.
وقصد إلى بلد الأبيض سيدي الشيخ، الشيخ عبد القادر الصديقي
حتى أكمل بها خمسة من الأعوام
زار خلالها بلدة عين ماضي عملا عن إشارة السيد الوانجلي
.
ثمّ أتى مدينة تلمسان عام 1182هـ/م 1768
فأثار المقام بها واختارها للنزول والاستقرار
فعكف بها على ما كان عليه من الجدّ والتّشمير في العبادة
وتدريس العلوم خصوصا علمي الحديث والتفسير
وبقي على تلك الحال من الجد والاجتهاد في طاعة رب العباد
حتى حصل له ما اهله الله له بسابق عنايته من كمال الاستعداد
لتوالي الفتوحات وتراصد الأمداد
فلاحت عليه بوارق الفتح ومباديه
وظهر عليه من الخوارق ما دان له به شانئه ومعاديه
فصار يفتتن به كل من رآه لما يشاهد من طلعته البهيه وسناه
فلا يراه أحد إلا أخذ بمجامع قلبه وأزمه عقله ولبه
فأقبل الناس للأخذ عنه أفرادا وأزواجا
أتت الوفود بقصد الزيارة والتبرك به أفواجا
فنهى وزجر، وشرد عنهم ونفر
وامتنع من إقرارهم على ما يدعونه له من المشيخة كل الامتناع
قائلا لكل من واجهه بشيء من ذلك
» كلنا واحد في الاحتياج إلى ما يحصل به الانتفاع
فلا معنى لدعوى المشيخة إلا سوء الابتداع »
كل ذلك اعتصام منه لنفسه
وفرار من ادّعائه المشيخة بلا إذن
واستحلائه الترأس على أبناء جنسه
-وهذا أيضا مما يدلّ على علوّ همّته وكمال صدقه
مع الله في وجهته –رضي الله عنه ونفعنا ببركاته
.
وكانت إقامته بتلمسان
إلى غاية عام 1190هـ/م1776
.
ثمّ عزم على حجّ بيت الله الحرام وزيارة قبر سيد الأنام سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم
وكان عمره 36 عاما
.
ارتحل من تلمسان قاصدا مسعاه إلى البيت الحرام
.
وفي طريقه من تلمسان إلى تونس
قصد ملاقاة الإمام العارف الهمام قدوة المتقين وعمدة المحققين
أبي عبد الله سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري –رضي الله عنه
في جبال جرجرة ببلاد زواوة
وأخذ عنه طريق الخلوتية
وهو أخذ عن الشيخ الحفناوي-رضي الله عنهم أجمعين
فهو من مشاهير من لقيه سيدنا –رضي الله عنه-من كمل مشايخ
ذوي القدر الشامخ والقدم الراسخ –رضي الله عنهم أجمعين-
.
وحاذ بتونس وسوسة وأقام بها سنة كاملة
وكان بهذه الحضرة لذلك العهد ولي كبير القدر والشأن
مشهور بالقطبية في تلك الأوطان
إلا أنّه لم يسمح له بالإذن في ملاقاة أحد
فراسله سيدنا –رضي الله عنه- مع الولي سيدي عبد الصمد الرحوي
وكان تلميذا لهذا القطب وتحت ولايته
وهو رابع أربعة سمح لهم في كل ليلة جمعة وليلة اثنين بإذن
في لقياه ومشاهدته
فبشر سيدنا –رضي الله عنه وأرضاه- بأنه محبوب عند المولى جلا وعلاه
.
ودرّس شيخنا بتونس الحكم العطائية وغيرها
فأرسل إليه أمير البلد بطلب منه المقام بتونس
لإقراء العلم وتدريسه والقيام بأمر الدين وتدوينه
وأمر له بدار
وأنفذ له مسجد الزيتونة
وعين له مرتبا عظيما
فلما قرأ الكتاب أمسكه ومن الغد سافر إلى مصر
.
فلما وصل إلى مصر لم يلبث أن سأل
عن الولي الكبير سيدنا محمود الكردي العراقي الشهير
وأتاه فقال: « أنت محبوب عند الله في الدنيا والآخرة
أول ما رآه فقال سيدنا: »رأيتك بتونس » يعني في عالم النوم
فقلت لك: »إني نحاس كل ذاتي »
فقلت لي: « هو كذلك، وأنا أقلب نحاسك ذهبا »
فقال له الشيخ محمود الكردي-رضي الله عنه
هو كما رأيت
ثمّ قال له: »ما مطلوبك؟ »
قال:القطبانية العظمى
قال:لك أكثر منها
قال له:عليك؟
قال:نعم
وأخبره عما وقع له في سياحته وسبب ملاقاته مع شيخه
الشيخ الخفي وشيخ شيخه مولانا مصطفى البكري الصديقي
-رضي الله عنهم أجمعين-
.
ثمّ تهيّأ لما هو بصدده من التوجه
-لبيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه –عليه الصلاة والسلام
فودعه شيخه الشيخ محمود ودعا له
.
فأتى مكّة المشرفة زادها الله تشريفا وتعظيما
عام 1187هـ/م1773 وعمره 37 عاما
ودخل البيت من باب السلام، وأدّى أركان الحج على التّمام
وكان بمكة المشرفة زمن وصول شيخنا إليها بعض المشايخ الكبار
المشار إليهم في تلك الديار بالمعارف اللدنية والأسرار
« وهو حسبما تقدّم في « كتاب جواهر المعاني
الشيخ الإمام الحبر الفهام بدر التمام ومسك الختام شمس الأنام
وقمر دائرة الأعلام
-أبو العباس سيدي أحمد بن عبد الله الهندي قاطن مكة المشرفة
–رضي الله عنه
فانتفع سيدنا رضي الله عنه على يده
فأخذ عنه علوما وأسرارا وحكما وأنوارا
لكن بالمكاتبة فقط والمراسلة من غير ملاقاة ولا مواصلة
.
ارتحل إلى المدينة المنورة
فلما قضى زيارته
-التفت إلى ملاقاة القطب الشهير والعالم الكبير
-أبي عبد الله سيدي محمد بن عبد الكريم الشهير بالسمان-رضي الله عنه
.طلب منه الإذن العام فأسعفه بالمرام
وبشره بما قرة به منه العين
وأخبره عن نفسه بأنه هو القطب الجامع
أخذ عن سيدنا مصطفى البكري الصديقي
-رضي الله عنهما وعن أولياء الله أجمعين
.
ثمّ رجع لمصر القاهرة
وتوجه من حينه إلى شيخه الكردي
الذي أكرمه بأخص المجالس لديه
ثم أمره بالتردد في كل يوم إليه
فصار يلقي عليه الأمور المشكلة والمسائل العويصة المعضلة
فيكشف عن وجوه حقائقها القناع
حتى يقر الخصم ويرتفع النزاع
فظهر للخاص والعام علمه الغزير
وأحدقت به علماء مصر يستنقعون من تياره
وكل من أتاه في مسألة كيفما كانت ومن أي فن كانت تقع بتقريره غلته
.
ثمّ لما أجمع الارتحال إلى البلاد المغربية
أجازه في طريقته الخلوتية
وجعل له التسليك بها والتربية
وقال له: »لقن الناس والضمان علي »
.
ثمّ عاد إلى تلمسان 1187هـ/م1774
.
وفي هذا العام التقى بتلميذه الفقيه العلامة الإمام القدوة
أبو عبد الله سيدي محمد بن المشري الحسني السائحي السباعي التكرتي الدار
اتّخذه إماما يؤمّ به في الصلوات
وبقي بتلمسان للعبادة والدلالة على الله عدّة أعوام
.
ثمّ تاقت همّته السنية إلى الوصول للحضرة الفاسية
بقصد زيارة مولانا إدريس عام 1191هـ/م1777
ولقي في سفره بمدينة وجدة الصديق الأكبر والخليفة الأشهر
أبا الحسن سيد علي حرازم الفاسي الأطهر
وهو جامع كتاب جواهر المعاني
.
ثمّ زار الروضة الإدريسية ولقنه الطريقة الخلوتية
.
ثم عاد إلى تلمسان وبقي بها مدّة
وحاله لم يستقم بها حتى تبين له أن يقصد أبوسمغون
قصر معروف به مدفن القطب الكبير سيدي أبي سمغون
.
استوطن أوّلا بأهله قرية الشلالة
وكان يتنقل بين هذه القرية وقصر أبي سمغون
الذي يبعد منها بأميال قليلة
.
ثمّ انتقل بأهله واستقر بأبي سمغون
.
وفي هذه المدّة سافر إلى تازة بقصد ملاقاة صاحبه وتلميذه
سيدي محمد بن العربي الدمراوي التازي
وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- قد أوصاه به
فكان يزوره في حياته وبعد مماته في قبره بعين ماضي
.
ورجع إلى أبي سمغون
ثم سافر إلى بلاد التوات عام 1196هـ/م1782
والتقى بالولي الصالح الشهير سيدي محمد أبي الفضل
الذي انخرط في الطريقة التجانية بعد وفاة الشيخ –رضي الله عنه
.
ثمّ رجع إلى قرية أبي سمغون وأقام بها
إلى أن فتح الله تعالى بفضله له فتحا كاملا تاما واضح البرهان
وذلك بأن رأى بعيني رأسه يقظةً وجه سيد الأكوان
وتشرف بمشاهدة طلعة سيد ولد عدنان –صلى الله عليه وسلم
وصرح له –عليه الصلاة والسلام
بأنّه شيخه ومربيه وكافله وأنّه لا منّة لمخلوق سواه عليه من الأنام
وأمره بترك جميع ما أخذه من مشايخ الطريق
.
فلقنه –صلى الله عليه وسلم- طريقة من الأوراد وافية بكل غرض ومراد
وذلك عام 1196هـ/م1782
.
« وقال له: « إلزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الخليقة
حتى تصل إلى مقامك الذي وعدت به
« وأنت على حالك من غير ضيق ولا حرج ولا كثرة مجاهدة »
وقال له
« أنت وارثي وحبيب »
ورتب له
أوراد تختص به دون غيره من الناس
وأوراد يعطيها لمن رغب إليه فيها من الخلق
على اختلاف الأنواع منهم والأجناس
.
فأما الخاصة فقد قال في الجامع أنه لا يتعرض لها لأنها مكتومة
.
وأما التي أمره –صلى الله عليه وسلم- أن يلقنها للمسلمين فهي
100 من الاستغفار
و100 من الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- فقط
.
واستمر في تلقينه لمن رغب في ذلك إلى رأس تلك المائة
وهي الثانية بعد الألف 1200هـ/م1786
.
فتمم له –صلى الله عليه وسلم- الورد بالكلمة المشرفة 100
.
فعند ذلك ظهر عليه أنوار الهدى وأسرار الرضا
ما استعد به للهداية والإرشاد والدلالة بالحال والمقال
على ما يوصل لحضرة رب العباد
وترادف عليه من أنواع الخيرات والبركات والفضائل
ما فاق به كل عارف واصل وصديق كامل
وذلك مما أكرم به من التلقي والاستمداد بلا واسطة
من سيد الوجود ومنبع المعارف
الذي إليه تنتهي مساند كل فضل وجود من هذا الوقت الذي
حصل له هذا الفتح الفائق والعطف التام
من سيد الخلائق
تنزل لإفادة الطالبين وتربية المريدين الراغبين
وتظاهر بالمشيخة الكاملة بين العباد
وصار يقبل من يرد عليه للاستفادة والأخذ عنه من سائر البلاد والآفاق
ولما أكرم الله تعالى بفضله الواسع العميم
بالاجتماع بهذا النبي الكريم –عليه أفضل الصلاة وأزكى التّسليم
فاض بالعلم اللدني الخاص بالكمل من أهل القرب وفحول الرجال
ففسر كثيرا من آيات القرآن الكريم
بما قصر عنه إدراك غيره في الحديث والقديم
وبيّن كثيرا من غوامض الأحاديث النبوية
بما اتّضحت به وجوه إشاراتها السنية ولطائف أسرارها الحفية
وحلّ كثيرا من مستشكل الإشارة
لما أوتيه وخص به من كمال الذوق وسني العبارة
.
وانظر كتاب جواهر المعاني
فقد عقد مؤلفه فيه
لكل من الآيات القرءانية
والأحاديث النبوية
والإشارات الولائية
بابا يغتبط به كل نبيه
.
وفي هذه المدّة التي أقام بها بأبي سمغون
أكرمه الله بالفتوحات المتراسلة والمواهب المتواصلة
حتى ظهر عليه من الفيوضات
ما ظهر وبهر الناظرين والسامعين من أمره ما بهر
جعل الناس يأتونه من سائر الأقطار
ويفدون إليه أفواجا من جميع القرى والأمصار
.
وفي عام 1208هـ/م 1794 تصدى للإمامة بنفسه
لموجب قام به في ذلك الوقت
قاله في الجواهر بإذن من النبي –صلى الله عليه وسلم
وكان يقول
« أمرني من لا تسعني مخالفته أن لا أصلّي خلف أحد ما عدا الجمعة »
.
ثمّ انتقل من قصر أبي سمغون المبارك الميمون
في 17 من ربيع الثاني عام 1213هـ الموافق 28 سبتمبر 1798م
متوجهاإلى حضرة فاس
صحبة تلميذه وخليفته الأفخر سيدنا علي حرازم
الذي قام بإذن جمع كتاب جواهر المعاني
.
وفي شهر المحرم الحرام الفاتح لعام 1214هـ
الموافق لشهر جوان 1799م
حلّ مقام القطبانية
.
وحل في مقام الكتمية
في 18 صفر 1214هـ الموافق 22 جويلية 1799م
.
ووافته المنية
صبيحة الخميس 17 شوال 1230هـ
الموافق 22 سبتمبر 1815هـ
عن عمر يناهز الثمانين عاما
.
اقتباس من مؤلَّف للبوزيدي بلقاسم خليفي، مقدم الطريقة التجانية بأفلو
Trackbacks / Pingbacks