النّشاط العقلي والتّقدّم الحضاري بالجزائر 

في عهد الزيّانيّين

مفدي زكرياء

– نشر هذا المقال في العدد الخاص عن تاريخ تلمسان وحضارتها

لمجلّة « الأصالة » في عددها 26

الصادر في رجب-شعبان1395هـ/جويلية-أوت1975م

بمناسبة انعقاد الملتقى التّاسع للفكر الإسلامي بتلمسان.

مما لا يدعو إلى الشكّ والارتياب أنّ الجزائر بلغت القمّة في الحضارة، وكانت آثار هذه الحضارة بارزة في قوّة الملك ونظام الدّولة والنّهضة الاقتصادية، والنّبوغ العلمي والتّقدّم الأدبي، وأصبح الجزائريون أمّة متحضّرة ساهمت بقسط وافر في بناية صرح التمدّن الإسلامي. وليس من السّهل أن نحدّد مدى القسط الذي ساهمت به في هذه الحضارة وأن تميّز المادّة الخام التي اختصّت بها وقدّمتها كنتيجة لمجهودها الفردي الجبّار.

ظهرت آيات هذه الحضارة في الفنون الجميلة كالموسيقى التي بلغت درجت ممتازة بفضل التّفاعل الواقع بتأثير الموسيقى الأندلسية، حيث كانت تلمسان نقطة انطلاقها إلى سائر أنحاء القطر الجزائري. والذي تقدّم بصفة خاصّة هو الفنّ المعماري. فإنّ البناية الجزائرية قد أدركت شأوا لم تدركه فيما تقدّم من عصورها.

وقد عنى الملوك بتشييد القصور والمعالم وإنشاء البنايات والمجامع والمدارس والأسوار وأحداث المدن والقرى.

وأعظم قصر بتلمسان، قصر « المشور » وهو بلاط الملوك من بني زيان  كان من أجمل القصور الإسلاميّة وأروعها. وكان جديرًا بدولة عظمى كولة الزيانيين. وقد اعتنى الملوك بتوسيعه وتنميقه.

ومن مباني النّزهة « البركة » العظيمة التي كانت قرب تلمسان في بستان بديع كان من أجمل منتزهات تلمسان.

ومنها « الملعب الكبير » الذي كانت تتسابق فيه الخيول في محافل مشهودة وفيه يقول محمّد القيسي:

وبملعب الخيل الفسيح مجالـه   * 

أجلى النواظر في عتاق المحفل

فبحلبة الأفـراس  كل  عشيّة  *

  لعب بذاك الملعب  المستسهل

فتـرى المجلى والمصلى  خلفه   * 

وكلاهما في جــرية لا يأتلى

هذا يكـرّ وذا  يفـرّ  فتنثني   * 

عطفا على الثاني  عنان الأوّل

من كلّ طرف كلّ طرف يستبى *

قيد النواظـــر فتنة المتأمّل

ومن منتزهاتها

– « وادي صفصيف » الذي كانت البساتين تحفّ بضفّتيه

– و »كدية العشّاق »

– و »غدير الجوزة »

– و »ساقية الرّومي »، وتسمّى اليوم بـ »ساقية النّصراني »

– وجبل « لالة ستّي »

– وجنّات « الوريط » وشلاّلاتها السّاحرة، وفيها يقول ابن خميس:

وإن أنس لا أنسى الوريط ووقفة  *

أصافح فيها روضة وأنافح

ويقول:

لساقية الرومي عندي مزية  * 

وإن رغمت تلك الرّوابي الرّواشح

ويقول القيسي:

بربوة العشّاق سلوة عشّاق  *

  قتلته ألحاظ الغزال الأكحل

بنواسم وبواسم من زهـرها * 

تهديك أنفاسها كعرف المندل

وكانت المعالم التّلمسانيّة ذات صبغة محلّيّة في معمارها ولو كانت مقبسة في الغالب من المعمار الشرقي والمعمار الأندلسي، وقد فصّل ذلك تفصيلا « ج. مارسي » في كتابه « معالم تلمسان العربية ».

 

أمّا الحركة العلمية، فإنّ التّعليم بتلمسان كان ينقسم إلى قسمين:

قسم يزاول بالمساجد

وقسم يعطى بالمدارس

وكانت كلّ المساجد في القرى والمداشر والمدن تعني بحفظ القرآن والحديث كمادّة أولى أساسيّة، ثمّ يدرس انّحو واللغة والفقه والأدب.

أمّا المساجد الجامعة، فإنّها شبه كلّيّات تدرس بها العلوم الإسلاميّة كالفقه وأصوله، والحديث ومصطلحه والقرآن وتفسيره، واللغة والنحو والأدب على غرار ما كان يجري به العمل بالجامع الأعظم بتونس.

وما لا يزال يجري به العمل بجامع القرويين بتدريس العلوم الرياضية والعقلية، وقد أسّسها، إمّا الزيانيون أو بني مرين.

  • ·         فالتي أسّسها الزيانيون هي:

  مدرسة « ابني الإمام »: وهما أبو زيد عبد الرحمان وأبو موسى عيسى من أهل »برشك ». أخذا العلم بتونس ثمّ ذهبا إلى المشرق. فزارا الشام والحجاز ومصر وأخذا العلم عن أقطابها ثمّ رجعا. فأسّسس لهما أبو حمّو بن زيان مدرسة عرفت بهما يدرسان بها علوم الكلام وعلوم اللسان

 المدرسة الجديدة أو « التاشفينية »: أسّسها أبو تاشفين ابن أبي حمو الأوّل، وقد تفنّن في تشييدها وزخرفها حتّى أصبحت قصرا من أعظم قصور الملوك. وكانت تشتمل على عدّة بنايات ورواقات. وقد حضر في حفلة افتتاحها علاّمة عصره « أبو موسى عمران المشدالي » وهو من أقطاب عصره في الفقه المالكي

المدرسة اليعقوبية: أسّسها « أبو حمو موسى الثّاني »، بناها للعلاّمة أبي

  • عبد الله محمّد بن أحمد الشّريف. وقد تأنّق في تزيينها وبهرجتها وانتهى من بنائها يوم 5 صفر 765هـ  

  • وحضر الخليفة « أبو حمو موسى الثاني » حلقة الدرس الافتتاحي

  • الذي قام به  « الشريف أبو عبد الله

وأمّا المدارس التي أسّسها بنو مرين فهي:

 

مدرسة العبّاد: نسبة إلى قرية العبّاد

وقد أسّس هذه المدرسة « أبو الحسن المريني »

مدرسة الجزائر: أسسها » أبو الحسن المريني » بمدينة « جزائر بني مزغنة »

وكان هذا النّوع من التّأسيس حديث العهد بالمغرب.

المدرسة:

والمدرسة، عبارة عن مسكن للطلبة يتّخذونه مثابة ومستقرًا يأكلون فيه ويشربون. وهناك يتعلّمون عن الأساتذة مختلف الفنون. وقد بقي أغلب هذه المدارس وعلى الأخصّ مدرسة العبّاد، التي تعرف اليوم بمدرسة »سيدي أبي مدين ».

وما من شكّ في أنّ لهذه المساجد والجوامع أثر عميق في الازدهار العقلي والتّطوّر الفكري الذي شاع بالجزائر ما بين القرن الثامن والعاشر.

وأسلوب التّعليم بتلمسان لا يختلف عن الطّريقة العربيّة المألوفة من الإلقاء والشّرح.

وكان محور التّدريس يدور حول الكتب الآتية:

في التّفسير

– لامية الشاطبي

تفسير بن عطية

– و(تفسير) الثعالبي

– والكشاف للزمخشري

– وأنوار التنزيل للبيضاوي

– والتّهذيب للبيهقي

– والاستذكار للدارمي

في الحديث 

– الصّحاح الست

– وعمدة سيرة النبي-صلى الله عليه وسلّم- لمحمّد بن إسحاق

– والروضة الكبرى

– وأرجوزة الحديقة

في الفقه المالكي

–  الموطّأ للإمام مالك

–  التمهيد لابن عبد البرّ

–  المدوّنة للإمام سحنون

–  التّهذيب للبرادعي

في النّحو واللغة

– كتاب الإعراب عن شواهد الإعراب لابن هشام

– ومغنى اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام أيضا

– والإيضاح للفارسي

– كتاب النحو لسيبويه

– والألفية والتّسهيل لابن مالك

– والكافية لابن الحاجب

في الأدب

– كتاب الإيضاح للقزويني

– ودلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني

– والأنموذج للزمخشري

– والمصباح والمغرب للمطرزي

– والحماسة لابي تمام

– والمعلقات السبع

– وديوان المتنبي

– وكتاب الأغاني لابي الفرج الأصفهاني

– والعمدة لابن رشيق القيرواني

– وزهر الآداب للحصري

(علماء تلمسان):

وقد تخرّج من مدارس تلمسان طائفة ممتازة من العلماء على اختلاف فنونهم ومناحيهم:

 

علماء الدين : ومنهم

– الفقيه إبراهيم بن يخلف بن عبد السلام

– ومحمّد بن  مرزوق بن الحاج التلمساني

– والشيخ ابن علي الخيّاط

– والفقيه أبو موسى المشدالي

– وأبو محمّد عبد الحقّ المسناوي

– وأبو يعقوب التفريسي

– والعلامة أبو عبد الله محمد بن مرزوق

– والشيخ محمد القرشي التلمساني

– والشيخ إبراهيم بن محمد المصمودي

– والفقيه العلامة سعيد بن محمد العقباني

– وأحمد بن يحيى الوانشريسي

– وأبو عباس أحمد الجزائري

– والفقيه محمد بن عبد الرحمان الكفيف

– وأبو علي بن عمر بن العباس الصنهاجي الحباك

– والفقيه المشهور أبو الربيع سليمان بن عبد الرحمان بن المعز الصنهاجي

– والفقيه أبو عبد الله محمد عبد الحق بن سليمان اليعفري

– ومحمد بن موسى الوجويجي

وقد اشتهر من بين هؤلاء كلّهم:

– أحمد بن محمّد بن زكري

– ومحمّد السنوسي

– ومحمد بن عبد الكريم المغيلي

– وابن مرزوق الحفيد

وزخر هذا العهد الزياني بالعلماء والفقهاء.

فمن شاء أن يتعرّف عليهم فليراجع 

– « بغية الرواد » ليحيى بن خلدون

– والبستان لابن مريم

– والدر والعقيان للتنسي

– ونيل الابتهاج لأحمد بابا

المفسّرون : وأشهرهم

– الشيخ عبد الرحمان الثعالبي المولود بمدينة الجزائر سنة 786هـ والمتوفى 875هـ هاجر إلى تونس، ثمّ إلى المشرق لأخذ العلم، فنبغ في الفقه والحديث. وقد اشتهر على الخصوص بتفسيره  للقرءان الكريم. وله عدّة تآليف أخرى غير ذلك. وضريحه لا يزال مثابة للصالحين والصالحات يحج إليه الجزائريون من جميع أحاء الجزائر.

– ومنهم أيضا الشيخ محمّد المغيلي، له تآليف عدّة، منها، « البدر المنير في علوم التّفسير »

– ومنهم محمّد السّنوسي الذي شرع في تفسير كبير، لكنّه وقف عند قوله –تعالى- {أولئك هم المفلحون}

– ومنهم العقباني

– وابن زاغو وقد فسّر معظم آيات القرآن.

علماء التّاريخ : أشهرهم

– يحيى بن خلدون، أخو المؤرخ المشهور، مؤلّف كتاب « بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد »

– ومنهم محمد بن عبد الله التنسي، مؤلف كتاب »نظم الدّرّ والعقيان في بيان شرف بني زيان »

– ومنهم أبو العبّاس أحمد قاضي قسنطينة، مؤلف كتاب  » الفارسية في مبادي الدولة الحفصية ».

وأمّا أصحاب الطّبقات، فقد اشتهر منهم:

– أحمد الغبريني(644-714هـ) مؤلّف « عنوان الدّراية في من عرف من علماء المائة السابعة ببجاية »

– ومنهم ابن قنفذ، السالف الذكر، له »وفيات » تنسب إليه

– ومنهم أحمد يحيى، مؤلف كتاب التراجم المعروف بـ »وفيات الوانشريسي.

علماء الرياضيات والحساب: اشتهر منهم

– الرياضي الكبير محمّد النّجّار

– ثمّ علي ابن أحمد المشهور بابن الفحّام، كان عالما بالحساب والهندسة والميكانيكا. وله عدّة تآليف وقد ابتكر أنواعا كثيرة من الآلات. وهو الذي اخترع ساعة المنجانة المشهورة بالمغرب كلّه والتي سبق أن قال عنها يحيى بن خلدون:

 » وخزانة المنجانة ذات تماثيل اللجين المحكمة  قائمة المصنع، بأعلاها أيكة تحمل طائرا فرخاه، تحت جناحيه وبصدرها أبواب مجوّفة عدد ساعات الليل الزمنية، يصاحب طرفيها بابان مجوفان يبرز فوق جميعها نجم أكمل يسير على خط استواء سير نظيره في الفلك. ويسائر أوّل كلّ ساعة بابها المرتج فينقض من البابين الكبيرين عقبان بفم كل منهما صنجة صفراء يلقيها إلى طست من الذهب الأصفر مجوف بوسطة ثقب يفضي به إلى داخل الخزانة، فيرنّ. وينهش الأرقم أحد الفرخين، فيصفر له أبوه. وهناك يفتح باب الساعة الرّاهنة، وتبرز منه جارية كأظرف ما أنت راءٍ. بيُمناها إضبارة فيها اسم ساعتها منظوما، ويسراها موضوعة على فيها كالمبايعة بالخلافة لأمير المؤمنين ».

وقد أجرى الملوك لابن الفحام هبة سنوية تقدّر بألف دينار علىاختراعه لهذه المنجانة المسحورة.

وهذه الساعة تشبه الساعة التي أهداها هارون الرشيد لشارلومان، ملك فرنسا، إلاّ أنّها أحسن وأروع.

وقد اندهشت أوروبا للساعة الشبيهة بالمنجانة والتي يدعي ابتكارها « كان راد ازيبودوس » وقد صنعها بمدينة « ستراسبورغ »  بعد مائتي سنة من وفاة ابن الفحام.

وهذافخر للجزائر لا يشاركها فيه أحد.

ومن علماء الحسابيات:

– ابن قنفذ، مؤلف كتاب « حطّ النّقاب عن وجوه أعمال الحساب »، وقد شرح أيضا « تلخيص ابن البنا »، وله أيضا « بغية القارض في الحساب والفرائض ».

– ومنهم العلامة القلصادي المشهور، مؤلّف الكتب الآتية: « كشف الجلباب عن علم الحساب »، « كشف الأنوار وكشف الأسرار عن علم الغبار »، « قانون الحساب »، « شرح ابن ياسمين في الجبر والمقابلة »، وله فيه مختصر مشهور. وقد اشتهر القلصادي بطريقة خاصّة في الحساب ابتكرها.

– ومنهم سعيد العقباني، له شرح على قصيدة ابن ياسمين في الجبر والمقابلة.

وقد عثرنا على شرح آخر لمقدمات الجبر والمقابلة منسوب للعلامة محمد السنوسي.

ومن هذا كلّه نتبيّن مدى اتّساع الحركة العلميّة الرياضيّة ومدى تضلّع الجزائريين في الحساب والجبر والمقابلة والهندسة والميكانيكا.

  علماء الفلك: وقد اشتهر منهم

– محمّد السنوسي ، له شرح قيم لأرجوزة « الحباك » المعروفة « بغية الطلاب في علم الأسطرلاب »

– محمد الحباك، له رسالة بهذاالاسم،  وقد نظم رسالة الصفار في علم الفلك (توفي سنة 867هـ)

– وللقلصادي، شرح على رجز ابن الفتوح في علم النجوم

– ومن تآليف ابن قنفذ « سراج الثقات في علم الميقات وكتاب تيسير المطالب في علم الكواكب »

ونحن لا نستطيع تقدير قيمة هذه الكتب ولا تحديد منزلتها العلميّة حيث أنّها إلى الآن لا تزال خاماً لم تدرس دراسة فنية مضبوطة.

هذه مظاهر العظمة في دولة شامخة عمرت زهاء أربعة قرون ثمّ انهارت على يد الحسن آخر بني زيان الذي جلس فوق الفوضى العامّة والاضطراب الشامل وتحالف الأعداء ضدّ الزيانيين ومما زاد الطين بلّة ظهور دولة جديدة هي دولة « بني وطّاس » بالمغرب الأقصى، لمتكد تظهر حتّى اشرأبّت للاستيلاء على دولة بني زيان.

ومن أكبر أسباب انهيار الممالك، ظهور العسف والجور. وقد أظهر الحسن، آخر بني زيان من ظلم الرعية والجور والاعتساف ما أدّى بالرعية إلى الانتقاض عليه، وما دفع مجلس العلماء للافتاء بخلعه.

وهكذا ذهب الحسن مع عائلته إلى وهران، ثمّ خرج منها إلى الأندلس واعتنق دين المسيحية.

وهكذا تمّ ملك بني زيان بأكبر فظيعة ارتكبها ملوكها بدأت باستمالة النصارى وانتهت بالدخول في دينهم.

والذي جنى عليها بصفة خاصّة هو الطمع الأشعبي الذي كان داب أفراد العائلة المالكة. فأخذوا يتواثبون على بعضهم بعضا، ويستنجدون الأعداء على أبناء الزطن وذوي القربى. ولم يرو التاريخ أن دولة إسلاميّة نالها من جراء هذا الخور العقلي والانحراف السياسي ما نال بني زيان. ولولا ذلك لعمّرت طويلا ولكانت أكبر دولة إسلاميّة في دنيا العرب.

ويلوج لنا إذا نحن تعمقنا في التّحليل أنّ أسباب سقوط الدولة الزيانية ترجع إلى أسباب عنصرية وأسباب سياسية.

 

فأمّا العنصريّة: فهي الحرب ما بين مختلف القبائل البربرية من جهة وتقاتل البربر والعرب من جهةأخرى. أولئك الأعراب الذين ما انفكّوا ينخرون عظام الدولة في طفولتها وشبابها وشيخوختها.

 

وأمّا الأسباب السياسية: فهي سوء تبصر أفراد الأسرة وتقاتلهم ثمّ سطو بني مرين تارة وبني حفص تارة أخرى حتّى ضعفت كلّ من الدّول الثلاث وتغلغل الإسبان في أجزاء الدولة المغربية. فاستولى على الجزائر وإفريقية ومن غير شك أنّ من أهمّ الأسباب التي أدّت بسرعة إلى تقويض البناء الشامخ الذي شيده ياغمراسن الأوّل هو موالاة الزيانيين للأسبان وظهور الدولة التركية التي وإن اكتسحت الدولة الزيانية إلاّ أنّها حمت الهلال من تعصّب الصّليب، إذ كانت أوروبا في أشدّ أزمات الهستيريا من التعصّب الأعمى ضد المسلمين.

فكانت تتوثب على الممالك وتجهز عليها بحملاتها الصليبية الهوجاء.

ألم تكن حرب  » الكونت والكوديتي » إلاّ حربا صليبية من الطراز الأوّل.

نعم تقلّص ظل الدّولة بعد أن بلغت أسمى درجات الحضارة، ولكنّها تركت معالم حضاريّة وعلميّة وأدبيّة وفنّية لن تمحوها أيدي الحدثان ولن تزال الجزائر تفتخر بهذه الأمجاد مدىالسنين والأحقاب.

وهكذا كانت النهاية المحزنة للدولة الزيانية، نتيجة حتمية للذين يكفرون بنعم الله ويبغونها عوجا وفسادا.

{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يِأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ. فَكَفَرَتْ بِأَنْعُم اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}


[1]  – نشر هذا المقال في العدد الخاص عن تاريخ تلمسان وحضارتها لمجلّة « الأصالة » في عددها 26 الصادر في رجب-شعبان1395هـ/جويلية-أوت1975م بمناسبة انعقاد الملتقى التّاسع للفكر الإسلامي بتلمسان.

إعداد: محمد بن أحمد باغلي