بسم الله الرّحمـن الرّحيم

 

الباب السابع والسبعون ومائة 177  

في معرفة مقام المعرفة

 

مَنِِ ارْتَقَى  فِي دَرْجِ المَعْرِفَةِ * رَأَى الَّذِي فِي نَفْسِهِ مَنْ صَفَهْ

لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى وَاحِــدٍ * لِلْفَرْقِ بَيْنَ العِلْـمِ وَالمَعْـرِفَهْ

لَهَا وُجُودٌ فِي وُجُودِ الَّذِي * أَرْسَلَـــهُ الحَقُّ  وَمَا كَلَّفَهْ

فَهُوَ إِمَامُ الوَقْتِ   فِي حَالِهِ * وَيَشْتَهِِي الوَاقِفُ  أَنْ يَعْـرِفَهْ

تَجْرِي عَلَى الحِكْمَةِ َأحْكَامُهُ * فِي الرُّتْبَةِ العَالِيَّةِ  المُشْـرِفَهْ


اِعْلَمْ أَنَّ المَعْرِفَةَ نَعْتٌ إِلَهِيٌّ لاَ عَيْنَ لَهَا فِي الأَسْمَاءِ الإِلَهِيَّةِ مِنْ لَفْظِهَا ! وَهِيَ اُحَدِيَّةُ المَكَانَةِ لاَ تَطْلُبُ إِلاَّ الوَاحِدَ. وَالمَعْرِفَةُ عِنْدَ القَوْمِ مَحَجَّةٌ. فَكُلُّ عِلْمٍ لاَ يَحْصُلُ إِلاَّ عَنْ عَمَلٍ وَتَقْوَى وَسُلُوكٍ، فَهُو َمَعْرِفَةٌ لِأَنَّهُ عَنْ كَشْفٍ مُحَقَّقٍ لاَ تَدْخُلُهُ الشَّبْهُ، بِخِلاَفِ العِلْمِ الحَاصِلِ عَن النَّظَرِ الفِكْرِي لاَ يُسْلِمُ أَبَدًا مِنْ دُخُولِ الشُّبْهِ عَلَيْهِ وَالحَيْرَةِ فِيهِ وَالقَدْحِ فِي الأَمْرِ المُوصِلِ إِلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ العِلْمَ لِأَحَدٍ إِلاَّ لِمَنْ عَرِفَ الأَشْيَاءَ بِذَاتِهِ، وَكُلُّ مَنْ عَرَفَ شَيْئًا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَاتِهِ، فَهُوَ مُقَلِّدٌ لِذَلِكَ الزَّائِدِ فِيمَا أَعْطَاهُ، وَمَا فِي الوُجُودِ مِنْ عِلْمِ اَلأشْيَاءِ بِذَاتِهِ إِلاَّ وَاحِدٌ. وَكُلُّ مَا سِوَى ذَلِكَ الوَاحِدُ فَعِلْمُهُ بِالأَشْيَاءِ وَغَيْرِ الأَشْيَاءِ تَقْلِيدٌ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا سِوَى اللهِ بِالتَّقْلِيدِ، فَإِنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَعْلَمُ شَيْئًا إِلاَّ بِقُوَّةٍ مِنْ قِوَاه الَّتِي أَعْطَاهُ اللهُ وَهِيَ الحَوَاسُ وَالعَقْلُ. فَالإِنْسَانُ لاَ بُدَّ َأنْ يُقَلَّد حِسَّهُ فِيمَا يُعْطِيهِ وَقَدْ يَغْلِطُ وَقَدْ يُوَافِقُ الأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ يُقَلِّدُ عَقْلَهُ فِيمَا يُعْطِيهِ مِنْ ضَرُورَةِ َأوْ نَظَرٍ، وَالعَقْلُ يُقَلِّدُ الفِكْرَ وَمِنْهُ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ فَيَ كُونُ عِلْمُهُ بِالأُمُورِ بِالاِتِّفَاقِ، فَمَا ثَمَّ إِلاَّ تَقْلِيدٌ.

وَإِذَا كَانَ الأَمْرُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ اللهَ فَلْيُقَلِّدُهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي كُتُبِهِ وَعَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ. وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ الأَشْيَاءَ، فَلاَ يَعْرِفُهَا بِمَا تُعْطِيهِ قِوَاهُ. وَيَسَعْ بِكُثْرَةٍ الطَّاعَاتُ حَتَّى يَكُونَ الحَقُّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَجَمِيعَ قِوَاهُ. فَيَعْرِفُ الأُمُورَ كُلَّهَا بِاللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ بِاللهِ إِذْ وَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقْلِيدِ. وَإِذَا عَرَفْتَ اللهَ بِاللهِ، وَالأُمُرُ كُلُّهَا بِاللهِ، لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ جَهْلٌ وَلاَ شَبَهٌ وَلاَ شَكٌّ وَلاَ رَيْبٌ. فَقَدْ نَبَّهْتُكَ عَلَى أَمْرٍ مَا طَرَقَ سَمْعُكَ. فَإِنَّ العُقَلاَءِ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ يَتَخَيَّلُونَ أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ بِمَا أَعْطَاهُمْ النَّظَرُ وَالحِسُّ وَالعَقْلُ وَهُمْ فِي مَقَامِ التَّقْلِيدِ لَهُمْ. وَمَا مِنْ قٌوَّةِ إِلاَّ وَلَهَا غَلَط قَدْ عَلِمُوهُ، وَمَعَ هَذَا غَالَطُوا أَنْفُسَهُمْ وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا يَغْلِطُ فِيهِ الحِسَّ وَالعَقْلَ وَالفِكْرَ وَبَيْنَ مَا لاَ يَغْلِطُ فِيهِ، وَمَا يُدْرِيهِمْ لَعَلَّ الَّذِي جَعَلُوه غَلَطًا يَكُونُ صَحِيحًا. وَلاَ مُزِيلٌ لِهَذَا الدَّاءِ العُضَالِ إِلاَّ مَنْ يَكُونُ عِلْمُهُ بِكُلِّ مَعْلُومٍ بِاللهِ لاَ بِغَيْرِهِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ لاَ بِأَمْرٍ زَائِدٍ. فَلاَ بُدَّ َأنْ تَكُونَ َأنْتَ عَالِمًا بِمَا يَعْلِمُهُ بِهِ سُبْحَانَهُ لِأَنَّكَ قَلَّدْتَ مَنْ يَعْلَمُ وَلاَ يَجْهَلُ وَلاَ يُقَلَّدُ فِي عِلْمِهِ. وَكُلُّ مَنْ يُقَلِّدُ سِوَى الله فَإِنَّهُ قَلَّدَ مَنْ يُدْخِلُهُ الغَلَطُ وَتَكُونُ إِصَابَتُهُ بِالاِتِّفَاقِ.

فَإِنْ قِيلَ لَنَا: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هَذَا ؟ وَرُبَّمَا دَخَلَ لَكَ الغَلَطُ وَمَا تَشْعُرُ بِهِ فِي هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ وَأَنْتَ فِيهَا مُقَلِّدٌ لِمَنْ يَغْلِطُ وَهُوَ العَقْلُ وَالفِكْرُ ؟

قُلْنَا: صَدَقْتَ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ نَرَ إِلاَّ التَّقْلِيدَ تَرْجُحُ عِنْدَنَا أَنْ نُقَلِّدَ هَذَا المُسَمَّى بِرَسُولٍ وَالمُسَمَّى بِأَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ. وَعَلِمْنَا عَلَيْهِ تَقْلِيدًا حَتَّى كَانَ الحَقُّ سَمْعُنَا وَبَصَرُنَا. فَعَلِمْنَا الأَشْيَاءَ بِاللهِ وَعَرَفْنَا هَذِهِ التَّقَاسِيمَ بِاللهِ. فَكَانَ إِصَابَتُنَا فِي تَقْلِيدِ هَذَا بِالاتِّفَاقِ لِأَنَّا قُلْنَا مَهْمَا أَصَابَ العَقْلُ أَوْ شَيْءٌ مِنَ القِوَى أَمْرًا مَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالاِتِّفَاقِ. فَمَا قُلْنَا إِنَّهُ يُخْطِئُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لاَ نَعْلَمُ خَطَأَهُ مِنْ إِصَابَتِهِ. فَلَمَّا كَانَ الحَقُّ جَمِيعَ قِوَاهُ وَعَلِمَ الأُمُورَ بِاللهِ عِنْدَ ذَلِكَ، عَلِمَ الإِصَابَةَ فِي القِوَى مِنَ الغَلَطِ. وَهَذَا الَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إِنْكَارِهِ، فَإِنَّهُ يَجِدُهُ مِنْ نَفْسِهِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاشْتَغَلَ بِامْتِثَالِ مَا َأمَرَكَ اللهُ بِهِ مِنَ العَمَلِ بِطَاعَتِهِِ وَمُرَاقَبَةِ قَلْبِكَ فِيمَا يَخْطِرُ فِيهِ وَالحَيَاءُ مِنَ اللهِ وَالوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِهِ وَالاِنْفِرَادُ بِهِ وَإِيثَارُ جَنَابِهِ حَتَّى يَكُونَ الحَقُّ جَمِيعَ قِوَاكَ، فَتَكُونُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ وَقَدْ نَصَحْتُكَ. إِذْ قَدْ رَأَيْنَا الحَقَّ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأُمُورٍ تَرِدْهَا الأَدِلَّةُ العَقْلِيَّةُ وَالأَفْكَارُ الصَّحِيحَةُ مَعَ إِقَامَةِ أَدِلَّتِهَا عَلَى تَصْدِيقِ المَخْبَرِ وَلُزُومِ الإِيمَانِ بِهَا. فَقَلِّدْ رَبَّكَ إِذْ وَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقْلِيدِ،وَلاَ تُقَلِّدْ عَقْلَكَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَإِنَّ عَقْلَكَ قَدْ أَجْمَعَ مَعَكَ عَلَى التَّقْلِيدِ بِصِحَّةِ هَذَا القَوْلِ إِنَّهُ عَنِ اللهِ. فَمَا لَكَ مُنَازِعٌ مِنْكَ يَقْدُحُ فِيمَا عِنْدَكَ،فَلاَ تُقَلّدُ عَقْلَكَ فِي التَّأْوِيلِ،وَاصْرِفْ عِلْمَهُ إِلَى اللهِ قَائِلُهُ،ثُمَّ اعْمَلْ حَتَّى تَنْزِلْ فِي العِلْمِ بِهِ كَهُوَ. فَحِينَئِذٍ تَكُ,نُ عَارِفًا،وَتِلْكَ المَعْرِفَةُ المَطْلُوبَةُ وَالعِلْمُ الصَّحِيحُ الَّذِي {لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}[فصلت:42]  وَبَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَ هَذَا فَلْنَرْجِعْ إِلَى الطَّرِيقَةِ المَعْهُودَةِ فِي هَذَا البَابِ الَّتِي بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ أَهْلِهِ. فَإنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ التِي نَبَّهْنَاكَ عَلَيْهَا طَرِيقَةٌ غَرِيبَةٌ فَنَقُولُ: إِنَّ المُحَاسَبِي ذَكَرَ أَنَّ المَعْرِفَةَ هِيَ العِلْمُ بِأَرْبَعَةِ َأشْيَاء : اللهُ وَالنَّفْسُ وَالدُّنْيَا وَالشَّيْطَانُ

وَالَذِي قَالَ رَسُولُ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ المَعْرِفَةَ بِاللهِ مَا لَهَا طَرِيقٌ إِلاَّ بِالمَعْرِفَةِ بِالنَّفْسِ فَقَالَ: *مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ، عَرَفَ رَبَّهُ* وَقَالَ: *َأعْرَفُكُمْ بِنَفْسِهِ، أَعْرَفُكُمْ برَبِّهِ*، فَجَعَلَكَ دَلِيلاً، أَيْ جَعَلَ مَعْرِفَتِكَ بِكَ دَلِيلاً عَلَى مَعْرِفَتِكَ بِهِ. فَإِمَّا بِطَرِيقَةِ مَا وَصَفَكَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ ذَاتٍ وَصِفَاتٍ وَجَعَلَهُ إِيَّاكَ خَلِيفَةً نَائِبًا عَنْهُ فِي أَرْضِهِ ؛ وَإِمَّا بِمَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الاِفْتِقَارِ إِلَيْهِ فِي وُجُودِكَ. وَأَمَّا الأَمْرَانِ مَعًا لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. وَرَأَيْنَا اللهَ يَقُولُ فِي العِلْمِ بِاللهِ المُعَبِّرِ عَنْهُ بِالمَعْرِفَةِ: {سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ}[فصلت:53] فَأَحَالَنَا الحَقُّ عَلَى الآفَاقِ، وَهُوَ مَا خَرَجَ عَنَّا، وَعَلَى أَنْفُسِنَا، وَهُوَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ وَبِهِ. فَإِذَا وَقَفْنَا عَلَى الأَمْرَيْنِ مَعًا حِينَئِذٍ عَرَفْنَاهُ وَتَبَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ الحَقُّ، فَدَلاَلَةُ اللهِ أَتَمُّ. وَذَلِكَ أَنَّا إِذَا نَظَرْنَا فِي نُفُوسِنَا ابْتِدَاءً لَمْ نَعْلَمْ هَلْ يُعْطِي النَّظَرُ فِيمَا خَرَجَ عَنَّا مِنَ العَالَمِ وَهُوَ قَوْلُهُ:{فِي الآفَاقِ} عِلْمًا بِاللهِ مَا لاَ تُعْطِيهِ نُفُوسُنَا أَوْ كُلُّ شَيْءٍ فِي نُفُوسِنَا. فَإِذَا نَظَرْنَا فِي نُفُوسِنَا حَصَلَ لَنَا مِنَ العِلْمِ بِهِ مَا يَحْصُلُ لِلنَّاظِرِ فِي الآفَاقِ. فَأَمَّا الشَّارِعُ فَعَلِمَ أَنَّ النَّفْسَ جَامِعَةٌ لِحَقَائِقَ العَالَمِ. فَجَمْعُكَ عَلَيْكَ حِرْصًا مِنْهُ كَمَا قَالَ فِيهِ:{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}[التوبة:128] حَتَّى تَقْرُبُ الدَّلاَلَةُ، فَتَفُوزُ مُعَجَّلاً بِالعِلْمِ بِاللهِ فَتَسْعَدُ بِهِ. وَأَمَّا الحَقُّ فَذَكَرَ الآفَاقَ حَذَرًا عَلَيْكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنْ تَتَخَيَّلَ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ فِي الآفَاقِ مَا يُعْطِي مِنَ العِلْمِ بِاللهِ مَا لاَ تُعْطِيهِ نَفْسُكَ، فَأَحَالَكَ عَلَى الآفَاقِ. فَإِذَا عَرَفْتَ عَيْنَ الدَّلاَلَةِ مِنْهُ عَلى اللهِ، نَظَرْتَ فِي نَفْسِكَ، فَوَجَدْتَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ الَّذِي أَعْطَاكَ النَّظَرَ فِي الآفَاقِ أَعْطَاكَ النَّظَرَ فِي نَفْسِكَ مِنَ العِلْمِ بِاللهِ. فَلَمْ تَبْقَ لَكَ شُبْهَةٌ تَدْخُلُ عَلَيْكَ لِأَنَّهُ مَا ثَمَّ إِلاَّ اللهُ وَأَنْتَ وَمَا خَرَجَ عَنْكَ وَهُوَ العَالَمُ. ثُمَّ عِلْمُكَ كَيْفَ تَنْظُرُ فِي العَالَمِ، فَقَالَ:{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِلَّ} [الفرقان:45] {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] الآية، {أَوَ لَنْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:185] وَكُلُّ آيَةٍ طَلَبٌ مِنْكَ فِيهَا فِي الآيَاتِ كَمَا قَالَ:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد:4] وَيَتَفَكَّرُونَ، وَيَسْمَعُونَ، وَيَفْقَهُونَ، وَلِلْعَامِلِينَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلِأولِي النُّهَى، وَلِأولِي الأَلْبَابِ. لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الخَلْقَ أَطْوَارَ فَعَدَّدَ الطُّرُقَ المُوصَلَة إِلَى العِلْمِ بِهِ، إِذْ كُلُّ طَوْرٍ لاَ يَتَعَدَّى مَنْزِلَتُهُ بِمَا رَكَّبَ اللهُ فِيهِ. فَالرَّسُولُ-عَلَيْهِ السَّلاَم-  مَا أَحَالَكَ إِلاَّ عَلَى نَفْسِكَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَكُونُ الحَقُّ قِوَاكَ فَتَعْلَمَهُ بِهِ لاَ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ العَزِيزُ، وَالعَزِيزُ هُوَ المَنِيعُ الحَمِيُّ. وَمَنْ ظَفَرَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِمَنِيعِ الحِمَى، فَلَيْسَ بِعَزِيزٍ. فَلِهَذَا كَانَ الحَقُّ قِوَاكَ. فَإِذَا عَلِمْتَهُ وَظَفَرْتَ بِهِ يَكُون مَا عَلِمَهُ وَلاَ ظَفَرَ بِهِ إِلاَّ هُوَ. فَلاَ يَزُولُ عَنْهُ نَعْتُ العِزَّةِ وَهَكَذَا هُوَ الأَمْرُ. فَقَدْ سُدَّ بَابُ العِلْمِ بِهِ إِلاَّ مِنْهُ وَلاَ بُدَّ. وَلِهَذَا يُنَزِّهُهُ العَقْلُ وَيَرْفَعُ المُنَاسَبَةَ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ وَيَجِئُ الحَقُّ فَيُصَدِّقُهُ فِي ذَلِكَ بِـ:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] يَقُولُ لَ،َأ صِدْقُ العَقْلِ فَإِنَّهُ {أَعْطَى} [طه:50] مَا فِي قُوَّتِهِ لاَ يَعْلَمُ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنِّي أَعْطَيْتُ {كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [طه:50] وَالعَقْلُ مِنْ جُمْلَةِ الأَشْيَاءِ، فَقَدْ أَعْطَيْنَاهُ خَلْقَهُ وَتَمَّمَ الآيَةَ فَقَالَ:{ثُمَّ هَدَى}[طه:50] أَيْ بَيَّنَ. فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَمْرًا لَمْ يُعْطِهِ العَقْلُ وَلاَ قُوَّةٌ مِنَ القِوىّ. فَذَكَرَ لِنَفْسِهِ أَحْكَامًا هُوَ عَلَيْهَا لاَ يَقْبِلُهَا العَقْلُ إِلاَّ إِيمَانًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ يٍَُدُّهَا تَحْتَ إِحَاطَتِهِ لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. فَطَرِيقَةُ السَّلاَمَةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنَ اللهِ أَنْ لاَ يَتَأَوَّلَ وَيُسَلِّمَ ذَلِكَ إِلَى اللهِ عَلَى عِلْمِهِ فِيهِ، هَذِهِ طَرِيقَةُ النَّجَاةِ. فَالحَقُّ سُبْحَانَهُ يصدق كُلَّ قُوَّةٍ فِيمَا تُعْطِيهِ، فَإِنَّهَا وَفَّتْ بِجَمِيعِ مَا أَعْطَاهَا اللهُ وَبَقِيَ لِلْحَقِّ منْ جَانِبِ الحَقِّ ذَوْقٌ آخَرٌ يَعْلَمُهُ أَهْلُ اللهِ وَهُمْ أَهْلُ القُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ فَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ كُلَّ مُعْتَقَدٍ، إِذْ لاَ يَخْلُو مِنْهُ –تَعَالَى- وَجْهٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ هُوَ حَقُّ ذَلِكَ الوَجْهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كََّلِكَ مَا كَأنَ إِلَهًا، وَلَكَانَ العَالَمُ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ دُونَهُ،وَهَذَا مُحَالٌ. فَخُلُوُّ وَجْهِ الحَقِّ عَنْ شَيْءٍ مِنَ العَالَمِ مُحَالٌ. وَهَذِهِ المَعْرِفَةُ عَزِيزَةُ المَنَالِ، فِإِنَّهَا تُؤَدِّي ِإلَى رَفْعِ الخَطَإِ المُطْلَقِ فِي العَالَمِ. وَلا َيرْتَفِعُ الخَطَأُ الإِضَافِي وَهُوَ المَنْسُوبُ إِلَى مُقَابِلِه فَهُوَ خَطَأٌ بِالتَّقَابُلِ وَلَيْسَ بِخَطَإٍ مَعَ عَدَمِ التَّقَابُلِ. فَالكَامِلُ مِنْ أَهْلِ اللهِ مَنْ نَظَرَ فِي كُلِّ أَمْرٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى يَرَى خَلْقَهُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ وَوَفَّاهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ يَرَى مَا بَيْنَ اللهِ لِعِبَادِهِ مِمَّا خَرَجَ عَنْ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ، فَيَنْزِلُ مَوْضِعَ البَيَانِ مِنْ قَوْلِهِ: {ثُمَّ هَدَى} [طه:50] مَوْضِعَهُ وَيَنْزِلُ كُلُّ خَلْقٍ عَلَى مَا أَعْطَاهُ خَالِقُهُ. فَمِثْلُ هَذَا لاَ يُخْطِئُ وَلاَ يُخْطِئُ بِإِطْلاَقٍ فِي الأُصُولِ وَالفُرُوعِ. فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ إِنْ عَقَلْتَ فِي الأُصُولِ وَالفُرُوعِ، وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ. وَبَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلْنَقُلْ أَنَّ المَعْرِفَةَ فِي طَرِيقِنَا عِنْدَنَا، لَمَّا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَاهَا مُنْحَصِرَةً فِي العِلْمِ بِسَبْعَةِ أَشْيَاءٍ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الَّتِي سَلَكَتْ عَلَيْهِ الخَاصَّةُ مِنْ عِبَادِ اللهِ:

الوَاحِدُ : عِلْمُ الحَقَائِقِ وَهُوَ العِلْمُ بِالأَسْمَاءِ الإِلَهِيَّةِ.

الثَّانِي   : العِلْمُ بِتَجَلِّي الحَقِّ فِي اَلأشْيَاءِ.

الثَّالِثُ : العِلْمُ بِخِطَابِ الحَقِّ عِبَادَهُ المُكَلَّفِينَ بِأَلْسِنَةِ الشَّرَائِعِ.

الرَّابِعُ   : عِلْمُ الكَمَالِ وَالنَّقْصِ فِي الوُجُودِ.

الخَامِسُ : عِلْمُ الإِنْسَانِ نَفْسُهُ مِنْ جِهَةِ حَقَائِقِهِ.

السَّادِسُ: عِلْمُ الخَيَالِ وَعَالَمُهُ المُتَصِلُ وَالمُنْفَصِلُ.

السَّابِعُ  : عِلْمُ الأَدْوِيَّةِ وَالعِلَلِ.

فَمَنْ عَرَفَ هَذِهِ السَّبْعَ المَسَائِلَ، فَقَدْ حَصَّلَ المُسَمَّى « مَعْرِفَة ». وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا مَا قَالَهُ المُحَاسَبِي وَغَيْرُهُ فِي المَعْرِفَةِ.

العِلْمُ الأَوَّلُ:

وَهُوَ العِلْمُ بِالحَقَائِقِ،

وَهُوَ العِلْمُ بِالأَسْمَاءِ الإِلَهِيَّةِ.

وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ :

–        قِسْمٌ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَهُوَ الاِسْمُ العِلْمُ الَّذِي لاَ يُفْهَمُ مِنْهُ سِوَى ذَاتُ المُسَمَّى لاَ يَدُلُّ عَلَى مَدْحٍ وَلاَ ذَمٍّ، وَهَذَا قِسْمٌ لَمْ نَجِدْهُ فِي الأَسْمَاءِ الوَارِدَةِ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ وَلاَ عَلَى لِسَانِ الشَّارِعِ إِلاَّ الاسْم « الله » وَهُوَ اِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

–        وَقِسْمٌ ثَانٍ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الصِّفَاتِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يَدُلَّ عَلَى أَعْيَانِ صِفَاتٍ مَعْقُولَةٍ يُمْكِنُ وُجُودُهَا، وَقِسْمٌ يَدُلُّ عَلَى صِفَاتٍ إِضَافِيَّةٍ لاَ وُجُودَ لَهَا فِي الأَعْيَانِ.

–        وَقِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِفَاتِ أَفْعَالِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: صَرِيحٌ وَمُضْمُنٌ

–        وَقِسْمٌ رَابِعٌ مُشْتَرِكٌ يَدُلُّ بِوَجْهٍ عَلَى صِفَةِ فِعْلٍ مَثَلاً، وَبِوَجْهٍ عَلَى صِفَةِ تَنْزِيهٍ.

أَمَّا عِلْمُ الأَسْمَاءِ اِلإلَهِيَّةِ

وَهُوَ العِلْمُ الأَوَّلُ مِنَ المَعْرِفَةِ،

فَهُو َالعِلْمُ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِمَّا جَاءَتْ لَهُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الأَقْسَامِ الَّتِي قَسَّمْنَاهَا حَتَّى نُبَيِّنُهَا فِي هَذَا البَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

وَالعِلْمُ أَيْضًا بِخَوَاصِّهَا، وَالكَلاَمُ فِيهِ مَحْجُورٌ عَلَى أَهْلِ اللهِ العَارِفِينَ بِذَلِكَ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَشْفِ أَسْرَارٍ وَهَتْكِ أَسْتَارٍ، وَتَأْبَى الغَيْرَةُ اِلإلَهِيَّةُ إِظْهَارُ ذَلِكَ. بَلْ أَهْلُ اللهِ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِذَلِكَ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهَا مَعَ اللهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ َأنَّ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا وَبِإِجَابَةِ اللهِ –تَعَالَى- مَنْ دَعَاهُ بِهَا لِمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الخَاصِيَّةِ فِي عِلْمِ اللهِ بِهَا. وَقَدْ دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُمَّتِهِ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِبْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَوَّضَهُ. فَمِنْ بَابٍ آخَرٍ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ دُعَاءٍ لاَ يُرَدُّ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَإِنْ عُوقِبَ صَاحِبُهُ، وَلَكِنْ يُرَدُّ مَا دَعَا بِهِ خَاصَّةً إِذَا دَعَا فِيمَا لاَ يَقْتَضِيهِ خَاصِيَّة ذَلِكَ الاسْمِ. وَأَجَابَ دُعَاءَ بلعام بن باعورا في موسىا –عليه السلام- وَقَوْمِهِ لَمَّا دَعَاهُ بِالاِسْمِ الخَاصِّ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ:{ءَاتَيْنَـهُ ءَايَـتِنَا فَأنْسَلَخَ مِنْهَا فََأتْبَعَهُ}[الأعراف:175] فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الاِسْمِ إِلاَّ حُرُوفُهُ، فَنَطَقَ بِهَا وَلِهَذَا قَالَ: {فَأنْسَلَخَ مِنْهَا} فَكَانَتْ فِي ظَاهِرِهِ كَالثَّوْبِ عَلَى لاَبِسِهِ، وَكَمَا تَنْسَلِخُ الحَيَّةُ مِنْ جَلْدِهَا. وَلَوْ كَانَ فِي بَاطِنِهِ لَمَنَعَهُ الحَيَاةُ وَالمَقَامُ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَى نَبِيِّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ،وَأُجِيبَ لِخَاصِ الاِسْمِ،وَعُوقِبَ وَجُعِلَ مَثْلَهُ كَمِثْلِ الكَلْبِ وَنَسِيَ حُرُوفَ الاِسْمِ. فَلَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو بِالاِسْمِ الخَاصِّ وَيَسْتَعْمِلَهُ لََأجَابَهُ اللهُ فِي عَيْنِ مَا سَأَلَ مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّهُ عَلِمَ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وََأنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ. فَعَلِمْنَا أَنَّ دُعَاءَهُ لَمْ يَكُنْ بِخَاصِّ الاِسْمِ وَتَأَدَّبَ،وَسَبَبُ ذَلِكَ اَلأدَبُ الإِلَهِيُّ. فَغِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى –عَلَيْهِ السَّلاَم-:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ َأعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:116] فَلَعَلَّ ذَلِكَ الَّذِي يَدْعُوهُ فِيهِ مَا لَهُ فِيهِ خَيْرَةٌ فَعَدِلُوا عَلَيْهِمْ السَّلاَم إِلَى الدُّعَاءِ فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ اللهِ بِغَيْرِ الاِسْمِ الخَاصِّ بِذَلِكَ المُرَادِ. فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي عِلْمِهِ فِيهِ رِضًى وَلِلدَّاعِي فِيهِ خَيْرَة أَجَابَ فِي عَيْنِ مَا سُئِلَ فِيهِ.وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُوِضَ الدَّاعِي دَرَجَات أَوْ تَكْفِيرًا فِي السَّيِّئَاتِ. وَمَعْلُومٌ عِنْدَ الخَاصِّ وَالعَامّ أَنَّ ثَمَّ اِسْمًا عامًّا يُسَمَّى الاِسْمُ الأَعْظَمُ وَهُوَ فِي آيَةِ الكُرْسِيِّ وَأَوَّلِ سُورَةِ آل عِمْرَان،وَمَعَ عِلْمِ النَّبِيِّ-عَلَيْهِ السَّلاَم- بِهِ مَا دَعَا بِهِ فِي مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ دَعَا بِهِ أَجَابَهُ اللهُ فِي عَيْنِ مَا سَأَلَ فِيهِ، وَعِلْمُ اللهُ فِي اَلأشْيَاءِ لاَ يَبْطُلْ، فَلِهَذَا أَدَّبَ اللهُ أَهْلَهُ. فَهَذَا مِنْ عِلْمِ الأَسْمَاءِ الإِلَهِيَّةِ.

وَمِنَ الأَسْمَاءِ مَا هِيَ حُرُوفٌ مُرَكَّبَةٌ، وَمِنْهَا مَا هِيَ كَلِمَاتٌ مُرَكَّبَةٌ مِثْلَ الرَّحْمَن الرَّحِيم هُوَ اسْمٌ مُرَكَّبٌ كَبَعْلَبَك، وَالَّذِي هُوَ حُرُوفٌ مُرَكَّبَةٌ كَالرَّحمن وَحْدُهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الحُرُوفَ كَالطَّبَائِعَ وَكَالعَقَاقِر بَلْ كَالأَشْيَاءِ كُلِّهَا، لَهَا خَوَاصٌّ بِانْفِرَادِهَا،وَلَهَا خَوَاصٌّ بِتَرْكِيبِهَا، وَلَيْسَ خَوَاصَّهَا بِالتَّرْكِيبِِ لِأَعْيَانَِهَا، وَلَكِنْ الخَاصِّيَّةَ لِأَحَدِيَّةِ الجَمْعِيَّةِ.

فَافْهَمْ ذَلِكَ حَتَّى لاَ يَكُونَ الفَاعِلُ فِي العَالَمِ إِلاَّ الوَاحِدُ، لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلى تَوْحِيدِ الإِلَهِ. فَكَمَا أَنَّهُ وَاحِدٌ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي فِعْلِهِ الأشْيَاءَ، كَذَلِكَ سَرَّتِ الحَقِيقَةُ فِي الأَفْعَالِ المَنْسُوبَةِ إِلَى الأَكْوَانِ أَنَّهَا لاَ تَصْدُرُ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً إِلاَّ لِأَحَدِيَّةِ ذَلِكَ التَّرْكِيبِ. وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ لَهُ خَاصِيَّةٌ تُنَاقِضُ خَاصِيَّةُ المَجْمُوعِ. فَإِذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، أَعْطَى أَثَرًا لاَ يَكُونُ لأِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ المَجْمُوعِ عَلَى انْفِرَادِهِ كَسَوَادِ المِدَادِ حَدَثُ السَّوَادِ عَنِ المَجْمُوعِ لِأَحَدِيَّةِ الجَمْعِ. وَكُلُّ جُزْءٍ عَلَى انْفِرَادٍ لاَ يُعْطِي ذَلِكَ السَّوَادَ. وَهَكَذَا تَرْكِيبُ الكَلِمَاتِ كَتَرْكِيبِ الحُرُوفِ.

وَمِنْ هُنَا تَعْلَمْ أَنَّ الحَرْفَ الوَاحِدَ لَهُ عَمَلٌ، وَلَكِنْ بِالقَصْدِ

كَمَا عَمِلَ: شِ فِي لُغَةِ العَرَبِ عِنْدَ السَّمَاعِ أَنَّ بَشِيَ ثَوْبَهُ، وَهُوَ حَرْفٌ وَاحِدٌ ؛ و قِ أَنْ يَقِيَ نَفْسَهُ مِنْ كَذَا ؛ و عِ أَنْ يَعِي مَا سَمِعَهُ مَعَ كَوْنِهِ حَرْفًا وَاحِدًا.

وَأَمَّا {كُنْ}[النحل:40] فَهُوَ مِنْ فِعْلِ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ، لاَ مِنْ فِعْلِ الحُرُوفِ وَخَاصِّيَّتِهِ فِي اِلإيجَادِ، وَلَهُ شُرُوطٌ مَعَ هَذَا يَتَأَدَّبُ أَهْلُ اللهِ مَعَ اللهِ. فَجَعَلُوا بَدَلَهُ فِي الفِعْلِ « بِسْمِ اللهِ » ؛ وَقَد اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكِ، وَمَا سُمِعَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلاَ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا َأرَادَ إِعْلاَمَ النَّاسِ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ بِمِثْلِ هَذِهِ الأَسْرَارِ بِذَلِكَ.

فَالَّذِي نَذْكُرُ فِي هَذَا البَابِ العِلْمَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَقْسَامِ اَلأسْمَاءِ اِلإلَهِيَّةِ، أَسْمَاءُ الذَّاتِ الَّتِي هِيَ كََالأَعْلاَمِ. فَلاَ َأعْرَفَ بِيَدِ العَالِمِ فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ الاِسْم « الله » فِي مَذْهَبِ مَنْ لاَ يَرَى َأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ شَيْءٍ. ثُمَّ إِنَّهُ مَعَ الاِشْتِقَاقِ المَوْجُودِ فِيهِ، هَلْ هُوَ مَقْصُودٌ لِلْمُسَمَّى، أَوْ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِلْمُسَمَّى.؟

كَمَا يُسَمَّى شَخْصًا بِيَزِيدٍ عَلَى طَرِيقِ العَلَمِيَّةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِعْلاً مِنَ الزِّيَادَةِ، وَلَكِنْ مَا سَمَّيْنَاهُ بِهِ لِكَوْنِهِ يَزِيدُ وَيَنْمُو فِي جِسْمِهِ وَفِي عِلْمِهِ. وَإِنَّمَا سَمَّيْنَاهُ بِهِ لِنَعْرِفَهُ وَنَصِيحَ بِهِ إِذَا أَرَدْنَاهُ. فَمِنَ الأَسْمَاءِ مَا يَكُونُ بِالوَضْعِ عَلَى هَذَا الحَدِّ. فَإِذَا قِيلَتْ عَلَى هَذَا،فَهِيَ أَعْلاَمٌ كُلُّهَا، وَإِذَا قِيلَتْ عَلَى طَرِيقِ المَدْحِ إِنْ كَانَتْ مِنْ أَسْمَاءِ المَدْحِ، فَهِيَ أَسْمَاءُ صِفَاتٍ عَلَى الحَقِيقَةِ. وَمِنْ شَأْنِ الصِّفَةِ أَنَّهَا لاَ يُعْقَلُ لَهَا وُجُودٌ إِلاَّ فِي مَوْصُوفٍ بِهَا لِأَنَّهَا لاَ تَقُومُ بِنَفْسِهَا، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا وُجُودٌ عَيْنِيٌّ أَوْ إِضَافِيٌّ، لاَ وُجُودَ لَهُ فِي عَيْنِهِ. فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى المَوْصُوفِ بِهَا بِطَرِيقِ المَدْحِ أَوِ الذَّمِّ وَبِطَرِيقِ الثَّنَاءِ. وَبِهَذَا وَرَدَتْ اَلأسْمَاءُ الحُسْنَى الإِلَهِيَّةُ فِي القُرْآنِ، وَنَعَت بِهَا كُلَّهَا ذَاتَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ طَرِيقِ المَعْنَى، وَكَلِمَةُ « الله » مِنْ « َرِيقِ الوَضْعِ اللَّفْظِي. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الاِسْمَ « الله » لِلذَّاتِ كَالعِلْمِ مَا أُرِيدَ بِهِ الاِشْتِقَاقً وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ رَائِحَةُ الاِشْتِقَاقِ كَمَا يَرَاهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ هَذَا الشَّأْنِ مِنْ أَصْحَابِ العَرَبِيَّةِ

وَأَمَّا َأسْمَاءُ الضَّمَائِرِ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ بِلاَ شَكٍّ وَمَا هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِثْل: هُوَ، وَذَا، وَأَنَا، وَأَنْتَ، وَنَحْنُ، وَاليَا مِنْ إِنِّي، وَالكَاف مِنْ إِنَّكَ، فَلَفْظُهُ هُوَ اِسْمُ ضَمِيرِ الغَائِبِ، وَلَيْسَتِ الضَّمَائِرُ مَخْصُوصَةً بِالحَقِّ، بَلْ هِيَ لِكُلِّ مُضْمِرٍ. فَهُوَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ غَائِبَةٍ مَعَ تَقَدُّمِ كَلاَمٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ عِنْدَ السَّمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلاَ فَائِدَةَ فِيهِ. وَلِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ الإِضْمَارُ قَبْلَ الذِّكْرِ إِلاَّ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ لَمَّا يَتَقَيَّد بِهِ الشَّاعِرُ مِنَ الأَوْزَانِ. وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ:

  • ·        جَزَى رَبَّهُ عَنِّي عُدَي بنُ حَاتِمِ

فَأَضْمَرَ قَبْلَ الذِّكْرِ، فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: جَزَى عَنِّي عُدَي بن حَاتِم رَبَّهُ، فَلَمْ يَتَّزِنْ الضَّمِيرُ مِنْ أَجْلِ الوَزْنِ. وَمِنَ الضَّمَائِرِ،

لَفْظَةُ « ذَا » وَهِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الإِشَارَةِ مَثْلَ قَوْلِهِ:{ذَالِكُمُ اللهِ}[الانعام:102] ؛ وَكَذَلِكَ لَفْظَةُ يَاء المُتَكَلِّمْ، مِثْلَ قَوْلِهِ:{فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَـوةَ لِذِكْرِي}[طه:14] ؛

وَكَذَلِكَ لَفْظَةُ « اَنْتَ » وَ »تاء » المُخَاطَبَة مِثْلَ قَوْلِهِ:{كُنْتَ اَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة:117] ؛

وَلَفْظَةُ « نَحْنُ »، وَلَفْظُ « إِنَّا » مُشَدَّدَةٌ، وَلَفْظَةُ « نَا »، مِثْلَ قَوْلِهِ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر:9] ؛

وَكَذَلِكَ حَرْفُ كَاف المُخَاطَبَة: {إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}[غافر:8] ؛

فَهَذِهِ كُلُّهَا أَسْمَاءُ ضَمَائِرِ وَإِشَارَاتٌ وَكِنَايَاتٌ، تَعُمُّ كُلَّ مُضْمَرٍ وَمُخَاطَبٍ وَمُشَارٍ إِلَيْهِ وَمُكَنَّى عَنْهُ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ. وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَتْ َأعْلاَمًا، وَلَكِنَّهَا أَقْوَى فِي الدَّلاَلَةِ مِنَ الأَعْلاَمِ، لِأَنَّ الأَعْلاَمَ قَدْ تَفْتَقِرُ إِلَى النُّعُوتِ، وَهَذِهِ لاَ افْتِقَارَ لَهَا. وَمَا مِنْهَا كَلِمَةٌ إِلاَّ وَلَهَا فِي الذِّكْرِ بِهَا نَتِيجَةٌ.

وَمَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللهِ، أَهْلِ الأَذْوَاقِ، رََأيْنَاهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي طَرِيقِ اللهِ لِلسَّالِكِينَ بِالأَذْكَارِ، إِلاَّ عَلَى لَفْظٍ « هُوَ » خَاصة، وَجَعَلُوهَا مِنْ ذِكْرِ خُصُوصِ الخُصُوصِ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ مِنَ الاِسْمِ « الله » عِنْدَهُمْ فِي أَصْلِ الوَضْعِ، لِأَنَّهَا لاَ تَدُلُّ إِلاَّ عَلَى العَيْنِ، خَاصَّةً المَضْمُرَة مِنْ غَيْرِ اشْتِقَاقٍ. وَإِنَّمَا  غَلَبَهَا أَهْلُ اللهِ عَلَى سَائِرِ المِضْمَارَاتِ وَالكِيَانَاتِ لِكَوْنِهَا ضَمِيرُ غَيْبٍ مُطْلَقٍ عَنْ تَعَلُّقِ العِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ، وَقَالُوا:- إِنَّ لَفْظَةَ « هو » تَرْجِعُ إِلَى هُوِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ.

فَاعْتَمَدُوا عَلَى ذََلِكَ وَلاَ سِيَمَا الطَّائِفَةُ الَّتِي زَعَمَتْ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ نَفْسَهُ -تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ- ؛ وَمَا عَلِمَتِ الطَّائِفَةُ َأنَّ غَيْرَ لَفْظَةِ « هو » فِي الذِّكْرِ أَكْمَلُ فِي المَرْتَبَةِ، مِثْلَ اليَاءِ مِنْ « إِنِّي »، وَالنُّونِ مِنْ « نَزَلْنَا »، وَلَفْظَةُ « نَحْنُ ». فَهَؤُلاَءِ أَعْلَى مَرْتَبَةٌ فِي الذِّكْرِ مِنْ « هُوَ » فِي حَقِّ السَّالِكِ، لاَ فِي حَقِّ العَارِفِ.

فَلاَ َأرْفَعَ مِنْ ذِكْرِ « هُوَ » عِنْدَ العَارِفِينَ فِي حَقِّهِمْ.

وَكَمَا هِيَ عِنْدَهُمْ أَعْلَى فِي الرُّتْبَةِ مِنْ لَفْظَةِ « هُو »، كَذَلِكَ هِيَ َأعْلَى مِنْ أَسْمَاءِ الخِطَابِ مِثْلَ « كَاف » المُخَاطَبِ، وَتَائِهِ، وَأَنْتَ. فَإِنَّهُ لاَ يَقُولُ: أَنِّي، وَأَنَا، وَنَحْنُ، إِلاَّ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ. فَمَنْ قَالَهَا بِهِ فَهُوَ القَائِلُ:{وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] ، فَنَتِيجَتُهُ أَعْظَمُ لِأَنَّ الذِّكْرَ يُعَظِّمُ بِقَدْرِ عَظَمِ عِلْمِ الذَّاكِرِ، وَلاَ أَعْلَمَ مِنَ اللهِ.

وَبَاقِي أَسْمَاءِ الضَّمَائِرِ مِثْلَ: « هُوَ » وَ »ذَا » وَكَاف الخِطَابِ، هِيَ مِنْ خَوَاصِّ عَيْنِ المُشَارِ إِلَيْهِ. فَهِيَ َأشْرَفُ مِنَ الهُو،,َمَعَ هَذَا،فَمَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللهِ سَنَّ الذِّكْرَ بِهَا، كَمَا فَعَلُوا بِلَفْظَةِ « هو ». فَلاَ َأدْرِي هَلْ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ الذَّوْقِ لِهَذَا المَعْنَى، وَهُوَ الأَقْرَبُ. فَإِنَّهُمْ مَا جَعَلُوهَا ذِكْرًا.

فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّهَا تَطْلُبُ التَّحْدِيدَ ؛ قُلْنَا: فَذَلِكَ سَائِغٌ فِي جَمِيعِ المُضْمِرَاتِ. وَنَحْنُ نَقُولُ بِالذِّكْرِ بِذَلِكَ كُلِّهِ، مَعَ الحُضُورِ عَلَى طَرِيقٍ خَاصِّ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الشَّرْعِ مَا يُقَوِّي مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  » إِنَّ اللهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ – سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ- » ، وَقَوْلُهُ عَنِ اللهِ:  » كُنْتُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ » وَالحَقُّ، بِلاَ شَكٍّ، هُوَ القَائِلُ بِالنُّونِ وَأَنَا، وََأَنَا وَنَحْنُ وَأَنِّي، فَلْنَذْكُرْهُ بِهَا نِيَّابَةً عَنْهُ. أَوْ نَذْكُرُهُ بِهِ لِأَنَّهُ الذَّاكِرُ بِهَا عَلَى لِسَانِي. فَهُوَ أَتَمُّ فِي الحُضُورِ بِالذِّكْرِ وََأقْرَبُ فَتْحًا بِالوُقُوفِ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَلِهَذِهِ الأَسْمَاءِ أَيْضًا، أَعْنِي المُضْمِرَاتُ خَوَاصٌّ فِي الفِعْلِ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْرِفُ مِنْهَا مِنْ أَهْلِ اللهِ إِلاَّ لَفْظَةَ « هو ». فَإِِذَا قُلْتَ « هُوَ »، كَانَ « هُوَ » ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ « هُوَ » عِنْدَ قَوْلِكَ « هو »، وَلَكِنْ يَكُونُ « هو » عِنْدَ قَوْلِكَ : »هو ». وَكَذَلِكَ مَا بَقِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الإِضْمَارِ.

فَاعْلَمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَسْرَارِ المَعْرِفَةِ بِاللهِ، وَلاَ يَشْعُرُ بِهِ وَلاَ نَبَّهَ أَحَدٌ عَلَيْهِ  مِنْ أَهْلِ اللهِ، غَيْرَةً وَبُخْلاً أَوْ خَوْفًا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الحَظْرِ لِمَا يَظْهَرُ فِيهِ مِنْ تَكْوِينِ اللهِ عِنْدَ لَفْظَةِ « هو » مِنَ العَبْدِ، إِذْ كَان َاللهُ يَقُولُهَا عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ، آيَةَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ: {فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَائِرًا بِإِذْنِي} [المائدة:112] .

فَإِنَّ تَكْوِينَ اللهِ بِلَفْظِ « هُوَ » مِنَ العَبْدِ، هُوَ ظُهُورُهُ فِي مَظْهَرٍ خَاصٍّ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ ؛ إِذْ لاَ يَظْهَرُ غَيْرُهُ وَلاَ  قَالَ: « هُوَ »، إِلاَّ هُوَ. فَهُوَ أَظْهَرَ نَفْسَهُ.

فَهُوَ الظَّاهِرُ المُظْهِرُ،

البَاطِنُ المُبْطِنُ،

وَالعَزِيزُ المُعِزُّ،

وَالغَنِيُّ المُغْنِي.

فَقَدْ نَبَّهْتُكَ عَلَى سِرِّ هَذَا الذِّكْرِ بِهَذَا الاِسْمِ.

وَعَلَى هَذَا تَأْخُذْ جَمِيعَ أَسْمَاءِ الضَّمَائِرِ وَالإِشَارَاتِ وَالكِنَايَاتِ،

وَلَكِنَّ الطَّهَارَةَ وَالحُضُورَ وَاَلأدَبَ وَالعِلْمَ بِهَذِهِ الأُمُورِ لاَ بُدَّ مِنْهُ حَتَّى تَعْرِفَ

مَن ْتَذْكُرْ…

وَكَيْفَ تَذْكُرْ…

وَمِمَّنْ تَذْكُرْ…

وَبِمَنْ تَذْكُرْ…

وَاللهُ خَيْرُ الذَّاكِرِينَ لَهُ وَلَكَ.

القِسِْمُ الثَّانِي مِنْ عِلْمِ الأَسْمَاءِ اِلإلَهِيَّةِ ، وَهَذَا القِسْمُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:

العِلْمُ بِأَسْمَاءِ صِفَاتِ المَعَانِي، مِثْلَ الحَيُّ وَهُوَ اِسْمٌ يَطْلُبُ ذَاتًا مَوْصُوفَةً بِالحَيَاةِ، وَ العِلْمُ يُسَمَّى المَوْصُوفُ بِهِ عَالِمًا، وَ القَادِرُ لِلْمَوْصُوفِ بِالقُدْرَةِ، وَ المُرِيدُ لِلْمَوْصُوفِ بِالإِرَادَةِ، وَ السَّمِيعُ وَ البَصِيرُ وَ الشَّكُورُ لِلْمَوْصُوفِ بِالسَّمْعِ وَالبَصَرِ وَالكَلاَمِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا مَعَانٍ قَائِمَةٌ بِالمَوْصُوفِ أَوْ نِسَبٌ عَلَى خِلاَفِ، يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَسْمَاءٌ ؛ وَلَهَا أَحْكَامٌ فِي المَوْصُوفِ بِهَا. وَتِلْكَ الأَسْمَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةٍ تُسَمَّى عِلْمًا، وَقُدْرَةً. وَلَكِنْ لَهَا مَرَاتِبٌ، كَمَنْ قَامَ بِهِ العِلْمُ يُسَمَّى عَالِمًا وَعَلِيمًا وَعَلاَّمًا وَخَبِيرًا وَمُحْصِيًا وَمُحِيطًا، هَذِهِ كُلُّهَا أَسْمَاءٌ لِمَنْ وُصِفَ بِالعِلْمِ. وَلَكِنْ مَدْلُولُ كَوْنِهِ عَالِمًا خِلاَفُ مَدْلُولِ كَوْنِهِ عَلِيمًا وَخَبِيرًا، يَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يَفْهَمُ مِنَ العَالِمِ. فَإِنَّ « عَلِيمًا » لِلْمُبَالَغَةِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ مَا لاَ يُفْهَمُ مِنَ العَالِمِ. فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ أَمْرًا مِنَ المَعْلُومَاتِ يُسَمَّى عَالِمًا، وَلاَ يُسَمَّى عَلِيمًا وَلاَ عَلَّامًا، إِلاَّ إِذَا تَعَلَّقَ عِلْمُهُ بِمَعْلُومَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَخَبِيرُ التَّعَلُّقِ، العِلْمُ بَعْدَ الاِبْتِلاَءِ. قَالَ تَعَالَى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ} [محمّد:31].

وَكَذَا المُحْصِي، يَتَعَلَّقُ بِحَصْرِ المَعْلُومَاتِ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ، فَهُو َتَعَلُّقٌ خَاصٌّ يَطْلُبُهُ العِلْمُ.

وَكَذَلِكَ المُحِيطُ، لَهُ تَعَلُّقٌ خَاصٌّ وَهُوَ العِلْمُ بِحَقَائِقِ المَعُلُومَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالرَّسْمِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ، وَمَا يَتَنَاهَى مِنْهَا أَنَّهُ مُنْتَهَاهُ، وَمَا لاَ يَتَنَاهَى مِنْهَا أَنَّه ُغَيْرُ مُنْتَهَاهُ. فَقَدْ أَحَاطَ بِهِ عِلْمًا أَنَّهُ لاَ يَتَنَاهَى.

فَإِنَّ هُنَا زَلَّتْ طَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَهَكَذَا تَأْخُذُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ كَالقَادِرِ وَالمُقْتَدِرِ وَالقَاهِرِ، كُلُّ ذَلِكَ تَطْلُبُهُ القُدْرَةُ، وَبَيْنَ هَذِهِ الأَسْمَاءِ فِرْقَان وَإِنْ كَانَتِ الصِّفَةُ الوَاحِدَةُ تَطْلُبُهَا:

فَإِنَّ القَاهِرَ فِي مُقَابَلَةِ المُنَازِعِ، وَالقَهَّارَ فِي مُقَابَلَةِ المُنَازِعِينَ ؛

وَالقَادِرَ فِي مُقَابَلَةِ القَابِلَ لِلأَثَرِ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْدُومًا فِي عَيْنِهِ. فَفِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الاِمْتِنَاعِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُشَكَّلَةٌ، لِأَنَّ تَقَدُّمَ العَدَمُ لِلْمُمْكِنِ قَبْلَ وُجُودِهِ لا َيَكُونُ مُرَادًا وَلاَ هُوَ صِفَةٌ نَفْسِيَةٌ لِلْمُمْكِنِ. فَهَذَا هُوَ اِلإشْكَالُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمْ.

وَالمُقْتَدِرُ، لاَ يَكُوُن إِلاَّ فِي حَالِ تَعَلُّقِ القُدْرَةِ بِالمَقْدُورِ، لِأَنَّهُ يَعْمَلُ فِي تَعَلُّقِ القُدْرَةِ بِالمَقْدُورِ لإِيجَادِ عَيْنِهِ، كَالمُكْتَسَبِ وَالكَاسِبِ.

فَقََدْ بَانَ لَكَ الفَرْقَانِ بَيْنَ الأَسْمَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ تَطْلُبُ صِفَةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ إِذْ لاَ يَصِحُّ التَّرَادُفُ فِي العَالَمِ لِأَنَّ التَّرَادُفَ تِكْرَارٌ، وَلَيْسَ فِي الوُجُودِ تِكْرَارَ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ لِلاِتِّسَاعِ الإِلَهِيِّ.

فَاعْلَمْ ذَلِكَ.

وَمَا وَجَدْنَا فِي الشَّرْعِ لِلْكَلاَمِ اِسْمًا ِإلَهِيًّا إِلاَّ الشَّكُورَ وَالمُجِيبَ، فَالكَلاَمُ مَا وَجَدْنَا اِسْمًا مِنْ لَفْظِ اسْمِهِ فِي الشَّرْعِ.

وَكَذَلِكَ اِلإرَادَةُ لَيْسَ لَهَا اِسْم فِي عِلْمِي مِنْ لَفْظِ اِسْمِهَا، غَيْرَ أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهَا مِنْ جِهَةِ مَعْنَاهَا أَسْمَاءُ الأَفْعَالِ، فَإِنَّهُ قَالَ:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[هود:107] وَلَهَا تَعَلُّقٌ صَعْبُ التَّصَوُّرِ، وَهُوَ إِرَادَتُهُ أَنْ يَقُولَ وَلَيْسَ قَوْلَهُ مِنَ الأَفْعَالِ وَلاَ هُوَ نِسْبَةٌ عَدَمِيَّةٌ وَلاَ صِفَةٌ عَدَمِيَّةٌ. وَكَذَلِكَ يَتَصَوَّرُ فِي القُدْرَةِ أَيْضًا، ,َذَلِكَ أَنْ يُقَالُ الحَقُّ قَادِرٌ أَنْ يُكَلِّمَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ.

فَهُنَا عِلْمٌ يَنْبَغِي َأنْ يُعْرَفْ: وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَدْخَلَ تَعَلُّقَ إِرَادَتِهِ تَحْتَ حُكْمِ الزَّمَانِ،فَجَاءَ بِإِذَا، وَهِيَ مِنْ صِيَغِ الزَّمَانِ فَقَالَ: {إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ} وَالزَّمَانُ قَدْ يَكُونُ مُرَادًا، وَلاَ يَصِحُّ فِيهِ إِذَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْد، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمٌ. فَعِلْمُ هَذَا مِنْ عُلُومِ غَامِضِ الأَسْمَاءِ اِلإلَهِيَّةِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَهْلُ اللهِ تَعَالَى فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ هِيَ مَا سَمَّى بِهِ نَفْسُهُ فِي كًُتُبِهِ أَوْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ. وَأَمَّا إِذَا أَخَذْنَاهَا مِنَ الاِشْتِقَاقِ أَوْ عَلَى جِهَةِ المَدْحِ، فَإِنَّهَا لاَ تُحْصَى كَثْرَةً وَاللهُ يَقُولُ:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى} [الأعراف:180] ؛ وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ: » إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اِسْمًا، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ ». وَمَا قَدَرْنَا عَلَى تَعْيِينِهَا مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ.

فَإِنَّ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ فِيهَا كُلُّهَا مُضْطَرِبَةٌ، لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ.

وَكُلُّ اِسْمٍ إِلَهِيٍّ، يَحْصُلُ لَنَا مِنْ طَرِيقِ الكَشْفِ أَوْ لِمَنْ حَصَلَ، فَلاَ نُورِدُهُ فِي كِتَابٍ، وَإِنْ كُنَّا نَدْعُو بِهِ فِي نُفُوسِنَا، لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنَ الفَسَادِ فِي المُدَّعِينَ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَفِي زَمَانِنَا مِنْهُمْ كَثِيرٌ.

وَلَمَّا فَحَصْنَا عَنِ الحُفَّاظِ لَمْ نَرَ أَحَدًا اعْتَنَى بِهَا مِثْلَ الحَافِظِ أَبِي مُحَمَّد عَلِيّ بن سَعِيد بن حزم الفارسي، وَغَايَةَ مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ قُدْرَتُهُ، مَا أَذْكُرُهُ مِنَ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى. هَذَا مَبْلَغُ إِحْصَائِهِ فِيهَا مِنَ الطُّرُقِ الصِّحَاحِ عَلَى مَا حَدَّثْنَاهُ عَلي بن عبد الله بن عبد الرحمن الفرياني عن أبي محمد عبد الحق بن عبد الله الأزدي الإشبيلي، وحدثناه عبد الحق إجازة وغير واحد ما بين سماع وقراءة وإجازة عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الرّعيني عن أبي محمّد علي بن حزم الفارسي قال:

« إِنَّمَا تُأْخَذُ، يَعْنِي الأَسْمَاءُ، مِنْ نَصِّ القُرْءَانِ وَمِمَّا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ بَلَغَ إِحْصَاؤُنَا مَا نَذْكُرُهُ وَهِيَ:

اللهُ، الرَّحْمَـنُ، الرَّحِيمُ، العَلِيمُ، الحَكِيمُ، الكَرِيمُ، العَظِيمُ، حَلِيمُ، القَيُّومُ، الأَكْرَمُ، السَّلاَمُ، التَّوَّابُ، الرَّبُّ، الوَهَّابُ، الأَقْرَبُ، سَمِيعُ، مُجِيبُ، وَاسِعُ، العَزِيزُ، الشَّاكِرُ، القَاهِرُ، الآخِرُ، الظَّاهِرُ، الكَبِيرُ، الخَبِيرُ، القَدِيرُ، البَصِيرُ، الغَفُورُ، الشَّكُورُ، الغَفَّارُ، القَهَّارُ، الجَبَّارُ، المُتَكَبِّرُ، المُصَوِّرُ، البَرُّ، مُقْتَدِرُ، البَارِي، العَلِيّ، الغَنِيّ، الوَلِيّ، القَوِيّ، الحَيّ، الحَمِيدُ، المَجِيدُ، الوَدُودُ، الصَّمَدُ، الأَحَدُ، الوَاحِدُ، الأَوَّلُ، المُؤْمِنُ، المُهَيْمِنُ، البَاطِنُ، القُدُّوسُ، المَلِكُ، مَلِيكُ، الأَكْبَرُ، الأَعَزُّ، السَّيِّدُ، سَبُّوحُ، وِتْرُ، مِحْسَانُ، جَمِيلُ، رَفِيقُ، المُسْعِرُ، القَابِضُ، البَاسِطُ، الشَّافِي، المُعْطِي، المُقَدِّمُ، المُؤَخَّرُ، الدَّهْرُ.

فَهَذَا الَّذِي رُوَيْنَا عَنْ أَشْيَاخِنَا عَنْ أَشْيَاخِهِمْ عَنْهُ في إِحْصَائِهِ.

وَعِنْدَنَا مِنَ القُرْآنِ أَسْمَاءٌ أُخَرٌ جَاءَتْ مُضَافَةً، وَهِيَ عِِنْدَنَا مِنَ الأَسْمَاءِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ؛ وَكَذَلِكَ فِي الأَخْبَارِ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ عَلَى أَسْمَاءِ اللهِ-تَعَالَى- عَلَى الحَقِيقَةِ، فَلْيَنْظُرْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ}. وَعَلَى الحَقِيقَةِ، فَمَا فِي الوُجُودِ إِلاَّ أَسْمَاؤُهُ، وَلَكِنْ حَجَبَتْ عُيُونُ البَصَائِرِ عَنِ العِلْمِ بِهَا أَعْيَانَ الأَكْوَانِ.

فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ الوَاقِي، لاَ غَيْرُهُ، فَهُوَ المُحْتَجِبُ بِكُلِّ وَاقٍ. وَشَبَهُ هَذَا فَهُوَ {فَاطِرِ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ}، وَجَاعِلِ المَلاَئِكَةِ رُسُلاً، وَجَاعِلِ اللََّيْلَ سَكَنًا، وَجَاعِلِ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، وَنُورُ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ، وَقِيَامُ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ، وَهُوَ الصَّبُورُ، وَقَابِلُ التَّوْبِ، وَالسَّرِيعُ الحِسَابُ، وَشَدِيدُ العِقَابِ، وَرَفِيعُ الدَّرَجَاتِ، وَذُو العَرْشِ، وَذُو المَعَارِجِ.

وَقَدْ رَمَيْتُ بِكَ عَلَى الطَّرِيقِ، فَهَذَا قِسْمُ الصِّفَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى المَعَانِي وَالنِّسَبِ وَالإِضَافَاتِ كَالأَوَّلِ وَالآخِرِ وَالظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ.

القِسِْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَسْمَاءُ الأَفْعَالِ، وَهِيَ صَرِيحُ كَالمُصَوِّرِ،,َمُضْمِنٌ مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَمَكَرَ اللهُ}[سورة آل عمران:54] وَأَسْمَاءُ الأَفْعَالِ كُلُّهَا أَسْمَاءُ اِلإرَادَةِ.

القِسِْمُ الرَّابِعُ : أَسْمَاءُ الاِشْتِرَاكِ، كَاسْمِهِ المُؤْمِنُ وَالرَّبُّ:

فَالمُؤْمِنُ المُصَدِّقُ، وَالمُؤْمِنُ مُعْطِي الأَمَان؛

وَالرَّبُّ المَالِكُ، وَالرَّبُّ المُصْلِحُ، وَالرَّبُّ السَّيِّدُ، وَالرَّبُّ المُرَبِّي، وَالرَّبُّ الثَّابِتُ.

فَإِذَا حَصَلَ بِيَدِكَ اِسْمٌ مِنَ الأَسْمَاءِ اِلإلَهِيَّةِ، فَانْظُرْ فِي أَيَّةِ مَرْتَبَةٍ هُوَ مِنْ هَذِهِ المَرَاتِبِ. فَادْعُ بِهِ مِنْ حَيْثُ مَرْتَبَتِهِ، لاَ تُخْرِجُهُ عَنْهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَلاَ تَغْفَلْ عَنْ دَلاَلَتِهِ عَلَى الذَّاتِ الَّتِي لَهَا هَذِهِ النُّعُوتُ كُلِّهَا، تَكُنْ أُحَدِيِّ العَيْنِ فِي عَيْنِ الكَثْرَةِ، فَتَكُونُ الوَاحِدُ الكَثِيرُ. فَإِنَّ المَرَاتِبَ وَالحَقَائِقَ تَطْلُبُ الأَسْمَاءَ لِمَنْ هِيَ صِفَاتُهُ، حَتَّى إِذَا دَعَا بِهَا زَهَتْ وَعَلِمَتْ أَنَّ لِلَّهِ بِهَا عِنَايَةٌ حَيْثُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهَا أَسْمَاءٌ، وَحَيْثُ جَعَلَ ذَاتَهُ مَحَلاًّ لِأَحْكَامِهَا.

فَالحِلْمُ، مَعْنَى مَعْقُولٌ يُطْلَقُ مِنْهُ اِسْمٌ عَلَى مَنْ ظَهَرَ فِيهِ حُكْمُهُ وَهُوَ الحَلِيمُ مَعَ القُدْرَةِ وَالمُتَجَاوِزِ وَالصَّفُوحِ وَالعَفُوِّ.

وَكَذَلِكَ مَرْتَبَةُ الكَرَمِ، مَعْنَى مَعْقُولٌ يُطْلَقُ مِنْهُ اِسْمًا عَلَى مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ حُكْمُهُ كَالكَرِيمُ، وَالمُعْطِي، وَالجَوَّادُ، وَالوَهَّابُ، وَالمُنْعِمُ.

وَهَكَذَا تَأْخُذُ جَمِيعَ اَلأسْمَاءِ عَلَى حَدِّ مَا أَشَرْتُ ِإلَيْكَ، وَلاَ تَتَعَدَّ بِهَا مَرَاتِبَهَا، مَعَ عِلْمِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ تَرَادُفٌ، وَأَنَّهَا كُلُّهَا مُتَبَايِنَةٌ.

فَهَذَا قَدْ أَبَنْتُ لَكَ عَنِ العِلْمِ الأَوَّلِ مِنَ المَعْرِفَةِ الَّذِي لِأَهْلِ اللهِ مُجْمَلاًَ مَعَ نَبْذِ مِنَ التَّفْصِيلِ.

فَتَفَهَّمْ ذَلِكَ.

النَّوْعُ  الثَّانِي مِنْ عُلُومِ المَعْرِفَةِ

وَهُوَ عِلْمُ التَّجَلِّي :

اِعْلَمْ أَنَّ التَّجَلِّي الإِلَهِيّ دَائِمٌ لاَ حِجَابَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لاَ يُعْرَفُ أَنَّهُ هُوَ.

وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ العَالَمَ، أَسْمَعَهُ كَلاَمَهُ فِي حَالِ عَدَمِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ:{كُنْ}. وَكَانَ مَشْهُودًا لَهُ سُبْحَانَهُ، وَلَمْ يَكُنْ الحَقُّ مَشْهُودًا لَهُ. وَكَانَ عَلَى أَعْيُنِ المُمْكِنَاتِ حِجَابُ العَدَمِ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ.

فَلاَ تُدْرَكُ المَوْجُودُ، وَهِيَ مَعْدُومَةٌ كَالنُّورِ يَنْفُرُ الظُّلْمَةَ. فَإِنَّهُ لاَ بَقَاءَ لِلظَّلْمَةِ مَعَ وُجُودِ النُّورِ، كَذَلِكَ العَدَمُ وَالوُجُودُ.

فَلَمَّا أَمَرَهَا بِالتَّكْوِينِ لِإِمْكَانِهَا وَاسْتِعْدَادِ قَبُولِهَا، سَارَعَتْ لِتَرَى مَا ثَمَّ، لِأَنَّ فِي قُوَّتِهَا الرُّؤْيَةَ كَمَا فِي قُوَّتِهَا السَّمْعَ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتِ لاَ مِنْ حَيْثُ الوُجُودِ. فَعِنْدَمَا وُجِدَ المُمْكِنُ، اِنْصَبَغَ بِالنُّورِ، فَزَالَ العَدَمُ، وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَرَأَى الوُجُودُ الخَيْرَ المَحْضَ، فَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ. وَلاَ عَلِمَ أَنَّهُ الَّذِي أَمَرَهُ بِالتَّكْوِينِ. فَأَفَادَهُ التَّجَلِّي عِلْمًا بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْطَاهُ الوُجُودَ.

فَلَمَّا انْصَبَغَ بِالنُّورِ، اِلْتَفَتَ عَلَى اليَسَارِ، فَرَأَى العَدَمَ، فَتَحَقَّقَهُ، فَإِذَا هُوَ يَنْبَعِثُ مِنْكَ كَالظَّلِّ المُنْبَعِثِ مِنَ الشَّخْصِ إِذَا قَابَلَهُ النُّورُ. فَقَالَ: مَا هَذَا ؟

فَقَالَ لَهُ النُّورُ مِنَ الجَانِبِ الأَيْمَنِ: – هَذَا هُوَ أَنْتَ. فَلَوْ كُنْتَ أَنْتَ النُّورُ لَمَا ظَهَرَ لِلظِلِّ عَيْنٌ. فَأَنَا النُّورُ وَأَنَا مَذْهَبُهُ. وَنُورُكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ مَا يُواجِهُنِي مِنْ ذَاتِكَ. ذَلِكَ لِتَعْلَمَ أَنَّكَ لَسْتَ أَنَا. فَأَنَا النُّورُ بِلاَ ظِلٍّ، وَأَنْتَ النُّورُ المُمْتَزِجُ لِإِمْكَانِكَ. فَإِنْ نَسَبْتَ إِلَيَّ قِبْلَتُكَ، وَإِنْ نَسَبْتَ إِلَى العَدَمِ قَبْلَكَ، فََأَنْتَ بَيْنَ الوُجُودِ وَالعَدَمِ، وَأَنْتَ بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ. فَإِنْ أَعْرَضْتَ عَنْ ظِلِّكَ، فٌََدْ أَعْرَضْتَ عَنْ إِمْكَانِكَ ؛ وَإِذَا أَعْرَضْتَ عَنْ إِمْكَانِكَ، جَهَلْتَنِي، وَلَمْ تَعْرِفْنِي. فَإِنَّهُ لاَ دَلِيلَ لَكَ عَلَى أَنِّي إِلَـهُكَ وَرَبُّكَ وَمَوْجِدُكَ إِلاَّ إِمْكَانِكَ وَهُوَ شُهُودُكَ ظِلُّكَ. وَإِنْ أَعْرَضْتَ عَنْ نُورِكَ بِالكُلِّيَّةِ، وَلَمْ تَزَلْ مُشَاهِدًا ظِلَّكَ، لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ ظِلُّ إِمْكَانِكَ، وَتَخَيَّلْتَ أَنَّه ُظِلُّ المُحَالِ. وَالمُحَالُ وَالوَاجِبُ مُتَقَابِلاَنِ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ. فَإِنْ دَعَوْتُكَ لَمْ تَجِبْنِي وَلَمْ تَسْمَعْنِي. فَإِنَّهُ يَصُمُّكَ ذَلِكَ المَشْهُودُ عَنْ دُعَائِي. فَلاَ تَنْظَرْ إِلَيَّ نَظَرًا يُفْنِيكَ عَنْ ظِلِّكَ، فَتَدَّعِي أَنَّكَ أَنَا، فَتَقَعُ فِي الجَهْلِ. وَلاَ تَنْظُرْ إِلَى ظِلِّكَ نَظَرًا يُفْنِيكَ عَنِّي، فَإِنَّهُ يُورِثُكَ الصَّمَمَ، فَتَجْهَلُ مَا خَلَقْتُكَ لَهُ، فَكُنْ تَارَةً وَتَارَةً. وَمَا خَلَقَ اللهُ لَكَ عَيْنَيْنِ إِلاَّ لِتَشْهَدَنِي بِالوَاحِدَةِ،وَتَشْهَدَ ظِلَّكَ بِالعَيْنِ الأُخْرَى. وَقَدْ قُلْتُ لَكَ فِي مَعْرَضِ الاِمْتِنَانِ: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ8 وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ9وَهَدَيْنَـهُ النَّجْدَيْنِ10}[البلد:8-10] ،

     أَيْ بَيَّنَّا لَهُ الطَّرِيقَيْنِ: طَرِيقُ النُورِ وَالظِّلِّ:{إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الانسان:3] . فَإِنَّ العَدَمَ المُحَالَ ظَلْمَةٌ، وَعَدَمُ المُمْكِنِ ظِلٌّ لاَ ظُلْمَةٌ، وَلِهَذَا فِي الظِّلِّ رَاحَةُ الوُجُودِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّجَلِّي الأَوَّلُ الَّذِي حَصَلَ لِلْمُمْكِنِ عِنْدَمَا اِتَّصَفَ بِالوُجُودِ، وَانْصَبَغَ بِالنُّورِ، هُوَ التَّجَلِّي لِلأَرْوَاحِ النُّورِيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا هَذِهِ الهَيَاكِلَ المُظْلِمَةَ، وَلَكِنْ لَهَا ظِلُّ إِمْكَانِهَا الَّذِي لاَ يَبْرَحُ فِيهَا. وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ نُورًا بِمَا انْصَبَغَتْ بِهِ. فَظِلُّهَا فِيهَا، لاَ ظُهُورَ لَهُ عَلَيْهَا، وَحُكْمُهُ فِيهَا لاَ يَزُولُ. وَهَذِهِ المَرْتَبَةُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: » اللََّهُمَّ اَجْعَلْنِي نُورًا « . ثُمَّ بَعْدَ هَذَا التَّجَلِّي الإِبْدَاعِي الَّذِي هَيَّمَ بَعْضَ الأَرْوَاحِ النُّورِيَّةِ، تَجَلَّى تَجَلِّيًا لِبَعْضِ هَذِهِ الأَرْوَاحِ المُبْدِعَةِ، فَعَلِمَ مِنْهُ فِي هَذَا التَجَلِّي جَمِيعَ المَرَاتِبِ الَّتِي تَظْهَرُ عَنْهُ فِي عَالَمِ اَلأنْوَارِ وَالظَّلَمِ وَاللَّطَائِفِ وَالكَثَائِفِ وَالبَسَائِطِ وَالمُرَكَّبَاتِ وَالجَوَاهِرِ وَالأَعْرَاضِ وَالأَزْمِنَةِ وَالأَمْكِنَةِ وَالإِضَافَاتِ وَالكَيْفِيَاتِ وَالكَمِّيَاتِ وَالأَوْضَاعِ وَالفَاعِلاَتِ وَالمُنْفَعِلاَتِ ِإلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. وَأَنْوَاعُ العَالَمِ وَمَبْلَغُهَا (207600) مِائَتَا أَلْفِ مَرْتَبَةِ وَسَبْعُ آلاَفِ مَرْتَبَةِ وَسِتُّمِائَةَ مَرْتَبَةً. وَقَامَ هَذَا العَدَدُ مِنْ ضَرْبِ ثَلَثُمِائَةِ وَسِتِّينَ فِي مِثْلِهَا، ثُمَّ أُضِيفَ إِلَيْهَا ثَمَانِيَّةَ وَسَبْعُونَ أَلْفًا، فَكَانَ المَجْمُوعُ مَا ذَكَرْنَاهُ.

( 360 * 360 = 129600 +  78000= 207600 )

  وَهُوَ عِلْمُ العَقْلِ الأَوَّلِ وَعُمْرُ العَالَمِ مِنْ حِينِ وُلِيَ النَّظَرُ، فَهِيَ هَذَا المَفْعُولُ الإِبْدَاعِي، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَجْهُولٌ، لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ –تَعَالَى-.

فَلَمَّا عَلِمَ العَقْلُ، مِنْ هَذَا التَّجَلِّي، هَذِهِ المَرَاتِبَ، وَهِيَ عُلُومُهُ، كَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ اِنْبِعَاثُ النَّفْسِ الكُلِّيَّةِ عَنْهُ، وَهِيَ أَوَّلُ مَفْعُولٌ اِنْبِعَاثِيُّ، وَهِيَ مُمْتَزِجَةٌ بَيْنَ مَا انْفَعَلَ عَنْهَا وَبَيْنَ مَا انْفَعَلَتْ عَنْهُ. فَالَّذِي انْفَعَلَتْ عَنْهُ نُورٌ، وَالَّذِي انْفَعَلَ عَنْهَا ظَلْمَةٌ، وَهِيَ الطَّبِيعَةُ. فَظَهَرَ ظِلُّ النَّفْسِ فِي ظَاهِرِهَا، مِمَّا يَلِي جَانِبَ الطَّبِيعَةِ. لَكِنْ لَمْ يَمْتَدّ عَنْهَا ظِلُّهَا كَمَا يَمْتَدُّ عَنْ الأَجْسَامِ الكَثِيفَةِ. وَانْتَقَشَ فِيهَا جَمِيعُ مَا لِلْعَقْلِ مِنَ العُلُومِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَلَهَا وَجْهٌ خَاصٌّ إِلَى اللهِ لاَ عِلْمَ لِلْعَقْلِ بِهِ، فَإِنَّهُ سِرُّ اللهِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ مَخْلُوقٍ لاَ تُعْرَفْ نِسْبَتُهُ وَلاَ يَدْخُلْ تَحْتَ عِبَارَةَ، وَلاَ يَقْدِرْ مَخْلُوقٌ عَلَى إِنْكَارِ وُجُودِهِ. فَهُوَ المَعْلُومُ المَجْهُولُ. وَهَذَا هُوَ التَّجَلِّي فِي الأَشْيَاءِ المُبْقِي أَعْيَانِهَا.

وَأَمَّا التَّجَلِّي لِلأَشْيَاءِ، فَهُوَ تَجَلِّي يَفْنِي أَحْوَالاً وَيُعْطِي أَحْوَالاً فِي المُتَجَلِّي لَهُ. وَمِنْ هَذَا التَّجَلِّي تُوجَدُ الأَعْرَاضُ وَالأَحْوَالُ فِي كُلِّ مَا سِوَى الله.

ثُمَّ لَهُ تَجَلٍّ فِي مَجْمُوعِ الأَسْمَاءِ، فَيُعْطِي فِي هَذَا التَّجَلِّي فِي العَالَمِ المَقَادِيرَ وَالأَوْزَانَ وَالأَمْكِنَةَ وَالأَزْمَانَ وَالشَّرَائِعَ وَمَا يَلِيقُ بِعَالَمِ الأَجْسَامِ وَعَالَمِ الأَرْوَاحِ وَالحُرُوفِ اللَّفْظِيَّةِ وَالرَّقْمِيَّةِ وَعَالَمِ الخَيَالِ.

ثُمَّ لَهُ تَجَلٍّ آخَرَ فِي أَسْمَاءِ الإِضَافَةِ خَاصَّةً كَالخَالِقِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ، فَيَظْهَرُ فِي العَالَمِ التَّوَالِدُ وَالتَّنَاسُلُ وَالاِنْفِعَالاَتُ وَالاِسْتِحَالاَتُ وَالأَنْسَابُ. وَهَذِهِ كُلُّهَا حُجُبٌ عَلَى أَعْيَانِ الذَّوَاتِ الحَامِلاَتِ لِهَذِهِ الحُجُبِ عَنْ إِدْرَاكِ ذَلِكَ التَّجَلِّي الَّذِي لِهَذِهِ الحُجُبِ المَوْجُودِ أَعْيَانُهَا فِي أَعْيَانِ الذَّوَاتِ.

وَبِهَذَا القَدْرِ تُنْسَبُ الأَفْعَالُ لِلأَسْبَابِ وَلَوْلاَهَا لَكَانَ الكَشْفُ، فَلاَ يُجْهَلْ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ:{مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ}[ق:29]

وَوُقُوعُ خِلاَفِ المَعْمُولِ مُحَالٌ. فَبِالتَّجَلِّي تَغَيَّرَ الحَالُ عَلَى الأَعْيَانِ الثَّابِتَةِ مِنَ الثُّبُوتِ إِلَى الوُجُودِ. وَبِهِ ظَهَرَ الاِنْتِقَالُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ فِي المَوْجُودَاتِ. وَهُوَ خُشُوعٌ تَحْتَ سُلْطَانِ التَّجَلِّي.

فَلَهُ النَّقِيضَانِ يَمْحُو وَيُثْبِتْ، وَيُوجِدْ وَيَعْدَم، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ لَنَا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ –تَعَالَى-: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}[الأعراف:143] فَنَقَلَهُ مِنْ حَالِ الشُّمُوخِ إِلَى حَالِ الخُشُوعِ وَالاِنْدِكَاكِ. وَقَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحَدِيثِ الَّذِي صَحَّحَهُ الكَشْفُ:  » إِنَّ اللهَ إِذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ خَشَعَ لَهُ « . فَاللهُ مُتَجَلٍّ عَلَى الدَّوَامِ، لِأَنَّ التَّغَيُّرَاتِ مَشْهُودَةٌ عَلَى الدَّوَامِ فِي الظَّوَاهِرِ وَالبَوَاطِنِ وَالغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَالمَحْسُوسِ وَالمَعْقُولِ، فَشَأْنُهُ التَّجَلِّي.  وَشَأْنُ المَوْجُودَاتِ التَّغْيِيرُ بِالاِنْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ.

فَمِنَّا مَنْ يَعْرِفُهُ، وَمِنَّا مَنْ لاَ يَعْرِفُهُ. فَمَنْ عَرَفَهُ بَعْدَهُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَنْكَرَهُ فِي كُلِّ حَالٍ.

ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:  » الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ». فَأَثْنَى عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ المُعْطِي بِتَجَلِّيهِ كُلِّ حَالٍ.

وَأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فِي التَّبْلِيغِ مَا يَكُونُ مَعَ إِقَامَةِ الحُدُودِ وَإِنْكَارِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْكَرَ. فَإِنَّ المُنْكَرَ بِالتَّغْيِيرِ أَنْكَرُ:

{يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنِ}[الرّحمن:29] أَحْوَالٌ إِلَـهِيَّةٌ فِي أَعْيَانٍ كِيَانِيَّةٍ بِأَسْمَاءِ نِسْبِيَّةٍ  عَيَّنَتْهَا تَغْيِيرَاتٌ كَوْنِيَّةٌ، فَتَجَلَّى إِحْدَى العَيْنِ فِي أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةِ الكَوْنِ.

فَرَأَتْ صُورَهَا فِيهِ، فَشَهِدَ العَالَمُ بَعْضَهُ بَعْضًا فِي تِلْكَ العَيْنِ.

فَمِنْهُ المُنَاسِبُ وَهُوَ المُوَافِقُ، وَمِنْهُ غَيْرُ المُنَاسِبِ وَهُوَ المُخَالِفُ.

فَظَهَرَتْ المُوَافَقَةُ وَالخِلاَفُ فِي أَعْيَانِ العَالَمِ دُنْيَا وَآخِرَةَ، لِأَنَّهُ لاَ تَزَالُ أَعْيَانُ العَالَمِ تَبْصِرُ بَعْضَهَا بَعْضًا فِي تِلْكَ العَيْنِ المُنْجَلِيَّةِ، فَتَنْعَكِسُ أَنْوَارُهَا عَلَيْهَا بِمَا تَكْتَسِبُهُ مِنْ تِلْكَ العَيْنِ.

فَيَحْدُثُ فِي العَالَمِ مَا يَحْدُثُ دُنْيَا وَآخِرَةَ عَنْ أَثَرِ حَقِيقَةِ تِلْكَ العَيْنِ لَمَّا تَعَلَّقَتْ بِهَا أَبْصَارُ العَالَمِ، كَالمِرْآةِ تُقَابِلُ الشَّمْسَ فَيَنْعَكِسُ ضَوْءُهَا عَلَى القُطْنِ المُقَابِلِ لاِنْعِكَاسِ النُّورِ، فَيَحْدُثُ فِيهِ الحَرَقُ.

هَذَا عَيْنُ مَا يَظْهَرُ فِي العَالمَِ مِنْ تَأْثِيرِ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ مِنْ شُهُودِ تِلْكَ العَيْنِ.

فَالمُؤَثِّرُ رُوحَانِيّ وَالَّذِي تَأَثَّرَ طَبِيعِيٌّ. وَمَا مِنْ شَيْءٍ تَكُونُ لَهُ صُورَةٌ طَبِيعِيَّةٌ فِي العَالَمِ إِلاَّ وَلَهَا رُوحٌ قُدُسِيٌّ. وَتِلْكَ العَيْنُ لاَ تَنْحَجِبُ أَبَدًا.

فَالعَالَمُ فِي حَالِ شُهُودٍ أَبَدًا، وَالتَّغْيِيرُ كَائِنٌ أَبَدًا. لَكِنْ المُلاَئِمَ وَغَيْرَ المُلاَئِمِ وَهُوَ المُعَبَّرُ عَنْهُ بِالنَّفْعِ وَالضَّرَرِ.

فَهَذَا عِلْمُ التَّجَلِّي مِنْ أَحَدِ أَقْسَامِ المَعْرِفَةِ، إِنْ لَمْ يَحْصَلْ لِلإِنْسَانِ مَعَ بَقِيَّةِ إِخْوَانِهِ، فَلَيْسَ بِعَارِفٍ وَلاَ حَصَلَ لَهُ مَقَامُ المَعْرِفَةِ.

النَّوْعُ  الثَّالِثُ مِنْ المَعْرِفَةِ

وَهُوَ العِلْمُ بِخِطَابِ الحَقِّ عِبَادِهِ

بِأَلْسِنَةِ الشَّرَائِعِ :

اِعْلَمْ، وَفَّقَكَ اللهُ، أَنَّ مَا عَدَا الثَّقَلَيْنِ مِنْ كُلِّ مَل سِوَى اللهِ، عَلَى مَعْرِفَةٍ بِاللهِ وَوَحْيٍ مِنَ اللهِ، وَعِلْمٍ بِمَنْ تَجَلَّى لَهُ مَفْطُورٌ عَلَى ذَلِكَ، سَعِيدٌ كُلُّهُ.

وَلِهَذَا قَالَ –تَعَالَى-:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَـوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ} [الحج:18] فَعَمَّ. ثُمَّ فَصَّلَ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ:{وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ}[الحج:18] وَهُوَ قَوْلُهُ:{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} يَقُولُ: وَمَا هُمْ قَلِيلٌ، يَعْنِي أَنَّهُمْ كَثِيرٌ، فَهُوَ قَوْلُهُ {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج:18] ، ثُمَّ قَالَ:{وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ} [الحج:18]. 

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنْ وَكَّلَهُ مِنْ حَيْثُ نَفْسُهُ النَّاطِقَةُ المَوْجُودَةُ بَيْنَ الطَّبِيعَةِ وَالنُّورِ، بِمَا جَعَلَ اللهُ فِيهَا مِنَ الفِكْرِ، لِيَكْتَسِبَ بِهِ المَعْرِفَةَ بِاللهِ –تَعَالَى- اِخْتِيَارًا مِنَ اللهِ. وَأَعْطَاهَا العَقْلَ كَمَا أَعْطَى سَائِرَ المَوْجُودَاتِ، وَأَعْطَاهُ صِفَةَ القَبُولِ وَعِشْقَهُ بِالقُوَّةِ المُفَكِّرَةِ لاِسْتِنْبَاطِ العُلُومِ مِنْ ذَاتِهِ، لِتَظْهَرَ فِيهِ قُوَّةٌ إِلَـهِيَّةٌ. فَإِنَّهُ يُحِبُّ الرِّيَاسَةَ وَالظُّهُورَ وَالشُّفُوفَ عَلَى َأبْنَاءِ جِنْسِهِ لاِشْتِرَاكِهِمْ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ لَمَّا أَعْطَاهُمْ القُوَّةَ المُفَكِّرَةَ، نَصَبَ لَهُمْ عَلاَمَاتٍ وَدَلاَئِلَ تَدُلُّ عَلَى الحُدُوثِ لِقِيَامِهَا بِأَعْيَانِهِمْ، وَنَصَّبَ لَهُمْ دَلاَئِلَ وَعَلاَمَاتٍ تَدُلُّ عَلَى القِدَمِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْيِ الأَوَّلِيَّةِ عَنْ وُجُودِهِ.

وَتِلْكَ الدَّلاَئِلُ بِأَعْيَانِهَا هِيَ الَّتِي نَصَّبَهَا لِلدَّلاَلَةِ عَلَى الحُدُوثِ، فَسَلَبَهَا عَنِ الذَّاتِ القَدِيمَةِ المُسَمَّاة « الله »، هُوَ الدَّلِيلُ لَيْسَ غَيْرَ ذَلِكَ.

فَلِلأَدِلَّةِ وَجْهَان، وَهِيَ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ يَدُلُّ ثُبُوتُهَا عَلَى حُدُوثِ العَالَمِ وَسَلْبِهَا عَلَى مَوْجِدِ العَالَمِ. فَلَمَّا نَظَرَ بِهَذَا النَّظَرِ وَقَالَ: عَرِفْتُ اللهَ بِمَا نَصَّبَهُ مِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى مَعْرِفَتِنَا بِنَا وَبِهِ، وَهِيَ الآيَاتُ المَنْصُوبَةُ فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِنَا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ الحَقُّ. وَقَدْ تَبَيَّنَ، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرْنَا عَنْهُ بِالتَّجَلِّي. فَإِنَّ التَّجَلِّي إِنَّمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلرُّؤْيَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:{سَنُرِيهِمْ ءَايَـتِنَا}[فصلت:53] فَذَكَرَ الرُّؤْيَةَ وَالآيَاتِ لِلتَّجَلِّي، فَيَتَبَيَّنَ لَهُمْ َأنَّهُ الحَقُّ، يَعْنِي ذَلِكَ التَّجَلِّي الَّذِي رَأَوْهُ عَلاَمَةً أَنَّهُ عَلاَمَةً عَلَى نَفْسِهِ. فَيَتَبَيَّنُ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ المَطْلُوبُ. وَلِهَذَا تَمَّمَ فَقَالَ فِي الآيَةِ عَيْنِهَا:{أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} [فصلت:53] يَعْنِي أَنْ يَكُونَ دَلِيلاً عَلَى نَفْسِهِ. وَأَوْضَحُ الدَّلاَلاَتِ دَلاَلَةٌ لِشَيْءٍ عَلَى نَفْسِهِ بِظُهُورِهِ. فَلَمَّا حَصَلَتْ لِعُقُولِهِمْ هَذِهِ المَعْرِفَةُ بِالتَّنْزِيهِ عَمَّا نَسَبُوهُ إِلَى ذَوَاتِ العَالَمِ  وَهُوَ دَلِيلُ وَاحِدِ العَيْنِ مُتَرَدِّدٌ فِي الدَّلاَلَةِ بَيْنَ سَلْبٍ لِمَعْرِفَةِ اللهِ وَبَيْنَ إِثْبَاتٍ لِمَعْرِفَةِ العَالَمِ، أَقَامَ الحَقُّ لِهَذَا الجِنْسِ الإِنْسَانِي شَخْصًا ذَكَرَ أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ بِرِسَالَةٍ يُخْبِرُهُمْ بِهَا، فَنَظَرُوا بِالقُوَّةِ المُفَكِّرَةِ فَرَأَوْا أَنَّ الأَمْرَ جَائِزٌ مُمْكِنٌ، فَلَمْ يَقْدِمُوا عَلَى تَكْذِيبِهِ وَلاَ رَأَوْا  عَلاَمَةً تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَوَقَفُوا وَسَأَلُوهُ:

هَلْ جِئْتَ إِلَيْنَا بِعَلاَمَةٍ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّكَ صَادِقٌ فِي رِسَالَتِكَ ؟ فَإِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ. وَمَا رَأَيْنَا لَكَ أَمْرًا تَمَيَّزْتَ بِهِ عَنَّا وَبَابُ الدَّعْوَى مَفْتُوحٌ. وَمِنَ الدَّعْوَى مَا يَصْدُقُ وَمِنْهَا مَا لاَ يَصْدُقُ. فَجَاءَ بِالمُعْجِزَةِ، فَنَظَرُوا فِيهَا نَظَرَ إِنْصَافٍ وَهِيَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ:

–        الوَاحِدُ أَنْ تَكُونَ مَقْدُورَةً لَهُمْ فَيَدَّعِي الصَّرْفَ عَنْهَا مُطْلَقًا، فَلاَ تُظْهِرُ اَلأعْلَى يَدَيْ مَنْ هُوَ رَسُولٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، هَذَا إِذَا كَانَتْ مُعْجِزَةٌ لاَ آيَةٌ فَقَطْ. فَإِنَّ المُعْجِزَاتِ نُصِبَتْ لِلْخَصْمِ الأَلَدِّ الفَاقِدِ نُورَ الإِيمَانِ.

–        وَالأَمْرُ الآخَرُ أَنْ تَكُونَ المُعْجِزَةُ خَارِجَةً عَنْ مَقْدُورِ البَشَرِ بِالحِسِّ وَالهِمَّةِ مَعًا.

فَإِذَا أَتَى بِأَحَدِ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ وَتَحَقَّقَهُ النَّاظِرُ دَلِيلاً، آمَنَ بِرِسَالَتِهِ وَصِدْقِهِ فِي مَقَالَتِهِ وَأَخْبَارِهِ، عَنْ رَبِّهِ إِذَا كَانَتِ الدَّلاَلَةُ عَلَى المَجْمُوعِ بِحَسَبِ مَا وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى. وَلاَ يُمْكِنُ فِي ذَوْقِ طَرِيقِنَا تَصْدِيقُهُ مَعَ الدَّلاَلَةِ إِلاَّ بِتَجَلٍّ إِلَهِيٍّ لِقَلْبِهِ مِنْ اِسْمِهِ « النُّورُ ». فَإِذَا انْصَبَغَ بَاطِنُهُ بِذَلِكَ النُّورِ صَدَّقَهُ، فَذَلِكَ نُورُ الإِيمَانِ. وَغَيْرُهُ لَمْ يَحْصَلْ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ شَيْءٌ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ صَادِقٌ مِنْ حَيْثُ الدَّلاَلَةِ، لاَ مِنْ حَيْثُ النُّورِ المَقْذُوفِ فِي القَلْبِ، فَجَحَدَ مَعَ عِلْمِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ –تَعَالَى-: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النّمل:14] وَدُونَهُمْ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ مَنْ قِيلَ فِيهِ: {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثيّة:23] . فَذَلِكَ نُورُ العِلْمِ بِهِ، لاَ نُورُ اِلإيمَانِ. فَلَمَّا صَدَّقَهُ مَنْ صَدَّقَهُ وَأَظْهَرَ صِدْقَهُ، وَاعْتَمَدَ عَلَى عَقْلِهِ حَيْثُ قَادَهُ إِلَى الحَقِّ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ضَوْءٌ مِنْ نُورِ الإِيمَانِ يَسْتَضِيءُ بِهِ، وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ بِذَلِكَ النُّورِ صَدَّقَهُ، لاَ بِنُورِ عِلْمِهِ الَّذِي هُوَ عِنْدَ مَنْ جَحَدَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِصِدْقِ دَعْوَاهُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَ عَلَى عَقْلِهِ هَذَا المُصَدَّقُ وَجَاءَ آخَرٌ مِنَ المُصَدِّقِينَ بِهِ أَيْضًا، كَشَفَ اللهُ لَهُ عَنْ نُورِ إِيمَانِهِ وَنُورِ عِلْمِهِ، فَكَانَ نُورًا عَلَى نُورٍ.

وَجَاءَ ثَالِثٌ، مَا عِنْدَهُ مِنْ نُورِ العِلْمِ النَّظَرِي شَيْءٌ، وَلاَ يَعْرِفُ مَوْضِعَ الدَّلاَلَةِ مِنْ تِلْكَ الآيَةِ المُعْجِزَةِ، وَقَذَفَ اللهُ فِي قَلْبِهِ نُورَ اِلإيمَانِ، فَآمَنَ وَصَدَّقَ وَلَيْسَ مَعَهُ نُورَ عِلْمٍ نَظَرِيٍّ، وَلَكِنْ فِطْرَةٌ سَلِيمَةٌ، وَعَقْلٌ قَابِلٌ، وَهَيْكَلٌ مُنَوَّرٌ بَعِيدٌ مِنَ اسْتِعْمَالِ الفِكْرِ، فَسَارَعَ فِي القَبُولِ.

فَقَعَدَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ الأَصْنَافُ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الرَّسُولِ الَّذِي صَدَّقُوهُ. فَأَخَذَ الرَّسُولُ يَصِفُ لَهُمْ مُرْسِلَهُ الحَقَّ-تَعَالَى- لِيُعَرِّفَهُمْ بِهِ المَعْرِفَةَ الَّتِي لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ مِمَّا كَانُوا قَدْ أَحَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى الحَقِّ –تَعَالَى- وَسَلَبَهُ عَنْهُ أَهْلُ الأَدِلَّةِ النَّظَرِيَّةِ، وَأَثْبَتُوا تِلْكَ الصِّفَاتِ لِلْمُحْدَثَاتِ دَلاَلَةً عَلَى حُدُوثِهَا. فَلَمَّا سَمِعُوا مَا تُنْكِرُهُ الأَدِلَّةُ العَقْلِيَّةُ النَّظَرِيَّةُ وَتَرَدُّهُ، افْتَرَقُوا عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى فِرَقٍ. فَمِنْهُمْ مَنِ ارْتَدَّ عَلَى عَقِبِهِ وَشَكَ فِي دَلِيلِهِ الَّذِي دَلَّهُ عَلَى صِدْقِهِ، وَأَقَامَ لَهُ فِي ذَلِكَ الدَّلِيلِ شُبُهَاتٍ قَادِحَةً فِيهِ، صَرَفَتْهُ عَنِ اِلإيمَانِ وَالعِلْمِ بِهِ، فَارْتَدَّ عَلَى عَقِبِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ فِي جَمْعِنَا هَذَا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ سِوَى نُورَ الإِيمَانِ وَلاَ يَدْرِي مَا العِلْمُ وَلاَ مَا طَرِيقُهُ ؟ وَهَذَا الرَّسُولُ لاَ نَشُكُّ فِي صِدْقِهِ وَفِي حِكْمَتِهِ. وَمِنَ الحِكْمَةِ مُرَاعَاةُ الأَضْعَفِ. فَخَاطَبَ هَذَا الرَّسُولُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي نَسَبَهَا إِلَى رَبِّهِ أَنَّهُ عَلَيْهَا هَذَا الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ نَظَرَ لَهُ فِي الأَدِلَّةِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ سِوَى نُورَ الإِيمَانِ رَحْمَةً بِهِ لِأَنَّهُ لاَ يَنْبُتْ لَهُ الإِيمَانُ إِلاَّ بِمِثْلِ هَذَا الوَصْفِ. وَلِلْحَقِّ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِمَا شَاءَ عَلَى قَدْرِ عَقْلِ القَابِلِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ. وَاتَّكَلَ هَذَا المَخْبَرُ بِهَذَا الوَصْفِ. وَالمُرَاعِي حَقَّ هَذَا الأَضْعَفِ عَلَى مَا يَعْرِفُهُ مِنْ عِلْمِنَا بِهِ وَتَحَقُّقِهِ مِنْ صِدْقِنَا فِيهِ وَوُقُوفِنَا مَعَ دَلِيلِنَا، فَلاَ يُقْدَحُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِيمَا عِنْدَنَا، إِذْ قَدْ عَرَفْنَا مَقْصُودَ هَذَا الرَّسُولِ بِالأَمْرِ، فَثَبَتُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ أَحَالُوا مَا وَصَفَ الرَّسُولُ بِهِ رَبَّهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَقَرُّوهُ حِكْمَةً وَاسْتِجْلاَبًا لِلأَضْعَفِ.

وَفَرْقَةٌ أُخْرَى مِنَ الحَاضِرِينَ قَالُوا: هَذَا الوَصْفُ يُخَالِفُ الأَدِلَّةَ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِدْقِ هَذَا المَخْبَرِ. وَغَايَتُنَا فِي مَعْرِفَتِنَا بِاللهِ سَلْبُ مَا نَسَبْنَاهُ لِحُدُوثِهَا. فَهَذَا أَعْلَمُ بِاللهِ مِنَّا فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ، فَنُؤْمِنُ بِهَا تَصْدِيقًا لَهُ وَنَكِلُ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَإِلَى اللهِ. فَإِنَّ الإِيمَانَ بِهَذَا اللََّفْظِ مَا يَضُرُّنَا. وَنِسْبَةُ هَذَا الوَصْفِ ِإلَيْهِ –تَعَالَى- مَجْهُولَةٌ عِنْدَنَا، لِأَنَّ ذَاتَهُ مَجْهُولَةٌ مِنْ طَرِيقِ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِ، فَمَا يَعُولُ عَلَيْهِ، وَالجَهْلُ بِاللهِ هُوَ الأَصْلُ.

فَالجَهْلُ بِنِسْبَةِ مَا وَصَفَ الحَقُّ نَفْسَهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَعْظَمُ.

فَلْنَسْلِمْ وَلْنُؤْمِنْ عَلَى عِلْمِهِ بِمَا قَالَهُ عَنْ نَفْسِهِ.

وَفِرْقَةٌ أُخْرَى مِنَ الحَاضِرِينَ قَالُوا: لاَ نَشُكُّ فِي دَلاَلَتِنَا عَلَى صِدْقِ هَذَا المَخْبَرِ وَقَدْ آتَانَا فِي نَعْتِ اللهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا بِأُمُورٍ إِنْ وَقَفْنَا عِنْدَ ظَاهِرِهَا وَحَمَلْنَاهَا عَلَيْهِ –تَعَالَى- كَمَا نَحْمِلُهَا عَلَى نُفُوسِنَا أَدَّى إِلَى حُدُوثِهِ وَزَالَ كَوْنُهُ إِلَـهًا. وَقَدْ ثَبَتَ فَنَنْظُرْ هَلْ لَهَا مَصْرَفٌ فِي اللِّسَانِ الَّذِي جَاءَ بِهِ. فَإِنَّ الرَّسُولَ مَا أُرْسِلَ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ. فَنَظَرُوا أَبْوَابًا مِمَّا يَؤُولُ إِلَيْهَا ذَلِكَ الوَصْفُ مِمَّا يَقْتَضِي التَّنْزِيهَ وَيَنْفِي التَّشْبِيهَ، فَحَمَلُوا تِلْكَ اَلألْفَاظَ عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ: أَيُّ شَيْءٍ دَعَاكُمْ إِلَى ذَلِكَ ؟ قَالُوا: أَمْرَان .

–         القَدْحُ فِي الأَدِلَّةِ، فَإِنَّا بِالأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ أَثْبَتْنَا صِدْقَ دَعْوَاهُ وَلاَ نَقْبَلُ مَا يُقْدَحُ فِي الدَّلاَلَةِ العَقْلِيَّةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْحٌ فِي الدَّلاَلَةِ عَلَى صَدْقِهِ.

–        وَالأَمْرُ الآخَرُ قَدْ قَالَ لَنَا هَذَا الصَّادِقُ: إِنَّ اللهَ الَّذِي َأرْسَلَهُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] وَوَافَقَ الأَدِلَّةَ العَقْلِيَّةَ. فَتَقَوَّى صِدْقُهُ عِنْدَنَا بِمِثْلِ هَذَا. فَإِنْ قُلْنَا مَا قَالَهُ فِي اللهِ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي يُعْطِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَنَحْمِلُهُ عَلَيْهِ كَمَا نَحْمِلُهُ عَلَى المُحْدِثَاتِ، ضَلَلْنَا، فَأَخَذْنَا فِي التَّأْوِيلِ ِإثْبَاتًا لِلطَّرِيقَيْنِ.

وَفِرْقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَضْعَفُ الفِرَقِ لَمْ يَتَعَدَّوْا حَضْرَةَ الخَيَالِ وَمَا عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِتَجْرِيدِ المَعَانِي وَلاَ بِغَوَامِضِ اَلأسْرَارِ وَلاَ عَلِمُوا مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] وَلاَ قَوْلِهِ:{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91] وَهُمْ وَاقِفُونَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ مَعَ الخَيَالِ، وَفِي قُلُوبِهِمْ نُورُ اِلإيمَانِ وَالتَّصْدِيقُ وَعِنْدَهُمْ جَهْلٌ بِاللِّسَانِ. فَحَمِلُوا الأَمْرَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يَرُدُّوا عِلْمَهُ إِلَى اللهِ فِيهِ. فَاعْتَقَدُوا نِسْبَةَ ذَلِكَ النَّعْتِ إِلَى اللهِ مِثْلَ نِسْبَتِهِ إِلَى نُفُوسِهِمْ. وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ طَائِفَةٌ فِي الضُّعْفِ َأكْثَرَ مِنْهَا. فَغِنَّهُمْ عَلَى نِصْفِ الإِيمَانِ حَيْثُ قَبِلُوا نَعْتَ التَّشْبِيهِ، وَلَمْ يَعْقِلُوا نُعُوتَ التَّنْزِيهِ مِنْ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11].

وَالفِرْقَةُ النَّاجِيَّةُ مِنْ هَؤُلاَءِ الفِرَقِ المُصِيبَةِ لِلْحَقِّ هِيَ الَّتِي آمَنَتْ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَلَى مُرَادِ اللهِ وَعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ بـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] . فَهَذِهِ يَا وَلِيُّ أَلْسِنَةُ الشَّرَائِعِ فِي العَالَمِ.

فَجَاءَ بِالصُّورَةِ فِي حَقِّ الحَقِّ، وَالعَيْنِ، وَاليَدِ، وَالرِّجْلِ، وَالسَّمْعِ، وَالبَصَرِ، وَالرِّضَى، وَالغَضَبِ، وَالتَّرَدُّدِ، وَالتَّبْشِيشِ، وَالتَّعَجُّبِ، وَالفَرَحِ، وَالضَّحِكِ، وَالمَلَلِ، وَالمَكْرِ، وَالخِدَاعِ، وَالاِسْتِهْزَاءِ، وَالسُّخْرِيَّةِ، وَالسَّعْيِ، وَالهَرْوَلَةِ، وَالنُّزُولِ، وَالاِسْتِوَاءِ، وَالتَّحْدِيدِ فِي القُرْبِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الأَذَى، وَمَا جَرَى هَذَا المَجْرَى مِمَّا هُوَ نَعْتُ المَخْلُوقِينَ.

ذَلِكَ لِنُؤْمِنَ عَامَّةً وَلِنَعْلَمَ أَنَّ التَّجَلِّي اِلإلَهِيِّ فِي أَعْيَانِ المُمْكِنَاتِ أَعْطَى هَذِهِ النُّعُوتَ، فَلاَ شَاهِدٌ وَلاَ مَشْهُودٌ إِلاَّ اللهُ.

فَاَلْسِنَةُ الشَّرَائِعِ دَلاَئِلُ التَّجَلِّيَّاتِ، وَالتَّجَلِّيَاتُ دَلاَئِلُ الأَسْمَاءِ الإِلَهِيَّةِ.

فَارْتَبَطَتْ أَبْوَابُ المَعْرِفَةِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ. فَكُلُّ لَفْظٍ جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، فَهُوَ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ، لَكِنْ عَالَمَنَا يَعْرِفُ بِأَيِّ لِسَانٍ تَكَلَّمَ الشَّرْعُ ؟ وَلِمَنْ خَاطَبَ ؟ وَبِمَنْ خَاطَبَ ؟ وَبِمَا خَاطَبَ ؟ وَلِمَنْ تَرْجَعُ الأَفعَالُ ؟ وَإِلَى مَنْ تُنْسَبُ الأَقْوَالُ ؟ وَمَنِ المُتَقَلِّبُ فِي الأَحْوَالِ ؟ وَمَنْ قَالَ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاَنِ 31 فَبِأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ 32} [الرحمن:31-32] لِنَقُولَ: وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ آلاَئِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ.

هَذَا أَرَادَ أَنْ يُسْمَعُ مِنَّا، وَقَدْ قُلْنَاهُ وَالحَمْدُ لِلَّهِ.

 

 

النَّوْعُ  الرَّابِعُ مِنْ عُلُومِ المَعْرِفَةِ

وَهُوَ العِلْمُ بِالكَمَالِ وَالنَّقْصِ فِي الوُجُودِ :

 

 

 

النَّوْعُ الخَامِسُ مِنْ عُلُومِ المَعْرِفَةِ

وَهُوَ عِلْمُ الإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ حَقَائِقِهِ :

 

 

 

النَّوْعُ السَّادِِسُ مِنْ عُلُومِ المَعْرِفَةِ

وَهُوَ عِلْمُ الخَيَالِ :

 

 

 

النَّوْعُ السَّابِعُ مِنْ عُلُومِ المَعْرِفَةِ

وَهُوَ عِلْمُ العِلَلِ وَاَلأدْوِيَّةِ :

 

 

 

 إعداد: محمد بن أحمد باغلي