وَذَكَرَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَد بنِ محمّد بن عَصْفُور فِي كِتَابِهِ فِي أَخْبَارِ الشَّيْخِ الوَلِيِّ أَبِي مَدْيَنَ-رَضِيَ اللهُ-تَعَالَى-عَنْهُ- قَالَ
– سُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو مَدْيَنِ فِي النَّوْمِ عَنْ حقِيقَةِ سِرِّهِ
فَقَالَ
سِرِّي مَسْرُورٌ بِأَسْرَارٍ تَسْتَمِدُّ مِنَنَ اِلإبَانِ اِلإلَهِيَّةِ الأَبَدِيَّةِ الأَزَلِيَّةِ الَّتِي لاَ يَنْبِغِي كَشْفُهَا وَلاَ يَجُوزُ بَثُّهَا لِغَيْرِ أَهْلِهَا. إِذِ الإِشَارَةُ وَالعِبَارَةُ تَعْجُزُ عَنْ ذِكْرِهَا. وَأَبَتِ الغَيْرةُ إِلاَّ سِتْرَهَا. هِيَ الجَارُ المُحِيطَةُ بِالوُجُودِ، لاَ يُلْحِقُهَا إِلاَّ مَنْ كَانَ وَطَنُهُ مَفْقُودًا وَهُوَ فِي عَالَمِ الحَقِيقَةِ. سِرُّهُ مَوْجُودٌ، يَتَقَلَّبُ فِي الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَيَنْطِقُ بِالعُلُومِ اللَّدُنِيَّةِ. فَهُوَ بِجِسْمِهِ ظَاهرٌ وَسِرُّ حَقِيقَتِهِ طَائِرٌ
يَطِيرُ فِي عَالَـمِ المَلَكُوتِ * وَيَسْرَحُ فِي حُكْمِ ذِي الجَبَرُوتِ
تَخَلَّقَ الأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ * وَفَنَى عَنْهَا بِشَــهَادَةِ اللَّذَّاتِ
هُنَاكَ قَــرَارِي وَوَطَنِي * وَقُـــــرَّةَ عَيْنِي وَمَسْكَنِي
وَبِهَا دَامَ فَــــرْحِي * وَهُوَ غِذَاءٌ لِسُـــــرُورِي
وَهُوَ المُمِــدُّ لِوُجُودِي * وَمَالِــكِي وَمَـــعْبُودِي
أَظْهَرَ فِي وُجُودِهِ قُـدْرَتَه * وَرَتَّبَ فِي بَدَائِعِ حِكْمَتِهِ مَخْلُوقَاته
فَهُوَ الظَّاهِـــرُ البَاطِن * وَهُو المَلِكُ القَــــــهَّار
فَمَنْ رَقَّتْ هِمَّتُهُ عَنْ مُلاَحَظَةِ نَفْسِه * لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى غَدِهِ وَأَمْسِه
وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ وَقْتِــــه * وَالحَقُّ سُبْحَانَهُ يَجْرِي عَلَيْهِ أَفْعَالَهُ
وَهُوَ رَاضٍ بِهِ مَسْــــرُور * اِذْ لَــمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا
فَمَنْ نَزَّهَ أَقْوَالَــهُ وََأفْعَالَــهُ * فَقَدْ صَفَتْ هِمَّتُهُ وَأَحْوَالُــهُ
فَمَنْ كَانَ نُطْقُهُ فِيهِ يَطُول * وَمَنْ كَانَ هُوَ دَلِيلُهُ فَقَدْ نَألَ الوُصُول
وَمَنْ حَقَّقَ نَظَرَهُ فِيهِ يٍَسْمَعُ وَيَقُول * يَسْمَعُ بِهِ عَنْهُ وَيَسْأَلُهُ بِهِ مِنْه
هُوَ المُظْــهِرُ سُبْحَانَهُ لِلأَكْوَان * وَمُسِرُّ السَّرَائِرِ وَمُظْهِرُ الأَعْلاَن
رَحْـــــمَتُهُ بِخَلْقِهِ عَامَّه * وَنِعْـــمَتُهُ لَهُمْ شَامِلَه تَامَّه
هُمْ فِيهَا يَغْدُونَ وَيرُوحُونَ وَبِأَسْبَاغِهَا عَلَيْهِمْ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً يَتَقَلَّبُون
فَكُلُّ الأَسْمَاءِ تَشْهَدُ لَهُ بِالوِحْدَانِيَّة * وَتُقِرُّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالعُبُودِيَّةِ
وَهُوَ سُبْحَنَهُ يُظْهرُهَا بِكَرَمِهِ وَمَجْدِه*وَِإنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِه
انتهى كلام شيخ المشائخ، سيدي أبو مدين-رضي الله-تعالى-عنه-
المواهب القدسية في المناقب السّنوسيّة
محمّد بن عمر الملاّلي
إعداد: محمد بن أحمد باغلي
Trackbacks / Pingbacks