بَابٌ فِي هَوْلِ المَوْتِ وَشِدَّتِهِ  (ص10) 005

من مخطوط كتاب أبو الليث نصر السمرقندي

باب الموت

باب الموت

حَدَّثَنَا الخَلِيلُ بنِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا بنُ أَمْوَات حَدَّثَنَا حَسَن المَرُوزِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنِ أَبِي عُدَي عَنْ حَسِيد عَن آنَس ابْنِ مَالِك أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ.

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّنَا نَكْرَهُ المَوْتَ. قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِكَرَاهِيَّةٍ وَلَكِنْ إِذَا احْتَضَرَ المُومِنُ جَاءَهُ البَشِيرُ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ. فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبّ إ لَيْهِ مِنْ لِقَاءِ اللهِ تَعَالَى، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ.

قَالَ: وَإِنَّ الفَاجِرَ وَالكَافِرَ إِذَا احْتَضَرَ جَاءَ البَشِيرُ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ، فَكَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

تَحَدَّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ فِيهِمْ الأَعَاجِبُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثْ قَالَ: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى أَتَوْا بِقَرْيَةٍ قَالُوا : لَوْ صَلَّيْنَا ثُمَّ دَعَوْنَا اللهَ حَتَّى يَخْرُجِ إِلَيْنَا بَعْضُ المَوْتَ فَيُخْبِرُنَا عَلَى المَوْتِ. فَصَلُّوا ثُمَّ دَعُوا رَبَّهُمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا بِرَجُلٍ قَدِ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْرِهِ، بِرَأْسِهِ أَسْوَدَ اللَّوْنِ خلاسى. فَقَالَ: يَا هَـؤُلاَءِ، مَا أَرَدْتُمْ مِنَّا فَوَاللهِ لَقَدْ مِتُّ مُنْذٌ تَسْعِينَ سَنَةً أَوْ مِائَةَ سَنَة وَأَنَّ مَرَارَةَ المَوْتِ مَا ذَهَبَتْ عَنِّي إ لَى الآنَ. فَادْعُوا اللهَ أَن يُعِينَنِي كَمَا كُنْتُ. وَكَانَ بَيْنَ عَيْنِهِ أَثَرَ السُّجُودِ.

وَرَوَى الحَسَنُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: شِدَّةُ الموْتِ وَكَرْبِهِ عَلَى المُومِنِ أَشَدُّ مِنْ ثُلاَثِيَّةٍ ضُرِبَتْ بِالسَّيْفِ.

قَالَ المُؤَلِّفُ: مَنْ عَلِمَ أَنَّ المَوْتَ نَازِلٌ بِهِ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ فِي عَسَاكِرِ المَوْتَى، اِسْتَعَدَّ لَهُ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ بَعْضَ شِدَّتِهِ. فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَتَى هُوَ نَازِلٌ بِهِ وَيَتَجَنَّبُ الأَعْمَالَ القَبِيحَةَ مَخَافَةً بِمَحْنَتِهِ وَشَرْب كَأْسِهِ لِأَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ شِدَّةَ المَوْتِ وَمَرَارَتَهُ نَصِيحَةً مُقَرَّرَةً لِأُمَّتِهِ لِكَيْ يَسْتَعِدُّوا لَهُ وَيَصْبِر عَلَى شَدَائِدِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ أَيْسَرُ وَأَخَفُّ مِنْ مُعَالَجَةِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ – جَعَلَنَا اللهُ وَأَيَّاكُمْ مِمَّنْ حَدِرَهُ وَعَمِلَ لَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ الهَاشِمِيّ أَنَّهُ قَالَ:

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

جِئْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِنْ غَرَائِبِ العِلْمِ.

فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ فِي رَأْسِ العِلْمِ ؟

قَالَ: وَمَا رَأْسُ العِلْمِ؟

قَالَ: هُوَ مَعْرِفَةُ الرَّبِّ جَلَّ جَلاَلُهُ

قَالَ: نَعَمْ

قَالَ: فَمَاذَا فَعَلْتَ فِي حَقِّهِ؟

قَالَ: مَا شَاءَ اللهُ

قَالَ: هَلْ عَرِفْتَ المَوْتَ؟

قَالَ: نَعَم

قَالَ: فَمَاذَا أَعْدَدْتَ فِي حَقِّهِ؟

قَالَ: مَا شَاءَ اللهُ.

قَالَ: اِذْهَبْ فَاحْكُمْ مَا هُنَالِكَ ثُمَّ تَعَالَى حَتَّى أُعَلِّمُكَ مِنْ غَرَائِبِ العِلْمِ.

فَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الاِسْتِعْدَادَ لِلْمَوْتِ مِنْ رَأْسِ العِلْمِ وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَشْتَغِلُ المَرْأُ بِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبدِ اللهِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ:

قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَنْ يُرِيدُ اللهُ أَنْ يَهْدِيَّهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ.[6]الأنعام125

فَقِيلَ إِذَا دَخَلَ النُّورُ فِي القَلْبِ اِنْفَسَحَ وَانْشَرَحَ.

قِيلَ : وَهَلْ لِذَلِكَ عَلاَمَةٌ؟

قَالَ: التَّجَافِي عَن دَارِ الغُرُورِ، وَالإِنَابَةِ إِلَى دَارِ الخُلُودِ، وَالاِسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَر بنِ فُرْقَان عَنْ مَيْمُون بنِ مَهْرَان أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ:

 شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ،

  • وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ،

  • وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ،

  • وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ،

  • وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ.

فَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الخَمْسِ عِلْمًا كَثِيرًا لِأَنَّ الرَّجُلَ يَقْدِرُ عَلَى الأَعْمَالِ فِي حَالِ شَبَابِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي حَالِ هَرَمِهِ، وَلِأَنَّ الشَّبَابَ إِذَا تَعَوَّدَ المَعْصِيَّةَ شَقَّ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا فِي حَالِ هَرَمِهِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَ نَفْسَهُ عَلَى أَعْمَالِ الخَيْرِ جُهْدَهُ.

وَقَوْلُهُ قَبْلَ سَقَمِكَ مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّحِيحَ فَاقِدُ الأَجِيرِ فِي مَالِهِ وَنَفسِهِ، فَعَلَيْهِ الجِدُّ فِي مَصْلَحَةِ أَمْرِهِ لِآخِرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَضْعُفَ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِ وَتَقْصُرُ يَدَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حَاشَى ثَلاَثَةٌ فَيَقْصُرُ عَمَلَهُ وَيَطُولُ خَدَمَهُ.

وَقَوْلُهُ قَبْلَ شُغْلِكَ مَعْنَاهُ فَرَاغُهُ لَيْلِهِ وَأَطْرَافِ نَهَارِهِ فَيَقُومُ مِنَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ فِي حَالِ فَرَاغِهِ مَا يَجِدُهُ يُوْمَ شُغْلِهِ وَكَرْبِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ المُؤْمِنِ طَالَ لَيْلُهُ فَقَامَهُ، وَقَصُرَ نَهَارَهُ فَصَامَهُ

وَمَعْنَى غِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ يَعْنِي إِنْ كُنْتَ رَاضِيًا بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللهُ تَعَالَى مِنَ القُوَّةِ فَاغْتَنِمْ ذَالِكَ وَلاَ تَطْمَعْ فِي شَيْءِ مِمَّا فِي أَيْدِ النَّاسِ

وَقَوْلُهُ حَيَاتَكَ قَبْل مَوْتِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَقْدِرُ عَلَى العَمَلِ فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَاتَ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ فَحَظَّ عَلَيْهِ السَّلاَم أُمَّتَهُ عَلَى الجِهَةِ الَّتِي تُؤْدِيهِمْ إِلَى النَّجَاةِ بِالأَعْمَالِ اليَسِيرَةِ فِي الأَيَّامِ الفَانِيَّةِ لِكَيْ يَنَالُوا بَرَكَةَ ذَلِكَ فِي الأَيَّامِ البَاقِيَّةِ.

وَقَالَ الحَكِيمُ بِالفَارِسِيَّةِ كَلاَمًا هَذَا مَعْنَاهُ: ابْنُ آدَمَ لاَ عِبَادَةَ لَكَ بَعْدَ مَوْتِكَ، فَاغْتَنِمْ أَيَّامَ حَيَاتِكَ وَاسْتَعِد لِقُدُومِ مَلِكِ المَوْتِ عَلَيْكَ وَتَذَكَّرهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْكَ يَا مَغْرُورٌ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلِكَ المَوْتِ عِنْدَ رَأْسِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ

فَقَالَ لَهُ: أَرْفِقْ لِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ.

فَقَالَ لَهُ : أَبْشِرْ يَا مُحَمَّد فَإِنِّي بِكُلِّ مَوْتٍ رَفِيقٌ وَإِنِّي لاَ أَقْبِضُ رُوحَ بْنِ آدَمَ فَإِذَا صَرَخَ صَارِخٌ مِنْ أَهْلِهِ قُلْتُ مَا هَذَا الصِّرَاخُ وَاللهِ مَا ظَلَمْنَاهُ وَلاَ سَبَقْنَا أَجَلَهُ وَلاَ اسْتَعْجَلْنَا قَدَرَهُ وَمَا لَنَا فِي قَبْضِهِ مِنْ ذَنْبٍ فَإِنْ تَرْضُوا بِمَا صَنَعَ اللهُ تُؤْجَرُوا وَإِنْ تَجْزَعُوا وَتَسْخَطُوا تُأْثَمُوا وَتُوزَرُوا.

مَا لَكُمْ عِنْدَنَا مِنْ غَيْبَةٍ وَإِنَّا لَنَا عِنْدَكُمْ لَمُنْقَلِبٌ وَعَوْدَةٌ. فَالحَذَرُ الحَذَرُ وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ شَعَرٍ وَلاَ وَبَرٍ وَلاَ صُورٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ إِلاَّ وَأَنَا أَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ حَتَّى إِنِّي أَعْرِفُ بِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مِنْهُمِ بِأَنْفُسِهِمْ وَاللهِ يَا مُحَمَّد لَوْ أَنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرْتُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ اللهُ هُوَ يَأْمُرُنِي بِقَبْضِهَا.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الخُذْرِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نَاسًا يَضْحَكُونَ فَقَالَ: أمَا أَنَّكُمْ لَوْ ذَكَرْتُمْ هَادِمَ اللَّذَّاتِ يَعْنِي المَوْتَ إِنَّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٍ مِنْ حُفَرِ النَّارِ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنِ الخَطَّابِ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِكَعْبِ الأَحْبَارِ: حَدِّثْنَا يَا كَعْبُ عَنِ المَوْتِ

قَالَ: المَوْتُ كَقَصِّ كَثِيرِ الشُّوكِ أُدْخِلَ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمِ، فَأَخَذَتْ كُلُّ شَوْكَةٍ بِعَرْقٍ ثُمَّ أَخَذَهَا رَجُلٌ شَدِيدُ الجَذْبِ فَجَذَبَهَا جَذْبَةً شَدِيدَةً فَقَطَعَ مِنْهَا مَا قَطَعَ وَأَبْقَى مَا أَبْقَى.

وَذُكِرَ عَنْ سُفْيِان الثَّوْرِي أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَذْكُرُ المَوْتَ لاَ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ أَيَّامًا فَإِنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَالَ: لاَ أَدْرِي

قَالَ الحَاكِمُ: ثَلاَثٌ لَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَنْسَاهُنَّ

  • بِنَاءُ الدُّنْيَا وَتَصَرُّفُ أَحْوَالِهَا

  • وَالمَوْتُ
  • وَالآفَاتُ الَّتِي لاَ أَمْنَ لَهُ فِيهَا

وَقاَلَ حَاتِمُ: أَرْبَعَةٌ لاَ يَعْرِفُهَا إِلاَّ أَرْبَعَةٌ

  • لاَ يَعْرِفُ قَدْرَ الشَّبَابِ إِلاَّ الشُّيُوخُ

  • وَلاَ قَدْرَ العَافِيَةِ إِلاَّ أَهْلِ البَلاَءِ
  • وَلاَ قَدْرَ الصِّحَّةِ إِلَّا المَرْضَى
  • وَلاَ قَدْرَ الحَيَاةِ إِلاَّ المَوْتَى

وَهَذَا مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْد الله بن العَاصي أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبِي رَحِمَهُ اللهُ كَثِيرًا مَا يَقُولُ:

إِنِّي لَأَعْجَبُ مِنَ الرَّجُلِ يَنْزِلُ بِهِ الموْتُ وَمَعَهُ عَقْلُهُ وَلِسَانُهُ كَيْفَ لاَ يَصِفُهُ؟

قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ بِهِ المَوْتُ.

فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كُنْتَ تـَقُولُ إِنِّي لَأَعْجَبُ مِنَ الرَّجُلِ –الحديث-

فَقَالَ: يَا بُنِي، المَوْتُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُوصَفْ وَلَكِنْ سَأَصِفُ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا.

وَاللهِ لَكَانَ عَلَى كَتَفِي جِبَالُ رِضْوَان لَكَانَ رُوحِي تَخْرُجُ مِنْ ضَيْقِ إِبْرَا وَلَكَانَ فِي جَوْفِي شِرْكُ الهَرَّاس وَلَكَانَ السَّمَاءُ أَطْبَقَنَا عَلَى الأَرْضِ وَأَنَا بَيْنَهُمَا.

ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيّ إِنَّ حَالِي تَحَوَّلَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:

  • كُنْتُ فِي أَوَّلِ الأَمْرِ أَحْرَصَ النَّاسَ عَلَى قَتْلِ مُحَمَّدٍ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

    • يَا وَيَلْتَاهُ لَوْ مِتُّ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ ؛

  • ثُمَّ هَدَانِي اللهُ إِلَى الإِسْلاَمِ فَكَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَوَلاَّنِي عَلَى السَّرَايَا فَيَا لَيْتَنِي مِتُّ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ لِأَنَالَ دُعَاءَهُ وَصَلاَتَهُ عَلَيَّ.

  • ثُمَّ قَدِ اشْتَغَلْـنَا بَحْرَهُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، فَلاَ أَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ حَالِي عِنْدَ اللهِ، فَلَمْ أَقُمْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى مَاتَ-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-.

وَقَالَ: شَقِيُّو وَأَفِقْنِى النَّاسَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ:

  • قَوْلًا وَحَالِفُونِي فِيهَا فِعْلاً

  • فَقَالُوا إِنَّهُمْ عُبَيْدَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ عَمَلَ الأَحْرَارِ
  • وَقَالُوا إِنَّ اللهَ بَارَزَ أَنَّنَا كَفِيل وَلاَ تَطْمَئِن قُلُوبُهُمْ تُفَارِقُ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا
  • وَقَالُوا لاَ بُدَّ لَنَا مِنَ المَوْتِ وَأَعْمَالُهُمْ أَعْمَالَ مَنْ لاَ يَمُوتُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء وَفِي بَعْضِ الأَخْبَارِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَفِي بَعْضِهَا عَنْ سَلْمَان وَالمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:

ثَلاَثٌ أَعْجَبَتْنِي حَتَّى أَضْحَكَتْنِي، وَثَلاَثٌ أَحْزَنَتْنِي حَتَّى أَبْكَتْنِي.

فَأَمَّا الَّذِي أَضْحَكَتْنِي

  • فَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ وَالمَوْتُ يَطْلُبُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يُطِيلُ أَمَلَهُ وَيَنْسَى أَجَلَهُ.

  • وَرَجُلٌ غَافِلٌ وَلَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ يَعْنِي أَنَّهُ بِغَافِلٍ عَنْ حَالِ المَوْتِ وَالقِيَّامَةِ
  • وَرَجُلٌ ضَاحِكٌ كَأَبِيهِ وَلاَ يَدْرِي أَسَاخِطٌ عَنْهُ رَبَّهُ أَمْ رَاضٍ عَنْهُ.

وَأَمَّا الَّذِي أَبْكَتْنِي

  • فَفِرَاقُ الأَحِبَّةِ بَعْدَ مَوْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ

  • وَالثَّانِي هَوْلُ المَطْلَعِ يَعْنِي نُزُولُ المَوْتِ
  • وَالثَّالِثُ وُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ أَدْرِ إِلَى أَيِّ المَنْزِلَتَيْنِ يَأْمُرُ فِي: هَلْ إِلَى الجَنَّةِ فَأَهْنَى، إِلَى النَّارِ فَأَعْزَى.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

لَوْ عَلِمَـتِ البَهَائِمُ مِنَ المَوْتِ مَا تَعْلَمُونَ، مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا.

قَالَ حَامِدُ القفاف:

مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ أُكْرِمَ بِثَلاَثَةٍ: بِتَعْجِيلِ التَّوْبَةِ وَالقَنَاعَةِ وَنَشَاطٍ فِي العِبَادَةِ،

وَمَنْ نَسِيَهُ عُوقِبَ بِثَلاَثةِ أَشْيَاءٍ: بِتَسْوِيفِ التَّوْبَةِ، وَتـَرْكِ الرِّضَا بِالكَفَافِ، وَالتَّكَاسُلِ فِي العِبَادَةِ.

وَذُكِرَ أَنَّ عِيسَى بن مَرْيَم كَانَ يُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الكَفَرَةِ: إِنَّكَ أَحْيَيْتَ مَنْ كَانَ حَدِيثُ المَوْتِ، وَلَعَلَّهُ لَم ْيَكُنْ مَاتَ ؛ فَأَحْيِي لَنَا مَنْ كَانَ قَدْ مَاتَ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ.

فَقَالَ لَهُمْ: اِخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ.

فَقَالُوا لَهُ: أَحْيِي لَنَا سَام ابن نوح.

فَجَاءَ إِلَى قَبْرِهِ وَصَلَّى رَكْعَتَـَيْنِ وَدَعَى اللهَ تَعَالَى.

فَحَي سام، فَإِذَا رَأْسَهُ وَلَحْيَتَهُ قَدْ ابْيَضَتَا.

فَقَالَ لَهُ عِيسَى: مَا لِي أَرَى الشَّيْبَ وَأَنَّ الشَّيْبَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِكَ؟

فَقَالَ سامُ: سَمِعْتُ النِّدَاء فَضَنَنْتُ أَنَّهَا القِيَامَة، فَشَابَ رَأْسِي وَلَحْيَتِي مِنَ الهَيْبَةِ.

فَقَالَ لَهُ: كَمْ أَنْتَ مَيِّتٌ.

قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعَةِ آلاَفِ سَنَةٍ، فَمَا ذَهَبَتْ عَنِّي سَكَرَاتُ المَوْتِ.

وَيُقَالُ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ مَاتَ إِلاَّ عُرِضَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الدُّنْيَا فَيَكْرَهُهُ لِمَا لَقِيَ مِنْ شِدَّةِ المَوْتِ، إِلاَّ الشُّهَدَاءُ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا شِدَّةَ المَوْتِ، فَيَتَمَنَّوْنَ الرُّجُوعَ لِكَيْ يُقَاتِلُونَ ثَانِيَّةً فَيُقْـَتلُوا.

وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم ابْنُ أَدْهَمْ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ:

لَوْ جَلِسْتَ حَتَّى نَسْمَعْ مِنْكَ شَيْئًا مِنَ العِلْمِ.

قَالَ: إ ِنِّي مُشْتَغِلٌ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ، لَوْ فَرَغْتُ مِنْهَا لَجَلَسْتُ لَكُمْ.

قِيلَ: وَمَا هِيَ؟

  • قَالَ: إِنِّي تَفَكَّرْتُ حِينَ أَخَذَ اللهُ المِيثَاقَ عَلى بَنِي ءَادَمَ فَقَالَ: هَؤُلاَءِ إِلَى الجَنَّةِ وَلاَ أُبَالِي، وَهَؤُلاَءِ إِلَى النَّارِ وَلاَ أُبَالِي.فَلاَ أَدْرِي مِنْ أَيِّ الفَرِقَيْنِ كُنْتُ.

  • وَتَفَكَّرْتُ فَإِنَّ الوَلَدَ إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلِقَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَنَفَخَ الرُّوحَ فِيهِ، يَقُولُ الملَكُ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ: يَا رَبّ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ؟ فَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ خَرَجَ جَوَابُهُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ.
  • وَالثَّالِثُ حِينَ يَنْزِلُ مَلَكُ المَوْتِ يَقْبِضُ رُوحِي فَيَقُولُ المَلَكُ: يَا رَبّ أَمَعَ الإِسْلاَم أَمْ مَعَ الكُفَّار؟ فَلاَ أَدْرِي كَيْفَ يَخْرُجُ جَوَابِي فِي ذَلِكَ الوَقْتِ.
  • وَالرَّابِعُ تَفَكَّرْتُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ
  • فَلَمْ أَدْرِ أَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَكُونُ

جَعَلَنَا الله ُوَأَيَّاكُمْ مِمَّنْ تَنَبَّهَ عَنْ غَفْلَتِهِ، فَاسْتَيْقَظَ لِعَمَلٍ يُبَشِّرُهُ بِحُسْنِ خَاتِمَتِهِ وَأَمْنِ عَافِيَّتِهِ.

فَإِنَّ المُؤْمِنَ لَهُ بِشَارَةٌ لَهُ مِنَ اللهِ تَعَالى عِنْدَ المَوْتِ وَهُوَ ٌقَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْـتَقَامُوا.

يعني ءَامَنُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَثَبِّتُوا عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ اسْتَقَامُوا، أَدُّوا الفَرَائِضَ وَانْتَهُوا عَنِ المَحَارِمَ.

– وَقَالَ يَحْيَى بن مُعَاد الرَّازِي: اِسْتَقَامُوا أَفْعَالًا مِثْلَ اسْتَقَامُوا أَقْوَالًا وَقِيلَ اسْتَقَامُوا عَلَى السُّنَّةِ – تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلاَئِكَةُ – يَعْنِي عِنْدَ مَوْتِهِمْ، مَلاَئِكَةٌ بِالبِشَارَةِ

– أَلاَّ تَخَافُوا – يَعْنِي  لاَ تَخَفْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِنَ الآخِرَةِ – وَلاَ تَحْزَنُوا – عَلَى مَا خَلَّفْتُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا- وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ – يَعْنِي وَعَدَكُمُ اللهُ بِهَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَيُقَالُ: البِشَارَةُ عِنْدَ المَوْتِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ. يُقَال لهم

  • لاَ تَخَافُونَ مِنَ العَذَابِ وَيَشْفَعُ لَكُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ

  • وَلاَ تَحْزَنُوا فَوَاتَ الثَّوَابِ فَإِنَّهُ قَدْ ضَرَعَهَا
  • الثَّالِثُ لِلتَّائِبِينَ يُقَالُ لَهُمْ عَلَى ذُنُوبِكُمْ فَإِنَّهَا مَغْفُورَةٌ وَلاَ تَخَافُونَ فَوَاتَ التَّوَابِ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ
  • وَالرَّابِعُ لِلزُّهَّادِ يُقَالُ لَهُمْ لاَ تَخَافُونَ الحَبْسَ وَالحِسَابَ وَلاَ تَخَافُوا مَخَافَةَ نُقْصَانِ التَّضْعِيفِ وَابْشِرُوا بِالجَنَّةِ بِلاَ حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ
  • وَالخَامِسُ العُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ الخَيْرَ وَعَمَلُوا بِالعِلْمِ لاَ تَخَافُوا أَهْوَالَ يَوْمِ القِيَامَةِ فَإِنَّهُ يَجْزِيكُمْ بِمَا عَمِلْتُمْ وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ أَنْتُمْ وَمَنِ اقْتَدَى بِكُمْ.

فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ ءَاخِرُ أَمْرِهِ البِشَارَةَ.

وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَنْ كَانَ مُحْتَسِبًا فِي عَمَلِهِ قَدْ اسْتَوَى مِنْهُ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ.

فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ البِشَارَةِ فَيَقُولُ عِنْدَ تَنَزُّلِ المَلاَئِكَةِ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَمَا رَأَيْنَا قَط أَحْسَنَ وَجْهًا وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا مِنْكُمْ. فَيَقُولُونَ : نَحْنُ أَوْلِيَاؤكُمُ – يَعْنِي حَفَظَتُكُمْ الَّتِي كُنَّا نَكْتُبُ أَعْمَالَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَنَحْنُ أَوْلِيَاؤكُمْ فِي الآخِرَةِ.

فَمَنْ أَلْهَمَهُ اللهُ رَشَدَهُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَرَزَقَهُ حَلاَوَةَ البِشَارَةِ عِنْدَ مَمَاتِهِ، وَفَّقَهُ لِأَرْبَعَةِ أَشْيَاٍء:

  • دَبَّرَ الدُّنْيَا بِالقَنَاعَةِ وَالتَّسْرِيفِ

  • وَأَخَذَ أَمْرَ الآخِرَةِ بِالحَرْصِ وَالتَّعْجِيلِ
  • وَبَادَرَ أَمْرَ الدِّينِ بِالعِلْمِ واَلاِجْتِهَادِ
  • وَخَالَطَ النَّاسَ بِالنَّصِيحَةِ وَالمُدَارَاتِ

وَيُقَالُ: أَفْضَلُ النَّاسِ كَانَ فِيهِ أَرْبَعُ خِصَالٍ:

  • أَنْ يَكُونَ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ مُقْبِلًا

  • وَيَكُونُ نُفْعُهُ لِلْخَلْقِ ظَاهِرًا
  • وَيَكُونُ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِ ءَامِنِينَ
  • وَيَكُونُ عَمَّا فِي أَيْدِ العَالِمِ ءَايِسًا

وَخَصْلَةٌ خَامِسَةٌ بِهَا تُتَمُّ سَعَادَتُهُ

  • أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِلْمَوْتِ، فَهُوَ كَأْسٌ لاَ بُدَّ مِنْ شُرْبِهِ وَمْوِطِنٌ لاَ مَحِيصَ عَنْ وُرُودِهِ.

قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ

وَقَالَ: ضَلّ لَنْ يَنْفِعَكُمُ الفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ المَوْتِ أَوِ القَتْلِ.

فَمَنْ صَدَّقَ بِنِيَّتِهِ وَحقَّقَ اسْتِعْدَادُهُ بِصَالِحِ العَمَلِ وَظَاهِرِ الوَجَلِ، تَمَنَّى المَوْتَ وَارْتَاحَ لِلِقَاِء رَبِّهِ وَحَصَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَالَ اللهُ فِيهِمْ وَوَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: فَتَمَنَّوا المَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. لِأَنَّ المُؤْمِنَ الصَّادِقُ قَدِ اسْتَعَدَّ لِلْمَوْتِ وَتَمَنَّاهُ اشْتِيَاقًا لِرَبِّهِ وَأَحَبَّ المَرَضَ تَكْفِيرٌ لِلْخَطَايَا. وَقَالَ فِي الكَافِرُونَ وَوَصَفَهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لاَ يَتَمَنَّى المَوْتَ وَيفْرُّ مِنْهُ بِقَبِيحِ عَمَلِهِ وَقِلَّةِ اسْتِعْدَادِهِ وَسُوءِ مَصِيرِهِ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ. فَبَيَّنَ أَنَّ المُؤْمِنَ الصَّادِقُ يَتَمَنَّى المَوْتَ وَيَتَّقِيهِ وَالكافِرَ يَفِرُّ مِنْهُ وَيَذْهَبَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ نَفْسٍ بَرَّةٍ وَلاَ فَاجِرَةٍ إِلاَّ وَالمَوْتُ خَيْرٌ لَهَا، فَإِنْ كَانَ بَرًّا فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى: وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْر لِلأَبْرَارِ، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَقَدْ قَالَ اللهُ نـَعَالَى:إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا.

وَرَوَى آنَسُ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المَوْتُ رَاحَةُ المُومِنِ .

وَقَالَ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ أَيُّ المُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟

قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا.

قِيلَ: فَأَيُّهُمُ أَكْيَسُ؟

قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذَكِرًا وَلَهُ اِسْتِعْدَادًا.

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِبَعْدِ المَوْتِ وَالعَاجِزُ مَنِ اتَّبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الأَمَانِي.