موسى بن نصير

أبُو عبد الرَّحمن موسى بن نصير اللخمي بالولاء

صاحب

فتح الأندلس

ولد10هـ/م631  

توفي ذي الحجة 97هـ/جويلية-أوت 716 م

    أو 99هـ/جويلية أوت 718 م

كان من التّابعين –رضي الله عنهم

ورُوِىَ عن تميم الدّاري –رضي الله عنه

وكان عاقلا كريما شجاعا ورعا تقيا لله تعالى –رضي الله عنه- لم يهزم له جيش قط

وكان والده نصير على حرس معاوية بن أبي سفيان، ومنزلته عنده مكينة. ولما خرج معاوية لقتال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- لم يخرج معه. فقال له معاوية: ما منعك من الخروج معي، ولي عندك يد لم تكافئني عليها ؟ فقال: لم يمكني أن أشكرك بكفر من هو أولى بشكري. فقال: ومن هو ؟

قال: الله عزّ وجلّ. فقال: وكيف لا أم لك .  قال: وكيف لا أعلمك هذا فأغض وأمض. قال: فأطرق معاوية مليا ثم قال:  أستغفر الله ورضى عنه

وكان عبد الله بن مروان أخو عبد الملك بن مروان واليا على مصر وإفريقية. فبعث إليه ابن أخيه الوليد بن عبد الملك أيام خلافته يقول له: أرسل موسى بن نصير إلى إفريقية وذلك في سنة تسع وثمانين للهجرة غرة محرم 89هـ/ 1ديسمبر 707م 

وقال الحافظ أبو عبد الله الحميدي في كتاب جذوة المقتبس أن موسى بن نصير تولى إفريقية والمغرب سنة سبع وسبعين 77هـ/10أفريل696م فأرسله إليها

فلما قدمها ومعه جماعة من الجند بلغه أن بأطراف البلاد جماعة خارجين عن الطاعة. فوجه ولده عبد الله فأتاه بمائة ألف رأس من السبايا . ثم وجه ولده مروان إلى جهة أخرى فأتاه بمائة ألف فارس. قال الليث بن سعد: فبلغ الخمس ستين ألف رأس. وقال أبو شبيب الصدفي: لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير. ووجد أكثر مدن إفريقيا خالية لاختلاف أيدي البربر عليها. فكانت البلاد في قحط شديد. فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات وفرق بينها وبين أولادها فوقع البكاء والصراخ والضجيج، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار ثم صلى وخطب بالناس. ولم يذكر الوليد بن عبد الملك. فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين ؟ فقال: هذا مقام لا يدعى فيه غير الله عز وجل

فسقوا حتى رووا. ثم خرج موسى غازيا وتتبع البربر وقتل منهم قتلا ذريعا وسبى سبيا عظيما وسار حتى انتهى إلى السوس الأدنى لا يدافعه أحد

فلما رأى بقية البربر ما نزل بهم استأمنوا وبذلوا له الطاعة

فقبل منهم وولى عليهم واليا واستعمل على طنجة وأعمالها مولاه طارق بن زياد البربري، ويقال أنه من الصدف

وترك عنده تسعة عشر ألف فارس من البربر بالأسلحة والعدد الكاملة، وكانوا قد أسلموا وحسن إسلامهم

وترك موسى عندهم خلقا يسيرا من العرب لتعليم البربر القرءان وفرائض الإسلام ورجع إلى إفريقيا ولم يبق بالبلاد من ينازعه من البربر ولا من الروم

فلما استقرت له القواعد كتب إلى طارق وهو بطنجة يأمره بغزو بلاد الأندلس في جيش من البربر ليس فيه من العرب إلا قدر يسير

فامتثل طارق أمره وركب البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء من بر الأندلس وصعد إلى جبل يعرف اليوم بجبل طارق لأنه نسب إليه لما حصل عليه

وكان صعوده إليه

يوم الإثنين

لخمس خلون من رجب

سنة اثنتين وتسعين 92 للهجرة (5 رجب 92هـ/28 أفريل 711م)

في اثنى عشر ألف فارس من البربر خلا اثنى عشر رجلا

وذكر عن طارق أنه كان نائما في المركب وقت التعدية وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يمشون على الماء حتى مروا به ، فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد

ذكر ذلك ابن بشكوال المقدم ذكره في حرف الحاء في تاريخ الأندلس

وكان صاحب طليطلة ومعظم بلاد الأندلس ملك يقال له لذريق

ولما اتصل طارق بالجبل المذكور كتب إلى موسى بن نصير

إني فعلت ما أمرتني به وسهّل الله سبحانه وتعالى بالدّخول

فلما وصل كتابه إلى موسى، ندم على تأخّره وعلم أنه  إن فتح نسب الفتح إليه  دونه

فأخذ في جمع العساكر وولى على القيروان ولده عبد الله وتبعه فلم يدركه إلا بعد الفتح

وكان لذريق المذكور قد قصد عدوا له  واستخلف في المملكة شخصا يقال له تدمير. وإلى هذا الشخص  تنسب بلاد تدمير بالأندلس

فلما نزل طارق من الجبل  بالجيش الذي معه كتب تدمير إلى لذريق الملك  أنه قد وقع بأرضنا قوم لا ندري  من السماء هم أم من الأرض

فلما بلغ ذلك لذريق رجع عن مقصده في سبعين ألف فارس ومعه العجل يحمل الأموال والمتاع وهو على سرير بين دابتين عليه قبة مكللة بالدّرّ والياقوت  والزبرجد

فلما بلغ طارق دنوّه قام في أصحابه فحمد الله سبحانه وتعالى واثنى عليه بما هو أهله  ثم حثّ المسلمين على الجهاد ورغّبهم في الشّهادة ثم قال

أيّها النّاس أين المفرّ؟ والبحر من ورائكم  والعدوّ أمامكم. فليس لكم والله إلاّ الصّدق  والصّبر. واعلموا أنّكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام  في مآدب اللئام  وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه  وأسلحته  وأقواته موفورة ؛ وأنتم ك لا وزر لكم غير سيوفكم ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم وإن امتدّت  بكم الأيام  على افتقاركم ولم تنجزوا  لكم أمرا ذهبت ريحكم  وتعوّضت القلوب برعبها منكم  الجراءة عليكم  فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذه الطاغية.  فقد ألقت به إليكم  مدينته المحصنة وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن لكم إن سمحتم  بأنفسكم للموت  وإني لم أحذركم أمرا  أنا عنه بنجوة ولا حملنكم على خطة أرخص مباع فيها النفوس أبدأ فيها بنفسي واعلموا أنكم إن صبرتم  على الأشق قليلا استمتعتم بالأرفه  الألذ طويلا فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي فيما حظكم فيه أوفر من حظي وقد بلغكم ما أنشأت  هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان الرافلات في الدّرّ والمرجان والحلل المنسوجة بالعقيان المقصورات في قصور الملوك  ذوي التيجان وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عربانا ورضيكم لملوك هذه الجزيرة صهارا وأختانا ثقة منه بارتياحكم للطعام واستماحكم لمجالدة الأبطال والفرسان ليكون حظه معكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة. ويكون مغنمها خالصا لكم من دونه ومن دون المسلمين سواكم. والله تعالى ولي أنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين. واعلموا إنّي وّل مجيب إلى ما دعوتكم إليه وإني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إنشاء الله فاحملوا معي فإن هلكت بعد فقد كفيتم أمره ولن يعوزكم بطل عاقل تسندون أمركم إليه وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عليه واكتفوا المهم من فتح هذه الجزيرة بقتله فإنهم بعده يخذلون

فلما فرغ طارق من تحريض أصحابه على الصبر في مقاتلة لذريق وأصحابه وما وعدهم من النيل الجزيل، انبسطت نفوسهم وتحققت آمالهم وهبّت ريح النصر عليهم وقالوا له : قد قطعنا الآمال مما يخالف ما عزمت عليه فاحضر إليه فإنا معك وبين يديك . فركب طارق وركبوا وقصدوا مناخ لذريق وكان قد نزل بمتسع من الأرض

فلما تراءى الجمعان نزل طارق وأصحابه فباتوا ليلتهم في حرس إلى الصبح. فلما أصبح الفريقان تلببوا وعبوا كتائبهم وحمل لذريق على سريره وقد رفع على رأسه رواق ديباج يظله وهو مقبل في غاية البنود والأعلام وبين أيديه المقاتلة بالسلاح

وأقبل طارق وأصحابه عليهم الزرد ومن فوق رؤسهم العمائم البيض وبأيديهم القسي العربية وقد تقلد السيوف واعتقلوا الرماح

فلما نظر إليهم لذريق قال: أما والله إن هذه الصور التي رأينا ببيت الحكمة ببلدنا فداخله منهم رعب

فلما رأى طارق لذريق  قال لأصحابه: هذا طاغية القوم، فحمل وحمل أصحابه معه. فتفرقت المقاتلة من بين يدي لذريق. فخلص إليه طارق وظربه بالسيف على رأسه فقتله على سريره. فلما رأى  أصحابه مصرعه اقتحم الجيشان وكان النصر للمسلمين. ولم تقف هزيمة اليونان على موضع بل كانوا يسلمون بلدا بلدا ومعقلا معقلا. فلما سمع بذلك موسى بن نصير المذكور أوّلا، عبر الجزيرة بمن معه ولحق بمولاه طارق فقال له: لن يجازيك الوليد بن عبد الملك على بلائك بأكثر من أن يبيحك جزيرة الأندلس، فاستبحه هنيأ مريأ. فقال طارق: أيها الأمير، والله لا أرجع عن قصدي هذا ما لم أنته إلى البحر المحيط وأخوض فيه بفرسي يعني البحر الشمال الذي تحت بنات نعش. فلم يزل طارق يفتح وموسى معه إلى أن بلغ جليقية، وهي على ساحل البحر المحيط، ثم رجع.

قال الحميدي في جذوة المقتبس أن موسى بن نصير نقم على  طارق إذ غزا بغير إذنه وسجنه وهم بقتله. ثم ورد عليه كتاب الوليد بإطلاقه. فأطلقه وخرج معه إلى الشام. وكان خروج موسى من الأندلس وافدا على الوليد يخبره بما فتح الله سبحانه على يديه وما معه من الأموال في سنة أربع وتسعين للهجرة (94هـ/7 أكتوبر 712 م )

وكان معه مائدة سليمان بن داود عليهما السلام التي وجدت في طليطلة على ما حكاه بعض المؤرخين فقال:

كانت مصنوعة من الذهب والفضة وكان عليها طوق لؤلؤ وطوق ياقوت وطوق زمرد. وكانت عظيمة بحيث أنّها حملت على بغل قوي فما سار قليلا حتى تفسخت قوائمه. وكان معه تيجان الملوك الذين تقدموا من اليونان وكلها مكللة بالجواهر. واستصحب ثلاثين ألف رأس من الرقيق. ويقال أن الوليد كان قد نقم عليه أمرا. فلما وصل إليه وهو بدمشق أقامه في الشمس يوما كانلا في يوم صائف حتى خر مغشيا عليه.

وقد أطلنا هذه الترجمة كثيرا لكن الكلام انتشر فلم يمكن قطعه مع أني تركت الأكثر وأتيت بالمقصود. ولما وصل موسى إلى الشام ومات الوليد بن عبد الملك وقام من بعده سليمان أخوه وحج في سنة سبع وتسعين للهجرة (97هـ/5 سبتمبر 715 م) وقيل سنة تسع وتسعين (99هـ/14 أوت 717 م) فحج معه موسى بن نصير ومات في الطريق بوادي القرى وقيل بمر الظهران على اختلاف فيه. وكانت ولادته في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة عشرة للهجرة (10هـ/م631)

 – رحمه الله تعالى-

من كتاب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان

ج2 ص 134-138

إعداد: محمد بن أحمد باغلي