باب الإخلاص وذكر الرياء (ص2) 001

من مخطوط كتاب أبي الليث نصر السمرقندي

 

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنِ جَعْفَرِ عَنْ عُمَر مَوْلَى المُطَّلِبِ المَدَنِي عَنْ عَاصِم عَنْ مُحَمَّد بْن سَيِّد أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ: أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ

قَالُوا: وَما الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟

قَالَ: الرِّيَّاء

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى، يَوْمَ يُجَازَى العِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ، إِذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَائُونَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، إِنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ خَيْرًا. وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ لَهُمْ عَمَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الخِدَاعِ، فَيُعَامَلُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وَجْهِ الخِدَاعِ

قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ »إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ »(4)النساء 142، يَعْنِي يُجَازِيهِمْ جَزَاءَ الخِدَاعِ، لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ خَادَعُوا اللهَ، وَإِنَّمَا خَادَعُوا أَنْفُسَهُمْ. فَأَبْطَلَ ذَلِكَ عَمَلَهُمْ وَثَوَاَبهُمْ فِي الآخِرَةِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى. فَلَمَّا كَانَ فِيهِ شِرْكَةٌ لِغَيْرِ اللهِ، بَــرِئَ اللهُ مِنْهُم

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءَ عَنِ الشِّرْكِ

فَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَــرِئٌ

وَمَعْنَى أَغْنَى الشُّرَكَاء عَنِ الشِّرْكِ، يَقُولُ

أَنَا غَنِيٌّ عَنِ العَمَلِ الَّذِي فِيهِ شِرْكَةٌ لِغَيْرِي، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً لِغَيْرِ وَجْهِي فَأَنَا مِنْهُ بَــرِئٌ يَعْنِي مِنْ ذَلِكَ العَمَلِ. وَيُقَالُ أَنَّ المَعْنَى بَـــرِئ مِنَ العَامِلِ

فَدَلَّ هَذَا أَنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ خَالِصٌ لِوَجْهِهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ لَمْ يَقْبَلْهُ وَلاَ يُثِيبُهُ عَليْهِ فِي الآخِرَةِ، وَمَصِيرُهُ إِلَى النَّار. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى « مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ بِهَا مَا نَشَاءُ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا لِمَنْ نُرِيدُ »[18]الإسراء17. يَعْنِي لِمَنْ نُرِيدُ ارْتِبَاكَهُ، وَقِيلَ لِمَنْ نُرِيد يَعْنِي بِإِرَادَتِنَا لاَ بِإِرَادَتِهِ، ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ، يَعْنِي أَوْجَبْنَا لَهُ فِي الآخِرَةِ جَهَنَّمَ يَصْلَــهَا يَعْنِي يَدْخُلُهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا[18]الإسراء18 يَعْنِي يَسْتَوْجِب أَلْزِمَةً، فَيَذُمّ نَفْسَهُ وَيَدُمُّهُ غَيْرُهُ، مَدْحُورًا يَعْنِي مَطْرُودًا مَبْعُودًا مِنْ رَحْمَةِ الله. وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ (الآية)[18]الإسراء19 يَعْنِي عَمَل الآخِرَةِ. فَمَنْ عَملَ العَمَلَ بِالإِيمَانِ فَأُوْلاَئِكَ كَانَ سَعْيُهُ مَشْكُورًا يَعْنِي عَمَلُهُ مَقْبُولاً ثُمَّ قَالَ « كُلاًّ نَمُدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلآَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْضُورًا[18]الإسراء19 يَعْنِي مَا كَانَ رِزْقُ رَبِّكَ فِي الدُّنْيَا مَمْنُوعًا مِنَ المُؤْمِنِ وَالكَافِرِ وَالبَارِّ وَالفَاجِرِ فِي كِلتا الحَالَتَيْنِ يَعْنِي مَا كَانَ لِوَجْهِهِ وَمَا كَانَ لِغَيْرِ وَجْهِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ

حدّثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا إسماعيل عن عمر وعن أبي سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَوْمِهِ إِلاَّ الجُوع وَالعَطَش

وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرِ

يَعْنِي إِذَا كَانَ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى لَمْ يَثُبْهُ عَلَيْهِ

وَهَذَا كَمَا رَوَى بَعْضً الحُكَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: مَثَلُ مَنْ يَعْمَلْ بِالطَّاعَةِ لِلرِّيَّاءِ وَالسُّمْعَةِ كَمَثَلِ رَجُلٍ يَخْرُجُ إِلَى سُوقٍ فَيَمْلَأُ كَيْسَهُ حُصَاةً فَيَقُولُ النَّاسُ مَا أَعْظَمُ مِلْء كَيْسَ فُلاَنِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ مَنْفِعَةَ لَهُ سِوَى مَقَالَة النَّاسِ. فَإِذَا أَرَادَ أنْ يُعْطِي مِنْهُ فِي شَيْءٍ أَوْ يَشْـَرِ مِنْهُ شَيْئًا لَم ْيُعْطِ فِيهِ شَيْءٌ. فَكَذَا الذِي يَعْمَل لِلرِّيَّاءِ وَالسُّمْعَةِ لاَ مَنْفِعَةَ لَهُ فِي عَمَلِهِ إِلاَّ كَلاَم النَّاسِ وَلاَ ثَوَابَ لَهُ فِي الآخِرَةِ. كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ « وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا »[25]الفرقان23 يَعْنِي الغُبَارُ الَّذِي يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ

وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ علَيْكَ، إِنِّي أَتَصَدَّقُ بِالصَّدَقَةِ فَأَلْتـَمِسُ بِهَا وَجْهُ اللهِ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ فِيهِ خَيْر. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ: « فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ يَعْنِي مَنْ خَافَ المَقَامَ بَيْنَ يَدَي اللهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا يَعْنِي خَالِصًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا »[18]الكهف110 أَيْ ثوَابُ رَبِّهِ فَلَهُ ثَوَابُ عَمَلِهِ فِي الآخِرَة

قَالَ حَكِيمٌ مِنَ الحُكَمَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَنْ عَمِلَ سَبْعَةً لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا عَمِل

أَوْلَاهَا: أَنْ يَعْمَلَ بِالخَوْفِ دُونَ الحَذرِ فَيَقُولُ: إِنِّي أَخَافُ عَذَابَ اللهِ وَلَمْ يَحْذَرْ مِنَ الذُّنُوبِ، فَلاَ يَنْهَجُهُ ذَلِكَ القَوْلُ شَيْئًا

وَالثَّانِي: يَعْمَلُ بِالرَّجَاء دُونَ الطَّلَبِ يَعْنِي أَنْ يَرْجَى ثَوابَ اللهِ وَلاَ يَطْلُبُهُ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، لَمْ تَنْفَعُهُ مَقَالَتُهُ شَيْئًا

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَعْمَلَ بِالنِّيَّةِ دُونَ القَصْدِ يَعْنِي أَنْ يَعْمَلَ بِالطَّاعَةِ وَالخَيْرَاتِ، وَلاَ يَقْصِدْ بِهَا وَجْهُ اللهِ تَعَالَى، لَمْ تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ شَيْئًا

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَعْمَلَ بِالدُّعَاءِ دُونَ الجُهْدِ يَعْنِي يَدْعُوا اللهَ تَعَالَى لِيُوَفِّقَهُ لِلْخَيْرِ وَلاَ يَجْتَهِدْ، لَمْ يَنْفَعُهُ دُعَاؤُهُ شَيْئًا. قَالَ: فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الطَّاعَةِ لِيُوَفِّقَهُ اللهُ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: »وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا »[29]العنكبوت69 يَعْنِي الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي طَاعَتِنَا وَدِينِنَا لَنُوَفِّقَهُمْ ذَلِك

وَالخَامِسُ: أَنْ يَعْمَلْ بِالاِسْتِغْفَارِ دُونَ النَّدَمِ يَعْنِي يَقُولُ بِلِسَانِهِ اسْتَغْفِرُ اللهَ وَلاَ يَنْدَمُ، لَمْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ

وَالسَّادِسُ: أَنْ يَعْمَلَ بِالعَلاَنِيَّةِ دُونَ السَّرِيرَةِ يَعْنِي عَلاَنِيَّتَهُ وَلاَ يَصْلُحهَا فِي السَّرِيرَةِ، لَمْ يَنْفَعَهُ عَلاَنِيَّتُهُ شَيْئًا

وَالسَّابِعُ: أَنْ يَعْمَلَ بِالغَرَرِ دُونَ الإِخْلاَصِ يَعْنِي يَجْتَهِدْ فِي الطَّاعَةِ وَلاَ يَكُونُ عَمَلُهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى لَمْ يَنْفَعُهُ عَمَلُهُ بِغَيْرِ إِخْلاَصٍ شَيْئًا وَيَكُونُ مِنْهُ اغْتِرَارًا لِنَفْسِهِ

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:يَخْرُجُ ءَاخِرَ الزَّمَانِ أَقْوَامُ يَخْتَلِسُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ يَعْنِي يَأْخُذُونَهَا وَيَلْبِسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ لَيْسَ عَرْيَانِهِمْ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَقُلُوبُهُمْ كَقُلُوبِ الذِّيَابِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنْ تَفْتَرُونَ عَلَيَّ تَجْتَرُونَ فِي خَلْقَتِي لَأبْعَثَنَّ عَلَى أُوْلَئِكَ فِتْنَةً تَدَعُ الحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانًا

وَرُوِيَ عَنْ رَكِيع عَن سُفيَان عَن حَبِيب عَن أَبِي صَالِح أَنَّهُ

قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، إِنِّي أَعْمَلُ العَمَلَ بِأَسْرِهِ فَيَطْلَعُ عَلَيْهِ الَّتِي فِيهِ أَجْرٌ

فَقَالَ لَهُ: لَكَ فِيهِ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ العَلاَنِيَّةِ، يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَطْلَعُ عَلَيْهِ فَيَقْتَدَى بِهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ، أَجْرُ عَمَلِهِ وَأَجْرُ مَنِ اقْتَدَى بِهِ

كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمَلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ

وَأَمَّا لَوْ كانُوا لِأَجْلِ إطْلاَعِهِمْ عَلَيْهِ لِالاِقتِدَاءِ بِهِمْ بِهِ لَخَشِيَ عَلَيْهِ مِمَّنْ ذَلِكَ إِتْلاَفَ أَجْرِهِ وَذَهَابِهِ يَوْمَ القِيَامَة

وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنِ المُبَارَك عَنْ أَبِي بَكْر بنِ أَبِي مَرْيَم عَن مُرَّة بنِ حَبِيب أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم

إِنَّ المَلاَئِكَةَ لَيَرْفَعُونَ عَمَلَ العَبْدِ مِنْ عِبَادِ اللهِ تَعَالَى فَيَسْتَكْثِرُونَهُ وَيُزَكُّونَهُ حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ سُلْطَانِهِ

فَيُوحِي اللهُ إِلَيْهِمْ أَنَّكُمْ حَفَظَةٌ عَلَى عَمَلِ عَبْدِي وَأَنَا رَقِيبٌ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ أَنَّ عَبْدِي هَذَا لَمْ يَخْلُصْ لِي عَمَلَهُ فَأكْتُبُوهُ فِي سِجِّينٍ

وَيَصْعدُونَ بِعَمَلِ العَبْدِ وَيَسْتَقِلُّونَهُ وَيَسْتَحْقِرُونَهُ حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِ حَيْثُ شَاءَ اللهُ مِنْ سُلْطَانِهِ

فَيُوحِي اللهُ إِلَيْهِمْ أَنَّكُمْ حَفَظَةٌ عَلَى عَمَلِ عَبْدِي وَأَنَا رَقِيبٌ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ أَنَّ عَبْدِي هَذَا أَخْلَصَ فِي عَمَلِهِ، فَاكُتُبُوهُ فِي عِلِّيِّينَ

فَفِي هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ قَلِيلَ العَمَلِ إِذَا كَانَ العَمَلُ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِهِ إِذَا كَانَ لِغَيْرِ وَجْهِ اللهِ لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ لِوَجْهِ اللهِ يُضَاعِفُهُ وَيُزَكِّيهِ

قَالَ اللهُ تَعَالَى »وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفُهَا وَيُوتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا »(4)النساء40

قَالَ وَحَدَّثَنَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِإِسْنَادِهِمْ عَنِ الأَصْبَحِي، حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ دَخَلَ المَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟

فَقَالُوا : أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ. فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلاَ، قُلْتُ:أَنْشَدَكَ اللهُ حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَفَظْتُهُ وَعَلَّمْتُهُ، فَقَالَ أَبُوهُرَيْرَةَ

أَقْعُدْ لِأُحَدِّثَكَ بِحَدِيثٍ حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ

ثُمَّ شَهِقَ أَبُو هُرَيْرَةَ  شَهْقَةً خَرَّ مُغَشِّيًا عَلَيْهِ وَمَكَثَهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ:لَأُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ:حَدَّثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْلَمَهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقْضِي اللهُ تَعَالَى بَيْنَ خَلْقِهٍ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَّةٍ. فَأَوَّلُ رَجُلٍ يُدْعَى، رَجُلٌ تَعَلَّمَ القُرِءَانَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ، ورَجُلٌ كَثِيرُ المَالِ. فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِلْقَارِئِ: مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ ؟

فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ ءَانَاءَ الليْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ

فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: كَذَبْتَ

وَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ، بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يَقُولَ فُلاَنٌ قَارِئٌ، وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ

وَيُقَالُ لِصَاحِبِ المَالِ: مَا عَمِلْتَ فِيمَا عَمِلْتَ ؟

فَيَقُولُ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ بِالمَالِ

فَيَقُولُ اللهُ: كَذَبْتَ

وَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ، بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ أَنَّ فُلاَنَ جَوَّادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ

وَيُوتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَيُقَالُ

فِيمَاذَا قُتِلْتَ ؟

فَيَقُولُ: قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى قُتِلْتُ

فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: كَذَبْتَ

وَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ، بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يَقُولَ فُلاَنٌ حَرْبِيٌّ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ

ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ عَلَى رُكْبَتِي وَقَالَ

يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُوْلَئِكَ الثَّلاَثَةُ، أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ تَسْعَرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَة

قَالَ

فَبَلَغَ ذَلِكَ الخَبَرُ إِلَى مُعَاوِيَّةَ، فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا وَقَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالَ هَذِهِ الآيَةَ « مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يَبْخَسُون »َ[11]هود15  « أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون »َ[11]هود16

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنِ حَبِيب الأَنْطَكِي: يَقُولُ اللهُ تَعَالى لِعَبْدِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِذَا طَلَبَ ثَوَابَ عَمَلِهِ : أَلَمْ نَجْعَلْ لَكَ ثَوَابَ عَمَلِكَ، أَلَمْ نُوَسِّعْ عَلَيْكَ فِي المَجَالِسِ، أَلَمْ تَكُنْ تـَرْئَسُ فِي دُنْيَاكَ، أَلَمْ تُعَدِّد عَلَيْهِ مِثْلَ هَذَا وَشَبَّهَه

وَقِيلَ لِبَعْضِ الحُكمَاءِ مَنِ المُخْلِص ؟

قَالَ: الَّذِي يَكْتُمُ حَسَنَةً كَمَا يَكْتُمُ سَيِّئَة

وَقِيلَ:مَا غَايَةُ الإِخْلاَصِ؟

أَلاَّ تُحِبَّ مَحْمُودَةَ النَّاس

وقِيلَ لِذِي النُّونِ المَصْرِي: مَتَى يَعْلَمِ الرَّجُلُ مِنْ صَفْوَةِ اللهِ تَعَالَى؟

قَالَ: عَلاَمَةُ  ذَلِكَ أَرْبَعٌ

إِذَا خَلَعَ الرَّاحَةَ

وَأَعْطَى المَجْهُودَ يَعْنِي يَعْطِي مِنَ القَلِيلِ الذِي عِنْدَهُ

وَأَحَبَّ سُقُوطَ المَنْزِلَةِ

وَاسْتَوَتْ عِنْدَهُ المَحْمَدَةُ وَالمُذِمَّةُ

وَرُوِيَ عَنْ عدا بن حَاتم الطَّائ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ

يُوتـَى بِأُنَاسٍ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى الجَنَّةِ حَتَّى إِذَا دَنُوا مِنْهَا وَاسْتَشْقُوا رِيحَهَا وَنَظَرُوا إِلَى قُصُورِهَا وَمَا أَعَدَّ اللهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا نُودِيَ أَنْ أَسْرِ بِهِمْ عَنْهَا لاَ نَصِيبَ لَهُمْ فِيهَا فَيَرْجِعُونَ بِحَسْرَةٍ وَنَدَامَةٍ لَمْ يَرْجَعِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ بِمِثْلِهَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا لَوْ أَدْخَلْتَنَا النَّارَ قَبْلَ أَنْ تـَرِينَا الجَنَّةَ وَمَا أَعْدَدْتَ فِيهَا لِأَوْلِيَائِكَ

فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ذَلِكَ أَرَدْتُ بِكُمْ،كُنْتُمْ إِذَا خَلَوْتُمْ بِي بَارَزْتُمُونِي بِالعَظَائِمِ وَالكَبَائِرِ، وَإِذَا لَقَيْتُمُوا النَّاسَ لَقَيْتُمُوهُمْ مُخْبِتِينَ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ خِلاَفَ مَا تُعْطُونِي مِنْ قُلُوبِكُمْ

هَبْتُمُ النَّاسَ وَلَمْ تَهَبُونِي، وَأَجْلَلْتُمُ النَّاسَ وَلَمْ تَجْلُونِي

فَاليَوْمَ أَذِيقُكُمْ عِقَابِي مَعَ حُرِمْتُمْ مِنْ جَزَيلِ ثَوَابِي

وَرُوِي عَن ابنِ العَبَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال

لَمَّا خَلَقَ اللهُ تَعَالَى جَنَّةَ عَدْنٍ خَلَقَ فِيهَا مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ

ثُمَّ قَالَ لَهَا تَكَلَّمِي. فَقَالَتْ

قَدْ أَفْلَحَ المُومِنُونَ ثَلاَثًا

ثُمَّ قَالَتْ

أَنَا حَرَامٌ عَلَى كُلِّ بَخِيلٍ ومُرَائٍ

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ

لِلْمُرَائِي أَرْبَعُ عَلاَمَاتٍ

يَكْسُلُ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ

وَيَنْشًطُ إِذَا كَانَ فِي النَّاسِ

وَيَزِيدُ فِي العَمَلِ إِذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ

وَيَنْقُصُ مِنْهُ إِذَا أُدِمَّ بِهِ

وَرُوِيَ عَنْ شَقِيقِ بْنِ إِبْرَاهِيم الزَّاهِد أَنَّهُ قَالَ

حِصْنُ العَمَلِ ثَلاَثَةُ أَشْيَاءٍ

أَنْ يَرَى اللهَ تَعَالَى لِيُكْسِرَ بِهِ العَجَبَ

وَأَنْ يَبْتَدِئَ بِرِضَاءِ اللهِ تَعَالَى لِتَكْسِرَ بِهِ الهَوَى

وَأَنْ يَبْتَغِي بِهِ ثَوَابَ العَمَلِ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِيَرُدَّ بِهِ الطَّمَعُ وَالرِّيَّاءُ

فَهَذِهِ الأَشْيَاءُ تُخَلِّصُ الأَعْمَالَ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ أَذِنَ لَهُ فَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ فَيَشْغَلُهُ الشُّكْرُ عَلَى ذَلِكَ عَنِ العَجَبِ بِعَمَلِه

وَيَنْظُرُ إِلَى عَمَلِهِ، فَإِنْ رَأَى أَنَّ فِيهِ لِلَّهِ رِضَا تَمَادَى عَلَيْهِ ن وَإِلاَّ أَنْصَرَفَ عَنْ ذَلِكَ وَخَالَفَ هَوَا نَفْسِهِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوء

وَإِذَا ابْتَغَى ثَوَابَ اللهِ تَعَالَى لَمْ يَشْتَغِلْ بِكَلاَمِ أَحَدٍ مِنَ المَخْلُوقِينَ، وَأَخْلَصَ العَمَلَ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى

كَمَا قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاء

يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَأْخُذَ الأَدَبَ فِي عَمَلِهِ، رَاعِي الغَنَم

قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟

قَالَ لِأَنَّ الرَّاعِي إِذَا صَلَّى عِنْدَ غَنَمِهِ، لاَ يَطْلِبْ بِصَلاَتِهِ مَحْمَدَةَ غَنَمِهِ. وَكَذَلِكَ العَامِلُ لاَ يُبَالِي مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ، ويَكُونُ عَمَلُهُ فِي المَلَإِ وَالخَلاَبمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، يَطْلُبُ بِهِ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى، لاَ مَحْمَدَةَ النَّاسِ. فَيَصِحُّ لَهُ الأَدَبُ فِي العَمَلِ

وَقَالَ بَعْضُ الحُكَمَاءِ: يَحْـتَاجُ العَمَلُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ

خَلْقٌ يَسْلَمُ لِعَامِلِهِ

أُوْلَــهَا: أَنْ يَتَعَلَّمَ العِلْمَ قَبْلَ أنْ يَبْتَدِءَ فِي العَمَلِ لِأَنَّ العَمَلَ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِالعِلْمِ، فَإِذَا كَانَ العَمَلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مَا يُفْسِدُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَصْلُحُ

وَالثَّانِي: النِّيَّةُ فِي ابْتِدَائِهِ، لِأَنَّ العَمَلَ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى

يَعْنِي جَمِيعُ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ

وَالثَّالِثُ : الصَّبْرُ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى الطُّمأْنِينَةِ وَألسُّكُونِ

وَالرَّابِعُ: الإِخْلاَصُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ

فَإِذَا كَانَ عَمَلُهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، رَدَّ اللهُ تَعَالَى قُلُوبَ العِبَادِ إِلَيْهِ

وَرُوِيَ عَنْ هريم بن حيان أَنَّهُ قَال

مَا أَقْبَلَ العَبْدُ بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ إِلاَّ أَقْبَلَ اللهُ تَعَالَى بِقُلُوبِ أَهْلِ الإِيمَانِ إِلَيْهِ وَرَزَقَهُ مَوَدَّتَهُمْ وَرَحْمَتَهُمْ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا قَالَ لِجِبْرِيلَ إِنِّي أُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ

ثُمَّ يَقُولُ: يَا جِبْرِيلَ نَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّوهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ

إِذَا أَبْغَضَ اللهُ عَبْدًا، فَبِمِثْل ذَلِكَ

وَرُوِيَ عَنْ  شقيق بن إبراهيم الزّاهد أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ

إِنَّ النَّاسَ يُسَمُّونِي صَالِحًا عَلَى أَنِّي صَالِحٌ

فَقَالَ لَهُ شَقِيق: إِظْهَرْ سِرَّكَ عِنْدَ الصَّالِحِينَ، فَإنْ رَضُوا بِهِ فَاعْلَمْ إِنَّكَ صَالِحٌ. وَإِلاَّ فَلاَ

وَأَعْرِضْ المَوْتَ عَلَى نَفْسِكَ، فَإنْ تَمَنَّيْتَهُ  فَاعْلَمْ أَنَّكَ صَالِحٌ. وَإِلاَّ فَلا

وَأَعْرِضْ الدُّنْيَا عَلَى قَلْبِكَ، فَإِنْ رَدَّهَا فَاعْلَمْ أَنَّكَ صَالِحٌ

فَإذَا اجْتَمَعَتْ فِيكَ هَذِهِ الثَّلاَثَةُ خِصَالِ، فَتَضَرَّعْ إِلَى اللهِ، أَلاَّ يَدْخُلَ الرِّيَّاءُ عَلَيْكَ حَتَّى يُفْسِدَ عَلَيْكَ عَمَلُكَ

وَرَوى ثَابِت البَناني عن أَنَسِ ابن مالك

أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال

أَتَدْرُونَ مَنِ المُومِنِ ؟

قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ

قَالَ:إِنَّهُ لاَ يَمُوتُ حَتَّى يَمْلَاُ اللهُ مَسَامِعَهُ مِمَّا يُحِبُّ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً عَمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ جَوْفَ بَيْتٍ إِلَى سَبْعِينَ بَيْت وَعَلَى كُلِّ بَيْتٍ بَابٍ حَدِيدٌ إِلاَّ لَبِسَهُ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ حَتَّى يُحَدث الناس بذلك وَيَزِيدُون

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَزِيدُونَ ؟

قَالَ: إِنَّ المُؤْمِنَ يُحِبُّ كُلَّ مَنْ زَادَ فِي عَمَلِهِ

ثُمَّ قَالَ:أَتَدْرُونَ مَنِ الفَاجِر ؟

فَقَالَوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ

قَألَ: الَّذِي لاَ يَمُوتُ حَتَّى يَمْلَأُ اللهُ مَسَامِعَهُ مِمَّا يَكْرَهُ. وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا عَمِلَ بِمَعْصِيَّةِ جَوْفِ بَيْتِ إِلَى سَبْعِينَ بَيْتًا وَعَلَى كُلِّ بَيْتٍ بَاب حَدِيدٍ إِلاَّ أَلْبَسَهُ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ حَتَّى يَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِذَلِكَ وَيَزِيدُون

قَالَ: وَكَيْفَ يَزِيدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟

قَالَ: إِنَّ الفَاجِرَ يُحِبُّ مَا يَزِيدُ فِي فُجُورِهِ

وَرُوِيَ عَنْ عَوْن بنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ

كَانَ أَهْلُ الخَيْرِ يَكْتُبُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِثَلاَثِ كَلِمَاتٍ

مَنْ عَمِلَ لآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ

وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللهُ عَلاَنِيَّتَهُ

وَمَنْ أَصْلَحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ أصلح الله فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ

وَقَالَ حَامِد ألبان

إِذَا أَرَادَ اللهُ بِهَلاَكِ امْرِئٍ عَاقَبَهُ بِثَلاَثِ عَلاَمَاتٍ

أَوْلَـــهَا: أَنْ يَرْزُقَهُ اللهُ العِلْمَ، وَيَمْنَعُهُ العَمَلَ

الثَّانِيَّةُ: يَرْزُقُهُ مَحِبَّةَ الصَّالِحِينَ وَيَمْنَعُهُ مَعْرِفَةَ حَقِّهِمْ

الثَّالِثُ: يَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الطَّاعَةِ، وَيَمْنَعُهُ إِخْلاَصَ العَمَلِ

قَالَ الفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ-رَحِمَهُ اللهِ-:إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِخُبْثِ نِيَّتِهِ وَسُوءِ سَرِيرَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّحَ نِيَّتَهُ لَوَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى لِمَنْفَعَتِهِ العِلْمَ وَالإِخْلاَصَ

وَقَدْ حَدَّثْتُ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ عن حبلة اليحصبي أنَّهُ قَالَ: كُنَّا فِي غُزَاتٍ مَعَ عَبْدَ المَلِكْ بْنِ مَرْوَان فَصَحِبْنَا رَجُلاً لاَ يَنَامُ مِنَ الليْلِ إِلاَّ قَلِيلُهُ. فَمَكَثْنَا أَيَّامًا لاَ نَعْرِفُهُ ثُمَّ عَرَفْنَاهُ بَعْد ذَلِكَ. فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَجَارَيْنَا مَعَهُ فِي الحَدِيثِ، فَأَخْبَرَنَا ان قابلا

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فِيمَا النًّجًاةُ غَداً ؟ نا

قَالَ:لاَ تُخَادِعِ اللهَ

قَالَ: أَنْ تَعْمَلَ بِمَا أَمَرَكَ الله فَتُرِيدُ بِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللهِ. وَاتَّقُوا الرِّيَاء فَإِنَّ فِيهِ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ

وَأَنَّ المُرَائِي يُنَادَى يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الخَلاَئِقِ بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءِ: يَا كَافِر يَا خَاسِر يَا مُخَادِع يَا غَادِر، ظَلَّ عَمَلُكَ، وَبَطُلَ أَجْرُكَ، فَلاَ خَلْقَ لَكَ اليَوْمَ. فَالْتَمِسْ أَجْرَكَ مِمَّنْ كُنْـتَ تَعْمَلْ لَهُ يَا مُخَادِع

فَقُلْنَا لَهُ: قُلْ يَا الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَأَنْـتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟

بِاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ أَخْطَأْتُ شَيْئًا لَمْ أَتَعَمَّدُهُ، ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ

اوَهُوَ خَادِعُهُم(4)النساء142

قَالَ المُؤَلِّفُ

مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ رِيَاءٍ فَيَنْسَاهُ حَتَّى لاَ يُعْجَبَ بِهِ لِأَنَّهُ يُقَالُ

حِفْظُ الطَّاعَةِ أَشَدُّ مِنْ عَمَلِهِ.

وَقَالَ أَبُوبَكْرٍ الواسط

لأن مِثْلَهُ كَمِثْلِ الزُّجَاجِ، سَرِيعُ الكَسْرِ، بَطئ الجَبْرِ، فَإِنْ مَسَّهُ الرِّيَّاءُ وَالعَجَبُ كَسَّرَهُ. فَإِذَا أرَادَ الرَّجُل أنْ يَعْمَلَ عَمَلاً خَالِصًا مِنَ الرِّيَاءِ، فَأَبْلَغَ جُهْدَهُ إلاَّ أَنَّ نَفْسَهُ تَابَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الرِّيَاءِ وَلاَ يُطِيقُ عَلَيْهَا فِي إِخْلاَصِ عَمَلِهِ مِنَ الرِّيَاءِ.

فَلْيَعْمَلْ وَلاَ يُشْرِكِ العَمَلَ بِسَبَبِ الرِّيَاءِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللهَ عَمَّا دَخَّلَهُ مِنَ الرِّيَاءِ، فَلَعَلَّ أَنْ يَتَلَقَّاهُ بِالتَّوْفِيقِ، فَيُمِيلُ قَلْبُهُ لِلتَّحْقِيقِ. فَإِنَّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَفِي يَدِهِ وَهَيِّنٌ عَلَيْهِ

وَيُقَالُ: لَوْلاَ المِرَاءُونَ لَخُرِّبَتِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ الدُّنْيَا خُرِّبَتْ مُنْدُ مَاتَ المُرَاءُونَ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ أَعْمَالَ البَرّ كَمِثْلِ الرِّبَاطِ وَالقَنَاطِيرِ وَشِبْهَهُمَا. فَكَان َذَلِكَ مَنْفِعَةٌ لِلنَّاسِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلرِّيَّاءِ غَيْرَ أَنَّهُ رُبَّمَا مَرَّ بِذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ المُسْلِمِينَ مَنْ يَدْعُو لِصَانِعِهَا المُرَائِي بِسَبَبِ نَفَقَتِهِ فِيهَا. فَيَنْفَعُهُ اللهُ بِذَلِكَ الدُّعَاءِ. وَكَانَتِ الدُّنْيَا مَع ذَلِكَ عَامِرَةً، فَلَمَّا مَاتَ أُوْلَئِكَ خُرِّبَتْ وَقِيلَ أَنَّ بَعْضَ المُتَقَدِّمِينَ بَنَا رِبَاطًا. فَكَانَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: لَوَدَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ إِنْ كَانَ اللهُ تَقَبَّلَ ذَلِكَ مِنِّي أَمْ رَدَّهُ عَلَيَّ. فَأَتَاهُ ءَاتٍ فِي مَنَامِهِ وَقَالَ لَهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ عَمَلَكَ لِلَّهِ، فَدُعَاءُ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ لَكَ هُوَ لله تَعَالَى. فَفَسَّرَ لَهُ بِذَلِكَ فِي مَنَامِهِ

وَقَالَ رَجُلٌ يَوْمًا عِنْدَ حُذَيْفَة بن اليَمَانِي

اللَّهُمَّ أَهْلِك المُنَافِقِينَ

فَقَالَ حُذَيْفَة

لَوْ هُلِكُوا مَا أشْحَفْتَهُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ

يَعْنِي إنَّهُمْ يُخْرِجُونَ إِلَى العَدُوِّ فَيُقَاتِلُونَ العَدُوَ

وَرُوِيَ عَنْ سَلْمَان الفَارِسِي أَنَّهُ قَالَ

         يُؤَيِّدُ اللهُ المُومِنِينَ بِقُوَّةِ المُنَافِقِينَ

وَيَنْصُرُ اللهُ المُنَافِقِينَ بِدَعْوَةِ المُومِنِينَ

قَالَ الفَقِيهُ: قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي أَعْمَالِ الفَرَائِضِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لاَ يَدْخُلُهَا رِيَاءٌ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ تَعبد بها خَلْقُهُ

وَقَالَ ءَاخَرُونَ: يَدْخُلُهَا الرِّيَاءُ وَغيْرُهُ مِمَّا يَدْخُلُ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ

وَأَنَا أَقُولُ أَنَّ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ

إِنْ كَانَ يُؤَدِّي الفَرَائِضَ رِيَاءَ النَّاسِ وَلَوْلاَهُمْ لَمْ يَصِلْهَا، فَهَذَا مِنَّا يُوعَظُ. وَهُوَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَالَ اللهُ فِيهِ

إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ

يَعْنِي فِي الهَاوِيَّةِ مَعَ ءالِ فِرْعَوْنَ

أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْحِيدُهُ صَحِيحًا خَالِصًا لَزَجَرَهُ وَمَنَعَهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّي مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ تَامًّا، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي الفَرَائِضَ. إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَ النَّاسِ أَتَمَّهَا وَحملها. فَإن كَانَ وَحْدَهُ أَنقَصَهَا وَلَمْ يُؤَدِّيهَا كَمَا أَبْصَرَهُ النَّاسُ

فَهَذَا لَهُ فِي جَمِيعِهَا ثَوَابُ النَّاقِصَةِ لاَ ثَوَابُ التَّامَّةِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهَا، مُحَاسَبٌ عَلَيْهَا

وَاللهُ أعْلَمُ بِالصَّوَاب

إعداد: محمد بن أحمد باغلي