بسم الله الرحمن الرحيم

الباب التاسع والستون

في معرفة أسرار الصلاة وعمومها

وكم من مصلّ ما له من صلاته … سوى رؤية المحراب والكدّ والعنا

وآخر يحظى بالمناجاة دائما … وإن كان قد صلى الفريضة وابتدى

وكيف وسرّ الحق كان إمامه … وإن كان مأموما فقد بلغ المدى

فتحريمها التكبير إن كنت كابرا … وإلاّ فحل المرء أو حرمه سوّا

وتحليلها التسليم إن كنت تابعا … لرجعته العلياء في ليلة السرى

وما بين هذين المقامين غاية … وأسرار غيب ما تحسّ وما ترى

فمن نام عن وقت الصلاة فإنه … وحيد فريد الدهر قطب قد استوى

وإن حلّ سهو في الصلاة وغفلة … وذكره الرحمن يجبر ما سها

صلاة انفجار الصبح حقاّ ومغرب … لسرّ خفيّ في الصّباح وفي المسا

وحافظ على الشفع الكريم لوتره … تفز بالذي فازا لحضارمة الأولى

وبين صلاة الفذ والجمع سبعة … وعشرون إن كان المصلي على طوى

ولا تنس يوم العيد واشهد صلاته … لدى مطلع الشمس المنيرة والسنا

وبادر لتهجير العروبة رائحا … تحز قصب السباق في حلبة العلى

وإن حلّ خسف النيرين فإنه … حجاب وجود النفس دونك يا فتى

ومن كان يستسقى يحوّل رداءه … تحوّل عن الأحوال علّك ترتضي

فهذي عبادات المراد تخلصت … وإن ليس للإنسان غير الذي سعى

بيان إضافة الصلاة إلى الله، والملائكة والنّاس، وتفسير ذلك.

اعلم أيدك الله بروح القدس إن مسمى الصلاة يضاف إلى ثلاثة وإلى رابع ثلاثة بمعنيين بمعنى شامل وبمعنى غير شامل فتضاف الصلاة إلى الحق بالمعنى الشامل، والمعنى الشامل هو الرحمة فإن الله وصف نفسه بالرحيم ووصف عباده بها فقال {أرحم الراحمين}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما يرحم الله من عباده الرحماء »، قال تعالى{هُوَ الَّذِي يُصَلِّى عَلَيْكُمْ} فوصف نفسه بأنه يصلي أي يرحمكم بأن {يخرجكم من الظلمات إلى النور} يقول من الضلالة إلى الهدى، ومن الشقاوة إلى السعادة.

وتضاف الصلاة إلى الملائكة بمعنى الرحمة والإستغفار والدعاء للمؤمنين قال تعالى {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} فصلاة الملائكة ما ذكرناها قال الله عز وجل في حق الملائكة {ويستغفرون للذين آمنوا يقولون فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} …{وقهم السيئات} اللهم استجب فينا صالح دعاء الملائكة وتضاف الصلاة إلى البشر بمعنى الرحمة والدعاء والأفعال المخصوصة المعلومة شرعا على سنذكره فجمع البشر هذه الثلاث المراتب المسماة صلاة قال تعالى آمرا لنا {وأقيموا الصلاة}.

وتضاف الصلاة إلى كل ما سوى الله من جميع المخلوقات ملك وإنسان وحيوان ونبات ومعدن بحسب ما فرضت عليه وعينت له قال تعالى {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات ومن في الأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه} فأضاف الصلاة إلى الكل والتسبح في لسان العرب الصلاة. قال عبد الله بن عمر وهو من العرب وكان لا يتنفل في السفر فقيل له في ذلك فقال لو كنت مسبحا أتممت وقال تعالى {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده}. وقال خطابا لمحمد، صاحب الكشف حيث يرى ما لا نرى {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب}. فانظر إلى فقه عبد الله بن عمر رضي الله عنه لما تحقق أن الله يريد التخفيف عن عبيده بوضع شطر الصلاة عنهم لم ير أن يتـنفل موافقة لمقصود الحق في ذلك، فهذا تفقه روحانيّ. وأمّا من تـنفل في السفر فرأى أن مقصود الحق إسقاط الفرضية لا إسقاط الصلاة التي يتطوّع الإنسان، فلو أتم المسافر لكان الغرض منها ركعتين والباقي نافلة. فإن الله ما فرض عليه إلا ركعتين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما لم ير هذا المتنفل إلا إسقاط الفرضية عنه لا التطوع بالصلاة، تـنفل في السفر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتـنفل في السفر على الراحلة فعلم القائل بهذا أن الغرض هو الذي قصد إسقاطه عنه واقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم في التنفل في السفر، فإن الله قال لنا {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.

فاعلم أن الصلوات المشروعة فرضا وسننا مؤكدة بين النافلة والفريضة ثمانية، كما أن الأعضاء المكلفة من الإنسان ثمانية ؛ لأن الذات مع نسبها المعبر عنها بالصفات ثمانية. فهذه الثمانية هي : الذات والحياة والعلم والإرادة والكلام والقدرة والسمع والبصر. والإنسان المكلف ذاتُ حيّة عالمة مريدة متكلمة قادرة سميعة بصيرة. وأما الأعضاء المكلفة أعني التي يفعل الإنسان بها ما كلّف أن يفعله أو يتركه فهي ثمانية: الأذن والعين واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب.

وأما الصلوات الثمانية المشروع الفعل بها فرضا وسنة مؤكدة فالصلوات الخمس والوتر من الليل والجمعة والعيدان والكسوف والإستسقاء والإستخارة والصلاة على الجنائز.

وأما الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت في الدعاء. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمنا كيف نصلي عليه أي كيف ندعو له. وقد أمرنا أن ندعو له بالوسيلة والمقام المحمود.

ونحن إن شاء الله نذكر في هذا الباب فصول هذه الصلوات كلها مكملة بشروطها، وما أتتبع ما تحوي عليه من التفاصيل، فإن ذلك يطول، وإنما أقصد إلى ذكر فصول تجري مجرى الأمهات كما علمنا في الطهارة إلى أن نستوفيها إن شاء الله.

والصلاة وقعت في الرتبة الثانية من قواعد الإيمان التي بني الإسلام عليها في الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال « بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج » فعلم الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم راعى الترتيب لما يدخل الواو من الاحتمال، ولهذا لما قال بعض رواة هذا الحديث من الصحابة لما سرده فقال :والحج وصوم رمضان، أنكر عليه وقال له: « وصوم رمضان والحج » فقدمه، وعلمنا أنه أراد الترتيب ونبه على أن لا ننقل عنه صلى الله عليه وسلم إلا عين ما تلفظ به، فإنه من العلماء من يرى نقل الحديث المتلفظ به من النبي صلى الله عليه وسلم على المعنى، فالصلاة ثانية في القواعد مشتقة من المصلى في الخيل وهو الذي يلي السابق في الحلبة، والسابق في القواعد الشهادة، والمصلى هي الصلاة، وجعل الزكاة تلي الصلاة لأن الزكاة التطهير فناسبت الصلاة، فإن الصلاة لا يقبلها الله بغير طهور، والزكاة تطهير الأموال، قال تعالى {قد أفلح من زكاها} يعني النفس التي سواها يريد قد أفلح من طهرها بامتثال أوامر الله.

ومن شرط الصلاة طهارة الثياب والأبدان والبقعة التي توقع الصلاة عليها وفيها كانت ما كانت، وجعل الصوم يلي الزكاة لما شرع الله في صوم رمضان عند انقضائه من زكاة الفطر فلم يبق الحج إلا أن يكون آخر، و قد ذكرنا الشهادة التوحيدية وذكرنا من الصلاة الطهارة التي لا تصح الصلاة إلا بها، فلنذكر الطهارة إن شاء الله بهذا الباب، ولنبدأ بالصلاة المفروضة وما يلزمها ويتبعها من اللوازم والشروط والأركان في أفعالها وأقوالها. ثم بعد ذلك أشرع في ذكر الصلواات التي تطلبها الأحوال، ومن الله نسأل التأييد والعون

فصل في الأوقات

ولا أعني بالكلام هنا في الأوقات أوقات الصلوات فقط وإنما أريد الوقت من حيث ما هو وقت سواء كان لعبادة أو غير عبادة فاذا عرفناك بمعناه واعتباره حينئذ نشرع في ذكر في ذكر الأوقات المشروعة للعبادات فنقول الوقت تنعبارة عن التقدير في الأمر الذي لا يقبل وجود عين ما يقدّر هو الفرض كما تقدّر أو نفرض في الشكل الكري أولا ووسطا أو نهاية وهو في نفسه وعينه لا يقبل الأولية بالفعل ولا الوسط ولا لآخرية فيجعل له من ذلك ما نجعله بحكم الفرض فيه والتقدير فالوقت فرض مقدر في الزمان لما كان الزمان مستديرا كما خلقه الله في ابتدائه فهو كالأكرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الزمان قد استدار كهيئته نيوم خلقه الله فذكر أن الله خلقه نمستديرا والأوقات فيه مقدرة فلما خلق الله الفلك الأطلس ودار لم يتعين اليوم ولا ظهر له عين فإنه مثل ماء الكوز في النهر قبل أن يكون في الكوز فلما فرض فيه لإثني عشر فرضا ووقت معينة وسماها بروجا في ذلك الفلك وهو قوله تعالى نوالسماء لعلوها علينا ذات البروج وهي هذه الفروض الموقتة ووقف شخص يدور عليه هذا الفلك وجعل لهذا الشخص بصر عاين بها تلك الفروض بعلامات جعلت له فيها فتميز عنده بعضها عن بعض بتلك العلامات المجعولة دلالات عليها فجعل عينه في فرض منها أعني في العلامة ثم دار الفلك بتلك العلامة المفروضة التي جعل عينه عليها هذا الناظر وغابت عنه وما برح واقفا في موضعه ذلك حتى انتهت إليه تلك العلامة فعلم عند ذلك أن الفلك قد دار دورة واحدة بالنسبة إلى هذا الناظر لا بالنسبة إلى الفلك فسمينا تلك الدورة يوما ثم بعد ذلك خلق الله في السماء الرابعة من السبع السموات كوكبا نيرا عظيم الجرم سماه باللسان العربي شمسا فطلع له به في نظره ذلك الفلك من خلف حجاب الأرض الذي هذا الناظر عليها فسمى ذلك المطلع مشرقا والطلوع شروقا لكون ذلك الكوكب المنير طلع منه وأضاء به الجو الذي هذا الناظر عن الإستواء زوالا ودلوكا ثم مازال هذا الناظر يتبعه بصره إلى أن غاب جرم ذلك الكوكب فسمى مغيبه غروبا الموضع الذي رأى بصره أنه غاب فيه مغربا وأظلم عليه الجو فسمى مدة استنارة الجو من مشرق ذلك الكوكب إلى مغربه نهار الإتساع النور فيه مأخوذ من النهر الذي هو اتساع الماء في المسيل الذي يجري فيه فما زال الناظر في ظلمة إلى أن طلع الكوكب المسمى درجة فسمى مدة تلك الظلمة التي بقي فيها من وقت غروب الشمس إلى طلوعها ليلا فكان اليوم مجموع الليل والنهار ومعا وسمى المواضع التي يطلع منها هذا الكوكب كل يوم درجا ثم نظر إلى هذا الكوكب النير المسمى شمسا ينتقل في تلك الفروض المقدرة في الفلك المحيط درجة درجة حتى يقطع ذلك بشروق تسمى أياما فكلما أكمل قطع فرض من تلك الفروض شرع في قطع كل فرض آخر إلى أن أكمل الإثني عشر فرضا بالقطع ثم شرع يبتدىء كرة أخرى في قطع تلك الفروض فسمى ابتدأ قطع كل فرض إلى انتهاء قطع ذلك الفرض شهرا وسمى قطع تلك الفروض كلها سنة فتبين لك أن الليل والنهار واليوم والشهير والسنة هي هذه المعبر عنها بالأوقات وتدق إلى مسمى الساعات ودونها وأن ذلك كله لا وجود له في عينه وأنه نسب وإضافات وأن الموجود إنما هو عين الفلك والكوكب لا عين الوقت والزمان وأنها مقدرات فيها أعنى الأوقات وتبين لك أن الزمان عبارة عن الأمر المتوهم الذي فرضت فيه هذه الأوقات فالوقت فرض متوهم في عين موجودة وهو الفلك والكوكب يقطع حركة ذلك الفلك والكوكب بالفرض المفروض فيه في أمره متوهم لا وجود له يسمى الزمان وقد أبنت لك حقيقة لزمان الذي جعله الله ظرفا للكائنات المتحيزات الداخلة تحت هذا الفلك الموقت فيه المفروض في عينه تعيين الأوقات ليقال خلق كذا وظهر كذا في وقت كذا ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه نفصيلا سبحانه لا إله إلا هو الحكيم القدير وبعد أن علمت ما معنى الزمان لك بهذه النسبة أمرا نسبيا لا حقيقة له في عينه وأنت محدود مخلوق فالأزل أبعد وأبعد أن يكون حدّ لوجود الله في قولك وقول من قال أن الله تلكم في لازل وقال في الآزل وقدّر في أزله كذا وكذا ويتوهم بالوهم فيه أنه امتداد كما تتوهم امتداد الزمان في حقك فهذا من حكم الوهم لا من حكم العقل والنظر الصحيح فإن مدلول لفظة لأزل إنما هو عبارة عن نفي لا ولية لله تعالى أي لا أوّل نلوجوده بل هو عين الأول سبحانه لا بأولية تحكم عليه فيكون تحت إحاطتها ومعلولا عنها وفرّق بين ما يعطيه وهمك وعقلك وأكثر من هذا البسط في هذه المسئلة ما يكون فالحق سبحانه يقدّر الأشياء أزلا ولا يقال يوجد أزلا فإنه محال من وجهين فإن كونه موجدا إنما هو بأن يوجد ولا يوجد ما هو موجود وإنما يوجد مالم يكن موصوفا لنفسه بالوجود وهو المعدوم فمحال أن يتصف الموجود الذي كان معدوما بأنه موجود أزلا فإنه موجود عن موجود أوجده والأزل عبارة عن نفي الأولية عن الموصوف به فمن المحال أن يكون العلام أزلي الوجود ووجوده مستفاد من موجده وهو الله تعالى والوجه الآخر من المحال الذي يقال في العلالم أنه موجود أزلا لأن معقول الأزل نفي الأوّلية والحق هو الموصوف به فيستحيل توصف وجود العلامل بالأزل لأنه راجع إلى قولك العلام مستفيد الوجود من الله غير مستفيد الوجود من الله لأن الأولية قد انتفت عنه بكونه أزلا فيستحيل على العالم أن يتصف بهذا لوصف السلبيّ الذي هو الأزل ولا يستحيل الموصوف به وهو الحق أن يقال خلق الخلق أزلا بمعنى قدر فإن التقدير راجع إلى العلم وإنما يستحيل إذا كان خلق بمعنى أوجد فإن الفعل لا يكون نأزلا فقد ثبت لك التقدير في الأزل كما ثبت لك التقدير في الزمان وإن الزمان متوهم لا وجود له وكذلك الأزل وصف سلبيّ لا وجود له فإنه ماهو عين الله وما ثم إلا الله وما هو أمر وجوديّ يكون غير الحق ويكون الحق مظروفا له فيحصره من كونه ظرفا كما يحصرنا الزمان من كونه ظرفا لنا على الوجه الذي ذكرناه فافهم وبعد أن عرّفتك معنى الأوقات فلنرجع ونبين المراد بأوقات العبادات ومن العبادات أوقات الصلواتوده بل هو عين الأول سبحانه لا بأولية تحكم عليه فيكون تحت إحاطتها ومعلولا عنها وفرّق بين ما يعطيه وهمك وعقلك وأكثر من هذا البسط في هذه المسئلة ما يكون فالحق سبحانه يقدّر الأشياء أزلا ولا يقال يوجد أزلا فإنه محال من وجهين فإن كونه موجدا إنما هو بأن يوجد ولا يوجد ما هو موجود وإنما يوجد مالم يكن موصوفا لنفسه بالوجود وهو المعدوم فمحال أن يتصف الموجود الذي كان معدوما بأنه موجود أزلا فإنه موجود عن موجود أوجده والأزل عبارة عن نفي الأولية عن الموصوف به فمن المحال أن يكون العلام أزلي الوجود ووجوده مستفاد من موجده وهو الله تعالى والوجه الآخر من المحال الذي يقال في العلالم أنه موجود أزلا لأن معقول الأزل نفي الأوّلية والحق هو الموصوف به فيستحيل توصف وجود العلامل بالأزل لأنه راجع إلى قولك العلام مستفيد الوجود من الله غير مستفيد الوجود من الله لأن الأولية قد انتفت عنه بكونه أزلا فيستحيل على العالم أن يتصف بهذا لوصف السلبيّ الذي هو الأزل ولا يستحيل الموصوف به وهو الحق أن يقال خلق الخلق أزلا بمعنى قدر فإن التقدير راجع إلى العلم وإنما يستحيل إذا كان خلق بمعنى أوجد فإن الفعل لا يكون نأزلا فقد ثبت لك التقدير في الأزل كما ثبت لك التقدير في الزمان وإن الزمان متوهم لا وجود له وكذلك الأزل وصف سلبيّ لا وجود له فإنه ماهو عين الله وما ثم إلا الله وما هو أمر وجوديّ يكون غير الحق ويكون الحق مظروفا له فيحصره من كونه ظرفا كما يحصرنا الزمان من كونه ظرفا لنا على الوجه الذي ذكرناه فافهم وبعد أن عرّفتك معنى الأوقات فلنرجع ونبين المراد بأوقات العبادات ومن العبادات أوقات الصلوات

فصل في أوقات الصلوات

فنقول: أوقات الصلاة منها معين وغير معين فغير المعين وقت تذكر الناسي واستيقاظ النائءم فإن وقته عندما يتذكران كان ناسيا أو يستيقظ إن كان نائما والوقت المعين على قسمين قسم مخلص وقسم مشترك فالمخلص وسط الوقت الموسع في الصلوات كلها وآخر وقت الصبح وأول وقت الظهر فإنه لا يقع فيما ذكرناه اشتراك لصلاة أخرى كما يقع في أواخر الصلوات الأربع والمشترك هو الوقت الذي بين الصلاتين كالظهر والعصر وغيرهما بالخلاف المذكور المعلوم في ذلك عند علمائنا من علماء الشريعة نذكر ذلك في موضعه إن شاء الله عند كلامنا في أوقات الصلوات كلها صلاة صلاة تعلى التفصيل اعتباره قلنا المصلى هو الثاني من السابق في الحلبة وإن الصلاة ثانية في المرتبة من شهادة التوحيد وقد قال الحق سبحانه قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فجعله في حال الصلاةة ثانيا له في القسمة الإلهية فقال في الصلاة مطلقا وما قيد فرضا من تطوّع وقد قلنا أن الوقت منه معين وهو في الإعتبار الفرض وغير معين وهو في الإعتبار التطوّع فالعارف الذي هو على صلاته دائم وفي مناجاته بين يدي ربه قائم في حركاته وسكناته فما عنده وقت معين ولا غير معين بل هو صاحب الوقت ومن ليس له هذا المشهد فهو بحسب ما يذكره ربه من الحضور معه غير أن العارف الدائم الحضور إذا لم يفرّق بين الأوقات بما يجده من المزيد والفضل بين ما هو مفروض من ذلك الحضور وبين ماتطوّع به من نفسه فهو ناقص المقام كامل الحال لإستصحابه الحضور الدائم فإن الحضور من الأحوال لا الحضور من وجه كذا فإن الحضور من وجه كذا للكمل من الرجال فالأول من أهل الحضور لا فرق عنده بين الوجوه لأنه مستغرق في الحال كاللذة المجهولة عند الإنسان التي لا يعرف سببها والثاني من أهل الحضور وهو الكامل الدائم الحضور بحكم لوجوه كالواجد للذة بما هي لذة فهو ملتذ دائما وبما هي لذة عن طعم علم أو طعم جماع أو طعم شيء ملائم للمزاج يعلم الذائق ذلك ما بينهنّ من التمييز والفرقان فإن أسماء الحق تعالى تختلف على قلوب الأولياء بفنون المعارف مع الآيات والأنفاس فيجد في كل نفس وزمان علما لم يكن عنده بربه من حيث ما يعطيه ذلك النفس والزمان من تجلى ذلك الاسم الخاص به ولما قسمنا الأوقات إلى مخلص ومشترك فاعلم أن الوقت في هذا الطريق هو ما أنت لبه في حالك أيّ شيء كنت به من حسن وسيء ومعرفة وجهل فلا يرتبط وكذلك الأوقات الزمانية بحسب ما يحدث الله فيها في حقق كل شخص فالمخلص من الأوقات كل اسم إذا ورد عليك لم يقع في حكمه اشتراك والمشترك كل اسم له وجهان فصاعدا فالأوّل كالحيّ فإنه مخلص للحياة وكذلك العلام مخلص للعلم والثاني الذي هو المشترك نظير الوقت المشترك كالاسم الحكيم فإن له وجها إلى العالم ووجها إلى المدبر فإن للاسم الحكيم حكمين حكما على مواضع الأمور وحكم وضعها في مواضعها بالفعل فكم من عالم لا يضع الشيء في موضعه وكم واضع للأشياء في مواضعها بحكم الإتفاق لا عن علم فالحكيم ههو العالم بمواضع الأمور ووضعها في أماكنها على بصيرة فمن كان وقته الحكمة كان في الوقت المشترك ومن كان في اسم لا يدل إلا على أمر واحد كالقادر وأمثاله كان في الوقت المخلص فهذه أوقات العارفين في صلواتهم المعنوية على مثال أوقاتهم الظاهرة في صلواتهم البدنية

فصل في وقت صلاة الظهر

قال تعالى إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أي مفروضة في وقت معين سواء كان موسعا أو مضيقا فإنه معين ولابدّ بقوله موقوتا فمن أخرج صلاة مفروضة عن وقتها المعين له كان ما كان من ناس أو متذكر فإنه لا يقضيها أبدا ولا تبرأ ذمّته فإننه ما صلى الصلاة المشروعة إذ كان الوقت من شورط صحة تلك الصلاة فليكثر النوافل بعد التوبة ولا قضاء عليه عندنا لخروج وقتها الذي هو شرط في صحتها ووقت الناسي والنائم وقت تذكره واستيقاظه من نومه وهو مؤدّ ولا بدّ لا يسمى قاضيا على الإعتبار الذي يراه الفقهاء لا على ما تعطيه اللغة فإن القاضي والمؤدي لا فرق بينهما في اللسان فكل مؤد للصلاة فقد قضى ما عليه فو قاض بأدائه ما تعين عليه أداؤه من الله فلنقل أمّا وقت صلاة الظهر فاتفق العلماء بالشريعة أن وقت الظهر الذي لا تجوز قبله هو الزوال واختلفوا منها في موضعين في آخر وقتها الموسع وفي وقتها المرغب فيه فأمّا آخر وقتها الموسع فمن قائل هو أن يكون ظل كل شيء مثله ومن أصحاب هذا القول من يقول أن ذلك المثل الذي هو آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر ومن قائل منهم أنه آخر وقت الظهر خاصة فإن أوّل وقت العصر إنما هو المثلان وإن ما بين المثل والمثلين لا يصلح لصلاة الظهر وأمّا وقتها المرغب فيه فمن قائل أوّل الوقت للمنفرد أفضل ومن قائل أوّل الوقت أفضل للمنفرد والجماعات إلا في شدّة الحر ومن قائل أوّل الوقت أفضل بإطلاق في انفراد وجماعة وحرّ وبرد ولكل قائل استدلال ليس هذا موضعه اعتباره الإستواء هو وقوف العبد المربوب في محل النظر من غير ترجيح فيما يعمل أي بأي نية يقصد العبادة هل يعتبر بذلك أداء ما يلزمه من حيق العبودية وكونه مربوبا أو يعتبر ما يلزمه بذلك من أداء حق سيده وربه فهوفي حال الإستواء من غير ترجيح فإذا زالت الشمس ترجح عند ذلك الزوال عنده أن يعبده لما تستحقه الربوبية على العبودية من الأنعام على هذا العبد من وقت الطلوع إلى وقت الإستواء فيعبده شكرا لهذه النعمة وإن نظر إلى زوالها بعين المفارقة لطلب الغروب عنه وإسدال الحجاب دونه عبده ذلة وفقرا وإنكسارا وطلبا للمشاهدة فلا يزال يرقبها إلى الغروب ومن الغروب يرقب آثارها بصلاة المغرب والتنفل بعدها إلى مغيب الشفق فيغيب أثرها فيبقى في ظلمة الليل سائلا باكيا متضرّعا يراعي نجوم الليل لاستنارتها بنور الشمس ويسأ ل ويتضرع إلى طلوع الفجر فيرى آثار المجيء وقبول دعائه فيعبده شكرا على ذلك وهو يشاهد آثار القبول فيؤدّي فرض الصبح ولا يزال مراقبا بالذكر إلى أن تنجلي طالعة فإذا ابيضت وزال عنها التغير الذي يحول بين البصر وبين بياضها من حجب أبخرة الأرض وهي الأنفاس الطبيعية قام إجلالا على قدم الشكر إلى حد الإستواء فلا يزال في عبادة الفرح والشكر إلى أن تزول فيرجع إلى عبادة الصبر والإفتقار وتوقع المفارقة ما دام حيا فهو بين عبادتين وذلك أنه لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ترون ربكم كما ترون الشمس فاعتبر ذلك في عبادته في صلواته المفروضة والتطوع شكرا وفقرا بين نعمة وبلاء وشدة ورخاء فإن المؤمن من استوى خوفه ورجاؤه فهو يدعو ربه خوفا من حد الزوال إلى الغروب الشفقي وطمعا بقية ليلته إلى طلوع الفجر إلى طلوع الشمس إلى حد الإستواء طمعا أن لا يكون حجاب بعد ذلك هكذا هي عبادات العارفين فافهم فأما آخر الوقت الموسع فهو آخر أحكام الاسم الإلهي المخصوص بذلك الوقت وهو الاسم الظاهر كما أن أول الزوال حكم الاسم الإلهي الأول في الظهور الخاص بالعبادة المشروعة إلى أن يكون ظل كل شيء مثله وهو آخر الوقت كذلك حكم الاسم الإلهي إذا قام به هذا العبد في عبادته الخاصة به في هذا الوقت واستوفاه بحيث أن يكون إذا قابله به كان مثله أي لم يبق في الاسم الإلهي حكم يختص به بهذا الوقت إلا وأثره ظاهر في هذا العبد فقد انقضى حكم هذا الاسم الإلهي في هذا العبد فخرج وقت الظهر ودخل وقت العصر وهو حكم اسم آخر بين الإسمين فرقان متوهم لا ينقسم معقول غير موجود وهو برزخ بينهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت عنه لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت الأخرى يعني في الأربع الصلوات لدليل آخر فإنه إذا خرج وقت الصبح لم يدخل وقت الظهر حتى تزول الشمس بخلاف الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح فاعلم ذلك فإن اليوم أربع وعشرون ساعة وهو أربعة أرباع كل ربع ست ساعات فمن طلوع الشمس إلى الظهر ربع اليوم ست ساعات وليس بمحل لصلاة مفروضة بحكم التعيين وإنما قلنا بحكم التعيين من أجل الناسي والنائم فإن الوقت نما عين إيقاع الصلاة في ذلك الوقت وإنما عينه للناسي تذكره وللنائم تيقظه شرعا فسواء كان في ذلك الوقت أو في غيره فلهذا حررنا القول في ذلك وقلنا بحكم التعيين فإن مذهبي في كل ما أورده أني لا أقصد لفظة بعينها دون غيرها مما يدل على معناها إلا لمعنى ولا أزيد حرفا إلا لمعنى فما في كلامي بالنظر إلى قصدي حشو وإن تخيله الناظر فالغلط عنده في قصدي لا عندي وكان من زوال الشمس إلى طلوعها من اليوم الثاني وقتا مستصحبا لصلوات معينة مفروضة فيها متى وقعت وقعت في وقتها المعين لها كذلك الإنسان مقسم على أربعة أرباع الثلاثة لأرباع منه متعبدة لله بأعمال مخصوصة كالثلاثة الأرباع من اليوم فأرباع الإنسان ظاهره وباطنه الذي هو قلبه ولطيفته التي هي روحه المخاطب منه وطبيعته فظاهره وقلبه وروحه لا ينفك عن عبادة أصلا تتعلق به فأما أن يطيع وإما أن يعصي والربع الواحد طبيعته وهو مثل زمان طلوع الشمس إلى الزوال من اليوم فهو يتصرف بطبعه مباحا له ذلك لا حرج عليه إلا أن شاء أن يلحقها بسائر أرباعه في العبادات فيعمل المباح له عمله من كونه مباحا شرعا ويحضر مع الإيمان به كالمصلي من طلوع الشمس وإضاءتها إلى أول الزوال أعني الإستواء فلا يمنع من ذلك وهو ليس بوقت وجو لشيء من الصلوات الخمس معين فافهم وأما اعتبار الوقت المرغب فيه على ما ذكرناه من الإختلاف واتفق الكل على الأولية أو الأكثر واختلفوا في الأحوال فاعلم أن الأول أفضل الأشياء وأعلاها لأنه لا يكون عن شيء بل تتكون الأشياء عنه فلو كان عن شيء لم تصح له الأولية على الإطلاق فكذلك العبد يسعى في أن يعبد ربه من حيث أولية ربه لا من حيث أولية عينه فإن أولية عينه عن أوليات كثيرة قبله وأعني بذلك الأسباب فهو سبحانه السبب الأول الذي لا سبب لأوليته فإذا عبده العارف في تلك الأولية المنزهة عن أن يتقدمها أولية انسحبت عبادة هذا العارف من هناك على عبادة كل مخلوق خلقه الله من أول المخلوقات إلى حين وجوده وهي الأولية المؤثرة في إيجاد الكائنات فقد عبده في الوقت المرغب فيه سواءء عبده بصفة خاصة من أعضائه المكلفة كصلاة الفذ المنفرد أو عبده بجميع أعضائه كصلاة الجماعة أو في زمان الحرّ أي في شدة خوفه ومجاهدته وحرقة اشتياقه ووجده وولهه وكلفه أو في برد أي في حال علمه وثلج يقينه وبرده على أي حالة كان فالأولية أفضل له فإن الله يقول آمرا سارعوا وسابقوا وأثنى على من هذه حالته فقال أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون فالمبادرة إلى أول الأوقات في العبادات هو الحوط والمطلوب من العباد في حال التكليف ولهذا الإحتراز والإحتياط يحمل الأمر الإلهي إذا ورد معرى عن قرائن الأحوال التي يفهم منها الندب أو الإباحة على الوجوب ويحمل النهي كذلك على الخطر إذا تعرى عن قرينة حال تعطيك الكراهة ولا تتوقف عن حمل الأمر والنهي على ما قلناه إلا بقرينة حال تخرجهما عن حكم الوجوب في الأمر وحكم الخطر في النهي فقد بان لك يا أخي اعتبار الأوقات مطلقا واعتبار الوقت المرغب فيه بعد أن عرفناك بمذاهب علماء الشريعة فيه للجمع بين العبادتين الظاهرة في حسك والباطنة في عقلك فنكون من أهل الجمع والوجود فإنك إذا طلبت الطريق إلى الله من حيث ما شرعه الله كان الحق الذي هو المشرع غايتك وإذا طلبته من حيث ما تعطيه نفسك من الصفاء والإلتحاق بعالمها من التنزه عن الحكم الطبيعي عليها كان غايتها الإلتحاق بعالم الروحاني خاصة ومن هناك تنشأ لها شرايع الأرواح تسلك عليها وبها حتى يكون الحق غايتها هذا إن فسح الله له في الأجل وإن مات فلن يدرك ذلك أبدا وقد أفردنا لهذه الطريقة خلوة مطلقة غير مقيدة في جزء يعمل عليها المؤمن فيزيد إيمانا ويعمل بها وعليها غير المؤمن من كافر ومعطل ومشرك ومنافق فإذا وفي العمل عليها وبها كما شرطناه وقررناه فإنه يحصل له العلم بما هو الأمر عليه في نفسه ويكون ذلك سبب إيمانه بوجود الله إن كان معطلا وبتوحيد الله إن كان مشركا وبحصول إيمانه إن كان كافرا وبإخلاصه إن كان منافقا أو مرتابا فمن دخل تلك الخلوة وعمل بتلك الشرائط كما قررنا أثمرت له ما ذكرنا وما سبقني إليها أحد في علمي إلا أن كان وما وصل إلي فإن الله لا تحجير عليه يؤتي الحكمة من يشاء فإني أعلم أن أحدا من أهل الطريق ما يجهلها إن كان صاحب كشف تام ولكن ما ذكروها ولا رأيت أحدا منهم نبه عليها إلا الخلوات المقيدة ولولا ما سألني فيها أخونا وولينا أبو العباس أحمد بن علي ابن ميمون بن آب التوزري تم المصري المعروف بالقسطلاني المجرور والان بمكة ما خطر لنا الإبانة عنها فربما اتفق لمن تقدمنا مثل هذا فلم نبهوا عليها لعدم السائل قررنا أثمرت له ما ذكرنا وما سبقني إليها أحد في علمي إلا أن كان وما وصل إلي فإن الله لا تحجير عليه يؤتي الحكمة من يشاء فإني أعلم أن أحدا من أهل الطريق ما يجهلها إن كان صاحب كشف تام ولكن ما ذكروها ولا رأيت أحدا منهم نبه عليها إلا الخلوات المقيدة ولولا ما سألني فيها أخونا وولينا أبو العباس أحمد بن علي ابن ميمون بن آب التوزري تم المصري المعروف بالقسطلاني المجرور والان بمكة ما خطر لنا الإبانة عنها فربما اتفق لمن تقدمنا مثل هذا فلم نبهوا عليها لعدم السائل

فصل بل وصل في وقت صلاة العصر

اختلف علماء الشريعة في أول وقتها مع آخر وقت صلاة الظهر وفي آخر وقت صلاة العصر فمن قائل أن أول وقت العصر هو بعينه آخر وقت الظهر وهو إذا صار ظل كل شيء مثله واختلف القائلون بهذا القول فمن قائل أن ذلك الوقت مشترك للصلاتين معا ومقداره أن يصلي فيه أربع ركعات إن كان مقيما أو ركعتين إن كان مقصرا ومن قائل آخر وقت الظهو هو الآن الذي هو أول وقت العصر وهو زمان لا ينقسم جاء الحديث الثابت في إمامة جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الأول وفي الحديث الثابت الآخران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال آخر وقت الظهر مالم يدخل وقت العصر وحديث آخر ثابت لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى فالحديث الأول يعطي الإشتراك في الوقت والحديثان الآخران يعطي الزمان الذي لا ينقسم فيرفع الإشتراك والقول هنا أقوى من الفعل لأن الفعل يعسر الوقوف على تحقيق الوقت به وهو من قول الصاحب على ما أعطاه نظره وقول النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما قال الصاحب وحكم به على فعل صلاة جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم فيكون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم للفعل الذي فسره الراوي والأخذ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرنا الله أن نأخذ به قال الله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه فكان ينبغي في هذه المسئلة وأمثالها أن لا يتصور خلاف ولكن الله جعل هذا الخلاف رحمة لعباده واتساعا فيما كلفهم به من عبادته لكن فقهاء زمانننا حجر وأوضيقوا على الناس المقلدين للعلماء ما وسع الشرع عليهم فقالوا للمقلد إذا كان حنفي المذهب لا تطلب رخصة الشافعي فيما نزل بك وكذلك لكل واحد منهم وهذا من أعظم الرزايا في الدين والحرج والله يقول ما عليكم في الدين من حرج والشرع قد قرر حكم المجتهد له في نفسه ولمن قلده فأبوا فقهاء زماننا ذلك وزعموا أن ذلك يؤدي إلى التلاعب بالدين وهذا غاية الجهل منهم فليس الأمر والله كما زعموا مع إقرارهم على أنفسهم أنها ليسوا بمجتهدين ولا حصلوا في رتبة الإجتهاد ولا نقلوا عن أئمتهم أنهم سلكوا هذا المسلك فاكذبوا أنفسهم أنهم ما عندهم استعداد الإجتهاد ولذي حجروه على المقلدين ما يكون إلا بالإجتهاد نعوذ بالله من العمى والخذلان فما أرسل الله رسوله إلا ترحمة للعالمين وأي رحمة أعظم من تنفيس هذا الكرب المهم والخطب الملم وأما آخر وقت العصر فمن قائل أن آخر وقتها أن يصير ظل كل شيء مثليه ومن قائل أن آخر وقتها مالم تصفر الشمس ومن قائل أن آخر وقتها قبل أن تغرب الشمس بركعة وبه أقول الإعتبار قد تقدم الإعتبار في الوقت المشترك بالإسماء الإلهية في حق المتخلق بها من أهل الله وغير المشترك فليؤخذ في كل الصلوات مطلقا وما بقي من الإعتبار في هذا الفصل إلا الإعتبار في الآن الذي لا يقسم وفي الإصفرار ما اعتبار الآن الفاصل بين الوقتين فهو العنى الفاصل بين الإسمين اللذين لا يفهم من كل واحد منهما اشتراك فطهر حكم كل اسم منهما على الانفراد وهو حد الواقف عندنا فإن الإنسان السالك إذا انتقل من مقام قد احتكمه وحصله تخلقاً وذوقاً وخلقاً إلى مقام آخر يريد تحصيله أيضاً يوقف بين المقامين وقفة يخرج حكم تلك الوقفة عن حكم المقامين عن حكم المقام الذي انتقل عنه وعن حكم المقام الذي يريد الانتقال إليه يعرف في تلك الوقفة بين المقامين وهو كالآن بين الزمانين آداب المقام الذي ينتقل إليه وما ينبغي أن يعامل به الحق فإذا أبين له عنه دخل في حكم المقام الذي انتقل إليه على علم فإن المقامات في هذا الطريق كأنواع الأعمال في الشريعة مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغير ذلك فكما أن لكل نوع من هذه الأعمال علم يخصه كذلك لكل مقام آداب ومعاملة تخصه وقد بين ذلك محمد بن عبد الجبار النفري في كتابه الذي سماه بالمواقف والقول وقفت على أكثره وهو كتاب شريف يحوي على علوم آداب المقامات يقول في ترجمة الموقف اسم الموقف يقول في انتقاله إلى موقف العلم مثلاً وهو من جملة مواقفه في ذلك الكتاب فقال موقف العلم ثم قال أوقفني في موقف العلم وقال لي يا عبدي لا تأتمر للعلم ولا خلقتك لتدل على سواي ثم قال قال لي الليل لي لا للقرآن يتلى الليل لي لا للمحمدة والثناء إلى أن ينتهي إلى جميع ما يوقفه الحق عليه فإذا عرف حينئذ يدخل إلى ذلك المقام وهو يعرف كيف يتأدب مع الحق في ذلك المقام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أدبني فحسن أدبي فهذا هو الآن الذي بين الصلاتين فأهل الأذواق من أهل الله يوقفون فيه فيعطون آداب الصلاة التي ينبغي أن يعامل الله بها في ذلك اليوم الخاص هكذا في صلوات كل يوم مع الله في مقام العلم فهذا هو الآن الذي بين الصلاتين وأمّا اعتبار الاصفرار في أنه الحد الآخر وقت العصر فاعلم أولاً أن الاصفرار تغيير يطرأ في عين الناظر فيحكم به أنه في نور الشمس من أبخرة الأرض الحائلة بين البصر وبين أدراك خالص نور الشمس فاعتباره ما يطرأ في نفس العبد في حكم لاسم الإلهيّ الحق من الخواطر النفسية العرضية في نفس ذلك الحكم فينسبه إلى الحق بوجه غير مخلص وينسبه إلى نفسه بوجه غير مخلص ويقع مثل هذا في الطريق من الأديب ومن غير الأديب فأمّا وقوعه من الأديب فهو الذي يعرف أن الور في نفسه لم يصفرّ ولا تغير وهو أن يعلم أن الحكم للاسم الإلهيّ مخلص لا حكم النفس معه وإنما هو ذلك الحكم ربما تعلق عنده اسم عيب عرفاً أو شرعاً فينزه جناب الحق تعالى عن ذلك الحكم بأن ينسبه إليه ولكن بمشيئة الله ويقول  » وإذا مرضت فهو يشفين  » هذا هو العيب عرفاً فأضيف المرض إلى نفسه إذ كان عيباً عنده وأضاف الشفاء إلى ربه إذ كان حسناً ومع هذا القصد فإن الظاهر في اللفظ إزالة حكم الاسم الإلهيّ الذي أمرضه فلما علم الخليل عليه السلام هذا القدر نادى ذلك الاسم الذي أمرضه بقوله  » رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين  » يقول إنه أخطأ وإن كان قصد الأدب حيث نسب المرض لنفسه وما نسبه إلى حكم الاسم إلهيّ الذي أمرضه وللقد إلا الأدب معه حتى لا يضيف ما هو عيب عندهم عرفاً إلى حكم الاسم الإلهي فيفهم من هذا الاعتراف أن الحكم كان للاسم الإلهي وهو كان مقصود الاسم فجمع هذا العارف بين أدبين في هذه المسئلة بين أدب نسبة المرض إلى نفسه وبين الأدب في التعريف إن ذلك المرض حكم ذلك الاسم الإلهيّ من غير تصريح لكن بالتضمين والإجمال في قوله  » رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين  » ولم يسم الخطيئة ما هي يوم الدين يقول يوم الجزاء وهكذا في قوله  » وما أنسانيه إلا الشيطان  » وهو قول يوشع فتى موسى لموسى عليهما السلام وفي الحقيقة ما أنساه إلا اسم إلهيّ حكم عليه بذلك فأضافه لي الشيطان أدباً مع ذلك الاسم الإلهي الذي أنساه أن يعرّف موسى عليه السلام بحياة الحوت لما أراد الله من تمام ما سبق به العلم الإلهيّ من زيادة الأقدام التي قدر له أن يقطع بها تلك المسافة ويجاوز بها المكان الذي كان فيه خضر فارتدّا على آثارهما قصصاً أي يتبعان الأثر إلى أن عادا إلى المكان فوجداه تنبيهاً من الله وتأديباً لما جاوزه من الحدّ في إضافته العلم إلى نفسه بأنه أعلم من في الأرض في زمانه فلو كان عالماً لعلم دلالة الحق التي هي عين اتخاذ الحوت سرباً وما علم ذلك وقد علمه يوشع ونساه الله التعريف بذلك ليظهر لموسى تجاوزه الحدّ في دعواه ولم يردّ ذلك إلى الله في علمه في خلقه القصة إلى آخرها وفيها ما يتعلق باعتبار الصفرة التي دخلت على نور الشمس في قوله في قتل الغلام فأردنا فجعل الضمير يعود على الاسم الإلهيّ وعليه على الاسم الإلهيّ بما كان في ذلك القتل من الرحمة بالأبوين وبالغلام وعليه بقتل نفس زكية بغير نفس فظاهره جور فشرّك في الضمير بينه وبين الله فدخل في نسبة الفعل إلى الله في الظاهر اصفرار أي تغيير باشتراك اسم الخضر في الضمير معه مع قصد الأدب ثم قال  » وما فعلته عن أمري  » أي الحق علمني الأدب معه فهذا قد أبنت لك اعتبار الآن واصفرار الشمس فأطرده حيث وجدت معنى الآن الفاصل بين الزمانين والصفرة التي دخل على النور الخالص من اسمه النور سبحانه مثل قوله تعالى بأنه  » نور السموات والأرض  » فلما لم يطلق على نفسه اسم النور المطلق الذي لا يقبل الإضافة وقال  » نور السموات والأرض  » ليعلمنا ما أراد بالنور هنا فأثر حكم التعليم والإعلام في النور المطلق الإضافة فقيدته عن إطلاقه بالسموات والأرض فلما أضافه نزل عن درجة النور المطلق في الصفة فقال  » مثل نوره  » أي صفة نوره يعني المضاف إلى السموات والأرض كمشكاة إلى أن ذكر المصباح ومادّته وأين صفة نور السراج وإن كان بهذه المثابة من صفة النور الذي أشرقت به السموات والأرض فعلمنا سبحانه في هذه الآية الأدب في النظر في اسمائه إذا أطلقناها عليه بالإضافة كيف نفعل وإذا أطلقناها عليه بغير الإضافة كيف نفعل مثل قوله  » يهدي الله لنوره من يشاء  » فأضاف النور هنا إلى نفسه لا إلى غيره وجعل النور المضاف إلى السموات والأرض هادياً إلى معرفة نوره المطلق كما جعل المصباح هادياً إلى نوره المقيد بالإضافة وتمم ذلك بقوله كذلك يضرب الله الأمثال ثم نهانا عن مثل هذا فقال  » فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون  » والله اسم جامع لجميع الأسماء الإلهية محيط بمعانيها كلها وضرب الأمثال يخص اسماً واحداً معيناً فإن ضربنا الأمثال لله وهو اسم جامع شامل فما طبقنا المثال على الممثل فإن المثال خاص والممثل به مطلق فوقع الجهل بلا شك فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إلا أن نعين اسماً خاصاً ينطبق المثل عليه فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك الاسم الخاص كما فعل الله في هذه الآية فقال الله وما ضرب المثل للاسم الله وإنما عين سبحانه اسماً آخر وهو قوله  » نور السموات والأرض  » فضرب المثل بالمصباح لذلك الاسم النور المضاف أي هكذا فافعلوا ولا تضربوا الأمثال لله فإني ما ضربتها فافهموا فهمنا الله وإياكم مواقع خطابه وجعلنا ممن تأدّب بما عرفناه من آدابه إنه اللطيف بأحبابه.السموات والأرض فعلمنا سبحانه في هذه الآية الأدب في النظر في اسمائه إذا أطلقناها عليه بالإضافة كيف نفعل وإذا أطلقناها عليه بغير الإضافة كيف نفعل مثل قوله  » يهدي الله لنوره من يشاء  » فأضاف النور هنا إلى نفسه لا إلى غيره وجعل النور المضاف إلى السموات والأرض هادياً إلى معرفة نوره المطلق كما جعل المصباح هادياً إلى نوره المقيد بالإضافة وتمم ذلك بقوله كذلك يضرب الله الأمثال ثم نهانا عن مثل هذا فقال  » فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون  » والله اسم جامع لجميع الأسماء الإلهية محيط بمعانيها كلها وضرب الأمثال يخص اسماً واحداً معيناً فإن ضربنا الأمثال لله وهو اسم جامع شامل فما طبقنا المثال على الممثل فإن المثال خاص والممثل به مطلق فوقع الجهل بلا شك فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إلا أن نعين اسماً خاصاً ينطبق المثل عليه فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك الاسم الخاص كما فعل الله في هذه الآية فقال الله وما ضرب المثل للاسم الله وإنما عين سبحانه اسماً آخر وهو قوله  » نور السموات والأرض  » فضرب المثل بالمصباح لذلك الاسم النور المضاف أي هكذا فافعلوا ولا تضربوا الأمثال لله فإني ما ضربتها فافهموا فهمنا الله وإياكم مواقع خطابه وجعلنا ممن تأدّب بما عرفناه من آدابه إنه اللطيف بأحبابه.

فصل بل وصل في وقت صلاة المغرب الشاهد

اختلف علماؤنا في وقت صلاة المغرب هل لها وقت موسع كسائر الصلوات أم لا فمن قائل إن وقتها واحد غير موسع ومن قائل إن وقتها موسع وهو ما بين غرووب الشمس إلى مغسب الشفق وبه أقول اعتبار الباطن في ذلك اعلم أنه إنما كان الاختلاف لما كانت صلاة المغرب وتراً والوتر أحديّ الأصل فينبغي أن يكون لها وقت واحد من أجل المناسبة في نقوله لذلك ورد في إمامة جبريل عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وسلم إنه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد في أوّل فرض الصلوات لأن الملك أقرب إلى الوترية من البشر والمغرب وتر صلاة النهار كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قبل أن يزيدنا الله وتر صلاة الليل إن الله قد زادكم صلاة إلى صلاتكم وذكر صلاة الوتر فأوتروا يا أهل القرآن فشبهها بالفرائض وأمر بها ولهذا جعلها من جعلها واجبة دون الفرض وفوق السنة وأثم من تركها ونعم ما نظر وتفقه ولما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الله قد شرع وتر صلاة الليل وزاده إلى الصلاة المفروضة وفيها المغرب وهو وتر صلاة النهار وقال إن الله وتر يحب الوتر فقيد المغرب بوترية صلاة النهار وقيد الوتر بوترية صلاة الليل وقال إن الله وتر يحب الوتر يعني يحب الوتر لنفسه فشرع لنا وترين ليكون شفعاً لأن الوترية في حق المخلوق محال قال تعالى  » ومن كل شيء خلقنا زوجين  » حتى لا تنبغي الأحدية إلا لله ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد شرع وتر صلاة الليل ليشفع به وتر صلاة النهار لينفرد سبحانه بحقيقة الوترية التي لا تقبل الشفعية فإنه ما ثم في نفس الأمر إله آخر يشفع وترية الحق تعالى كما شفعت وترية صلاة الليل وترية صلاة النهار فكان مما قال فيه ومن كل شيء خلقنا زوجين فحق وترين فكان كل واحد منهما يشفع وترية صاحبه ولهذا لم يلحقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة النافلة بل قال زادكم صلاة إلى صلاتكم يعني الفرائض ثم أمر بها أمّته فلما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إمامة جبريل عليه السلام به صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة صلى بالناس يومين صلى في اليوم الأول في أول الأوقات وصلى في اليوم الثاني في آخر الأوقات الصلوات الخمس كلها وفيها المغرب ثم قال للسائل الوقت ما بين هذين فجعل للمغرب وقتين كسائر الصلوات وألحقها بالصلاة الشفعية وإن كانت وتراً ولكنها وتر مفيد شفعية وتر صلاة الليل فوسع وقتها كسائر الصلوات وهو الذي ينبغي أن يعوّل عليه فإنه متأخر عن إمامة جبريل فوجب الأخذ به فإن الصحابة كانت تأخذ بالأحدث فالأحدث من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان صلى الله عليه وسلم كان يثابر على الصلاة في أول الأوقات فلا يدل ذلك على أن الصلاة ما لها وقتان وما بينهما فقد أبان عن ذلك وصرّح به وما عليه صلى الله عليه وسلم إلا البلاغ والبيان وقد فعل صلى الله عليه وسلم فهذا اعتبار وتعليل يهدي إلى الحق وإلى سواء السبيل.

فصل بل وصل في وقت صلاة العشاء الآخرة

اختلفت علماء الشريعة في وقتها في موضعين في أول وقتها وآخر وقتها فمن قائل إن أول وقتها مغيب حمرة الشففق وبه أقول ومن قائل إن أول وقتها مغيب البياض الذي يكون بعد الحمرة والشفق شفقان وهو سبب الخلاف فالشفق الأول صادق البياض الذي بعده هو الشفق الثاني تقع فيه الشبهة فإنه قد يشبه أن يكون شبه الفجر الكاذب الذي هو ذنب السرحان وهو المستطيل وجعله الشارع من الليل ولا يجوز بظهوره صلاة الصبح ولا يمنع مريد الصوم من الأكل ويشبه أن يكون شبيه الفجر المستطير الذي يصلى بظهوره صلاة الصبح ولا يجوز للصائم أن يأكل بظهوره إلا أن الأظهر عندي أنه شبيه الفجر المستطير الذي يصلى بظهوره الصبح وذلك لاتصاله بالحمرة إلى طلوع الشمس لا ينقطع بظلمة كما ينقطع الفجر الكاذب كذلك البياض الذي في أول الليل متصل بالحمرة فإذا غابت الحمرة بقي البياض فلو كانت بين البياض والحمرة ظلمة قليلة كما يكون بين الفجر المستطيل وحمرة أسفار الصبح كنا نلحقها بالفجر الكاذب ونلغي حكمها فكان والله أعلم أن الذي يراعي مغيب البياض في أول وقت العشاء أوجه ولكن إذا ثبت أن الشارع صلى في البياض بعد مغيب الشفق الأحمر فنقف عنده فللشارع أن يعتبر البياض والحمرة التي تكون في أول الليل بخلاف ما نعتبرها في آخر الليل وإن كان ذلك عن آثار الشمس في غروبها وطلوعها وأمّا قوله تعالى  » والصبح إذا تنفس  » فالأوجه عندي في تفسيره أنه الفجر المستطيل لانقطاعه كما ينقطع نفس المتنفس ثم بعد ذلك تتصل أنفاسه وأمّا آخر وقتها فمن قائل إنه ثلث الليل ومن قائل إنه إلى نصف الليل ومن قائل إنه إلى طلوع الفجر وبه أقول ولقد رأيت قولاً ولا أدري من قاله ولا أين رأيته إن آخر وقت صلاة العشاء ما لم تنم ولو سهرت إلى طلوع الفجر الاعتبار في الباطن في ذلك الاعتبار في أول وقت هذه الصلاة وآخره اعلم أن العالم قد قسمه الحق على ثلاث مراتب وقسم الحق أوقات الصلوات على ثلاث مراتب فجعل عالم الشهادة وهو عالم الحس والظهور هو بمنزلة صلاة النهار فأناجي الحق بما يعطيه عالم الشهادة والحس من الدلالة عليه وما ينظر إليه من الأسماء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده يعني في الصلاة فناب العبد هنا مناب الحق وهذا من الاسم الظاهر فكان الحق ظهر بصورة هذا القائل سمع الله لمن حمده وكذلك قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في حق الأعرابيّ فأجره حتى يسمع كلام الله وهو ما سمع إلا الأصوات والحروف من فم النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال الله إن ذلك كلامي وأضافه إلى نفسه فكان الحق ظهر في عالم الشهادة بصورة التالي لكلامه فافهم وجعل عالم الغيب وهو عالم العقل وهو بمنزلة صلاة العشاء وصلاة الليل من مغيب الشفق إلى طلوع الفجر فيناجي المصلى ربه في تلك الصلاة بما يعطيه عالم الغيب والعقل والفكر من الأدلة والبراهين عليه سبحانه وتعالى وهو خصوص دلالة لخصوص معرفة يعرفها أهل الليل وهي صلاة المحبين أهل الأسرار وغوامض العلوم المكتنفين بالحجب فيعطيهم من العلوم ما يليق بهذا الوقت وفي هذا العالم وهو وقت معارج الأنبياء والرسل والأرواح البشرية لرؤية الآيات الإلهية المثالية والتقريب الروحانيّ وهو وقت نزول الحق من مقام الاستواء إلى السماء الأقرب إلينا للمستغفرين والتائبين والسائلين والداعين فهو وقت شريف ومن صلى هذه الصلاة في جماعة فكأنما قام نصف ليله وفي هذا الحديث رائحة لمن يقول إن آخر وقتها إلى نصف الليل وجعل سبحانه عالم التخيل والبرزخ الذي هو تنزل المعاني في الصور الحسية فليست من عالم الغيب لما لبسته من الصور الحسية وليست من عالم الشهادة لأنها معاني مجرّدة وإن ظهورها بتلك الصور أمر عارض عرض للمدرك لها لا للمعنى في نفسه كالعلم في صورة للبن والدين في صورة القيد والإيمان في صورة العروة وهو من أوقات الصلوات وقت المغرب ووقت صلاة الصبح فإنهما وقتان ما هما من الليل ولا من النهار فهما برزخان بينهما من الطرفين لكون زمان الليل والنهار دورياً ولهذا قال تعالى يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل من كوّر العمامة فيخفي كل واحد منهما بظهور الآخر كما قال يغشى الليل النهار أي يغطيه وكذلك النهار يغشى الليل فيناجي المصلي ربه في هذا الوقت بما يعطيه عالم البرزخ من الدلالات على الله في التجليات وتنوّعاتها والتحوّل في الصور كما ورد في الأخبار الصحاح غير أن برزخية صلاة المغرب هو خروج العبد من عالم الشهادة إلى عالم الغيب فيمرّ بهذا البرزخ الوتري فيقف منه على أسرار قبول عالم الغيب لعالم الشهادة وهو بمنزلة الحس الذي يعطي للخيال صورة فيأخذها الخيال بقوّة الفكر فيلحقها بالمعقولات لأن الخيال قد لطف صورتها التي كانت لها في الحس من الكثافة فتروحنت بوساطة هذا البرزخ وسببه وتر صلاة المغرب فإن الفعل للوتر فهو الذي لطف صورتها على الحقيقة ليقبلها عالم الغيب والعقل لأن العقل لا يقبل صور الكثيف والغيب لا يقبل الشهادة فلا بدّ أن يلطف البرزخ صورتها حتى يقبلها عالم الغيب وكذلك برزخ الفجر وهو خروج عالم الغيب إلى عالم الشهادة والحس فلا بد أن يمر ببرزخ الخيال وهو وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فما هو من عالم الغيب ولا من عالم الشهادة فيأخذ البرزخ الذي هو الخيال المعبر عنه بوقت الفجر إلى طلوع الشمس المعاني المجرّدة المعقولة التي لها الليل فيكثفها الخيال في برزخه فإذا كساها كثافة من تخيله بعد لطافتها حينئذ وقعت المناسبة بينها وبين عالم الحس فتظهر صورة كثيفة في الحس بعدما كانت صورة روحانية لطيفة غيبية فهذا من أثر البرزخ بردّ المعقول محسوساً في آخر الليل ويردّ المحسوس معقولاً في أول الليل مثاله أن لصورة الدار في العقل صورة لطيفة معقولة إذا نظر إليها الخيال صوّرها بقوّته وفصلها وكثفها عن لطافتها في العقل ثم صرف الجوارح في بنائها بجمع اللبن والطين والجص وجميع ما تخيله البناء المهندس فأقامها في الحس صورة كثيفة يشهدها البصر بعدما كانت معقولة لطيفة تتشكل في أيّ صورة شاءت فزالت عنها في الحس تلك القوّة بما حصل لها من التقييد فتلقى النهار كله مقيدة بتلك الصورة على قدر طول النهار فإن كان النهار لا انقضاء له كيوم الدار الآخرة فتكون الصورة لا ينتهي أمدها وإن كان النهار ينقضي كيوم الدنيا وأيامها متفاضلة فيوم من أربع وعشرين ساعة ويوم من شهر ويوم من سنة ويوم من ثلاثين سنة ودون ذلك وفوق ذلك فتبقى الصورة مقيدة بتلك المدّة طول يومها وهو المعبر عنه بعمرها إلى الأجل المسمى إلى أن يجيء وقت المغرب فيلطف البرزخ صورتها وينقلها من عالم الحس ويؤدّيها إلى عالم العقل فترجع إلى لطافتها من حيث جاءت هكذا حركة هذا الدولاب الدائر فإن فهمت وعقلت هذه المعاني التي أوضحنا لك أسرارها علمت علم الدنيا وعلم الموت وعلم الآخرة والأزمنة المختصة بكل محل وأحكامها والله يفهمنا وإياك حكمه ويجعلنا ممن ثبت في معرفته قدمه فالليل ثلاثة أثلاث والإنسان ثلاثة عوالم عالم الحس وهو الثلث الأول وعالم خياله وهو الثاني وعالم معناه وهو الثلث الآخر من ليل نشأته وفيه ينزل الحق وهو قوله وسعني قلب عبدي وقوله إن الله لا ينظر إلى صوركم وهو الثلث الأول ولا إلى أعمالكم وهو الثلث الثاني ولكن ينظر إلى قلوبكم وهو الثلث الآخر فقد عمّ الليل كله فمن قال إن آخر الوقت الثلث الأول فباعتبار ثلث الحس ومن قال آخره إلى نصف الليل وهو وسط الثلث الثاني فباعتبار الثلث الثاني وهو عالم خياله لأنه محل العمل في التلطيف أو التكثيف ومن قال إلى طلوع الفجر فباعتبار عالم المعنى من الإنسان وكل قائل بحسب ما ظهر له وقد وقع الإجماع بطلوع الفجر إنه يخرج وقت صلاة العشاء فالظاهر أن آخر الوقت إلى طلوع الفجر لمحل الإجماع والاتفاق على خروج الوقت بطلوع الفجر وبقولنا يقول ابن عباس إن آخر وقتها إلى طلوع الفجر. البرزخ من الدلالات على الله في التجليات وتنوّعاتها والتحوّل في الصور كما ورد في الأخبار الصحاح غير أن برزخية صلاة المغرب هو خروج العبد من عالم الشهادة إلى عالم الغيب فيمرّ بهذا البرزخ الوتري فيقف منه على أسرار قبول عالم الغيب لعالم الشهادة وهو بمنزلة الحس الذي يعطي للخيال صورة فيأخذها الخيال بقوّة الفكر فيلحقها بالمعقولات لأن الخيال قد لطف صورتها التي كانت لها في الحس من الكثافة فتروحنت بوساطة هذا البرزخ وسببه وتر صلاة المغرب فإن الفعل للوتر فهو الذي لطف صورتها على الحقيقة ليقبلها عالم الغيب والعقل لأن العقل لا يقبل صور الكثيف والغيب لا يقبل الشهادة فلا بدّ أن يلطف البرزخ صورتها حتى يقبلها عالم الغيب وكذلك برزخ الفجر وهو خروج عالم الغيب إلى عالم الشهادة والحس فلا بد أن يمر ببرزخ الخيال وهو وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فما هو من عالم الغيب ولا من عالم الشهادة فيأخذ البرزخ الذي هو الخيال المعبر عنه بوقت الفجر إلى طلوع الشمس المعاني المجرّدة المعقولة التي لها الليل فيكثفها الخيال في برزخه فإذا كساها كثافة من تخيله بعد لطافتها حينئذ وقعت المناسبة بينها وبين عالم الحس فتظهر صورة كثيفة في الحس بعدما كانت صورة روحانية لطيفة غيبية فهذا من أثر البرزخ بردّ المعقول محسوساً في آخر الليل ويردّ المحسوس معقولاً في أول الليل مثاله أن لصورة الدار في العقل صورة لطيفة معقولة إذا نظر إليها الخيال صوّرها بقوّته وفصلها وكثفها عن لطافتها في العقل ثم صرف الجوارح في بنائها بجمع اللبن والطين والجص وجميع ما تخيله البناء المهندس فأقامها في الحس صورة كثيفة يشهدها البصر بعدما كانت معقولة لطيفة تتشكل في أيّ صورة شاءت فزالت عنها في الحس تلك القوّة بما حصل لها من التقييد فتلقى النهار كله مقيدة بتلك الصورة على قدر طول النهار فإن كان النهار لا انقضاء له كيوم الدار الآخرة فتكون الصورة لا ينتهي أمدها وإن كان النهار ينقضي كيوم الدنيا وأيامها متفاضلة فيوم من أربع وعشرين ساعة ويوم من شهر ويوم من سنة ويوم من ثلاثين سنة ودون ذلك وفوق ذلك فتبقى الصورة مقيدة بتلك المدّة طول يومها وهو المعبر عنه بعمرها إلى الأجل المسمى إلى أن يجيء وقت المغرب فيلطف البرزخ صورتها وينقلها من عالم الحس ويؤدّيها إلى عالم العقل فترجع إلى لطافتها من حيث جاءت هكذا حركة هذا الدولاب الدائر فإن فهمت وعقلت هذه المعاني التي أوضحنا لك أسرارها علمت علم الدنيا وعلم الموت وعلم الآخرة والأزمنة المختصة بكل محل وأحكامها والله يفهمنا وإياك حكمه ويجعلنا ممن ثبت في معرفته قدمه فالليل ثلاثة أثلاث والإنسان ثلاثة عوالم عالم الحس وهو الثلث الأول وعالم خياله وهو الثاني وعالم معناه وهو الثلث الآخر من ليل نشأته وفيه ينزل الحق وهو قوله وسعني قلب عبدي وقوله إن الله لا ينظر إلى صوركم وهو الثلث الأول ولا إلى أعمالكم وهو الثلث الثاني ولكن ينظر إلى قلوبكم وهو الثلث الآخر فقد عمّ الليل كله فمن قال إن آخر الوقت الثلث الأول فباعتبار ثلث الحس ومن قال آخره إلى نصف الليل وهو وسط الثلث الثاني فباعتبار الثلث الثاني وهو عالم خياله لأنه محل العمل في التلطيف أو التكثيف ومن قال إلى طلوع الفجر فباعتبار عالم المعنى من الإنسان وكل قائل بحسب ما ظهر له وقد وقع الإجماع بطلوع الفجر إنه يخرج وقت صلاة العشاء فالظاهر أن آخر الوقت إلى طلوع الفجر لمحل الإجماع والاتفاق على خروج الوقت بطلوع الفجر وبقولنا يقول ابن عباس إن آخر وقتها إلى طلوع الفجر.

فصل بل وصل في وقت صلاة الصبح

اتفق الجميع على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر وآخره طلوع الشمس واختلفوا في وقتها المختار فمن قائل إن الأسفار بها أفضل ومن قائل إن التغليس بها أفضل وبه أقول الاعتبار في الباطن في ذلك اعلم أنه من غلب على فهمه من قوله صلى الله عليه وسلم وقول الله تعالى في رؤية الله إن ذلك راجع إلى العلم والعقل لا إلى البصر وبه قال جماعة من العقلاء النظار من أهل السنة فهم بمنزلة من يرى التغليس ومن غلب على فهمه مما ورد في الشرع من الرؤية إن ذلك بالبصر وإنه لا يقدح في الجناب الإلهيّ وإن الجهة لا تقيد البصر وإنما تقيد الجارحة فهو بمنزلة من يرى الأسفار بصلاة الصبح بحيث أن يبقى لطلوع الشمس قدر ركعة أو يسلم مع ظهور حاجب الشمس والعجب من هذا إن الذي ذهب إلى أن الرؤية الواردة في الشرع محمولة على العلم لا على البصر يرى الأسفار بالصبح وإن الأكثر من الذين يرون إن الرؤية الواردة في الشرع يوم القيامة محمولة على البصر لا على العلم يرون التغليس بالصبح فهذا أحسن وجه في اعتبار هذا الوقت وأعمه وأسلاه وله اعتبارات غير هذا ولكن يجمعها كلها ما ذكرناه ولا يجمع تلك الاعتبارات التي تركناها حقيقة هذا الاعتبار الذي ذكرناه فلهذا اقتصرنا عليه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

انتهى الجزء السادس والثلاثون.

بسم الله الرحمن الرحيم

فصل بل وصل في أوقات الضرورة والعذر فقوم أثبتوها وقوم نفوها

والخلاف مشهور بينهم في ذلك اعتبار الباطن في ذلك من نسب الأفعال إلى الله نفاها ومن أثبت الفعل للعبد كسباً أو خلقاً بأيّ وجه كان من هذين أثبتها.

فصل بل وصل في أوقات الضرورة عند مثبتيها

اتفق العلماء بالشريعة على أنها لأربع للحائض تطهر في هذه الأوقات أو تحيض في هذه الأوقات وهي لم تصل والمسافر يذكر الصلوات في هذه الأوقات وهو حاضر أو الحاضر يذكرها فيها وهو مسافر والصبي يحتلم فيها والكافر يسلم واختلفوا في المغمى عليه فمن قائل هو كالحائض لا يقضي الصلاة ومن قائل يقضي فيما دون الخمس الاعتبار في الحائض تطهر في وقت الضرورة التائب من الكذب لضرورة والطاهر تحيض الصادق يكذب للضرورة اعتبار الباطن في ذلك المسافر والحاضر المسافر بفكره أو بذكره يذكر ما فاته في وقت سفره في حصوله في المقام لنقص يشاهده فيه يعلم أنه نسي ذلك في وقت سفره والحاضر يعني صاحب المقام يذكر في حال سفره ما فاته في وقت إقامته من الأدب مع الحق كقولهم اقعد على البساط وإياك والانبساط لخلل يراه في سفره فيعلم إن ذلك من آثار ما فاته من الأدب في مقامه قال تعالى  » لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا  » ولم يكن قبل ذلك أصابه نصب ليتذكر دلالة الحوت اعتباره في الصبي يبلغ فيها العبد يكون تحت الحجر فإذا كان الحق سمعه وبصره ويده وقواه وجوارحه كما ورد فقد خرج عن الحجر فإذا أدركه هذا الحال وهو في حكم اسم إلهيّ لماذا يكون الحكم فيه هل للاسم الذي كان تحت حكمه أو للاسم الذي انتقل إليه فإن الوقت مشترك وكذلك الاعتبار في الكافر يسلم في وقت الضرورة والكافر هو صاحب الستر والغيرة تغلب عليه والغيرة على الحق لا تصح وفي الحق تصح وللحق تصح ويغلب عليه أن لا غير ولا سيما أن عرف معنى هو الأول والآخر والظاهر والباطن وما ثم إلا هذه الأحوال وهو الكل إذ هو عينها فمن يغار أو ممن يغار أو على من يغار أو فيمن يغار أخبروني أخبروني إنني حرت في الله فما أصنعه وأمّا اعتبار المغمى عليه فهو صاحب الحال ما حكمه إذا أفاق في هذا الوقت أو أخذه الحال في هذا الوقت هو مع الاسم المهيمن على ذلك الوقت الحاكم فيه.

فصل بل وصل في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها هي بالاتفاق والاختلاف خمسة أوقات وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ووقت الاستواء وبعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر اعتبار ذلك في الباطن ولله المثل الأعلى الشمس الحق والصلاة المناجاة فإذا تجلى الحق كان البهت والفناء فلم يصح الكلام ولا المناجاة فإن هذا المقام الإلهيّ يعطي أنه تعالى إذا أشهدك لم يكلمك وإذا كلمك لم يشهدك إلا أن يكون التجلي في الصورة عند ذلك تجمع بين الكلام والمشاهدة وإذا غاب المشاهد عن نفسه لم تصح المناجاة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول  » اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك  » بلا شك وقد علمت أن العبد غائب عند الشهود لاستيلاء المشهود عليه فلا مناجاة وفي وقت الاستواء يغيب عنك ظلك فيك وظلك حقيقتك والنور قد صف بك من جميع الجهات وغمرك فلا يتعين لك أمر تسجد له إلا وعينه من خلفك كما هو من أمامك ومن عن يمينك وشمالك وفوقك فلا يجذبك من جميع جهاتك لأنك نور من جميع جهاتك واصلاً بنور فاندرجت الأنوار في الأنوار والصلاة لا تصلى لها وأما بعد الصبح إلى طلوع الشمس فهو وقت خروجك من عالم البرزخ إلى عالم الشهادة والصلاة لم يفرض وقتها إلا في الحس لا في البرزخ وكذلك بعد صلاة العصر فإنّ السفل بضم الحبيب يغني عن مخاطبته لسريان اللذة في ذلك الضم.

فصل في الصلوات التي لا تجوز في هذه الأوقات المنهيّ عن الصلاة فيها

فمن قائل هي الصلاة كلها بإطلاق ومن قائل هي ما عدا المفروض من سنة أو نفل ومن قائل هي النفل دون السنن ومن قائل هي النفل فقط بعد الصبح والعصر والنفل والسنن معاً عند الطلوع والغروب وأما عندنا من هذه الأوقات هي للقرائض للنائم والناسي يتذكر أو يستيقظ فيها ولقضاء النوافل إذا شغل عنها أن يصليها في الوقت الذي كان عينه لها اعتبار الباطن في ذلك المناجاة الإلهية بين الله وبين عبده على أربعة أقسام مناجاة من حيث أنهي راك ومناجاة من حيث أنك تراه ومناجاة من حيث أنه يراك وتراه ومناجاة لبعض أهل النار في الاعتقادات بالأدلة من حيث أنك لا تراه علماً في اعتقاد ولا تراه بصراً في اعتقاد ولا يراك بصراً في اعتقاد ولا علماً في اعتقاد من نفى عنه العلم بالجزئيات لكن تراه علماً لاندراج الجزء في الكل وهذا ما هو اعتقادنا ولا اعتقاد أهل السنة بل هو سبحانه بكل شيء عليم وقال ألم يعلم بأن الله يرى وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح عنه أنه يراك وقد نبهناك على مأخذ الاعتبارات في هذه الأقسام وأنت تعرف قسمك منها ومن عرف قسمه فمن هناك يثبت مناجاته أو يحيلها.

فصول بل وصول في الأذان والإقامة

الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء للاجتماع إلى الصلاة في المساجد والإقامة لدعاء إلى المناجاة الإلهية الاعتبار في الباطن في ذلك الأذان الإعلام بالتجلي الإلهيّ لتتطهر الذوات لمشاهدته والإقامة للقيام لتجليه إذا ورد يوم يقوم الناس لرب العالمين.

فصل بل وصل في صفات الأذان

اعلم أن الأذان على أربع صفات الصفة الأولى تثنية التكبير وتربيع الشهادتين وباقيه مثنى وبعض القائلين بهذه الصفة يرون الترجيع في الشهادتين وذلك أن يثني الشهادتين أوّلاً خفياً ثم يثنيها مرة ثانية مرفوع الصوت بها وهذا الأذان أذان أهل المدينة الصفة الثانية تربيع التكبير الأول والشهادتين وتثنية باقي الأذان وهذا أذان أهل مكة لصفة الثالثة تربيع التكبير الأول وتثنية باقي الأذان وهذا أذان أهل الكوفة الصفة الرابعة تربيع التكبير الأول وتثليث الشهادتين وتثليث الحيعلتين يبتدىء بالشهادة إلى أن يصل إلى حيّ على الفلاح ثم يعيد ذلك على هذه الصفة ثانية ثم يعيدها أيضاً على تلك الصورة ثالثة الأربع الكلمات نسقاً ثلاث مرات وهذا أذان أهل البصرة اعتبار الباطن في ذلك تثنية التكبير للتكبير والأكبر وتربيعه للتكبير والأكبر ولمن تكبر نفساً وحساً مشروعاً كان ذلك التكبير كحديث أبي دجانة أو غير مشروع والتربيع في الشهادتين للأوّل والآخر والظاهر والباطن وتثنية ما بقي لك وله تعالى وتثليث الأربع الكلمات على نسق واحد في كل مرة وهو كما قلنا مذهب البصريين إعلام بالمرّة لواحدة لعالم الشهادة وبالثانية لعالم الجبروت وبالثالثة لعالم الملكوت وعند أبي طالب المكيّ الثانية لعالم الملكوت والثالثة لعالم الجبروت تحقيق ذلك هو أن الإنسان إذا نظر بعين بصره وعين بصيرته إلى الأسباب التي وضعها الله تعالى شعائر وإعلاماً لما يريد تكوينه وخلقه من الأشياء لما سبق في علمه أن يربط الوجود بعضه ببعضه ودل الدليل على توقف وجود بعضه على وجود بعضه وسمع ثناء الحق تعالى على من عظم شعائر الله وإن ذلك التعظيم لها من تقوى القلوب في قوله تعالى في كتابه العزيز  » ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب  » قال عند ذلك الله أكبر يقول وإن كانت عظيمة في نفسها بما تدل عليه وعظيمة من حيث أنّ الله أمر بتعظيمها فموجدها وخالقها الآمر بتعظيمها أكبر منها وهذه هي أكبر للمفاضلة وهي أفعل من فلما أتمها كوشف هذا الإنسان الناطق بها على حقارة الأسباب في أنفسها لأنفسها وافتقارها إلى موجدها لإمكانها افتقار المسببات على السواء ورآها عيناً وكشفاً عند كشف الغطاء عن بصره ناطقة بتسبيح خالقها وتعظيمه فإنه القائل وإن من شيء إلا يسبح بحمده تسبيح نطق يليق بذلك الشيء لا تسبيح حال ولهذا قال لا تفقهون تسبيحهم لاختلاف ما يسبحون به إلا لمن سمعه إنه كان حليماً حيث لم يؤاخذ ولم يعجل عقوبة من قال إنه تسبيح حال غفوراً ساتراً نطقهم عن أن تتعلق به الأسماع إلا لمن خرق الله له العادة فقد ورد أن الحصى سبح بحضور من حضر من الصحابة في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومازال الحصى مسبحاً وما خرق اسم العادة إلا في أسماع السامعين ذلك بتعلقها بالمسموع وما قال ولكن لا تفقهون تسبيحهم إلا في معرض الردّ على من يقول أنه تسبيح حال فإن البكاء قد تلوي في الدلالة فمن يقول بتسبيح الحال فقد أكذب الله في قوله تعالى لا تفقهون وأما قوله تعالى ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه يعني خيراً له ممن يعظم شعائر الله إذا جعلنا خير بمعنى أفعل من ليميز بين تعظيم الشعائر وتعظيم حرمات الله فإن حرمة الله ذاتية فهو يقتضي التعظيم لذاته بخلاف الأسباب المعظمة فإن الناظر في الدليل ما هو الدليل له مطلوب لذاته فينتقل عنه ويفارقه إلى مدلوله فلهذا العالم دليل على الله لأنا نعبر منه إليه تعالى ولا نبغي أن نتخذ الحق دليلا على العالم فكنا نجوز منه إلى العالم وهذا لا يصح فما أعلى كلام النبوّة حيث قال  » من عرف نفسه عرف ربه  » وقال تعالى  » أفلا ينظرون إلى  » كذا وعدد المخلوقات لتتخذ أدلة عليه لا ليوقف معها فهذا الفرق بين حرمات الله وشعائر الله فنقول ثاني مرّة الله أكبر تعظيماً لحرمة الله لا بمعنى المفاضلة وذلك معروف في اللسان فعناه الله الكبير لا أفعل من فهو الكبير واضع الأسباب وأمرنا بتعظيمها ومن لا عظمة له ذاتية لنفسه فعظمته عرض في حكم الزوال فالكبير على الإطلاق من غير تقييد ولا مفاضلة هو الله فهذه التكبيرة الواحدة على الحدّ الذي ذكرناه حساً وعقلاً أي كما كبره اللسان بلفظ المفاضلة كذلك كبره عقلاً كأنه يقول الله أكبر باللسان كما هو أكبر بالعقل أي هو أكبر بدليل الحس ودليل العقل ثم يثني التكبيرة الأخرى أيضاً حساً وعقلاً فيقول الله أكبر أي هو الكبير لا بطريق المفاضلة حساً الله أكبر أي هو الكبير لا بطريق المفاضلة عقلاً حرمة وشرعاً فهذا مشهد من ربع التكبير في الأذان الذي هو الإعلام بالإعلان ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله الله خفياً يسمع نفسه وهو بمنزلة من يتصور الدليل أولاً في نفسه ثم بعد ذلك يتلفظ به وينطق معلناً في مقابلة خصمه أو ليعلم غير مساق ذلك الدليل وذلك أن يشهد هذا المؤذن في هذه الشهادة أنه يرى الأسباب المحجوبة عن المعرفة بالله التي أعطيت قوّة النطق وحجبت عن إدراك الأمر في نفسه بالجهل أو عن إدراك ما ينبغي لجلال الله من إضافة الكل إليه بحجاب الغفلة فيقول الجاهل أنا ربكم الأعلى أو المستخف وهو ضرب من الجهل أو يقول ما علمت لكم من إله غيري وقد يمكن أن يكون كذباً عند نفسه عالماً بأنه كاذب لكنه شيأ مما علمه وسمع الله يقول أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وقال  » يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم  » وهي الأسباب التي وجدتم عندها ثم قال لمن يرى أنا وجدنا بالأسباب لا عندها فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون إنه أوجد الأسباب وأوجدكم عندها لا بها فيقول عند ذلك أشهد أن لا إله إلا الله أي لا خالق إلا الله فينفي ألوهية كل من ادعاه لنفسه من دون الله وأثبتها لمستحقها لو ادعاها مع الله كالمشرك فهشهد بذلك لله عقلاً وشرعاً وحساً ومعنى هذا كله مع نفسه كمنصور الدليل أولاً ثم يرفع بها صوته ليسمع غيره من متعلم ومدّع وجاهل وغافل من قوله تعالى  » الرحمن علم القرآن  » وأمثاله مثل  » خلق الإنسان علمه البيان  » فقطع حكم الأسباب فهذا معنى الشهادة وتثنيتها وتربيعها وكذلك قوله أشهد أن محمداً رسول الله وهو أنه لما تشهد بالتوحيد بما أعطاه الدليل شهد به علماً لا على طريق القربة لأن الإنسان من حيث عقله لا يعلم أن التلفظ بذلك وأن النظر في معرفة قذ يقرب من الله وإنما حظه أن يعلم أن نفسه تشرف بصفة العلم على من يجهل ذلك وأن التصريح به وبكل دليل على مثل هذا العلم على جهة تعليم من لا يعلم وإرداع المعاند تشريفاً لهذا النفس على نفس من ليس له ذلك لأنه لا حكم للعقل في اتخاذ شيء قربة إلى الله فجاء الرسول من عند الله فأخبره أن يقول ذلك وأن ينظر في ذلك أن يخفيه في نفسه ويسره في التعليم والإرداع للغير إذا أعلن به أن يكون ذلك على طريق القربة إلى الله فيكون مع كونه علماً عبادة فيقول العالم المؤمن إذا أذن أو قال مثل ما يقول المرذن أشهد أن محمداً رسول الله علماً وعبادة ويقولها العاميّ تقليداً وتعبداً والتثنية في هذه الشهادة الرسالية والتربيع والحكم فيها على حكم شهادة التوحيد سواء في المراتب التي ذكرناها سواء فإن ثلث كأذان البصريين الأربع الكلمات على نسق واحد في كل مرة فهو أن يقولها في المرة الأولى علماً وفي المرّة الثانية تعليماً لأنه معلن وفي المرّة الثالثة عبادة فهي كلها علم وتعليم وعباادة فافهم وما خاللف البصريون الكيوفيين والحجاريين والمدنيين إلا في هذا أعني التثليث والنسق وكل سنة والإنسان مخبر يؤذن بأي صفة شاء من ذلك كله وهو مذهبنا كالروايات المختلفة في صلاة الكسوف وغير ذلك ثم أن الله شرع لنا في الأذان بعد الشهادتين أن نقول حيّ على الصلاة مثنى ندعو بالواحدة نفسي وندعو بالثانية غيري ومعناه اقبلوا على مناجاة ربكم فتطهروا وائتوا المساجد بالمرّة الواحدة تومن كان في المسجد يقول له في المرة الثانية حين يثنيها طهروا قلوبكم وأحضروا بين يدي ربكم فإنكم في بيته قصدتموه من أجل مناجاته وكذلك قوله حيّ على الفلاح بالأعتبارين أيضا والتفسير في المرتين يقول للخارج والكائن في المسجد ولنفسه ولغيره اقبلوا على ما ينجيكم فعله من عذابه بنعيمه ومن حجابه بتجلية ورؤيته وأقبلوا بالثانية من حيّ على القلاح على ما يبقيكم في نعيمكم ولذة مشاهدتكم ثم يقول الله أكبر الله أكبر لنفسه ولغيره ولمن هو ينتظر الصلاة كالحاضر في المسجد ومن هو خارج في اشغاله يقول الله أكبر مما أنتم فيه أي الله أولى بالتكبير من الذي يمنعكم من الإقبال الذي أمرناكم به على الصلاة وعلى الفوز والبقا في الحيعلتين وإنما لم يربع الثاني فإنه ليس مثل الأول فإن الثاني أعني التكبير والحيعلتين إنما المقصود بذلك القربة والعقل لا يستقل بادركها قهي للشرع خاصة فلهذا لم يربع الحيعلتين ولا التكبير الثاني وثنى لكونه خاطب نفسه وغيره والكائن في المسجد وغير الكائن ثم قال لا إله إلا الله فختم الأذان بالتوحيد المطلق لما كان الأذان يتضمن أمورا كثيرة فيها أفعال منسوبة إلى العبد فربما يقع في نفس المدّعو أنه ما دعى إلى أن يفعلها إلا والفعل له حقيقة والداعي ايضا كذلك فيخاف عليه أن يضيف الفعل إلى نفسه خلقا كما يراه بعضهم وما جعله الله دليلا عليه من جملة الأدلة على توحيده إلا انفراده بالخلق مثل قوله أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون فهي ألوهية خفية في نفس كل إنسان وهو الشرك الخفي المعفو عنه فختم الأذان بالتوحيد من غير تثنية ولا تثليث ولا تربيع نوهذا هو التوحيد المطلق الذي جاءت به الأنبياء من عند الله عن الله وهي أفضل كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبله فيتنبه السامعون كلهم أنه لا إله إلا الله فوجد لطلبه التوحيد على الإطلاق وما زاد على التوحيد في كل أذان مشروع من الأربعة مذاهب في ذلك وأمّا التثويب في أذان صلاة الصبح وهو قولهم الصلاة خير من النوم من الناس من يراه من الأذن المشروع فيعتبره ومن الناس من يراه من فعل عمر فلا يعتبره ولا يقول به وأما مذهبنا فإنا نقول به شرعا وهي بهذا الإعتبار من الأذان المسنون إلا في مذهب من يقول أن المسنون هو الذي فعل في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وعرفه وقرره أو يكون هو الذي سنه صلى الله عليه وسلم فيكون حاصله عند صاحب هذا القول أنه لا يسمى سنة إلا ما كان بهذه الصفة فما هو نخلاف يعتبر ولا يقدح وأما من زاد حي على خير العلمل فإن كان فعل في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى أن ذلك دعابة في غزوة الخندق إذ كان لناس يحفرون الخندق فجاء وقت الصلاة وهي خير موضوع كما ورد في الحديث فنادى المنادى أهل الخندق إذ كان الناس يحفرون الخندق فجاء وقت الصلاة وهي خير موضوع كما ورد في الحديث فنادى المنادي أهل الخندق حيّ على خير العمل فما أخطأ من جعلها في الأذان بل اقتدى أن صح هذا الخبر أو سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها وما كرهها من كرهها إلا تعصبا فما أنصف القائل بها نعوذ بالله من غوائل النفوسستقل بادركها قهي للشرع خاصة فلهذا لم يربع الحيعلتين ولا التكبير الثاني وثنى لكونه خاطب نفسه وغيره والكائن في المسجد وغير الكائن ثم قال لا إله إلا الله فختم الأذان بالتوحيد المطلق لما كان الأذان يتضمن أمورا كثيرة فيها أفعال منسوبة إلى العبد فربما يقع في نفس المدّعو أنه ما دعى إلى أن يفعلها إلا والفعل له حقيقة والداعي ايضا كذلك فيخاف عليه أن يضيف الفعل إلى نفسه خلقا كما يراه بعضهم وما جعله الله دليلا عليه من جملة الأدلة على توحيده إلا انفراده بالخلق مثل قوله أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون فهي ألوهية خفية في نفس كل إنسان وهو الشرك الخفي المعفو عنه فختم الأذان بالتوحيد من غير تثنية ولا تثليث ولا تربيع نوهذا هو التوحيد المطلق الذي جاءت به الأنبياء من عند الله عن الله وهي أفضل كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبله فيتنبه السامعون كلهم أنه لا إله إلا الله فوجد لطلبه التوحيد على الإطلاق وما زاد على التوحيد في كل أذان مشروع من الأربعة مذاهب في ذلك وأمّا التثويب في أذان صلاة الصبح وهو قولهم الصلاة خير من النوم من الناس من يراه من الأذن المشروع فيعتبره ومن الناس من يراه من فعل عمر فلا يعتبره ولا يقول به وأما مذهبنا فإنا نقول به شرعا وهي بهذا الإعتبار من الأذان المسنون إلا في مذهب من يقول أن المسنون هو الذي فعل في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وعرفه وقرره أو يكون هو الذي سنه صلى الله عليه وسلم فيكون حاصله عند صاحب هذا القول أنه لا يسمى سنة إلا ما كان بهذه الصفة فما هو نخلاف يعتبر ولا يقدح وأما من زاد حي على خير العلمل فإن كان فعل في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى أن ذلك دعابة في غزوة الخندق إذ كان لناس يحفرون الخندق فجاء وقت الصلاة وهي خير موضوع كما ورد في الحديث فنادى المنادى أهل الخندق إذ كان الناس يحفرون الخندق فجاء وقت الصلاة وهي خير موضوع كما ورد في الحديث فنادى المنادي أهل الخندق حيّ على خير العمل فما أخطأ من جعلها في الأذان بل اقتدى أن صح هذا الخبر أو سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها وما كرهها من كرهها إلا تعصبا فما أنصف القائل بها نعوذ بالله من غوائل النفوس

فصل بل وصل في حكم الأذان

فمن قائل أنه واجب ومن قائل أنه سنة مؤكدة والقائل بوجوبه منهم من يراه فرضا على الأعيان ومنهم من يراه فرض كفاية ومن قائل أن الأذان فرض على مساجد الجماعات وهو مذهب مالك وفي رواية عنه أنه سنة مؤكدة ولم يره على المنفرد لا فرض ولا سنة ومن قائل أنه هو واجب على الأعيان ومن قائل أنه واجب على الأعيان على الجماعات سفرا وحضرا ومن قائل سفر إلا غير ومن قائل أنه سنة للمنفرد والجماعة إلا أنه آكد في حق الجماعة واتفق الجميع على أنه سنة مؤكدة أو فرض على المضروبة كان يقول شيخنا أبو عبد الله بن العاص الدلال بإشبيلية سمعته من لفظه غير مرة وكان يقول إذا اجتمع أهل مصر على ترك الأذان أو ترك سنة وجب غزوهم واحتج بالحديث الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزقوا ما صحبهم فإن سمع نداء لم يغرو إن لم يسمع نداء أغار الإعتبار في الباطن في ذلك حق كل نفس أن تدعو نفسها وغيرها إلى طاعة الله بعد وضع الشريعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث ولصاحبه إذا كنتما في سفر فأذنا وأقيما الحديث والإنسان مسافر مع الإنفاس منذ خلقه الله الدينا وآخرة لا يصح له أن يكون مقيما أبدا ولو قام زائدا على نفس واحد لتعطل فعل الإله في حقه فالحق سبحانه في كل نفس في الخلق في شأن وهو اثره في كل عين موجودة بكيفية خاصة أشهدنا الله دقيقها أو جليلها فما أعز صاحبها عند الله فمن فاته مراعاة أنفاسه في الدينا والآخرة لقد فاته خير كثير

فصل بل وصل في وقت الأذان

اتفق العلماء على أنه لا يؤذن للصلاة قبل دخول وقتها ما عدا الصبح فإن فيه خلافا فمن قائل بجواز ذلك أنه يؤذن لها قبل الفجر ومن قائل بالمنع وبه أقول فإن الأذان قبل الوقت إنما هو عندي ذكر بصورة الأذان ما هو الأذان على جهة الأعلام بدخول وقت الصلاة فقد كان بلال يؤذن بليل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يمنعكم أذان بلال عن الأكل والشرب يعني في رمضان ولمن يريد الصوم فإنه يؤذن بليل فكلواا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان رجلا أعمى فكان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت فالمؤذن عندي لا يجب إلا بعد دخول الوقت ومن قائل لا بد للصبح من أذانين أذان ققبل الوقت وأذان بعده وقال أبو محمد بن حزم لا بد للصبح من أذان بعد الوقت اعتبار الباطن في ذلك دعاء النفوس إلى الله من الله في نفس الأمر ودعاؤها من الأكوان بالنظر إلى الغافلين أو الجهلاء الذين هم تحت حكم الأسماء الإلهية أو التصريف الإلهي وهم لا يشعرون فلهذا قلنا في نفس الأمر فاعلم أن للوقت سلطانا لا يحكم نفيه غيره فلا بدّ أن يتعين عند المحكوم عليه سلطان الوقت وعلم هو الاسم الإلهي الخاص بذلك الوقت فلا يمكن أن يدعي لها بطريق الوجوب إلا بعد دخول الوقت فعند ذلك يكون ممن دعا إلى الله على بصيرة فإنه خاص في كل وقت بما يليق بذلك الوقت فإن دعا في غير وقته وقع الإنسان في الجهل فإننه يدعوه بما يخرجه عن سلطان حكمه الذي يرتقبه السامع في نفسه فلا بد من الدعاء بعد دخول وقته حتى يتعين من هو صاحب الوقت من هذه الأسماء الإلهية انظر هل يصح منك الشكر قبل دخول حكم الاسم المنعم فإذا كان وقتك النعمة ودخل وقتها بوجودها عندك دعيت إى شكر المنعم وإنما دخل الخلاف في الصبح لجهل السامع بمقصود الشارع بذلك الذكر فإنه دعاء لصاحب الوقت بخلاف سائر الصلوات فإن الليل لما كان محلا للنوم ونام الناس شرع النداء الآخر الذي هو الأول لإيقاظ النائمين فهو دعاء للإنتباه والإستعداد لإيقاع صلاة الصبح في أول الوقت فهو نداء تحضيض وتحريض وجعل بصورة الأذان المشروع للصلاة أي من أجل الصلاة دعوناكم لتتذكروها فتتأهبوا لها فإذا دخل وقتها وجب الإعلام بدخول الوقت لجهل السامعين بدخول أول نتالوقت فإنه يخفى على أكثر الناس فإن أكثر الناس لا يعلمون فيععلمون بالأذان المشروع لدخول الوقت إن الوقت قد دخل وكذلك الحكم في الإعتبار الغافل عن حكم الاسم الإلهي فيه ينبهه الداعي من نومة الغفلة بأنه تحت حكم اسم إلهي يصرّفه وأنهه لا حول ولا قوة له إلا به فإذا انتبه من نوم غفلته وتذكر بعقله عرف عند ذلك أي اسم هو صاحب الوقت فأذعن له بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك الاسم الإلهي في حق هذا الشخص قال تعالى وليتذكر أولوا الأباب وقال وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وإنما ذهبنا إلى أن الأذان قبل الصبح هو ذكر ونداء بصورة الأذان ما هو الأذان المشروع بالإعلام لدخول الوقت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن بلا لا ينادي بليل ولم يقل يؤذن وكذا قال في ابن أم مكتوم ينادي لموضع الشبهة فإنه كان أعمى فكان لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت أي قاربت الصباح قال الراوي وكان بين نداء بلال ابن أم مكتوم قدر ما ينزل هذا ويصعد هذا فسماه نداء لهذا الإحتمال أعني أذان ابن أم مكتوم فإن الفصاحة في لسان العرب تطابق الألفاظ في سبق لما قال في بلال أنه ينادي بليل ويؤيد ما ذهبنا إليه حديث ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فسماه ابن عمر أذانا لما عرف من قرينة الحال فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادى ألا أن العبد نام ليعرف الناس إن وقت الصلاة ما دخل فإن الأذان المشروع إنما هو لدخول وقت الصلاة فلما عرف من بلال أنه قصد الأذان وإن السامعين ربما أوقعوا الصلاة في غير وقتها أمره أن يعرّف الناس أنه قد غلط في أذانه ولهذا يكون من المؤذنين بالليل الدعاء والتذكير وتلاوة آيات من القرآن والمواعظ وإنشاد الشعر المزهد في الدينا المذكر الموت والدار الآخرة ليعلم الناس إذا سمعوا الأذان منهم أنهم يريدون بذلك ذكر الله كما تقدم وأنه لإيقاظ النائمين لا لدخول الوقت ويكون لدخول الوقت مؤذن خاص يعرف بصوته وكذا هو نفي الإعتبار لتنوع الأحوال على أهل الله لا بد لهم من علامات يفرقون بها بين الأحوال التي تعطيها الأسماء الإلهية فافهم

فصول في الشروط في هذه العبادة

قال بعض العلماء وهي ثمانية شروط وعددها فقال أن منها هل من شرط من أذن أن يكون هو الذي يقيم أم لا الثاني هل من شرط الأذان أن لا يتكلم المؤذن في أثنائه أم لا الثالث هل من شرطه أن يكون المؤذن على طهارة أم لا الرابع هل من شرطه أن يتوجه المؤذن إلى القبلة أم لا الخامس هل ممن شرطه أن يكون المؤذن قائما أم لا يكون السادس هل يكره الأذان للراكب أم ليس يكره السابع هل من شرطه البلوغ أم لا الثامن هل من شرطه أن لا يأخذ أجرا على الأذاان أم يأخذ الأجر اختلف علماء الشرعية في هذه الشروط وأدلتهم ما بين قياس ومعارضة أخبار بين صحيح وسقيم ومذهبنا أن الأذان يصح بوجودها وعدمها والعمل بها أولى أن اتفق ولا يمنع من ذلك مانع وأما الإعتبار في ذلك في الشروط كلها التي ذكرناها فاعلم أن الداعي قد يكون الاسم الإلهي الذي يدعو به الحق إلى الحق وهو عين الداعي الذي يقوم به بين يدي الحق في أي شيء دعا إلى الحق لحال يطلبه بذلك لا يجوز له التأخر عنه إما لأدب إلهي أو لفرض تعين عليه وقد لا يتكلم مالم يقدح في فهم السامع ما يخرجه عن أن يكون داعيا له وهذا اعتبار الشرط الثاني الداعي قد يدعو بحاله وهو طهارته وهو أفضل وقد يدعو بما ليس هو عليه في حاله وهو خير بكل وجه كما قال الحسن ابن أبي الحسن البصري وكان من أهل طريق الله العلية منهم لو لم يعظ أحد أحدا حتى يعظ نفسه ما وعظ أحد أحدا أبدا ولفاعل المنكر أن ينهى عن المنكر وإن لم يفعل اجتمع عليه أثمان فاعلم ذلك وهذا هو اعتبار الشرط الثالث الداعي أن قصد بدعائه وجه الله فهو أولى وإن قصد بذلك دنيا فلا يمنعه ذلك من الدعاء إى الله والول أفضل ويرجى للآخر أن ينتفع بدعوته سامع فيدعو له فيسعد بدعائه فهذا بمنزلة استقبال القبلة بالأذان وهو الشرط الرابع الداعي إن كان قائما بحقوق ما يدعو إليه فهو أولى من قعوده عن ذلك في دعائه وهذا اعتبار الشرط الخامس الداعي إن كان قائما بحقوق ما يدعو إليهه فهو أولى وإن قصد بذلك دنيا فلا يمنعه ذلك من الدعاء إلى الله والأول أفضل ويرجى للآخر أن ينتفع بدعوته سامع فيدعو له فيسعد بدعائه فهذا بمنزلة استقبال القبلة بالأذان وهو الشرط الرابع الداعي إن كان قائما بحقوق ما يدعو إليه فهو أولى من قعوده عن ذلك في دعائه وهذا اعتبار الشرط الخامس الداعي هل يكون في دعائه حاضرا مع عبوديته وذلته أو يكون في حال نظره لعزة نفسه وتكبرها وعجبها وهو الذي يؤذن راكبا وحضوره مع ذلته أولى وهو اعتبار الشرط السادس الداعي هل ينبغي له أن يدعو قبل بلوغه إلى المعرفة بمن يدعو إليه كدعاء المقلد أولا يدعو حتى يعرف من يدعو إليه وهو اشتراط البلوغ في الأذان وهذا اعتبار الشرط السابع الداعي إلى الله هل من شرطه أن لا يأخذ أجرا على دعائه فهو عندنا أفضل أنه لا يأخذ وإن أخذ جاز له ذلك فإن مقام الدعوة إلى الله يقتضي الأجر فإنه ما من نبيّ دعا قومه غلا قيل له قل ما أسألكم عليه من أجران أحرى إلا على الله فأثبت الأجرة على دعائه وسألها من الله لا من المدعو حتى أنّ نر الله صلى الله عليه وسلم ما سأل منا في الأجر إلا على تبليغ الدعاء إلا المودة في القربى وهو حب أهل البيت وقرابته صلى الله عليه وسلم وأن يكرموا من أجله كانوا ما كانوا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحق ما أخذتم عليه كتاب الله في حديث الذي رقى اللديغ بفاتحة الكتاب واستراح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اضربوا فيها بسهم يعني في الغنم الت أخذوها أجرا على ذلك فالإنسان الداعي بوعظه وتذكيره عباد الله أن آخذ أجرا فله ذلك فإنه في عمل يقتضى الجر بشهادة كل رسول وإن ترك أخذه من الناس وسأله من الله فله ذلك وسبب ترك الرسل لذلك وسؤالهم من الله الأجر كون الله هو الذي استعملهم في التبليغ فكان الأجر عليه تعالى لا على المدعو وإنما أخذ الراقي الأجر تمن اللديغ لأنن اللديغ استعمله في ذلك ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم اضربوا بسهم لأن الرسول عليه السلام هو الذي أفاد الراقي ما رقى به ذلك اللديغ وينظر إلى قريب من هذا حديث بريرة في قوله هو لها صدقة ولنا هدية لأنها بلغت محلها وهذا هو الشرط الثامن واعلم أن هذا الأجر تفضل إلهيّ عينه السيد لعبده فإن العبد لا ينبغي له استحقاق الأجر على سيده فيما يستعمله فيه فإنه ملكه وعين ماله لكن تفضل سيده عليه بأن عين له على عمله أجرا وسره خلقه على الصورة فإن عبيدنا أخواننا فافهم وأما العلماء بالله عز وجل فأجرهم مشاهدة سيدهم إذا رجعوا إليه من التبليغ الذي أمرهم به فإنهم حزنوا المفارقة ذلك المشهد الأقدس ومشاهدة الأكوان فوعدهم بأنهم إذا رجعوا إليه كان لهم المزيد في المشاهدة فاخبروا الناس أن أجرهم على الله تفضل سيده عليه بأن عين له على عمله أجرا وسره خلقه على الصورة فإن عبيدنا أخواننا فافهم وأما العلماء بالله عز وجل فأجرهم مشاهدة سيدهم إذا رجعوا إليه من التبليغ الذي أمرهم به فإنهم حزنوا المفارقة ذلك المشهد الأقدس ومشاهدة الأكوان فوعدهم بأنهم إذا رجعوا إليه كان لهم المزيد في المشاهدة فاخبروا الناس أن أجرهم على الله

فصل بل وصل فيمن يقول مثل ما يقول من يسمع الأذان

واختلف علماء الشريعة في ذلك فمن قائل أنه يقول نمثل ما يقول المؤذن كلمة بكلمة إلى آخر النداء ومن قائل أنه يقول مثل ما يقول المؤذن إلا إذا جاء بالحيعلتين فإن السامع يقول لا حول ولا قوّة إلا بالله وبالقول الأول فإنه أولى إلا أن يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحوقلة في ذلك فأنا أقول به ولا أشترط أن يمشي السامع مع المؤذن في كل كلمة ولكن إن شاء قال مثل ما يقول المؤذن في أثر كل كلمة وإن شاء إذا فرغ يقول مثله وذلك في المؤذن الذي يؤذن للأعلام في المنارة أو على باب المسجد أو في نفس المسجد ابتداء عند دخول الوقت من قبل أن يعلم من في المسجد أن وقت الصلاة دخل فهذا هو المؤذن الذي شرع له الأذان وأما المؤذنين في المسجد بين الجماعة الذين يسمعون الأذان فهم ذاكرون الله بصورة الأذان فلا يجب على السامع أن يقول مثله فإن ذلك عندنا بمنزلة السامع يقول مثل ما قال المؤذن ولم يشرع لنا ولا أمرنا أن نقول مثل ما يقول السامع إذا قال ما يقول المؤذن اعتبار ذلك في الباطن قال تعالى فيما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني والمؤذن داع إلى الله بلا شك ثم قال ومن اتبعني وهو غير النبيّ يدعو بمثل دعوة عليه السلام عباد الله إلى توحيد الله والعمل بطاعته وهو بمنزلة السامع للمؤذن الذي أمره الشارع أن يقول مثل ما يقول المؤذن لا يزيد على ذلك ولا ينقص كذلك ينبغي للداعي إلى الله أن يدعو بشرعه المنزل المنطوق به حاكيا لا يزيد على دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم نضر الله أمرا أسمع مني كلمة فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع وهذه مسئلة اختلف الناس فيها أعني في هذا الخبر في نقله على المعنى الصحيح عندي أن ذلك لا يجوز جملة واحدة إلا أن يبين الناقل أنه نقل على المعنى فإن الناقل على املعنى إنما ينقل إلينا فهمه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تعبدنا الله بفهم غيرنا إلا بشرط في الاخبار بالإتفاق وفي القرآن بخلاف في حق الأعجميّ الذي لا يفهم اللسان العربيّ فإن هذا الناقل على المعنى ربما لو نقل إلينا عين لفظه صلى الله عليه وسلم ربما فهمنا مثل ما فهم أو أكثر أو أقل أو نقيض ما فهم فالأولى نقل الحديث كما ننقل القرآن فالداعي إلى الله لا يزيد على ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخبار بالأمور المغيبة إلا أن أطلعه الله على شيء من الغيب مما علمه فله أن يدعو به مما لا يكو مزيلا لما قرّره الشرع بالتواتر عندنا أي على طريق يفيد العلم لا بدّ من هذا فعلي هذا الحد يكون الإعتبار في القول مثل ما يقول المؤذن حتى لو قال السامع سبحان الله عند قول المؤذن الله أكبر لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمتثل أمر الله فإن الله يوقل وأطيعوا الرسول وقال من يطع الرسول فقد أطاع الله وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول مثل ما يقول المؤذن وإن كاان قال هذا السامع خيرا وكذلك لو قال الله الكبير لم يقل مثله إلا أن يقول مثله إلا أن قال المؤذن الله الكبير وفيه خلاف في حق المؤذن بهذا اللفظ فمن أجاز ذلك أوجب على السامع أن يقول مثله فلو قال السامع الله أكبر فقد قال الأذان المشروع المنصوص عليه المنقول بالتواتر وبين قول الإنسان الله الكبير وقوله الله أكبر فرقان عظيم فاذن لا ينبغي أن تنقل الأخبار إلا كما تلفظ بها قائلها إلا في مواضع الضرورة وذلك في الترجمة لمن ليس من أهل ذلك اللسان فامّا في القرآن فينبغي أن ينقل المسطور ويقرر لفظه كما ورد بعد ذلك يترجم عنه حتى يخرج من الخلاف ويكون في الترجمة مفسرا لا تاليا في غير القرآن فله أن يترجم على المعنى بأقرب لفظ يكون يحكم المطابقة على المعنى كما كان في الخبر النبوي

فصل بل وصل في الإقامة

للإقامة حكم وصفة أمّا حكمها فاختلف الناس فيها فقوم قالوا أنها سنة مؤكدة في حق الأعيان والجماعات أكثر من الأذان وقوه قالوا هي فرض وهو مذهب بعض أهل الظاهر فإن أرادوا أنها فرض من فروض الصلاة تبطل الصلاة بسقوطها وإن لم يقولوا ذلك صحت الصلاة ويكون عاصيا بتركها على أني رأيت لبعضهم أن الصلاة فتبطل بتركها ومن قائل أنه من تركها عامدا بطلت صلاته وهو مذهب ابن كنانة اعتبار ذلك في الحكم الإقامة لأجل الله فرض تلا بد منه والإقامة لما أمرنا الله أن أقيم له فنحن فيه بحسب قرائن الأحوال فإذا أعطت قرينة الحال إن ذلك الأمر على الوجوب أوجبناها مثل قوله أقيموا الدين ولا تتقفرقوا فيه ومثل قوله أقيموا الصلاة ومثل قوله أقيموا الوزن بالقسط فهذا هو حد الواجب فإن رجحت الوزن في القضاء فهو أفضل فإنك قد امتثلت أمر الله فإنه ما رجح الميزانن حتى اتصف بالإقامة التي هي حد الواجب ثم رجح والذي يخسر الميزان ما بلغ بالوزن حد الإقامة حتى يحصل الواجب مثل ما فعل المرجح فما حمدنا المرجح إلا لحصول إقامة الوزن لا للترجيح ثم أثنينا عليه أثناء آخر بالترجيح فالمرجح محمود من وجهين فاعلم وحمده من جهة الإقامة أعلى لأنه الحمد الوجوبي فحمد الترجيح نافلة إلا فيمن يحمل الأمر في ذلك على الوجوب وهو قوله صلى الله عليه وسلم في القاضي ما عليه إذا وزنت فأرجح فأمره بالرجحان وأكد في ذلك قولا وفعلا وإذا لم يكن الأمر على الوجوب لقرينة حال كانت الإقامة بحسب ذلك فهذا اعتبار حكم الإقامة بوجه ينفع في دين الله من وقف على هذا الكتاب وعمل بما قررناه فيه فإنه ما قررناه فيه أمرا غير مشروع لله الحمد وإن كنا لم نتعرض لذكر الأدلة مخافة التطويل فما خرجنا بحمد الله عن الكتاب والسنة فيه كما قال الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة وأما صفة الإقامة فعند قوم التكبير الذي في أولها مثنى وما بقي فيها قرد والتكبير الذي بعد الإقامة مثنى وعند قوم مثل ذلك إلا الإقامة فإنها مثنى وقوم خيروا بين التثنية والإفراد وقوم قالوا بالتثنية في الكل وتربيع والتكبير الأول مع الإتفاق في توحيد التهليل الآخر الإعتبار أما من ثنى أي من زاد على الواحدة فللمراتب التي ذكرناها في الأذان على السواء ولم نعدلل لإعتبار آخر لأنها جاءت في ظاهر الشريعة بلفظ الأذان لا بلفظ آخر إلا الإقامة فانفردت بها الإقامة عن الأذان وهي قوله قد قامت الصلاة فهو اختبار عن ماض والصلاة مستقبلة فهي بشرى من الله لعبادهه لمن جاء إلى المسجد ينتظر الصلاة أو كان في الطريق يأتي إليها أو كان في حال الوضوء بسببها أو كان في حال القصد إلى لوضوء قبل الشروع فيه ليصلي بذلك الوضوء فيموت في بعض هذه المواكن كلها فله أجر من صلاها وإن كانت ما وقعت منه فجاء بلفظ الماضي لتحقق الحصول فإذا حصلت بالفعل فله أجر الحصول بالفعل وأجر الحصول الذي يحصل لمنن مات في هذه المواطن قبل أن يدخل في الصلاة وقد ورد في الخبر أن الإنسان في صلاة ما دام ينتظر الصلاة فلهذا جاء بلفظ الماضي وهو الحاصل في قوله قد قامت الصلاة وإقامة الصلاة تمام نشأتها وكمالها أي هي لكم قائمة النشأة كاملة الهيئة على حسب ما شرعت فإذا دخلتم فيها وأجرتم الإجر الثاني فقد يكون مثل الأول في إقامة نشأتها وقد لا يكون فإن المصلي قد يأتي بها خداجا غير كاملة فتكتب له خداجا من حيث فعله بخلاف ما تكتب له قبل الفعل فانظر ما أعظم فضل الله على عباده وسبب ذلك قول الله تعالى قل فالله الحجة البالغة فإنه لو أثابه عليها قبل وقوعه بحسب علمه به فيها من أخداجهار بما قال العبد لو أحييتني حتى أؤديها لأقمت نشأتها على أكمل الوجوه فأعظى الله جل وعز سبحانه عبده ذلك الثواب على أكمل الأداء لله الحمد والمنة على ذلك

فصل بل وصل في القبلة

اتفق المسلمون على أن التوجه إلى القبلة أعني الكعبة شرط من شروط صحة الصلاة لولا أن الإجماع سبقني في هذه المسئلة لم أقل به أنه شرط فإن قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله نزلت بعده وهي آية محكمة غير منسوخة ولكن انعقد الإجماع على هذا وعلى قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله محكما في الحائر الذي جهل القبلة فيصلي حيث يغلب على ظنه بإجتهاده بلا خلاف وإن ظهر له بعد ذلك أنه صلى لغير القبلة لم يعد بخلاف في ذلك من لم يجد سبيلا إلى الطهارة فإنه قد وقع الخلاف فيه هل يصلي أم لا ثم أنه لا خلاف أن الإنسان إذ عاين البيت أن الفرض عليه هو ااستقبال عينه وأما إذا لم ير البيت فاختلف علماؤنا في موضعين من هذه المسئلة الموضع الواحد هل الفرض هو العين أو الجهة والموضع الثاني هل فرضه الإصابة أو الإجتهاد أعني إصابة العين أو الجهة عند من أوجب العين فمن قائل أن الفرض هو العين ومن قائل أن الفرض هو الجهة وبالجهة أقول لا بالعين فإن في ذلك حرجا والله يقول وما جعل عليكم في الدين من حرج وأعني بالجهة إذا غابت الكعبة عن الأبصار والصف الطويل قد صحت صلاتهم مع القطع بأن الكل منهم ما استقبلوا العين هذا معقول الإعتبار التحديد في القبلة إخراج العبد عن إختياره فإن أصله وأصل كل ما سوى الله الإضطرار والإجبار حتى اختيار العبد هو مجبور في إختياره ومع أن الله فاعل مختار فإن ذلك من أجل قوله ويختار وقوله ولو شئنا ولا يفعل إلا ما سبق به علمه وتبدل العلم محال يقول تعالى ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد وقال فالله الحجة البالغة وما رأيت أحدا تفطن لهذا القول الإلهي فإن معناه في غاية البيان ولشدة وضوحه خفي وقد نبهنا عليه في هذا الكتاب وبيناه فإنه سر القدر من وقف على هذه المسئلة لم يعترض على الله نفي كل ما يقتضيه ويجريه على عباده وفيهم ومنهم ولهذا قال بصدده فنقول أن الصلاة دخول على الحق وجاء في الخبر الصحيح أن الصلالة نور والإنسان ذو بصر في باطنه كما هو في ظاهره فلا بد له من الكشف في صلاته فمن جملة ما يكشفه في صلاته كونه مجبورا في اختياره الذي ينسبه إليه فشرع له موجود ولا أحاشي موجودا من موجود لمن كان ذا بصر حديد وألقى السمع وهو شهيد حتى في حكم المباح هو فيه غير مختار لأنه من المحال أن يحكم عليه بحكم غير الإباحة من وجوب أو ندب أو حظرا وكراهةة فلهذا شرع له استقبال البيت إذا أبصره حين صلاته واستقبال جهته إذا تغاب عنه وفرضه في اجتهاده تبالغيبة إصابة الإجتهاد لا إصابة العين وذلك لو كان فرضه إصابة العين فإن العبد مأمور بأن يستقبل ربه بقلبه في صلاته بل في جميع حركاته وسكناته لا يرى إلا الله وقد علمنا أن ذات الحق وعينه يستحيل على المخلوق معرفتها فمن المحال استقبال عين ذاته بقلبه أي من المحال أن يعلم العاقل ربه من حيث عينه وإنما يعلمه من حيث جهة الممكن في افتقاره إليه وتميزه عنه بانه لا يتصف بصفات المحدثات على الوجه الذي يتصف به المحدث الممكن لأنه لييس كمثله شيء فلا يعرفه إلا بالسلوب وهذا سبب قولنا بالجهة لا بالعين والإصابة إصابة الإجتهاد لا إصابة العين ولهذا كان المجتهد مأجورا على كل حال ولا سيما والإجتهاد في مذهبنا في الأصول كما هو في فروع الأحكام لا فرق وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجتهد أنه مصيب ومخطىء فمعناه عندنا في هذه المسئلة وأمثالها أن المجتهد في الإصابة ما هي إصابة العين أو إصابة الجهة أن المصيب من قال إصابة الجهة والمخطىء من قال إصابة العين فإن إصابة الجهة في غير الغيم المتراكم ليلا أو نهارا في البراري لا يقع إلا بالحكم الإتفاق فأحرى أصابة العين لا بحكم العلم وما تعبدنا الله بالإرصاد ولا بالهندسة المنبئة على الأرصاد المستنبط منها أطوال البلاد وعرضوها فأنا بكل وجهه إذا أخذنا نفوسنا بها على غير يقين فتبين أن الفرض على المكلف الإجتهاد لا الإصابة فلا إعادة على من صلى ولم يصب الجهة إذا تبين له ذلك بعدما صلى كذلك الإعتبار في الباطن إذا وفى الناظر النظر حقه أصاب العجز عن الإدراك فاعتقده وما ثم إلا العجز منفالحق عند اعتقاد كل معتقد بعد اجتهاده يقول تعالى ومن يدع مع الله إلها أخر لا برهان له به فافهم كما هو عند ظن عبده به إلا أن المراتب تتفاضل والله أوسع وأجل وأعظم أن ينحصر في صفة تضبطه فيكون عند واحد من عباده ولا يكون عند الأخر يأبى الإتساع الإلهي ذلك فإن الله يقول وهو معكم أينما كنتم وأينما تولوا فثم وجه الله ووجه كل شيء حقيقته وذاته فإنه سبحانه لو كان عند واحد أو مع واحد ولا يكون عند آخر ولا معه كان الذي ليس هو عنده ولا معه يعبد وهمه لا ربه والله يقول وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه أي حكم ومن أجله عبدت لإلهة فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا الله فما عبد شيء لعينه إلا الله وإنما أخطأ المشرك حيث نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق فشقي لذلك فإنهم قالوا في الشركاء ما نعبدهم إلا ليقربوا إلى الله فليعترفوا به وما يتصور في العالم من أدنى من له مسكة من عقل التعطيل على الإطلاق وإنما معتقدوا التعطيل إنما هو يعطل صفة ما اعتقدها المثبت فمن استقبل عين البيت إن كان يبصره أو الجهة إن غاب عنه بوجهه واستقبل ربه في قبلته كما شرع له في قلبه وحسه في خياله إن ضعف عن تعليق العلم به من حيث ما يقتضيه جلاله فإن المصلي وإن واجه الحق في قبلته كما ورد في النص فإنه كما قال من ورائه محيط فهو السابق والهادي فهو سبحانه الذي نواصي الكل بيده الهادي إلى صراط مستقيم والذي يسوق المجرمين إلى جهنم وردا وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملونر في صفة تضبطه فيكون عند واحد من عباده ولا يكون عند الأخر يأبى الإتساع الإلهي ذلك فإن الله يقول وهو معكم أينما كنتم وأينما تولوا فثم وجه الله ووجه كل شيء حقيقته وذاته فإنه سبحانه لو كان عند واحد أو مع واحد ولا يكون عند آخر ولا معه كان الذي ليس هو عنده ولا معه يعبد وهمه لا ربه والله يقول وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه أي حكم ومن أجله عبدت لإلهة فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا الله فما عبد شيء لعينه إلا الله وإنما أخطأ المشرك حيث نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق فشقي لذلك فإنهم قالوا في الشركاء ما نعبدهم إلا ليقربوا إلى الله فليعترفوا به وما يتصور في العالم من أدنى من له مسكة من عقل التعطيل على الإطلاق وإنما معتقدوا التعطيل إنما هو يعطل صفة ما اعتقدها المثبت فمن استقبل عين البيت إن كان يبصره أو الجهة إن غاب عنه بوجهه واستقبل ربه في قبلته كما شرع له في قلبه وحسه في خياله إن ضعف عن تعليق العلم به من حيث ما يقتضيه جلاله فإن المصلي وإن واجه الحق في قبلته كما ورد في النص فإنه كما قال من ورائه محيط فهو السابق والهادي فهو سبحانه الذي نواصي الكل بيده الهادي إلى صراط مستقيم والذي يسوق المجرمين إلى جهنم وردا وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون

فصل بل وصل في الصلاة في داخل البيت

فمن قائل بمنع الصلاة في داخل الكعبة على الإطلاق ومن قائل بإجازة ذلك على الإطلاق ومن العلماء من فرق في ذلك بين النفل والفرض وكل له مستند في ذلك يستند إليه اعتبار ذلك في الباطن وبعد تقرير الححكم في الظاهر الذي شرع لنا وتعبدنا به ولم نمنع من الإعتبار بعد هذاا التقرير فنقول هذه حالة تمن كان الحق سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله لكن في حال إجالة كل جارحة فيما خلقت له هكذا قيد الصادق في خبره وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب ولما كانت هذه الحالة الواردة من الشارع في الخبر الصحيح عنه وتأيد الكشف بذلك الخبر عند السامع حالة النوافل ونتيجتها لهذا تنفل في الكعبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخلها كما ورد وكان يصلي الفريضة خارج البيت كما كان يتنفل على الراحلة حيث توجهت به فأينما تولوا فثم وجه الله وقد علمنا أن الأمر في نفسه قد يكون كما نراه ونشهده وهذا هو الذي أعطى مشاهدة هذا المقام فهو يراه سمع غيره كما يراه سمع نفسه فالكرامة التي حصلت لهذا الشخص إنما هي الكشف والإطلاع لا أنه لم يكن الحق سمعه ثم كان غلا أن يتعالى الله عن العوارض الطارئة وهذه المسئلة من أعز المسائل الإلهية فمن استصحب هذا الحكم في الظاهر تأجاز الصلاة كلها فرضها ونفلها داخل الكعبة فإن كل ما سوى الله لا يمكنه الخروج عن قبضة الحق فهو موجدهم بل وجودهم ومنه استفادوا الوجود وليس الوجود خلاف الحق ولا خارجا عنه يعطيهم منه هذا محال بل هو الوجود وبه ظهرت الأعيان يقول القائل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتجزا وهو يسمع

والله لولا الله ما اهتدينا … ولا تصدقنا ولا صلينا

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ذلك ويصدقه في قوله فنحن به سبحانه وله كما ورد في الخبر الصحيح فإذا نظرنا إلى ذواتنا ومكانتنا فقد خرجنا عنه وإمكاننا يطلبنا بالنظر والإفتقار إليه فإنه الموجد أعياننا بجوده من وجوده وهو إعتبار قوله ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام فتفسيره من كل جهة خرجت مصليا فاستقبل المسجد الحرام وفي الإشارة من حيث خرجت إلى الوجود أي من زمان خروجك منالعدم إلى الوجود وفي الإعتبار يقول بأي وجه خرجت من الحق إلى إمكانك ومشاهدة ذاتك فول وجهك شطر المسجد الحرام يقول فارجع بالنظر والإستقبال مفتقرا مضطرا إلى ما منه خرجت فإنه لا أين لك غيره فانظر فيه تجده محيطا بك مع كونه مستقبلك فقد جمع بين الإطلاق والتقييد فأنت تظن أنك خرجت عنه وما استقبلت إلا هو وهو من ورائك محيط وحيثما كنتم من الأسماء الإلهية والأحوال فولوا وجوهكم ذواتكم شطره أي لا تعرضوا عنه ووجه الشيء عينه وذاته فإن الإعراض عن الحق وقوع في العدم وهو الشر الخالص كما أن الوجود هو الخير الخالص والحق هو الوجود والخلق هو العدم قال لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القول إنه أصدق بيت قالته العرب ولا شك إن الباطل عبارة عن العدم وأما حكم هذه الآية في الظاهر إن صلاة الفرض تجوز داخل الكعبة إذ لم يرد نهي في ذلك ولا منع وقد ورد وثبت حيثما أدركتك الصلاة فصل إلا الأماكن التي خصصها الدليل الشرعي من ذلك لا لأعيانها وإنما ذلك لوصف قام بها فيخرج بنصه ذلك القدر لذلك الوصف وقوله ومن حيث خرجت أي وإذا خرجت من الكعبة أو من غيرها وأردت الصلاة فول وجهك شطرها أي لا تستقبل بوجهك في صلاتك جهة أخرى لا تكون الكعبة فيها فقبلتك فيها ما استقبلت منها وكذلك إذا خرجت منها ما قبلتك إلا ما يواجهك منها سواء أبصرتها أو غابت عن بصرك وليس في وسعك أن تستقبل ذاتها كلها بذاتها لكبرها وصغر ذاتك جرماً فالصلاة في داخلها كالصلاة خارجاً عنها ولا فرق فقد استقبلت منها وأنت في داخلها ما استقبلت ولا تتعرض بالوهم لما استدبرت منها إذا كنت فيها فإن الاستدبار في حكم الصلاة ما ورد وإنما ورد الاستقبال وما نحن مع المكلف إلا بحسب ما نطق به من الحكم فلا يقتضي عندنا الأمر بالشيء النهي عن ضده فإنه ما تعرض في النطق لذلك فإذا تعرّض ونطق به قبلناه فإذا لم تعمل بما أمرك الله به فقد عصيته ولو كان الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه لكان على الإنسان خطيئتين أو خطايا كثيرة بقدر ما لذلك المأمور به من الأضداد وهذا إلا قائل به فإنما يؤاخذ الإنسان بترك ما أمر بفعله أو فعل ما أمر بتركه لا غير فهو ذو وزر واحد وسيئة واحدة فلا يجزى إلا مثلها وقد أخذت المسئلة حقها ظاهراً وباطناً حقاً وخلقاً شرعاً واعتباراً والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

فصل بل وصل في ستر العورة

اتفق العلماء على أن ستر العورة فرض بلا خلاف وعلى الإطلاق أعني في الصلاة وفي غيرها وسأذكر حدها في الرجل والمرأة اعتبار ذلك في الباطن وجب على كل عاقل ستر السرّ الإلهيّ الذي إذا كشفه أدّى كشفه من ليس بعالم ولا عاقل إلى عدم احترام الجناب الإلهيّ الأعز الأحمى فإن حقيقة العورة الميل ولهذا قال من قال أن بيوتنا عورة أي مائلة تريد السقوط لما استنفروا فأكذبهم الله عند بغيه بقوله وما هي بعورة إن يريدون الإفرار أيعني بهذا القول مما دعوتهم إليه ومنه الأعور فإن نظره مال إلى جهة واحدة وكذلك ينبغي أن يستر العالم عن الجاهل أسرار الحق في مثل قوله  » ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم  » وقوله  » ونحن أقرب إليه من حبل الوريد  » وقوله  » كنت سمعه وبصره ولسانه  » فإن الجاهل إذا سمع ذلك أدّاه إلى فهم محظور من حلول أو تحديد فينبغي أن يستر ما تعطف الحق به على قلوب العلماء ومال عز وجل سبحانه وتقدس بخطابه مما يقتضيه جلاله من الغنى على الإطلاق عن العالمين إلى قوله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم  » جعت فلم تطعمني مرضت فلم تعدني ظمئت فلم تسقني فليستر علم هذا عن الجاهل ولا يزيد على ما فسره به قائله سبحانه شيأ كما ستره الحق بقوله  » أما إن فلاناً مرض فلو عدته وجدتني عنده وهذا أشكل من الأوّل لكنه أعطى في هذا التفسير للعلماء بالله علماً آخر به تعالى لم يكن عندهم وذلك أنه في الأول جعل نفسه سبحانه عين المريض والجائع وفي تفسيره تعالى جعل نفسه عائد المريض بكونه عنده فإن من عاد مريضاً فهو عنده وأين هذا من جعله نفسه عين المريض وكل قول من ذلك حق ولكل حق حقيقة وأما الستر الذي في ذلك للعامي أن يقال له في قوله لوجدتني عنده إن حال المريض أبداً الافتقار والاضطرار إلى من بيده الشفاء وليس إلا الله فالغالب عليه ذكر الله مع الأنات في دفع ما نزل به بخلاف الأصحاء وهو سبحانه قد قال  » أنا جليس من ذكرني  » وهذا وجه صحيح ويقنع العامي به ويبقى العالم بما يعلمه من ذلك على علمه فهذا هو سر الميل الإلهيّ عن نظر العامي.

فصل بل وصل في ستر العورة في الصلاة

اختلف العلماء هل هي شرط في صحة الصلاة أم لا فمن قائل إن ستر العورة من سنن الصلاة ومن قائل إنها من فروض الصلاة وأما اعتبار ذلك في النفس فقد أعلمناك ما مفهوم العورة آنفاً وفي هذه المسئلة لما ثبت أن المصلي يناجي ربه وإن الصلاة قد قسمها الله نصفين بينه وبين عبده فمن غلب أن الحق هو المصلي بأفعال عبده أعني الأفعال الظاهرة من العبد في الصلاة كما ثبت أن الله قال على لسان عبده في الصلاة سمع الله لمن حمده عند الرفع من الركوع والعبد هو القائل بلا شك وقال فأجره حتى يسمع كلام الله والرسول صلى الله عليه وسلم هو التالي بلا شك قال إن ستر العورة من فروض الصلاة أي مثل هذا لا يظهر في العامّة يريد معناه وسرّه الذي يعرفه العالم بل يؤمن به العامّيّ كما جاء وما يعقلها إلا العالمون ومن رأى أن لا مرتبة في هذه المسئلة بين العالم والعاميّ وأنه ما فيها إلا ما ورد النص به ولو أدّى عند السامع إلى ما أدّاه إذا لم يخرج عن مقتضى اللسان في ذلك وإن تفاضلت درجاتهم كان ستر العورة عنده من سنن الصلاة لا من فروضها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

فصل بل وصل في حدّ العورة

فمن قائل إن العورة في الرجال هي السوءتان ومن قائل هي من الرجال من السرّة إلى الركبة وهي عندنا السوءتان فقط الاعتبار في ذلك في النفس ما يذم ويكره ويخبث من الإنسان هو العورة على الحقيقة والسوءتان محل لما ذكرناه فهو بمنزلة الحرام وما عدا السوءتين مما يجاوزهما من السرّة علواً ومن الركبة سفلاً هو بمنزلة الشبهات فينبغي أن يتقي فإن الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

فصل بل وصل في حدّ العورة من المرأة

 فمن قائل إنها كلها عورة ما خلا الوجه والكفين ومن قائل بذلك وزاد أن قدميها ليستا بعورة ومن قائل أنها كلها عورة وأما مذهبنا فليست العورة في المرأة أيضاً إلا السوءتين كما قال تعالى  » وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة  » فسوّى بين آدم وحوّاء في ستر السوأتين وهما العورتان وإن أمرت المرأة بالستر فهو مذهبنا لكن لا من كونها عورة وإنما ذلك حكم مشروع ورد بالستر ولا يلزم أن يستر الشيء لكونه عورة اعتبار ذلك في النفس المرأة هي النفس والخواطر النفسية كلها عورة فمن استثنى الوجه والكفين والقدمين فلأنّ الوجه محل العلم لأن المسئلة إذا لم تعرف وجهها فما علمتها وإذا استتر عنك وجه الشيء فما علمته وأنت مأمور بالعلم بالشيء فأنت مأمور بالكشف عن وجه ما أنت مأمور بالعلم به فلا يستر الوجه من كونه عورة فإنه ليس بعورة وأمّا اليدان وهما الكفان بهما محل الجود والعطاء وأنت مأمور بالسؤال فلا بد للمعطي أن يمدّ يده بما يعطي فلا يستر كفه فإنه المالك للنعمة التي تطلبها منه فلا بدّ أن تتناولها إذا جاد عليك بها والجود والكرم مأمور بهما شرعاً وقد ورد أن اليد العليا خير من اليد السفلى فعم يد السائل والمعطي فلا بدّ للمعطي أن يناول وللسائل أن يتناول وأمّا القدمان فلا يجب سترهما وإنهما ليستا بعورة لأنهما الحاملتان للبدن كله ونقلاته من مكان إلى مكان ومن كان حكمه التصريف فيتعذر ستره واحتجابه فلابدّ أن يظهر ويبرز ضرورة فيبعد أن يكون عورة تستر. فصل بل وصل في اللباس في الصلاة اتفق العلماء على أنه يجزي الرجل من اللباس في الصلاة الثوب الواحد اعتباره في النفس الموحد في الصلاة هو الذي لا يرى نفسه فيها بل يرى أن الحق يقيمه ويقعده وهو كالميت بين يدي الغاسل فهذا معنى الثوب الواحد. فصل بل وصل في الرجل يصلي مكشوف اللظهر والبطن فذهب قوم إلى جواز صلاته وذهب قوم إلى أنه لا تجوز صلاته اعتبار النفس في ذلك الظاهر والباطن وهو عمر القلب في الصلاة وعمل الجوارح فالرجل المصلي إذا انكشف له ظاهر أمره في صلاته وباطنه لم ير نفسه مصلياً وإنما رأى نفسه يصلي بها فهذا بمنزلة من قال بإبطال صلاته فإن صاحب هذا الكشف على هذا النظر بطلت إضافة الصلاة إليه مع وقوع الصلاة منه ومن حصل له هذا الكشف وقال لا يمكن أن يكون الأمر إلا هكذا وبهذا القدر من الفعل يسمى مصلياً قال بجواز صلاته. فصل بل وصل فيما يجزي المرأة من اللباس في الصلاة اتفق الجمهور على الدرع والخمار فإن صلت مكشوفة فمن قائل تعيد في الوقت وبعده ومن قائل تعيد في الوقت وأمّا المرأة المملوكة فمن قائل أنها تصلي مكشوفة الرأس والقدمين ومن قائل بوجوب تغطية رأسها ومن قائل باستحباب تغطية رأسها اعتبار النفس في ذلك لا فرق بين المملوكة والحرّة فإن الكل ملك لله فلا حرّية عن الله فإذا أضيفت الحريّة إلى الحلق فهو خروجهم عن رق الغير لا عن رق الحق أي ليس لمخلوق على قلوبهم سبيل ولا حكم فهذا معنى الحرّية في الطريق وقد تقدم الكلام في الثوب الواحد وبقي الاعتبار في تغطية الرأس هنا واعلم أن المرأة لما كانت في الاعتبار النفس والرأس من الرياسة والنفس تحب الظهور في العالم برياستها لحجابها عن رياسة سيدها عليها وطلب شفوفها على أمثالها ولهذا قيل آخر ما يخرج من قلوب الصدّيقين حب الرياسة أمرت النفس أن تغطي رأسها أي تستر رياستها فإنها في الصلاة بين يدي ربها ولا شك أن الرئيس بين يدي الملك في محل الافتقار فإذا خرج إلى من هو دونه أظهر رياسته عليه فلهذا أمرت النفس المملوكة أن تغطي رأسها في الصلاة. فصل بل وصل في لباس المحرم في الصلاة فمن قائل بجواز صلاته وهو مذهبنا وإن كنت أكره له ذلك ومن قائل لا تجوز ومن قائل باستحباب الإعادة في الوقت وهو عندنا عاص بلباس ما لا يحل له وإن جازت صلاته فإنه عندنا من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً اعتبار النفس في ذلك ما في كل موطن برزق الإنسان العصمة في أحواله والتوفيق في جميع أموره فهو فيما يوفق فيه موفق وفيما يخذل فيه مخذول في الوقت الواحد كالذاكر لله بقلبه ولسانه وهو يضرب بيده في تلك الحالة من يأثم بضربه ومن حرم عليه ضربه فلا يقدح ذلك في ذكره كما لا يرفع ذلك الذكر إثمه أو حكم أنه أتى حراماً فإن الذكر لا يحلله ولهذا عندنا تصح الصلاة في الدار المغصوبة فهو مأثوم من وجه مأجور من وجه. فصل بل وصل في الطهارة من النجاسة في الصلاة فمن قائل إنها من فروض الصلاة وأنها لا تصح إلا بإزالتها ومن قائل إنها سنة وقد مضى الكلام فيها في الطهارة ومن قائل إن إزالة النجاسة فرض على الإطلاق ومن هذا مذهبه لا يلزم منه أن يقول إن إزالتها شرط في صحة الصلاة بل يكون مصلياً صحيح الصلاة وعاصياً من حمله النجاسة في الصلاة اعتبار ذلك في النفس النجاسة عند من يرى إزالتها فرضاً تقتضي البعد عن الله والصلاة تقضي بالقرب للمناجاة فمن غلب القرب على البعد أزال حكمها ومن غلب البعد على القرب لم تصح عنده الصلاة والأولى أن يقال إن العبد متنوّع الأحوال وأنه بكله لله وأنه بما كان منه لله لله فإن الله لا يظلم مثقال ذرّة فصلاته مقبولة سواء صلى بالنجاسة أو لم يصل والأولى إزالتها بلا خلاف قل ذلك أو كثر ومنزلها أن الإنسان لا يحضر مع الله في كل حال لما جبل عليه من الغفلة والضيق فاعلم ذلك وبالله التوفيق. فصل بل وصل في المواضع التي يصلى فيها فمن الناس من ذهب إلى إجازة الصلاة في كل موضع لا تكون فيه نجاسة ومنهم من استثنى من ذلك سبعة مواضع المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر الكعبة ومنهم من استثنى من ذلك المقبرة والحمام ومنهم من استثنى المقبرة فقط ومنهم من كره الصلاة في هذه المواضع المنهي عنها وإن لم تبطلها اعتبار النفس في ذلك قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم والمصلي يناجي ربه وقوله والذين هم على صلاتهم دائمون وقول عائشة رضي الله عنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما علمت من أحواله أنه كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وليس للأماكن أثر في حجاب القلب عن ربه إلا لأصحاب الأحوال وإنما الأثر في ذلك للغفلة أو للجهل في العموم أو للحال في أصحاب الأحوال وأمّا ذكر هذه الأماكن المنهيّ عنها فإنها كلها تناقض الطهارة وقد تقدّم الكلام في الطهارة من النجس واعتباره وما بقي من هذه السبعة إلا الصلاة فوق ظهر البيت وذلك أنك مأمور بالاستقبال إليه في الصلاة وأنت في هذه الحالة لا فيه ولا مستقبله فلم تصل الصلاة المشروعة فإن شطر المسجد الحرام لا يواجهك ومن أجاز ذلك حمل في الاعتبار الوجه على الذات ولا شك أنك بذاتك شطر المسجد الحرام فإنك على ظهره والأرض كلها مسجد. فصل بل وصل في البيع والكنائس اختلف الناس في البيع والكنائس أعني في الصلاة فيها فكرهها قوم وأجازها قوم وفرّق قوم بين أن تكون فيها صور أم لا تكون اعتبار النفس في ذلك هل يناجي الحق شخصان من مرتبة واحدة ذلك عندنا لا يصح للتوسع الإلهيّ قال تعالى  » لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً  » تفسيراً وإشارة فإن صلينا في مثل هذه الأماكن فمن شرعنا لا من شرعهم فافهم والله الملهم. فصل بل وصل في الصلاة على الطنافس وغير ذلك مما يقعد عليه اتفق العلماء على الصلاة على الأرض واختلفوا في الصلاة على الطنفسة وغير ذلك مما يقعد عليه على الأرض فالجمهور على إباحة السجود على الحصير وما يشبهه مما تنبته الأرض والكراهة في السجود على غير ذلك الاعتبار في النفس في ذلك لما قال الحق تعالى  » قسمت الصلاة بيني وبين عبدي بنصفين فأثبتك في الصلاة وما نفاك وله الوصف الأعلى الأنزه ولك الوصف الأنزل الأدنى فكل نزول منك إلى أرض عبوديتك أو لوازمها فإنه قادح فيما أمرت بتعميمه فإنه سماك عبداً في الصلاة والعبودة هي الذلة وقال تعالى في وصف الأرض أنه جعلها لنا ذلولاً فنمشي في مناكبها فهي تحت أقدامنا وهذا غاية الذلة من يكون يطؤها الذليل ولما كانت بهذه المنزلة من الذلة أمرنا أن نضع عليها أشرف ما عندنا في ظاهرنا وهو الوجه وأن نمرّغه في التراب فعل ذلك جبر الانكسار الأرض بوطء الذليل عليها الذي هو العبد فاجتمع بالسجود وجه العبد ووجه الأرض فانجبر كسرها فإن الله عند المنكسرة قلوبهم فكان العبد في ذلك المقام بتلك الحالة أقرب إلى الله سبحانه من سائر أحوال الصلاة لأنه سعى في حق الغير لا في حق نفسه وهو جبر انكسار الأرض من ذلتها تحت وطء الذليل لها فتنبه لما أشرت إليك فإن الشرع ما ترك شيأ إلا وقد أشار إليه إيماء علمه من علمه وجهله من جهله ولهذا لم يعلم أسرار هذه الأمور إلا أهل الكشف والوجود فإن جميع العالم يخاطبونهم ويعرفونهم بحقائقهم ولقد أخبرني أبو العباس الحريريّ بمصر سنة ثلاث وستمائة عن أبي عبد الله القرياقيّ أنه كان يمشي معه في سويقة وردان وكان قد اشترى قصرية صغيرة لابن صغير كان عنده ليبول فيها فضمهم منزل والقصرية عنده جديدة ومعهم رجال صالحون فأرادوا أكل شيء فطلبوا إداماً يأتدمون به فاتفق رأيهم على أن يشتروا قطارة السكر فقالوا هذه القصرية ما مسها قذر وهي جديدة على حالها فملؤها قطارة وقعدوا يأكلون إلى أن فرغوا وانصرف الناس ومشى صاحب القصرية بها مع أبي العباس قال أبو العباس فوالله لقد سمعت بأذني هذه وسمع معي الشيخ أبو عبد الله القرياقيّ القصرية وهي تقول بعد أن أكل فيّ أولياء الله أكون وعاء للقذر والله لا كان ذلك وانتفضت من يده وسقطت على الأرض فتكسرت قال أبو العباس فأخذنا من كلامها حال فلما قال لي ذلك قلت له إنكم غبتم عن وجه موعظة القصرية إياكم ليس الأمر كما زعمتم وكم من قصرية أكل فيها من هو خير منكم وبعد ذلك استعملت في القذر وإنما قالت لكم يا إخواني لا ينبغي لكم بعد أن جعل الله قلوبكم أوعية لمعرفته وتجليه أن تجعلوها وعاء للأغيار وما نهاكم الله أن تكون قلوبكم وعاء له ثم تكسرت أي هكذا فكونوا مع الله فقال لي ما جعلنا بالنا لما نبهتنا عليه. فصل بل وصل في اشتمال الصلاة على أقوال وأفعال أمّا الشروط المشترطة في الصلاة فمنها أقوال ومنها أفعال أما الأفعال فجميع الأفعال المباحة التي ليست أفعال الصلاة إلا قتل الحية والعقرب في الصلاة فإنهم اختلفوا في ذلك واتفقوا على أن الفعل الخفيف لا يبطل الصلاة الاعتبار في النفس في ذلك عقرب الهوى وحية الشهوة تخطر للمناجي ربه فهل يقتلهما أو يصرفهما في مصرفهما الذي عين لهما الشارع لما علم العارف أن قتلهما محال فيهوى ما عند الله بهواه ويشتهي دوام مناجاته بشهوته فيرى بأن لا يقتلهما من هذا مذهبه ويرى قتلهما من يرى أنهما قد حالا بينه وبين مناجاته ربه وأما الأقوال فإنها أيضاً التي ليست من أقوال الصلاة فلم تختلف العلماء في أنها تفسد الصلاة عمداً إلا أن العلماء اختلفوا من ذلك في موضعين الموضع الواحد إذا تكلم ساهياً والموضع الآخر إذا تكلم عامداً لإصلاح الصلاة ومن قائل وهو قول شاذان من تكلم في الصلاة عامداً لإحياء نفس أو أمر كبير أنه يبني على ما مضى من صلاته ولا يفسدها ذلك وهو مذهب الأوزاعيّ ومن قائل إن الكلام عمداً لإصلاح الصلاة لا يفسدها ومن قائل إن الكلام يفسدها كيف كان إلا مع النسيان ومن قائل إن الكلام يفسدها مع النسيان ومع غير النسيان الاعتبار المصلي يناجي ربه فإذا ناجى غيره من أجله مازال من مناجاة ربه وإذا ناجى غيره لا من أجل ربه فقد خرج عن صلاته والنسيان في مناجاة الحق غير معتبر إلا من غلب من أصحابنا على المناجي مشاهدة الحجاب فإن الله لا يناجي عبده إلا من وراء حجاب كما قال تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب وأقرب الحجب الصورة التي يقع فيها التجلي هذا أقرب الحجب فإنه ما هو الصورة ولا غيرها فمن شغلته الصورة عن نسبة ما هو الصورة أو شغله ما هو الصورة عن نسبة هو الصورة فهو الناسي في الحالتين فيكون حكمه في الاعتبار كحكمه في الظاهر من الخلاف الواقع بين العلماء فافهم. فصل بل وصل في النية في الصلاة فمن قائل إنها شرط في صحة الصلاة بل قد اتفق العلماء عليها إلا من شذ اعتبار النفس في ذلك قد يقصد العبد مناجاة ربه وقد يأتيه الأمر بغتة فإن موسى مشى ليقبس ناراً فكلمه ربه ولم يكن له قصد في ذلك والأصل في العبادات كلها أنها من الله ابتداء لا مقصودة للمكلفين إلا ما شذ من ذلك كآية الحجاب وغيرها في حق عمر بن الخطاب وإنما يمنع القصد في الباطن المعتبر لأن الحقيقة تعطي أن ما ثم شيء خارج عن الحق أو تخلى الحق عنه حتى يقصده في أمر يكون فيه بل هو في نسبة الكل إليه نسبة واحدة فإلى أين أقصد وهو معي حيث كنت وعلى أيّ حال كنت فما بقي القصد جهة القربة إلى الله وإنما متعلق القصد حال مخصوص مع الله قصدته عن حال مخصوص مع الله خرجت منه به إليه والأحوال مختلفة فمن راعي اختلاف الأحوال قال بوجوب النية وعلى هذا النحو تنوّعت الشرائع وجاءت ومن راعى الحضور ولم ينظر إلى الأحوال كان صاحب حال فلم يعرف النية فإنه في العين قال تعالى في حق من هذا حاله من باب الإشارة لا التفسير فأين تذهبون ومثله إنني معكما أسمع وأرى انتهى الجزء السابع والثلاثون. بسم الله الرحمن الرحيم فصل بل وصل في نية الإمام والمأموم اختلف علماء الشريعة في نية الإمام والمأموم هل من شرط نية المأموم أن توافق نية الإمام في الصلاة أعني في تعيين الصلاة وفي الوجوب فمن قائل إنه يجب ومن قائل إنه لا يجب ولكل قائل حجة ليس هذا موضعها اعتبار النفس في ذلك الصحيح أنه لا يجب لأنه أمر غيبي ولا يكون الائتمام إلا بما يتعلق به الحس من سماع أو مشاهدة ولهذا فصل الشارع ما أجمله في الائتمام فذكر الأفعال المدركة بالحس بأي حس أدركها وما ذكر النية فإنها من عمل القلب فإنه تكليف ما لا يوصل إلى معرفته ومن علم أن الاتساع الإلهيّ يحيل أن يكرر الحق التجلي لشخص أو يتجلى لشخصين في صورة واحدة علم أن نية المأموم لا ترتبط بنية الإمام إلا في الصلاة من كونها ذات أفعال ولكل امرىء ما نواه فإن القصد بالتجلي الامتنان من المتجلي على المتجلي له والقصد من المتجلي له العلم والالتذاذ بذلك التجلي. فصل بل وصل في حكم الأحوال في الصلاة اعلم أن الصلاة تشتمل على أقوال وأفعال ويكون حكمها بحسب الأحوال فإن جميع العبادات تنبني على الأحوال وهي المتعبرة للشارع فيكون الحكم يتوجه على المكلف من جهة الحال التي يكون عليها والأسماء تابعة للأحوال ولهذا يراعيها الشارع في الحكم على المكلف قيل لمالك بن أنس ما تقول في خنزيل الماء فأفتى بتحريمه فقيل له أليس هو من سمك البحر فقال رضي الله عنه أنتم سميتموه خنزيراً ما زادهم على ذلك كذلك الخمر المحرم شربها إذا تخللت زال عنها اسم الخمر لزوال الحال الذي أوجب له اسم الخمر فسمي خلاً لحال آخر طرأ عليه والجوهر عين الجوهر فانتقل الحكم من التحرم إلى الحل والظاهر والباطن في هذا على السواء في الحكم فإن الاعتبار إنما هو من الشرع لمن عقل عنه. فصل بل وصل في التكبير في الصلاة اختلف علماء الشريعة في التكبير في الصلاة على ثلاثة مذاهب فمن ذاهب إلى أنه كله واجب في الصلاة ومن ذاهب إلى أنه كله ليس بواجب نقيض الأول ومن ذاهب إلى أنه ليس بواجب إلا تكبيرة الإحرام فقط اعتبار النفس في ذلك تكبير الله واجب على كل حال ولكن من شرطه مشاهدة الإنسان نفسه فإن لم يشاهد إلا الله ولم ير لغير الله عيناً فلا يجب التكبير لأنه ما ثم على من فإن الله لا يجب عليه شيء وأن التكبير لا يعقل إلا بوجود الأغيار أو تقدير وجود الأغيار ثم إن القائلين لا مشهود لهم إلا الله شاهداً ومشهوداً وشهادة وأعمّ من هذه الحالة في الفناء ما يكون فإن شاهده من حيث أسماؤه الإلهية الحسنى أوجب التكبير من حيث نسبها أي من نسب بعضها لبعض فإن الاسم الحي له مهيمنية على جميع الأسماء والاسم العالم أعمّ في التعلق من الاسم المريد والقادر فالتكبير لابد منه فإن حقائق الأسماء تطلبه لتفاضلها وإن نظر في الأسماء الإلهية من حيث ما تجتمع فيه وهو المسمى بها فإنها موضوعة من المتكلم للدلالة على عين المسمى وإن كان لها حقائق في نفوسها مما يكون متعلقه التنزيه أو الأغيار لم ير التكبير ومن فرّق بين الصلاة وغيرها من العبادات رأى وجوب تكبيرة الإحرام فقط ينبه بها نفسه أنها ممنوعة محجور عليها التصرّف فيما يخرجها عن هذه العبادة المختصة المسماة صلاة وقد انحصرت المذاهب في الاعتبار والحمد لله. فصل بل وصل في لفظ التكبير في الصلاة اختلف علماء الشريعة في صفة لفظ التكبير في الصلاة فمن قائل لا يجزىء إلا لفظة الله أكبر ومن قائل يجزىء بغير الصيغة ولكن فيه لابدّ من حروف التكبير وهي الكاف والباء والراء ومن قائل يجوز التكبير على المعنى كالأجل والأعظم ومذهبنا في ذلك أن اتباع السنة أولى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صلوا كما رأيتموني أصلي وما نقل إلينا قط إلا هذا اللفظ الله أكبر تواتر ذلك عندنا الاعتبار في ذلك ما عين الشرع لفظاً في عبادة نطقية دون غيره من الألفاظ مما في معناه إلا وقد أراد ما يمتاز به ذلك اللفظ من طريق المعنى عند العلماء بالله عما يقع فيه الاشتراك فالأولى بنا مراعاة الاقتداء ومراعاة المعنى الذي يقع به الامتياز علمنا ذلك المعنى أو جهلناه فإن علمناه فوجب أن لا نعدل عنه وإن لم نعلمه فنأتي به على علم الذي شرعه فيه ولا نتحكم بسياق لفظ آخر والله قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة فقال له  » قل رب زدني علما  » والعالم إذا كان حكيماً لا يعدل إلى أمر دون غيره مما يقارب معناه إلا لخصوص وصف فيعتبر ذلك ولا يعدل عنه فعلاً كان أو قولاً فإنه لابدّ لمن يعدل عنه أن يحرم فائدة ذلك الاختصاص ويتصف بالمخالفة بلا شك. فصل بل وصل في التوجيه في الصلاة فمن قائل بوجوبه ومن قائل بعدم وجوبه وصورته أن يقول بعد التكبير وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين الحديث ومن قائل له أن يسبح وإن لم يقل هذا اللفظ بعينه ومن قائل يجمع بينهما بين التسبيح والتوجيه وأمّا الذي أذهب إليه فهو التوجيه في صلاة الليل في التهجدد لا في الفرائض وأما في الفرائض فينبغي أن يقول بين التكبير والقراءة في نفسه لا يسمع غيره إذا كبر اللهمّ باعد بيني وبين خطايااي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهمّ نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهمّ اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد هذا هو الذي اختاره وبه وردت السنة ومذهبنا الوقوف عندها والعمل بها وإن لم نوجب ذلك إذ لم يوجبه الله ولكن الاتباع أولى الاعتبار في ذلك عند أهل الله التوجيه في حال من حال إلى حال من الله بالله إلى الله مع الله في الله لله على الله من الله ابتداء بالله إعانة وتأييد إلى الله غاية وانتهاء مع الله صحبة ومراقبة في الله رغبة لله قربة من أجله على الله توكلاً واستماداً ثم يعتبر ألفاظ ما ورد في التوجيه وكذلك تعتبر ما ذكرناه من الدعاء بين التكبير والقراءة والماء الحياة فإنه جعل من الماء كل شيء حيّ أي مما تحيى به قلبي بذكرك وجوارحي بطاعتك حتى لا تتصرف إلا فيها فإنها شاهد مصدق يوم القيامة لمن تشهد عليه أوله كما ورد في القرآن العزيز من شهادة الجوارح واعتبر البرد من برد اليقين كبرد الأنامل الوارد في الخبر الصحيح فحصل به من العلم على يقين فيبرد به ما يجده العبد المصطفى من حرارة الشوق إلى المراتب العلى عند المسبح الأعلى من العلم بالله والثلج من ثلج القلب الذي هو سروره بما أكرمه الله به من تجليه وشهوده. فصل بل وصل في سكتات المصلي في الصلاة وهي بعدما يكبر تكبيرة الإحرام وقبل الشروع في القراءة هذه السكتة الأولى وأما السكتة الثانية فعند الفراغ من قراءة الفاتحة وأما السكتة الثالثة فبعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع صوى السكتات التي هي الوقوف على كل آية ليترادّ إليه نفسه أو ليتدبر فيما قرأ وهذه السكتة الثالثة إنما هي لمن يقرأ قرآناً سوى الفاتحة بعد الفاتحة فإن اكتفى بالفاتحة فما هما إلا سكتتان فاعلم اعتبار أهل الله في ذلك من الناس من أنكر سكتات الإمام ومنهم من استحبها ولا شك أن السكتات هي السنة فأما اعتبارها فالله يقول قسمت الصلاة بيني وبين عبدي بنصفين وقال صلى الله عليه وسلم  » اعبد الله كأنك تراه  » فالمصلي يتأهب لمناجاة ربه ويجعله نصب عينيه في قبلته وكذلك هو الأمر في نفسه لكن من غير تحديد ولا تشبيه بل كما يليق بجلاله فإن المصلي يواجه ربه في قبلته كذا ورد عن الصادق صلى الله عليه وسلم والمناجاة مفاعلة والمفاعلة فعل فاعلين في بعض المواطن هذا منها فإذا قال العلد الحمد الله رب العالمين فالله عند هذا القول من العبد سميع فينبغي للعبد إذا فرغ من الآية أن يلقي السمع وهو شهيد فيسكت حتى يرى ما يقول له الحق جل جلاله في ذلك أدباً مع الحق لا ينبغي له أن يداخله في الكلام فإن ذلك من الأدب في المحاورات والحق أحق أن يتأدب معه فيقول الله حمدني عبدي فمن عبيد الله من يسمع ذلك القول بسمعه فإن لم تسمعه بسمعك فاسمعه إيماناً به فإنه أخبر بذلك وهكذا يقول لك في كل آية بحسب ما تقتضيه تلك الآية فمن الأدب الإصغاء لما يقوله القائل لك من ناجيته فإذا داخلته في كلامه أي في حال ما يكلمك فقد أسأت الأدب هذا عام في كل متكلم مع من يكلمه فالأمر بين سامع ومتكلم لتحصيل الفائدة واعلم أنه من لا أدب له لا تتخذه الملوك جليساً ولا سميراً ولا أنيساً. فصل بل وصل في البسملة في افتتاح القراءة في الصلاة اختلف علماء الشريعة في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح القراءة في الصلاة فمن قائل بالمنع سرّاً وجهراً لا في أمّ القرآن ولا في غيرها من السور وذلك في المكتوبة وأجازها في النافلة ومن قائل تقرأ مع أمّ القرآن في كل ركعة سرّاً ومن قائل يقرأ بها ولابدّ في الجهر جهراً وفي السرّ سراً والذي أقول به أن التعوّذ بالله من الشيطان الرجيم عند افتتاح قراءة القرآن في صلاة وفي غيرها فرض للأمر الإلهيّ الوارد في قوله تعالى  » فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم  » وقراءة البسملة في القراءة في الصلاة فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً في الفاتحة والسورة أولى من تركها فإن الفرض على المصلي أن يقرأ ما تيسر من القرآن وقد عين الله الذي أراد من القرآن في الصلاة وهو الذي تيسر فقد عرف بعد ما نكر وذلك هو الفاتحة فإن تيسر له قراءة البسملة قرأها وإن لم تتيسر قراءتها في الفاتحة وغيرها فلا حرج وأما الفاتحة فلابد منها في الصلاة وإن لم يقرأ الفاتحة فما هي الصلاة التي قسمها الحق بينه وبين عبده والبسملة عندنا آية من القرآن حيثما وردت من القرآن وهي آية إلا في سورة النمل في كتاب سليمان فإنها جزء من آية ما هي آية كاملة والله أعلم الاعتبار عند أهل الله في ذلك فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه والقرآن كلام الله وقد ورد إذا استطعم الإمام من خلفه فليطعمه فسماه طعاماً فناسب الأكل فلهذا أتينا بآيات الأكل في الاعتبار ومن قرأ القرآن معتقداً أنه كلام الله فقد سمى الله متكلماً وإن كان هذا الاسم ما ورد فافهم فهمنا الله وإياك مواقع خطابه. فصل بل وصل القراءة في الصلاة وما يقرأ به من القرآن فيها من الناس من أوجب القراءة في الصلاة وعليه إلا أكثر ومن الناس من لم ير وجوب القراءة ومن الناس من أوجبها في بعض الصلاة ولم يوجبها في بعض والذي أذهب إليه وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة وإن تركها لم تجزه صلاته ثم اختلفوا أيضاً فيما يقرأ به من القرآن في الصلاة فمنهم من أوجب قراءة أمّ القرآن في الصلاة إن حفظها وبه أقول وما عداها من القرآن ما فيه توقيت ومن هؤلاء من أوجها في كل ركعة ومنهم من أوجها في أكثر الصلاة إن حفظها وبه أقول وما عداها من القرآن ما فيه توقيت ومن هؤلاء من أوجها في كل ركعة ومنهم من أوجها في أكثر الصلاة ومنهم من أوجها في نصف الصلاة ومنهم من أوجبها في ركعة من الصلاة ومنهم من أوجب قراءة القرآن أي آية اتفقت ومن هؤلاء من حدّ ثلاث آيات من قصار الآي وآية واحدة من طوال الآي كآية الدين وهذا في الركعتين الأوليين وأمّا في الركعتين الأخريين فاستحب قوم التسبيح دون القراءة واتفق الجمهور وهم الأكثرون على استحباب القراءة في الصلاة كلها وبه أقول اعتبار أهل الله في ذلك المصلى يناجي ربه والمناجاة كلام والقرآن كلام الله والعبد قاصر أن يعرف من نفسه ما ينبغي أن يكلم به ربه في وقت مناجاته التي دعاه إليها في صلاته فعلمه ربه كيف يناجيه وبماذا يناجيه به لما قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي بنصفين ثم قال يقول العبد الحمد لله رب العالمين فهذا إخبار من الحق يتضمن تعليم العبد ما يناجيه به فيقول الله حمدني عبدي الحديث فما ذكر في حق المصلي إذا ناجاه أن يناجيه بغير كلامه ثم إنه تعالى عين له من كلامه أمّ القرآن إذا كان لا ينبغي أن يناجي إلا بكلامه وبالجامع من كلامه ولأمّ هي الجامعة وهي أمّ القرآن وبعد أن علمنا كيف نناجيه سبحانه وبماذا نناجيه فالعالم العاقل الأديب مع الله إذا دخل في الصلاة أن لا يناجيه إلا بقراءة أمّ القرآن فكان هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عن ربه تعالى مفسراً لما تيسر من القرآن وإذا ورد أمر مجمل من الشارع ثم ذكر الشارع وجهاً خاصاً مما يكون تفسيراً لذلك المجمل كان الواجب عند الأدباء من العلماء أن لا يتعدوا في تفسير ذلك المجمل ما فسره به قائله وهو الله تعالى وأن يقفوا عنده وشرع المناجاة بالكلام الإلهيّ في حال القيام في الصلاة خاصة دون غيره من الأحوال لوجود صفة القيومية من كون العبد قائماً في الصلاة والله قائم على كل نفس بما كسبت وهنا علم كبير في قيام العبد بكلام الرب وماله حديث إلا مع ربه بكلام ربه مادام قائماً فلمن يترجم وعمن يترجم ومن هو المترجم وما تكسب النفس اتلي هو قائم عليها ومن هو العبد حتى يقول السيد جل جلاله يقول العبد كذا فيقول الله كذا لولا العناية الإلهية والتفضل الرباني فإن قيل قد فهمنا ما أشرت به من صفة القيام والرفع من الركوع قيام ولا قراءة فيه قلنا الرفع من الركوع إنما شرع للفصل بينه وبين السجود فلا يسجد إلا من قيام فلو سجد من ركوع لكان خضوعاً من خضوع ولا يصح خضوع من خضوع لأنه عين الخروج عما يوصف بالدخول فيه فإن التواضع لا يكون إلا من رفعة فإن المهين النفس إذا ظهر منه التواضع فيما يرى فليس بتواضع وإنما ذلك مهانة نفس فيكون لا خضوع مثل عدم العدم هو عين الوجود فلهذا فصل بين السجدتين برفع ليفصل بين السجدتين حتى تتميز كل واحدة منهما بالفاصل الذي فصل بينهما فيعلم أن ثم أمراً آخر وإن اشتركنا في الصورة مثل قوله وأتوا به متشابهاً كما لا نشك في حقيقة كلمة لا إله إلا الله من حيث ما هي لا إله إلا الله وقد ظهرت بالصورة في ستة وثلاثين موضعاً من القرآن ويعلم صاحب الذوق أن حكمها يختلف في الطعم باختلاف الموضع الذي ظهرت فيه في ستة وثلاثين موضعاً من القرآن ويعلم صاحب الذوق أن حكمها يختلف في الطعم باختلاف الموضع الذي ظهرت فيه فإن كنت تفهم كتشابه ركعات الصلاة في الصورة ولكل ركعة طعم ومذاق ما هو للأخرى كانت ما كانت ولا شك إذا فصل بين المثلين بالنقيض تميزاً ومن الآداب مع الملوك إذا حيوا حيوا بالأنحناء وهو الركوع أو بوضع الوجه على الأرض وهو السجود تعظيماً لهم وإذا توجهوا أو أثنى عليهم قام المثنى أو المكلم لهم بين أيديهم لا يكلمهم جالساً ولا في غير حال من أحوال القيام هذا هو الأدب المعروف من إطلاق هذا اللفظ الجامع والصلاة حالة يجتمع العبد فيها على سيده كما هي حالة أيضاً جامعة بين الله وبين عبده حيث قسمها الله بينه وبين عبده في الصلاة وقعت المناسبة بين القرآن وبين الصلاة فلم ينبغ أن يقرأ فيها بغير القرآن ولما كان القيام يشبه الألف من الحروف الرقمية وهو أصل الحروف اللفظية وعنه ظهرت جميع الحروف بانطقاعه في مخارجها من الصدر إلى الشفتين فهو الجامع لأعيان الحروف وأعيان الحروف مراتبه ومنازله في خروجه وسفره من القلب الذي هو عالم الغيب إلى الشهادة كان القيام جامعاً لأنواع الهيئات وأصولها من ركوع وسجود وجلوس وإن كان الجلوس له من وجه شبه بالقيام لأنه نصف قيام فكانت قراءة القرآن من كونها جمعاً في القيام أولى فإن القيام هو الحركة المستقيمة والاستقامة هي المطلوبة من الله أن يوفق لها العبد فالعبد يقول اهدنا الصراط المستقيم لكون الله تعالى قال له فاستقم كما أمرت فتعين بما ذكرناه في مجموعه وجوب قراءة أمّ القرآن في الصلاة في ركعة إذ كانت أقل ما ينطلق عليه اسم صلاة شرعاً وهي الوتر وقد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بواحدة أو ترجيحها على غيرها من آي القرآن وإذا كان المتعين على المصلي في القيام قراءة أمّ القرآن إما بالوجوب وإما بالأولوية فلنبين في ذلك صورة قراءة العلماء بالله لها في مناجاتهم في الصلاة وصل في وصف هذه الحال اعلم أن المصلي لما كان ثانياً كما قرّرناه في الاشتقاق وإن كونه ثانياً ليس بأمر حقيقيّ وإنما كان ذلك بالإضافة إلى شهادة التوحيد في الإيمان فتلك تثنية الإيمان أي ظهوره في موطنين في موطن الشهادة وموطن الصلاة كما نثلثه مع الزكاة فما زاد ولهذا ذكر الله الزيادة في الإيمان فقال  » فزادتهم إيماناً  » وهو عين واحدة والكثرة إنما هي في ظهوره في المواطن كالواحد المظهر للأعداد المكثر لها وهو في نفسه لا يتكثر ألا تراه إذا خلت مرتبة عنه لم يبق لتلك المرتبة حكم ولا عين وفي معنى هذا يقول الله فيمن قال نؤمن ببعض ونكفر ببعض أولئك هم الكافرون حقاً فنفى عنهم الإيمان كله إذ نفوه من مرتبة واحدة فهم أولى باسم الكفر الذي هو الستر فإن الكافر الأصلي هو الذي استتر عنه الحق وهذا عرف الإيمان وستره فإنه قال نؤمن ببعض فهو أولى باسم الكفر من الذي لم يعرفه ولما لم تكن أوّلية الحق تقبل الثاني قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فذكر نفسه وذكر العبد وما ذكر الأوّلية هنا لا له ولا لعبده بل ذكر البين له بالضمير ولعبده بالصريح وهو الحدّ الذي ينبغي أن يتميز به العبد من ربه إلا أنه تعالى قدّم نفسه في البينية فقال بيني ثم أخر عن هذا التقدم بينية عبده فقال وبين عبدي فأضافه إليه تعالى ليعرفه أنه عبد له لا لهواه فإنه القائل أفرأيت من اتخذ إلهه هواه فكان عنده عبدا لهواه وهو في نفس الأمر عبد ربه سبحانه فالعبد ماله إرادة مع سيده بل هو بحكم ما يراد به فالحق سبحانه هو الواجب الوجود لذاته والعبد هو الذي منه استفاد الوجود فإن أصله العدم فالحق يعطيه التقدّم في هذه المرتبة إذ البينية لا تعقل إلا بين أمرين والأمران هنا الرب والعبد ثم إن الحق جعل في مقابلة تقديم نفسه من قوله بيني تقديم العبد في القول على قول الحق فقال سبحانه يقول العبد الحمد لله رب العالمين فقدم قول العبد ثم قال فيقول الله فجاء بقوله بعد قول العبد وذلك ليتبين لنا أن له الأمر من قبل في قوله بيني فقدّم ومن بعد في قوله فيقول الله فهو الأول والآخر فأثبت للعبد الأولية في القول ليعلم أن الأولية الإلهية في قوله بيني لا تقتضي قبول الثاني فهذا الذي قد تخيل أنه ثان قد رجع أولاً في القول في المناجاة فعرّفناك أن المقصود التعريف بالمراتب لا التركيب المولد فإنه لم يلد سبحانه في قوله وبين عبدي ولم يولد في قوله فيقول الله حمدني عبد ولو أن العقل يدركه حقيقة بنظره ودليله ويعرف ذاته لكان مولداً عن عقله بنظره فلم يولد سبحانه للعقول كما لم يولد في الوجود ولم يلد بإيجاده الخلق لأن وجود الخلق لا مناسبة بينه وبين وجود الحق والمناسبة تعقل بين الوالد والولد إذ كل مقدمة لا تنتج غير مناسبها ولا مناسبة بين الله وبين خلقه إلا افتقار الخلق إليه في إيجادهم وهو الغني عن العالمين فكما ثبت أن أولية الحق لا تقبل الثاني كذلك أولية العبد في القول لا يكون الحق ثانياً لها إذ ليست بأولية عدد إذ كان الذي في مقابلة العبد هو الحق فإنه الذي يناجيه وما تعرض لذكر الغير فمن كان في صلاته يشهد الغير معرى عن شهود الحق فيه أو شهوده في الحق أو شهود صدوره عن الحق وهو قول أبي بكر الصديق ما رأيت شيأ إلا رأيت الله قبله فما هو بمصل من ليست حالته ما ذكرناه من أنواع المشاهدة وإذا لم يكن مصلياً لم يكن مناجياً والحق لا يناجى بالألفاظ في هذه الحالة وإنما يناجى بالحضور معه فيكون القائل الحمد لله رب العالمين إذا لم يكن حاضراً مع الله لسان العبد لا عينه وحقيقته فيقول الحق عند ذلك حمدني لسان عبدي لا عبدي المفروضة عليه مناجاتي وإذا حضر القائل في قوله يقول الله حمدني عبدي جبر له ما مضى بفضل الله فإن العبد إذا حضر تضمن حضوره حضور اللسان وسائر الجوارح لأن العين تجمعهم وإذا لم يحضر عينه لم تقم عنه جارحة من جوارحه ولا عن غير نفسها ولما تقدم نداء الحق عبده في الإقامة حي على الصلاة لهذا ابتدأ العبد بتكبيرة الإحرام فإن بقي على إحرامه إلى آخر صلاته وصدق في إنه أحرم ووفى وفى الله له فإنه قال  » ليجزي الله الصادقين بصدقهم  » وقال  » أوفوا بعهدي أوف بعهدكم  » فإنه لا مكره له وإن لم يفِ العبد في صلاته بإحرامه وأحضر أهله أو دكانه وما كان من أغراضه معه فأمره إلى الله يفعل معه ما يقتضيه علمه فيه فقال العبد اقتداء في تكبيرة الإحرام الله أكبر لما خصص حالاً من الأحوال سماها صلاة قال الله أكبر إن يقيد ربي حال من الأحوال بل هو في كل الأحوال لا بل هو كل الأحوال بل الأحوال كلها بيده لم يخرج عنه حال من الأحوال فكبره عن مثل هذا الحكم الوهم لا لحكم العقل فإن للوهم حكماً في الإنسان كما للعقل حكماً فيه وجعلها تكبيرة إحرام أي تكبيرة منع يقول تكبير لا يشاركه في مثل هذا الكبرياء كون من الأكوان وعلى الحقيقة التي أخبرنا بها كيف يشاركه من هو عينه إذ قال له لا يشاركه في مثل هذا الكبرياء كون من الأكوان وعلى الحقيقة التي أخبرنا بها كيف يشاركه من هو عينه إذ قال له إنه سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله فالشيء لا يشارك نفسه فإنه ما ثم إلا واحد فهو المكبر والكبير وهو الكبرياء ليس غيره يتعالى ويتنزه ويتقدس أن يكون متكبراً بكبرياء ما هو عينه فإذا قام العارف بين يدي الله بهذه الصفة ولم ير في وقوفه ولا في تكبيره غير ربه وأصغى إلى نداء ربه إذ قال له حي على الصلاة في الإقامة أي أقبل على مناجاتي وقد قال له  » وثيابك فطهر  » فإن المصلي في هذا المقام يخلع على الحق حلل الثناء يطلب بذلك البركة فيها فإنه قد علم أن الله يرد عليه عمله كما يقول الشخص عندنا لأهل الدين البس لي هذا الثوب على طريق البركة ثم يخلعه اللابس عليه يقول الحق لما ذكرناه أثنى علي عبدي أي خلع علي حلل الثناء والحق سبحانه على الحقيقة المثني على نفسه بلسان عبده كما أخبرنا أنه قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فانظر ما أشرف مرتبة المصلي كيف وصفه الحق بأنه يخلع حلل الثناء على سيده وأين المصلي الذي تكون هذه حالته هيهات بل الناس استنابوا ألسنتهم لسوء أدبهم وعدم علمهم بمن دعاهم وبما دعوا له من طلب الثناء فلم يجيبوا إلا بظواهرهم وراحوا بقلوبهم إلى أغراضهم فهم المصلون الساهون في صلاتهم لا عن صلاتهم للحالة الظاهرة من الإجابة لندائه ولكونهم أقاموا ظواهرهم نواباً عنهم بين يدي القبلة عن أمر الله فلما دعاهم الحق إلى هذا المقام وجاء العالم بالله وكبر تكبيرة الإحرام كما ذكرناه ولم ير نفسه أهلاً لمناجاة ربه إلا بعد تجديد طهارة لقوله وثيابك فطهر والثوب في الاعتبار القلب قال العربي فسلي ثيابي من ثيابك تنسل وقيل في تفسير قوله وثيابك فطهر أنه أمر بتقصير ثيابه يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذا المعنى:ولية عدد إذ كان الذي في مقابلة العبد هو الحق فإنه الذي يناجيه وما تعرض لذكر الغير فمن كان في صلاته يشهد الغير معرى عن شهود الحق فيه أو شهوده في الحق أو شهود صدوره عن الحق وهو قول أبي بكر الصديق ما رأيت شيأ إلا رأيت الله قبله فما هو بمصل من ليست حالته ما ذكرناه من أنواع المشاهدة وإذا لم يكن مصلياً لم يكن مناجياً والحق لا يناجى بالألفاظ في هذه الحالة وإنما يناجى بالحضور معه فيكون القائل الحمد لله رب العالمين إذا لم يكن حاضراً مع الله لسان العبد لا عينه وحقيقته فيقول الحق عند ذلك حمدني لسان عبدي لا عبدي المفروضة عليه مناجاتي وإذا حضر القائل في قوله يقول الله حمدني عبدي جبر له ما مضى بفضل الله فإن العبد إذا حضر تضمن حضوره حضور اللسان وسائر الجوارح لأن العين تجمعهم وإذا لم يحضر عينه لم تقم عنه جارحة من جوارحه ولا عن غير نفسها ولما تقدم نداء الحق عبده في الإقامة حي على الصلاة لهذا ابتدأ العبد بتكبيرة الإحرام فإن بقي على إحرامه إلى آخر صلاته وصدق في إنه أحرم ووفى وفى الله له فإنه قال  » ليجزي الله الصادقين بصدقهم  » وقال  » أوفوا بعهدي أوف بعهدكم  » فإنه لا مكره له وإن لم يفِ العبد في صلاته بإحرامه وأحضر أهله أو دكانه وما كان من أغراضه معه فأمره إلى الله يفعل معه ما يقتضيه علمه فيه فقال العبد اقتداء في تكبيرة الإحرام الله أكبر لما خصص حالاً من الأحوال سماها صلاة قال الله أكبر إن يقيد ربي حال من الأحوال بل هو في كل الأحوال لا بل هو كل الأحوال بل الأحوال كلها بيده لم يخرج عنه حال من الأحوال فكبره عن مثل هذا الحكم الوهم لا لحكم العقل فإن للوهم حكماً في الإنسان كما للعقل حكماً فيه وجعلها تكبيرة إحرام أي تكبيرة منع يقول تكبير لا يشاركه في مثل هذا الكبرياء كون من الأكوان وعلى الحقيقة التي أخبرنا بها كيف يشاركه من هو عينه إذ قال له لا يشاركه في مثل هذا الكبرياء كون من الأكوان وعلى الحقيقة التي أخبرنا بها كيف يشاركه من هو عينه إذ قال له إنه سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله فالشيء لا يشارك نفسه فإنه ما ثم إلا واحد فهو المكبر والكبير وهو الكبرياء ليس غيره يتعالى ويتنزه ويتقدس أن يكون متكبراً بكبرياء ما هو عينه فإذا قام العارف بين يدي الله بهذه الصفة ولم ير في وقوفه ولا في تكبيره غير ربه وأصغى إلى نداء ربه إذ قال له حي على الصلاة في الإقامة أي أقبل على مناجاتي وقد قال له  » وثيابك فطهر  » فإن المصلي في هذا المقام يخلع على الحق حلل الثناء يطلب بذلك البركة فيها فإنه قد علم أن الله يرد عليه عمله كما يقول الشخص عندنا لأهل الدين البس لي هذا الثوب على طريق البركة ثم يخلعه اللابس عليه يقول الحق لما ذكرناه أثنى علي عبدي أي خلع علي حلل الثناء والحق سبحانه على الحقيقة المثني على نفسه بلسان عبده كما أخبرنا أنه قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فانظر ما أشرف مرتبة المصلي كيف وصفه الحق بأنه يخلع حلل الثناء على سيده وأين المصلي الذي تكون هذه حالته هيهات بل الناس استنابوا ألسنتهم لسوء أدبهم وعدم علمهم بمن دعاهم وبما دعوا له من طلب الثناء فلم يجيبوا إلا بظواهرهم وراحوا بقلوبهم إلى أغراضهم فهم المصلون الساهون في صلاتهم لا عن صلاتهم للحالة الظاهرة من الإجابة لندائه ولكونهم أقاموا ظواهرهم نواباً عنهم بين يدي القبلة عن أمر الله فلما دعاهم الحق إلى هذا المقام وجاء العالم بالله وكبر تكبيرة الإحرام كما ذكرناه ولم ير نفسه أهلاً لمناجاة ربه إلا بعد تجديد طهارة لقوله وثيابك فطهر والثوب في الاعتبار القلب قال العربي فسلي ثيابي من ثيابك تنسل وقيل في تفسير قوله وثيابك فطهر أنه أمر بتقصير ثيابه يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذا المعنى:

تقصيرك الثوب حقاً … أنقى وأبقى وأتقى

ولا شك أن العبد فرض عليه رؤية تقصيره في طاعة ربه فإنه يقصر بذاته عما يجب لجلال ربه من التعظيم فهو تنبيه إلهي على أن يطهر العبد قلبه إذ كان ثوب ربه الذي وسعه في قوله وسعني قلب عبدي فمثل هذا الثوب هو المأمور بتطهيره في هذا المقام ثم إن العارف رأى أن طهر قلبه لمناجاة ربه إذا طهره بنفسه لا بربه زاده دنساً إلى دنسه كمن يزيل النجاسة من ثوبه ببوله لكونه مائعاً وأن التطهير المطلوب هنا إنما هو البراءة من نفسه ورد الأمر كله إلى الله فإن الله يقول وإليه يرجع الأمر كله فاعبده ولهذا لا يصح له عندنا أن يناجيه في الصلاة بغير كلامه لأنه لا يليق أن يكون في الصلاة شيء من كلام الناس وكذا ورد في الخبر أن الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح الحديث ثم أيد هذا القول بما أمر به حين نزل قوله تعالى  » فسبح باسم ربك العظيم  » قال صلى الله عليه وسلم  » لنا اجعلوها في ركوعكم  » ولما نزلت  » سبح اسم ربك الأعلى  » قال صلى الله عليه وسلم لنا  » اجعلوها في سجودكم  » فعمنا القرآن في أحوالنا من قيام وركوع وسجود فما ذكره المصلي في شيء من صلاته إلا بما شرعه له على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفنا أنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وإن لم نسم كل كلام إلهي قرآناً مع علمنا أنه كلام الله فالقرآن كلام الله وما كل كلام الله قرآن فالكل كلامه فلا نناجيه في شيء من الصلاة إلا بكلامه كذلك التطهير الذي أمر به سبحانه في قوله وثيابك فطهر فيقول العارف في صلاته بين تكبيرة الإحرام وقراءة فاتحة الكتاب امتثالاً لهذا الأمر  » اللهم باعد بيني وبين خطاياي وهي النجاسات المتعلقة بثوبه كما باعدت بين المشرق والمغرب والسبب في ذلك أن العبد العالم إذا دعاه الحق إلى مناجاته فقد خصه بمحل القربة منه فإذا أشهده خطاياه في موطن القرب وهي في ذاتها في كل البعد من تلك المكانة كان العبد في محل البعد عما طلب الحق منه من القرب فدعا الله قبل الشروع في المناجاة أن يحول بينه وبين مشاهدة خطاياه أن تظهر له في قلبه في هذا الموطن الذي هو موطن القربة ولذلك قال بعضهم في حد التوبة إن تنسى ذنبك فإن ذكر الجفا في موطن الصفا جفا وما رأيت فيمن رأيت أحداً تحقق بهذا المقام ذوقاً إلا بعض الملوك في مقامه مع الخلق فلا يريد أن يظهر له شيء من خطاياه بتخيل أو تذكر كما باعدت بين المشرق والمغرب وفي هذا التشبيه علم عزيز غزير ولكنه أراد هنا البعد بين الضدين إذ كان الضدان لا يجتمعان والعلم الذي نبهنا عليه مبطون في هذين الضدين إذ يجتمعان في حكم مّا كالبياض والسواد يجتمعان في اللون كالمحدث وغير المحدث في الوصف بالوجوب فالمشرق وإن بعد عن المغرب حساً فإنه يشاهد كل واحد صاحبه على التقابل وهو بعد حسي بالموضعين وبعد معنوي بالشروق والغروب فإن الغروب يضاد الشروق ومحل الشروق الذي هو المشرق بعيد جداً من محل الغروب الذي هو المغرب ولم يقل كما باعدت بين السواد والبياض فإن اللونية تجمع بينهما فانظر ما أحكم هذا التعليم وما أحقه وأدقه وتأدب مع الله حيث طلب البعد من خطاياه وما طلب إسقاطها عنه حتى لا يكون في ذلك الموطن في حظ نفسه يسعى ويطلب فيكون بمنزلة من وجه الملك فيه ليدخل عليه فلما دخل عليه طلب منه ابتداء ما يصلح لنفسه فهذا سيء الأدب وإنما ينبغي له أن يطلب من الحق ما يليق مما تطلبه تلك الحالة من التأهب لمناجاة سيده فطلب البعد من الخطايا ما طلب الإسقاط وصل فيه ومنه ثم قال اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وذلك لما قال له عز وجل  » وثيابك فطهر فجاء في دعائه بلفظ الثوب إعلاماً للحق لقوله حتى تعلم وهذا غاية الأدب حيث يترك علمه لإيمانه أي ما دعوتك إلا بما أمرتني به أن أفعله من تطهير الثوب لمناجاتك فلتكن أنت يا رب المتولي لذلك التطهر فإنه لا حول لي ولا قوة إلا بك وكل وصف لا يليق بجلالك فهو خطية من تخطيت وهو أن يتجاوز العبد حده فيخطو في غير محله ويجول في غير ميدانه فهو كالماشي في الأرض المغصوبة فإذا خطا العبد في غير ما أمره به سيده سمى مخطئاً وخاطئاً وسميت تلك الفعلة والحركة خطيئة فالعبد عبد والرب رب وصل لبقية الدعاء ثم يقول اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد أي تول أنت سبحانك غسل خطاياي فأضاف الغسل إليه يقول فإنك قد شرعت إلي أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله وشرعت لي أن أقول إذا قلت إياك نعبد أقول وإياك نستعين أي على عبادتك فإن لم تتولني بقوتك ومعونتك فيما أمرتني به من تطهير ذاتي لمناجاتك فكيف أناجيك في حالة جعلتها دنساً وأنت القائل وجعلنا من الماء كل شيء حي فاغسل خطاياي بالماء أي أحي قلبي بأن تبدل سيآته حسنات بالتوبة والعمل الصالح فهذه الحياة هنا على هذا الحال بورود الماء على النجاسة والدنس تطهير أي ما كان دنساً صار نقياً وما كان نجساً صار طاهراً فإن دنسه ونجاسته لم تكن لذاته وإنما كان بحكم شرعي انفرد به هذا الموطن فلما اجتمع بالماء لورود الماء عليه كان للاجتماع حكم آخر سمى به نقاء وطهارة فعاد القبيح حسناً والسيئة حسنة فمثل هذا الفعل هو المطلوب لا إزالة العين بل إزالة الحكم فإن العين موجودة في الجمع بينها وبين الماء وقوله والثلج يقال في الرجل إذا سر قلبه بأمر مّا ثلج فؤاد الرجل أي هو في أمر يسر به فيقول يا رب إنك إذا فعلت مثل هذا الغسل سر قلبي حيث تطهر لما يرضيك بما يرضيك فينقلب غمه سروراً وقوله والبرد هو ما ينطفي من جمرة الاحتراق الذي قام بالقلب من كونه حين دعاه ربه لمناجاته على حالة لا يصلح أن يقف بها بين يدي ربه فيحب ما يطفي تلك النار فجاء بلفظ البرد من البرد وفي رواية بالماء البارد فهو المستعمل في كلام العرب كذا رويناه عنهم قال شاعرهم:لي أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله وشرعت لي أن أقول إذا قلت إياك نعبد أقول وإياك نستعين أي على عبادتك فإن لم تتولني بقوتك ومعونتك فيما أمرتني به من تطهير ذاتي لمناجاتك فكيف أناجيك في حالة جعلتها دنساً وأنت القائل وجعلنا من الماء كل شيء حي فاغسل خطاياي بالماء أي أحي قلبي بأن تبدل سيآته حسنات بالتوبة والعمل الصالح فهذه الحياة هنا على هذا الحال بورود الماء على النجاسة والدنس تطهير أي ما كان دنساً صار نقياً وما كان نجساً صار طاهراً فإن دنسه ونجاسته لم تكن لذاته وإنما كان بحكم شرعي انفرد به هذا الموطن فلما اجتمع بالماء لورود الماء عليه كان للاجتماع حكم آخر سمى به نقاء وطهارة فعاد القبيح حسناً والسيئة حسنة فمثل هذا الفعل هو المطلوب لا إزالة العين بل إزالة الحكم فإن العين موجودة في الجمع بينها وبين الماء وقوله والثلج يقال في الرجل إذا سر قلبه بأمر مّا ثلج فؤاد الرجل أي هو في أمر يسر به فيقول يا رب إنك إذا فعلت مثل هذا الغسل سر قلبي حيث تطهر لما يرضيك بما يرضيك فينقلب غمه سروراً وقوله والبرد هو ما ينطفي من جمرة الاحتراق الذي قام بالقلب من كونه حين دعاه ربه لمناجاته على حالة لا يصلح أن يقف بها بين يدي ربه فيحب ما يطفي تلك النار فجاء بلفظ البرد من البرد وفي رواية بالماء البارد فهو المستعمل في كلام العرب كذا رويناه عنهم قال شاعرهم: وعطل قلوصي في الركاب فإنها … ستبرد أكباداً وتبكي بواكيا يقول إن من الناس من كان في نفسه من حياتي حرقة ونار حسداً وعداوة إذا رأوا قلوصي معطلة عرفوا بموتي فبرد عنهم ما كانوا يجدونه بحياتي من النار وأبكت أوليائي الذين كانوا يحبون حياتي فانتقلت صفات هؤلاء إلى هؤلاء وهؤلاء إلى هؤلاء كما انتقل ذل الأولياء وتعبهم ونصبهم ومكابدتهم وكدهم في الدنيا في طاعة ربهم إلى الأشقياء من الجبابرة في النار وانتقل سرور الجبابرة وراحة أهل الثروة في الدنيا إلى أهل السعادة أهل الجنة في الآخرة فالذي ذكر هذا الشاعر في شعره هي حالة كل موجود إذ كل موجود لابد له من عدو وولى قال تعالى  » لا تتخذوا عدوي وعدوكم فجعلهم أعداء له كما قال في جزائه إياهم ذلك جزاء أعداء الله فإذا كان لله أعداء فكيف بأجناس العالم وكذلك الولاية لله أولياء ولكل موجود فالعالم بالله المشغول به من يقول ما ثم إلا الله وأنا فيفني الكل في جناب الحق وهو الأولى وهو الولي حقاً إذ كانت هثه الحالة سارية حقاً وخلقاً فإن الله عدو للكافرين كما هو ولي للمؤمنين فهم عبيده أعداؤه فكيف حال عبيده بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس والتحاسد فإذا سأل العارف من الله هذا التطهير بعد تكبيرة الإحرام عند ذلك يشرع في التوجيه وصل متمم لا كمل صلاة في التوجيه وإنما ذكرنا هذا لأن العالم بالله يعمد إلى أكمل الصلوات عند الله في حالاتها من أقوال وأفعال وإن لم يكن بطريق الوجوب ولكن أولياء الله أولى بصورة الكمال في العبادات لأنهم يناجون من له الكمال المحقق بما يجب له فإن ذلك واجب عليهم أوجبته معرفتهم وشهودهم ابتداء التوجيه فيقول العبد وجهت وجهي فأضاف العبد الوجه إلى نفسه عن شرع أبدله فيه أدباً مع الله بحضوره مع الحق في أنه لسانه الذي يتكلم به ودعاه إلى هذه الإضافة قوله تعالى بيني وبين عبدي فأثبته وإنما هو بالحقيقة مضاف إلى سيده فإن العبد الأديب العارف هو وجه سيده إذ لا ينبغي أن يضاف إلى العبد شيء فهو المضاف ولا يضاف إليه فإذا أضاف السيد نفسه إليه فهو على جهة التشريف والتعريف مثل قوله وإلهكم ومثل ذلك وأضاف فعل التوجيه إلى نفسه لعلمه أن الله قد أضاف العمل إلى العبد فقال يقول العبد الحمد لله والقول عمل من الأعمال فالعالم لا يزال أبداً يجري مع الحق على مقاصده كما قال  » خلق الإنسان علمه البيان  » فعرفه بالمواطن وكيف يكون فيها ولو تركه مع نفسه لعاد إلى العدم الذي خرج منه فأعطاه الوجود ولوازمه وظهر فيه سبحانه بنفسه بما أظهر من الأفعال به وجعل للعبد أولاً معلوماً وجودياً وآخراً معلوماً في الوجود معقولاً في التقدير وظاهراً ما ظهر منه له وباطناً بما خفي عنه منه فلما حده بهذه الحدود وعراه عنها وقال له ما أنت هو بل هو الأول والآخر والظاهر والباطن فأبقى العبد في حال وجوده على إمكانه ما برح منه ولا يصح أن يبرح وأضاف الأفعال إليه لحصول الطمأنينة بأن الدعوى لا تصح فيها فإنه قال وإليه يرجع الأمر كله وقال أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون فلهذا أضاف العالم التوجيه إلى نفسه ووجه الشيء ذاته وحقيقته أي نصبت ذاتي قائمة كما أمرتني ثم قال للذي فطر السموات والأرض وهو قوله ففتقناهما أي الذي ميز ظاهري من باطني وغيبي من شهادتي وفصل بين القوى الروحانية في ذاتي كما فصل السموات بعضها من بعض فأوحى في كل سماء بما جعل في كل قوّة من قوى سمواتي وقوله والأرض ففصل بين جوارحي فجعل للعين حكماً وللأذن حكماً ولسائر الجوارح حكماً حكماً وهو قوله وقدّر فيها أقواتها وهو ما يتغذى به العقل الإنسانيّ من العلوم التي تعطيه الحواس بما يركبه الفكر من ذلك لمعرفة الله ومعرفة ما أمر الله بالمعرفة به فهذا وما يناسبه ينظر العالم في الله بالتوجيه بقوله فطر السموات والأرض وهو بحر واسع لو شرعنا فيما يحصل للعارف في نفسه الذي يوجب عليه أن يقول فطر السموات والأرض ما وسعه كتاب ولكلت الألسن عن تعبير سماء واحدة منه ثم قال حنيفاً أي مائلاً والحنف الميل يقول مائلاً إلى جناب الحق من إمكاني إلى وجوب وجودي بربي فيصح لي التنزه عن العدم فأبقى في الخير المحض فهذا معنى قوله حنيفاً ثم قال وما أنا في هذا الليل من المشركين يقول ما ملت بأمري كما قال العبد الصالح وما فعلته عن أمري وإنما الحق علمني كيف أتوجه إليه وبماذا أتوجه إليه ومماذا أتوجه إليه وعلى أية حالة أكون في التوجه إليه هذا كله لابدّ أن يعرفه العلماء بالله في التوجيه وإن لم يكونوا بهذه المثابة فما هم أهل توجيه وإن أتوا بهذا اللفظ فنفى عن نفسه الشرك.التوجه إليه هذا كله لابدّ أن يعرفه العلماء بالله في التوجيه وإن لم يكونوا بهذه المثابة فما هم أهل توجيه وإن أتوا بهذا اللفظ فنفى عن نفسه الشرك. والعبد وإن أضاف الفعل إلى أن يكون به منفرداً من ذلك الفعل فالعبد لا يشاركه سيده في عبوديته فإن السيد لا يكون عبداً والعبد لا يكون سيداً لمن هو له عبد من حيث ما هو عبد له ثم قال إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي فأضاف الكل إلى نفسه فإنه ما ظهرت هذه الأفعال ولا يصح أن تظهر إلا بوجوب العبد إذ يستحيل على الحق إضافة هذه الأشياء إليه بغير حكم الإيجاد فتضاف إلى الحق من حيث إيجاد أعيانها كما تضاف إلى العبد من كونه محلاً لظهور أعيانها فيه فهو المصلي كما أن المحرّك هو المتحرّك ما هو المحرّك فهو المتحرّك حقيقة ولا يصح أن يكون الحق هو المتحرّك كما لا يصح أن يكون المتحرّك هو المحرّك لنفسه لكونه تراه ساكناً فاعلم ذلك حتى تعرف ما تضيفه إلى نفسك مما لا يصح أن تضيفه إلى ربك عقلاً وتضيف إلى ربك ما لا يصح أن تضيفه إلى نفسك شرعاً ونسكي هنا معناه عبادتي أي إن صلاتي وعبادتي يقول ذلتي ومحياي ومماتي أي وحالة حياتي وحالة موتي ثم قال لله رب العالمين أي لله أي إجاد ذلك كله لله لا لي أي ظهور ذلك فيّ من أجل الله لا من أجل ما يعودد عليّ في ذلك من الخير فإن الله يقول  » وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون  » فجعل العلة ترجع إلى جنابة لا إلى فلم يكن الفصد الأوّل الخير لنا وإنما كان الإيثار في ذلك لجناب الحق الذي ينبغي له الإيثار فكان تعليماً لنا من الحق وتنبيهاً وهو قول رابعة أليس هو أهلاً للعبادة فالعالم من عبد الله لله وغير العالم يعبده لما يرجوه من الله من حظوظ نفسه في تلك العبادة فلهذا شرع لنا أن نقول لله رب العالمين أي سيد العالمين ومالكهم ومصلحهم لما شرع لهم وبين حتى لا يتركهم في حيرة كما قال تعالى في معرض الامتنان على عبده  » ووجدك ضالاً فهدى  » أي حائراً فبين لك طريق الهدى من طريق الضلالة فطريق الهدى هنا هو معرفة ما خلقك من أجله حتى تكون عبادتك على ذلك فتكون على بينة من ربك ثم قال لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين أي لا إله في هذا الموضع مقصود بهذه العبادة إلا الله الذي خلقني من أجلها أي لا أشرك فيها نفسي بما يخطر له من الثواب الذي وعده الله لمن هذه صفته وقد ذهب بعضهم إلى الحضور مع الثواب في حال هذه العبادة وكفر من لم يقل به وهذا ليس بشيء وهو من أكابر المتكلمين غير أنه لم يكن من العلماء بالله من طريق الأذواق بل كان من أهل النظر الأكابر منهم وردّ على العدوية فيما قالته ولا يعتبر عندنا ما يخالفنا فيه علماء الرسوم إلا في نقل الأحكام المشروعة فإن فيها يتساوى الجميع ويعتبر فيها المخالف بالقدح في الطريق الموصل أو في المفهوم باللسان العربي وأمّا في غير هذا فلا يعتبر إلا مخالفة الجنس وهذا سار في كل صنف من العلماء بعلم خاص وقوله وبذلك أمرت يعود على الجملة كلها وعلى كل جزء جزء منها بحسب ما يليق بذلك الجزء فلا يحتاج إلى ذكره مفصلاً إذ قد حصل التنبيه على ما فيه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ثم قال وأنا من المسلمين أي من المنقادين لأوامره في قوله وبذلك أمرت ثم قال اللهم أنت الملك وذلك أن الله تعالى لما دعاه إلى القيام بين يديه وذلك أنه لا ينبغي أن يدعو إلى هذه الصفة إلا الملوك فخص هذا الاسم في التوجيه دون غيره ولهذاع شرع التكتيف في الصلاة في حال الوقوف لأنه موطن وقوف العبد بين يدي الملك ثم يقول بالوصف الأخص لا إله إلا أنت ولم يقل لا ملك إلا أنت أدباً مع الله فإن الله قد أثبت الملوك في الأرض في قوله وجعلكم ملوكاً ونفى أن يكون في العالم إله سواه لا بالحقيقة ولا بحكم الجعل فقال العبد في التوجيه لا إله إلا أنت ولو قال لا ملك إلا أنت لكان نافياً لما أثبته الحق وما أثبته الحق لا يلحقه الانتفاء كما أنه إذا نفى شيأ لا يمكن إثباته أصلاً فإن كان لفظ هذا التوجيه نقلاً عن الحق وهو من كلام الله فهو تصديق لما أثبته ونفاه وإن كان من لفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو من مقام الأدب مع الله حيث لم ينف ما أثبته الله وإن كان لا ملك إلا الله ولكن الله قد أثبت الملوك فهذا معنى لا إله إلا أنت عقيب قوله أنت الملك فإنه يظهر فيه عدم المناسبة فلما كانت الألوهية تتضمن الملك ولا يتضمن الملك الألوهية أتى بلفظ يدل معناه على وجود الملك الذي سماه وإن لم يظهر له لفظ فالإله ملك وليس كل ملك إلهاً ثم يقول أنت ربي وأنا عبدك فقدّم ربه وأخر نفسه وأضافها إلى ربه بحرف الخطاب لأنه بين يديه وانظر ما في بهذا الكلام من الأدب يقول له أنت ربي وأنا عبدك الذي قسمت الصلاة بينك وبينه فمن حيث هذه العبودية الخاصة وقفت بين يديك وهي حالة مناجاة لا حالة أخرى فإن أحوال العبد تتنوّع بتنوّع ما يدعوه السيد إليه وإن كان عبداً في كل حالة ثم يقول ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يقول في هذا الكلام لما قال قبل التوجيه ذلك الدعاء الذي قدّمنماه بعد التكبير من سؤاله البعد بينه وبين خطاياه يقول ظلمت نفسي بما اكتسبت من الخطايا واعترفت بين يديك بها قبل مناجاتك فاغفر لي ذنوبي أي فاستر ذنوبي من أجلي إنه لا يقدر على سترها إلا أنت فلا تراني فتأتيني فأكون بها مذنباً ولا أراها فتحلو لي فأتيها فأكون بها مذنباً وهو قوله باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب يقول إذا سترتها عني بهذا البعد لم نشهدها حتى أكون متفرّغاً لقبول ما دعوتني إليه فإنك إن أشهدتني ذنوبي ولم تسترها عني منعني الحياء والدهش عند رؤيتها أن أعقل ما تريده مني مما دعوتني إليه فلم يذكر أيضاً إسقاطها عني حتى لا يكون يسعى في حظ نفسه وإن المطلوب سترها في تلك الحال ولهذا العالم بالله مع توبته لايزال متى ذكر ذنبه أثرت في نفسه وحشة المخالفة وإن لم يؤاخذ به فإن الحال تعطي ذلك ثم يقول واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت هو بمنزلة قوله في الدعاء اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد أي وفقني لاستعمال مكارم الأخلاق في هذا الموطن مما يستحق أن أعاملك بها من الأدب في مناجاتك والأخذ عنك والفهم لما تورده عليّ في كلامك وفهم ما أناجيك به أنا من كلامك هذا كله من أحسن الأخلاق وفي أفعالي بهيآت وقوفي بين يديك ظاهراً وباطناً كما شرعت لي فلا يهدي لأحسن الأخلاق إلا أنت أي أنت الموفق لهذه لا قوّة لي على اتيان ذلك ولا تعيينه إلا بقوّتك وبتعريفك إذ هذا مما لايدرك بالاجتهاد بل بما تشرعه وتبينه لما كان قدرك مجهولاً وما ينبغي لجلالك غير معلوم ولا نقيس معاملتنا معك بمعاملة العبيد مع الملوك فإنك قلت ليس كمثلك شيء فالأدب الذي يخصنا في معاملتك ما نعلمه إلا منك ثم قال واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ابتداء بالتعليم فتعرّفني ما لا ينبغي أن يعامل به جلالك وثانية أيضاً بالاستعمال في ترك ما لا يحسن بقدرك إذ بيدك الأمر كله فقد تعلم العبد ولا تستعمله فيما علمته فاصرف عني سيء الأخلاق بالعلم والاستعمال ثم يقول لبيك وسعديك أي إجابة لك ومساعدة لما دعوتني إليه بقولك على لسان حاجب الباب حيّ على الصلاة ها أنا قد جئت مجيباً دعاءك لبيك ومساعدة لما تريده مني على نفسي بالقبول ثم يقول والخير كله بيديك لما كان هو الخير المحض فإنه الوجود الخالص المحض الذي لم يكن عن عدم ولا إمكان عدم ولا شبهة عدم كان الخير كله بيديه ثم يقول والشر ليس إليك يقول ولا يضاف الشر إليك والشرّ المحض هو العدم أي لا يضاف إليك عدم الخير ولا ينبغي لجلالك وأتى بالألف واللام لشمول أنواع الشرّ أي الشرّ المطلق والشرّ المقيد بالصور الخاصة هذا كله ليس إليك أي ما سميته شراً أو هو شرّ لا ينبغي أن يضاف إليك أدباً وحقيقة وأقوى ما يحتج به المخالف في هذه المسئلة قوله تعالى  » كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء  » وقوله  » ومن يضلل الله فما له من هاد  » فاعلم أن مطلق الضلالة الحيرة والجهل بالأمر وبطريق الحق المستقيم فقوله يضل الله من يشاء أي من عرفه بطريق الضلالة فإنه يضل فيها ومن عرفه بطريق الهداية فإنه يهتدي فيها مثل قوله في الهداية  » ليس كمثله شيء  »  » وسبحان ربك رب العزة عما يصفون  » و  » ما قدروا الله حق قدره  »  » ولم يكن له كفواً أحد  » فالعقل السليم يهتدي به عندما يسمع مثل هذا من الحق ولذا قال  » ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون  »  » ونحن أقرب إليه من حبل الوريد  » وقوله  » ومن أتاني يسعى أتيته هرولة وأمثال هذه فإن العقل السليم يحار في مثل هذه الأخبار ويتيه فهذا معنى يضل أي يحير العقول بمثل هذه الخطابات الصادرة من الله على ألسنة الرسل الصادقة المجهولة الكيفية ولا يتمكن للعقل أن يهتدي إلى ما قصده الحق بذلك مما لا يليق بالمفهوم ثم يرى العقل أنه سبحانه ما خاطبنا إلا لنفهم عنه والمفهوم من هذه الأمور يستحيل عليه سبحانه من كل وجه يفهمه العبد بضرب من التشبيه المحدث أمّا من طريق المعنى المحدث أو من طريق الحس ولا يتمكن للعقل أن لا يقبل هذا الخطاب فيحار فثم حيرة يخرج عنها العبد ويتمكن له الخروج منها بالعناية الإلهية وثم حيرة لا يتمكن له الخروج عنها بمجرد ما أعطى الله للعقل من أقسام القوّة التي أيده الله بها فيحار الدال في المدلول لعزة الدليل ثم يجيء الشرع بعد هذا في أمور قد حكم العقل بدليله على إحالتها فيثبت الشرع ألفاظاً تدل على وجوب ما أحاله فيقبل ذلك إيماناً ولا يدري ما هو فهذا هو الحائر المسمى ضالاً وقد روي أنه قال زدني فيك تحيراً أي أنزل إلي نزولاً يحيله العقل من جميع وجوهه ليعرف عجزه عن إدراك ما ينبغي لك ولجلالك من النعوت وأمّا الشقاء والسعادة المعبر بهما عن الأمور التي تتألم بها النفوس وتتنعم فذلك مطلب عام للنفوس من حيث الحس والمحسوس وهذا الذي نحن بصدده أمر آخر يرجع إلى معرفة الحقائق ثم يقول أنا بك وإليك أي بك ابتداء لا بنفسي وهو قولنا إن الإنسان موجود بغيره وقوله وإليك أي وإليك يرجع عين وجودي فما أنا هو أنت هو فإنه ما استفدت منك إلا الوجود وأنت عين الوجود وأنا على أصل ذاتي من العدم ما تغير عليّ حكم ولا حال في إمكاني لا أبرح ثم يقول تباركت أي البركة والزيادة لك لا لي يقول أنت الوجود لك ثم كسوتنيه ولم أكن فكانت البركة والزيادة في الوجود حيث ظهر بنسبتين فظهر بي وهو وجودك ونسب إليك وهو عينك ثم يقول وتعاليت أي فإنك تتعالى أن تظهر بغيرك فلا يكون الوجود المنسوب إليك غير هويتك هذا معنى قوله تباركت وتعاليت ثم يقول أستغفرك وأتوب إليك يقول اطلب التستر منك في اتصافي بالوجود لئلا أغيب عن حقيقتي فأدعي الوجود وهو ليس أنا بل هو أنت وما أنا أنت فأنا أنا على ما أنا عليه لذاتي وأنت أنت على ما أنت عليه لذاتك ومني فلك الظهور فيّ بما وصفتني به من الوجود وما لي ظهور فيك بما أنا عليه في حقيقتي من الإمكان ثم يقول وأتوب إليك أي وأرجع إليك من حيث ما وصفت به من الوجود إذ كنت أنت هو عين الوجود والموصوف به أنا فرجوعه إليك هو قولي وأتوب إليك وفرغ ما يقوله العبد من الدعاء والتوجيه بين التكبير والقراءة فلنشرع إن شاء الله تعالى في قراءة الفاتحة بلسان العلماء بالله في حال الصلاة لا في حال غيره.م عنه والمفهوم من هذه الأمور يستحيل عليه سبحانه من كل وجه يفهمه العبد بضرب من التشبيه المحدث أمّا من طريق المعنى المحدث أو من طريق الحس ولا يتمكن للعقل أن لا يقبل هذا الخطاب فيحار فثم حيرة يخرج عنها العبد ويتمكن له الخروج منها بالعناية الإلهية وثم حيرة لا يتمكن له الخروج عنها بمجرد ما أعطى الله للعقل من أقسام القوّة التي أيده الله بها فيحار الدال في المدلول لعزة الدليل ثم يجيء الشرع بعد هذا في أمور قد حكم العقل بدليله على إحالتها فيثبت الشرع ألفاظاً تدل على وجوب ما أحاله فيقبل ذلك إيماناً ولا يدري ما هو فهذا هو الحائر المسمى ضالاً وقد روي أنه قال زدني فيك تحيراً أي أنزل إلي نزولاً يحيله العقل من جميع وجوهه ليعرف عجزه عن إدراك ما ينبغي لك ولجلالك من النعوت وأمّا الشقاء والسعادة المعبر بهما عن الأمور التي تتألم بها النفوس وتتنعم فذلك مطلب عام للنفوس من حيث الحس والمحسوس وهذا الذي نحن بصدده أمر آخر يرجع إلى معرفة الحقائق ثم يقول أنا بك وإليك أي بك ابتداء لا بنفسي وهو قولنا إن الإنسان موجود بغيره وقوله وإليك أي وإليك يرجع عين وجودي فما أنا هو أنت هو فإنه ما استفدت منك إلا الوجود وأنت عين الوجود وأنا على أصل ذاتي من العدم ما تغير عليّ حكم ولا حال في إمكاني لا أبرح ثم يقول تباركت أي البركة والزيادة لك لا لي يقول أنت الوجود لك ثم كسوتنيه ولم أكن فكانت البركة والزيادة في الوجود حيث ظهر بنسبتين فظهر بي وهو وجودك ونسب إليك وهو عينك ثم يقول وتعاليت أي فإنك تتعالى أن تظهر بغيرك فلا يكون الوجود المنسوب إليك غير هويتك هذا معنى قوله تباركت وتعاليت ثم يقول أستغفرك وأتوب إليك يقول اطلب التستر منك في اتصافي بالوجود لئلا أغيب عن حقيقتي فأدعي الوجود وهو ليس أنا بل هو أنت وما أنا أنت فأنا أنا على ما أنا عليه لذاتي وأنت أنت على ما أنت عليه لذاتك ومني فلك الظهور فيّ بما وصفتني به من الوجود وما لي ظهور فيك بما أنا عليه في حقيقتي من الإمكان ثم يقول وأتوب إليك أي وأرجع إليك من حيث ما وصفت به من الوجود إذ كنت أنت هو عين الوجود والموصوف به أنا فرجوعه إليك هو قولي وأتوب إليك وفرغ ما يقوله العبد من الدعاء والتوجيه بين التكبير والقراءة فلنشرع إن شاء الله تعالى في قراءة الفاتحة بلسان العلماء بالله في حال الصلاة لا في حال غيره.

فصل بل وصل في اعتبار قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة

اعلم أن العالم بالله إذا فرغ من الذي ذكرناه يشرع في القراءة على حدّ ما أمره الله به عند قراءة القرآن من التعوّذ لكونه قارئاً لا لكونه مصلياً ولما أعلمتك أن الله يقول عند قراءة العبد القرآن كذا جواباً على حكم الآية التي يقرأها فينبغي للإنسان إذا قرأ الآية أن يستحضر في نفسه ما تعطيه تلك الآية على قدر فهمه فإن الجواب يكون مطابقاً لما استحضرته من معاني تلك الآية ولهذا ورد في الجواب أدنى مراتب العامة مجملاً إذ العامي والعجمي الذي لا علم له بمعنى ما يقرأ يكون قول الله له ما ورد في الخبر فإن فصلت في الاستحضار فصل الله لك الجواب فلا يفوتنك هذا القدر في القراءة فإن به تتميز مراتب العلماء بالله والناس في صلاتهم فإذا فرغ الإنسان من التوجيه فليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هذا نص القرآن وقد ورد في السنة الصحيحة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال تعالى  » فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم  » فالعارف إذا تعوذ ينظر في الحال الذي أوجب له التعوّذ وينظر في حقيقة ما يتعوّذ به وينظر في ما ينبغي أن يعاذ به فيتعوّذ بحسب ذلك فمن غلب عليه في حاله أن كل شيء يستعاذ منه بيد سيده وإن كل ما يستعاذ به بيد سيده وإنه في نفسه عبد محل التصريف والتقليب فعاذ من سيده بسيده وهو قوله صلى الله عليه وسلم وأعوذ بك منك وهذه استعاذة التوحيد فيستعيذ به من الاتحاد قال تعالى  » ذق إنك أنت العزيز الكريم  » وقال  » كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار  » وقال  » الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قصمته  » ومن نزل عن هذه الدرجة في الاستعاذة استعاذ مما لا يلائم بما يلائم فعلاً كان أو صفة هذه قضية كلية والحال يعين القضايا والحكم يكون بحسبها ورد في الخبر أعوذ برضاك من سخطك أي بما يرضيك مما يسخطك فقد خرج العبد هنا عن حظ نفسه بإقامة حرمة محبوبه فهذا لله ثم الذي لنفسه من هذا الباب قوله وبمعافاتك من عقوبتك فهذا في حظ نفسه وأي المرتبتين أعلى في ذلك نظر فمن نظر إلى ما يقتضيه جلال الله من أنه لا يبلغ ممكن أي ليس في حقيقة الممكن قبول ما ينبغي لجلال الله من التعظيم وإن ذلك محال في نفس الأمر لم ير إلا أن يكون في حظ نفسه فإن ذلك عائد عليه ومن نظر في قوله إلا ليعبدون قال ما يلزمني من حق ربي إلا ما تبلغه قوّتي فأنا لا أعمل إلا في حق ربي لا في حق نفسي فشرع الشارع الاستعاذتين في هذين الشخصين ومن رأى إن وجوده هو وجود ربه إذ لم يكن له من حيث هو وجود قال أعوذ بك منك وهي المرتبة الثالثة وثبت في هذه المرتبة عين العبد فالقارىء للقرآن إذا تعوّذ عند قراءة القرآن علمه المكلف وهو الله تعالى كيف يستعيذ وبمن يستعيذ وممن يستعيذ فقال له إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم فأعطاه الاسم الجامع وذكر له القرآن وما خص آية من آية لذلك لم يخص اسماً من اسم بل أتى بالاسم الله فالقارىء ينظر في حقيقة ما يقرأ وينظر فيما ينبغي أن يستعاذ منه في تلك الآية فيذكره في استعاذته وينظر فيما ينبغي أن يستعاذ به من أسماء الله أيّ اسم كان فيعينه بالذكر في استعاذته ولما كان قارىء القرآن جليس الله من كون القرآن ذكراً والذاكر جليس الله ثم زاد إنه في الصلاة حال مناجاة الله فهو أيضاً في حال قرب على قرب كنور على نور كان الأولى أن يستعيذ هنا بالله وتكون استعاذته من الشيطان لأنه البعيد يقال بئر شطون إذا كانت بعيدة القعر والبعد يقابل القرب فتكون استعاذته في حال قربه مما يبعده عن تلك الحالة فلم يكن أولى من اسم الشيطان ثم نعته بالرجيم وهو فعيل فأمّا بمعنى المفعول فيكون معناه من الشيطان المرجوم يعني بالشهب وهي الأنوار المحرقة قال تعالى  » وجعلناها  » يعني الكواكب  » رجوماً للشياطين  » والصلاة نور ورجمه الله بالأنوار فكانت الصلاة مما تعطي بعد الشيطان من العبد قال تعالى  » إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر بسبب ما وصفت به من الإحرام وإن كان بمعنى الفاعل فهو لما يرجم به قلب العبد من الخواطر المذمومة واللمات السيئة والوسوسة ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي من الليل وكبر تكبيرة الإحرام قال الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا والحمد لله كثيراً والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وسبحان الله بكرة وأصيلا وسبحان الله بكرة وأصيلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه قال ابن عباس همزه ما يوسوسه في الصلاة ونفثه الشعر ونفخه الذي يلقيه من الشبه في الصلاة يعني السهو ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إن سجود السهو ترغيم للشيطان فوجب على المصلي أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بخالص من قلبه يطلب بذلك عصمة ربه ولما لم يعرف المصلي بما يأتيه الشيطان من الخواطر السيئة في صلاته والوسوسة لم يتمكن أن يعين له ما يدفعها به فجاء بالاسم الله الجامع لمعاني الأسماء إذ كان في قوّة هذا الاسم حقيقة كل اسم دافع في مقابلة كل خاطر ينبغي أن يدفع فهكذا ينبغي للمصلي أن يكون حاله في استعاذته إن وفقه الله ثم يقول بعد الاستعاذة بسم الله الرحمن الرحيم فإذا قالها يقول الله يذكرني عبدي فينبغي على هذا أن يكون العامل في بسم الله الرحمن الرحيم اذكر فتتعلق الباء بهذا الفعل إن صح هذا الخبر وإن لم يصح فيكون الفعل اقرأ بسم الله فإنه ظاهر في اقرأ باسم ربك هذا يتكلفه لقولهم إنّ المصادر لا تعمل عمل الأفعال إلا إذا تقدمت وأما إذا تأخرت فتضعف عن العمل وهذا عندنا غير مرضي في التعليل لأنه تحكم من النحوي فإن العرب لا تعقل ولا تعلل فيكون تعلق البسملة عندي بقوله الحمد لله بأسمائه فإن الله لا يحمد إلا بأسمائه غير ذلك لا يكون ولا ينبغي أن تتكلف في القرآن محذوفاً إلا لضرورة وما هنا ضرورة فإن صح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى إن العبد إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم في مناجاته في الصلاة يقول الله يذكرني عبدي فلا نزاع هكذا روى هذا الخبر عبد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج ثلاث غير تمام فقيل لأبي هريرة إنا نكون وراء الإمام فقال اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى  » قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل يقول عبدي إذا افتتح الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي يقول العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي  » وسيأتي الحديث مفصلاً في كل كلمة إن شاء الله تعالى كما ذكرت ألفاظ التوجيه إلى آخر الفاتحة وذكر مسلم هذا الحديث من حديث سفيان بن عيينة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ولم يذكر البسملة فيه فإذا قال العالم بالله بسم الله الرحمن الرحيم علق الباء بما في الحمد من معنى الفعل كما قلنا يقول لا يثنى على الله إلا بأسمائه الحسنى فذكر من ذلك ثلاثة أسماء الاسم الله لكونه جامعاً غير مشتق فينعت ولا ينعت به فإنه للأسماء كالذات للصفات فذكره أوّلاً من حيث أنه دليل على الذات كالأسماء الأعلام كلها في اللسان وإن لم يقو قوّة الإعلام لأنه وصف للمرتبة كاسم السلطان فلما لم يدل إلا على الذات المجرّدة على الإطلاق من حيث ما هي لنفسها من غير نسب لم يتوهم في هذا الاسم اشتقاق ولهذا سميت بالبسملة وهو الاسم مع الله أي قولك بسم الله خاصة مثل العبدلة وهو قولك عبد الله وكذلك الحوقلة وهو الحول والقوّة مع الله ثم قال إن العبد قال بعد بسم الله الرحمن الرحيم من حيث ما هو أعني الرحمن الرحيم من الأسماء المركبة كمثل بعلبك ورام هرمز فسماه به من حيث ما هو اسم له لا من حيث المرحومين ولا من حيث تعلق الرحمة بهم بل من حيث ما هي صفة له جل جلاله فإنه ليس لغير الله ذكر في البسملة أصلاً ومهما ورد اسم إلهيّ لا يتقدمه كون يطلب الاسم ولا يتأخر كون يطلبه الاسم في الآية فإن ذلك الاسم ينظر فيه العارف من حيث دلالته على الذات المسماة به لا من حيث الصفة المعقولة منه ولا من حيث الاشتقاق الذي يطلبه الكون نتيجته وبه يتعلق وإياه يطلب فإنه صادر عنه إذا تدبرته وجدته مثل قوله  » الرحمن علم القرآن خلق الإنسان  » وإذا تقدّم الكون وجاء الاسم الإلهيّ في أثره فإنه الأوّل والآخر كان على العكس من الأوّل مثل اتقوا الله وقوله ويعلمكم الله فأظهر التقوى ما يتقى منه وهو الاسم الله وفي الأوّل أظهر الاسم الإلهيّ عين الإنسان وكذلك ويعلمكم الله أظهر التعليم الاسم الإلهيّ وهو الله فإذا وقع الكون بين اسمين إلهيين كان الكون للأوّل بحكم النتيجة وللآخر بحكم المقدّمة مثل وقوع العالمين بين الاسم الرب والرحمن في قوله  » الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم  » ومثل قوله  » واتقوا الله ويعلمكم الله  » فوقع ويعلمكم بين اسمين تقدّمه الاسم الله وتأخر عنه الاسم الله بمعنيين مختلفين فأثر فيه الاسم الأوّل طلب التعليم وقبل التعليم بالاسم الثاني وكذلك إذا وقع الاسم الإلهيّ بين اسم إلهيّ يتقدّمه وبين كون يتأخر عنه مثل الاسم الرب بين الله والعالمين في قوله الحمد لله رب العالمين في آخر الزمر أو بين كون يتقدّمه واسم إلهيّ يتأخر عنه مثل قوله العالمين الرحمن الرحيم ملك فالرحمن الرحيم تقدّمه كلمة العالمين وتأخر عنه ملك يوم الدين فأظهر عين العالمين الرحمن الرحيم لافتقارهم إلى الرحمتين الرحمة العامة والخاصة والواجبة والامتنانية وطلب الرحمن الرحيم ملك يوم الدين ليظهر من كونه ملكاً سلطان الرحمن الرحيم فإن الرحمة من جانب الملك هي رحمة عزة وامتنان مع استغناء بخلاف رحمة غير الملك كرحمة الأم بولدها للشفقة الطبيعية فتدفع الأم بالرحمة على ولدها ما تجده من الألم بسببه في نفسها فنفسها رحمته ولنفسها سعت واحتجبت عن علم ذلك بولدها فالمنة لولدها عليها بالسببية لا لها ووقعت الرحمة بالولد تبعاً بخلاف رحمة الملك فإنها عن عز وغنى عن هذا المرحوم الخاص من رعاياه وكذلك إذا وقع الاسم الإلهيّ بين اسمين إلهيين مثل قوله هو الله الخالق البارىء فوقع الاسم الخالق بين الاسم الله والاسم البارىء وكذلك الاسم البارىء بين الخالق والمصوّر وهذا كثير فالخالق صفة لله وموصوف للباري فعلى هذا الأسلوب تجري تلاوة العارفين في الكتابين في القرآن وكتاب العالم بأسره فإنه كتاب مسطور ورقه المنشور الذي هو فيه الوجود وكذلك تجري أذكارهم وهكذا في الأكوان إذا وقع كون بين كونين يكون للأوّل ابناً وللثاني بعده أباً في الذي يفهم من ذلك كان ما كان فلهذا قال الله في قول العبد بسم الله الرحمن الرحيم ذكرني عبدي وما قيد هذا الذكر بشيء لاختلاف أحوال الذاكرين أعني البواعث لذكرهم فذاكر تبعثه الرغبة وذاكر تبعثه الرهبة وذاكر يبعثه التعظيم والإجلال فأجاب الحق على أدنى مراتب العالم وهو الذي يتلو بلسانه ولا يفهم بقلبه لأنه لم يتدبر ما قاله إذا كان التالي عالماً باللسان ولا ما ذكره فإن تدبر تلاوته أو ذكره كانت إجابة الحق له بحسب ما حصل في نفسه من العلم بما تلاه فتدبر ما نصصناه لك ثم قال قال الله تعالى فإذا قال العبد الحمد الله رب العالمين في الصلاة يقول الله حمدني عبدي فيقول العارف الحمد لله أي عواقب الثناء ترجع إلى الله ومعنى عواقب الثناء أي كل ثناء يثني به على كون من الأكوان دون الله فعاقبته ترجع إلى الله بطريقين الطريق الواحدة الثناء على الكون إنما هو بما يكون عليه ذلك الكون من الصفات المحمودة التي توجب الثناء عليه أو بما يكون منه من الآثار المحمودة التي هي نتائج عن الصفات المحمودة القائمة به وعلى أيّ وجه كان فإن ذلك الثناء راجع إلى الله إذ كان الله هو الموجد لتلك الصفات والآثار لا لذلك الكون فرجعت عاقبة الثناء إلى الله والطريق الأخرى أن ينظر العارف فيرى أن وجود الممكنات المستفاد إنما هو عين ظهور الحق فيها فهو متعلق الثناء لا الأكوان ثم إنه ينظر في موضع اللام من قوله لله فيرى أن الحامد عين المحمود لا غيره فهو الحامد المحمود وينفي الحمد عن الكون من كونه حامداً ونفى كون الكون محموداً فالكون من وجه محمود لا حامد ومن وجه لا حامد ولا محمود فأما كونه غير حامد فقد بيناه فإن الحمد فعل والأفعال لله وأما كونه غير محمود فإنما يحمد المحمود بما هو له لا لغيره والكون لا شيء له فما هو محمود أصلاً كما ورد في مثل هذا المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زور فيحضر العارف في قوله الحمد لله رب العالمين جميع ما ذكرناه وما يعطيه الاسم الرب من الثبات والإصلاح والتربية والملك والسيادة هذه الخمسة يطلبها الاسم الرب ويحضر ما يعطيه العالم من الدلالة عليه تعالى فلا يكون جواب الله في قوله حمدني عبدي إلا لمن حمده بأدنى المراتب لأنه لكرمه يعتبر الأضعف الذي لم يجعل الله له حظاً في العلم به تعالى رحمة به لعلمه إن العالم يعلم من سؤاله أو قراءته ما حضر معه في تلك القراءة من المعاني فيجيبه الله على ما وقع له ويدخل في إجمال ما خاطب به عبده العامي القليل العلم أو الأعجمي الذي لا علم له بمدلول ما يقرأه فافهم والله الملهم ثم قال عن الله يقول العبد الرحمن الرحيم يقول الله أثنى عليّ عبدي يعني بصفة الرحمة لاشتقاق هذين الاسمين منها ولم يقل فيماذا لعموم رحمته ولأنّ العاميّ ما يعرف من رحمة الله به إلا إذا أعطاه ما يلائمه في غرضه وإن ضره أو ما يلائم طبعه ولو كان فيه شقاؤه والعارف ليس كذلك فإن الرحمة الإلهية قد تأتي إلى العبد في الصورة المكروهة كشرب الدواء الكريه الطعم والرائحة للمريض والشفاء فيه مبطون فإذا قال العارف الرحمن الرحيم أحضر في نفسه مدلول هذا القول من حيث ما هو الحق موصوفاً به ومن حيث ما يطلبه المرحوم لعلمه بذلك كله ويحضر في قلبه أيضاً عموم رحمته الواحدة المقسمة على خلقه في الدار الدنيا إنسهم وجنهم ومطيعهم وعاصيهم وكافرهم ومؤمنهم وقد شملت الجميع ورأي أن هذه الرحمة الواحدة لو لم تعط حقيقتها من الله أن يرزق بها عباده من جماد ونبات وحيوان وإنس وجان ولم يحجبها عن كافر ومؤمن ومطيع وعاصي عرف أن ذاتها من كونها رحمة تقتضي ذلك ثم جاء الوحي من أثر هذه الرحمة الواحدة بأن هذه الرحمة الواحدة السارية في العالم التي اقتضت حقيقتها أن تجعل الأم تعطف على ولدها في جميع الحيوان وهي واحدة من مائة رحمة وقد ادّخر سبحانه لعباده في الدار الآخرة تسعاً وتسعين رحمة فإذا كان يوم القيامة ونفذ في العالم حكمه وقضاؤه وقدره بهذه الرحمة الواحدة وفرغ الحساب ونزل الناس منازلهم من الدارين أضاف سبحانه هذه الرحمة إلى التسع والتسعين رحمة فكانت مائة فأرسلها على عباده مطلقة في الدارين فسرت الرحمة فوسعت كل شيء فمنهم من وسعته بحكم الوجوب ومنهم من وسعته بحكم الامتنان فوسعت كل شيء في موطنه وفي عين شيئيته فتنعم المحرور بالزمهرير والمقرور بالسعير ولو جاء لكل واحد من هذين حال الاعتدال لتعذب فإذا اطلع أهل الجنان على أهل النار زادهم نعيماً إلى نعيمهم فوزهم ولو اطلع أهل النار على أهل الجنان لتعذبوا بالاعتدال لما هم فيه من الانحراف ولهذا قابلهم بالنقيض من عموم المائة رحمة وقد كان الحكم في الدنيا بالرحمة الدنيا ما قد علمتم وهي الآن أعني في الآخرة من جملة المائة فما ظنك وكفى فبمثل هذا النظر يقول العارف في الصلاة الرحمن الرحيم ومن هنا يعرف ما يجيبه الحق به من هذا نظره ثم قال الله يقول العبد ملك يوم الدين يقول الله  » مجدني عبدي  » وفي رواية فوّض إليّ عبدي هذا جواب عام ورد عام كما قرّرنا ما المراد به فإذا قال العارف ملك يوم الدين لم يقتصر على الدار الآخرة بيوم الدين ورأى أنّ الرحمن الرحيم لا يفارقان ملك يوم الدين فإنه صفة لهما فيكون الجزاء دنيا وآخرة وكذلك ظهر بما شرع من إقامة الحدود وظهور الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون وهذا هو عين الجزاء فيوم الدنيا أيضاً يوم الجزاء والله ملك يوم الدين فيرى العارف أن الكفارات سارية في الدنيا وأن الإنسان في الدار الدنيا لا يسلم من أمر يضيق به صدره ويؤلمه حساً وعقلاً حتى قرصة البرغوث والعثرة فالآلام محدودوة موقتة ورحمة الله تعالى غير موقتة فإنها وسعت كل شيء فمنها ما تنال وتحكم من طريق الامتنان وهو أصل الأخذ لها الامتنان ومنها ما يؤخذ من طريق الوجوب الإلهيّ في قوله كتب ربكم على نفسه الرحمة وقوله فسأكتبها فالناس يأخذونها جزاء وبعض المخلوقات من المكلفين تنالهم امتناناً حيث كانوا فافهم فكل ألم في الدنيا والآخرة فإنه مكفر لأمور قد وقعت محدودة موقتة وهو جزاء لمن يتألم به من صغير وكبير بشرط تعقل التألم لا بطريق الإحساس بالتألم دون تعقله وهذا المدرك لا يدركه إلا من كشف له فالرضيع لا يتعقل التألم مع الإحساس به إلا أن أبه وأمّه وأمثالهما من محبيه وغير محبيه يتألم ويتعقل التألم لما يرى في الرضيع من الأمراض النازلة به فيكون ذلك كفارة لمتعقل الألم فإن زاد ذلك العاقل الترحم به كان مع التكفير عنه مأجوراً إذ في كل كبد رطبة أجر وكل كبد فإنها رطبة لأنها بيت الدم والدم حار رطب طبع الحياة وأمّا الصغير إذا تعقل التألم وطلب النفور عن الأسباب الموجبة للألم واجتنبها فإن له كفارة فيها لما صدر منه مما آلم به غيره من حيوان أو شخص آخر من جنسه أو إباية عما تدعوه إليه أمه أو أبوه أو سائل يسأله أمراً مّا فأبى عليه فتألم السائل حيث لم يقض حاجته هذا الصغير فإذا تألم الصغير كان ذلك الألم القائم به جزاء مكفراً لما آلم به ذلك السائل بإبايته عما التسمه منه في سؤاله أو كان قد أذى حيواناً من ضرب كلب بحجر أو قتل برغوث وقملة أو وطىء نملة برجله فقتلها أو كل ما جرى منه بقصد وبغير قصد وسرّ هذا الأمر عجيب سار في الموجودات حتى الإنسان يتألم بوجود الغيم ويضيق صدره به فإنه كفارة لأمور أتاها قد نسيها أو يعلمها فهذا كله يراه أهل الكشف محققاً في قوله ملك يوم الدين فيقول الله فوّض إليّ عبدي أو مجدني عبدي أو كلاهما إلا أن التمجيد راجع إلى جناب الحق من حيث ما تقتضيه ذاته ومن حيث ما تقتضي نسبة العالم إليه والتفويض من حيث ما تقتضي نسبة العالم إليه لا غير فإنه وكيل لهم بالوكالة المفوّضة ففي حق قوم يقول مجدني عبدي وفي المقصد وفي حق قوم يقول فوّض إليّ عبدي وفي المقصد أيضاً فإن العبد قد يجمع بين المقصدين فيجمع الله له في الرد بين التمجيد والتفويض فهذا النصف كله مخلص لجناب الله ليس للعبد فيه اشتراك ثم قال الله يقول العبد إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فهذه الآية تتضمن سائلاً ومسؤلاً مخاطباً وهو الكاف من إياك فيهما ونعبد ونستعين هما للعبد فإنه العابد والمستعين فإذا قال العبد إياك وجد الحق بحرف الخطاب فجعله مواجهاً لأعلى جهة التحديد ولكن امتثالاً لقول الشارع لمثل ذلك السائل في معرض التعليم حين سأله عن الإحسان فقال له صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه فلابدّ أن تواجهه بحرف الخطاب وهو الكاف أو حرف التاء المنصوبة في المذكر المخفوضة في المؤنث فإني قد أنث الخطاب من حيث الذات وهذا مشهد خيالي فهو برزخي وجاءت هذه الآية برزخية وقع فيها الاشتراك بين الحق وبين عبده وما مضى من الفاتحة مخلص لله وما بقي منها مخلص للعبد وهذه التي نحن فيها مشتركة وإنما وحده ولم يجمعه لأن المعبود واحد وجمع نفسه بنون الجمع في العبادة والعون المطلوب لأن العابدين من العبد كثيرون وكل واحد من العابدين يطلب العون والمقصود بالعبادات واحد فعلى العين عبادة وعلى السمع والبصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب فلهذا قال نعبد ونستعين بالنون وإن العالم نظر إلى تفاصيل عالمه وإن الصلاة قد عمّ حكمها جميع حالاته ظاهراً وباطناً لم ينفرد بذلك جزؤ عن آخر فإنه يقف بكله ويركع بكله ويجلس بكله فجميع عالمه قد اجتمع على عبادة ربه وطلب المعوّنة منه على عبادته فجاء بنون الجماعة في نعبد ونستعين فترجم اللسان عن الجماعة كما يتكلم الواحد عن الوفد بحضورهم بين يدي الملك فعلم العبد من الحق لما أنزل عليه هذه الآية بإفراده نفسه أن لا يعبد إلا إياه ولما قيد العبد بالنون أنه يريد منه أن يعبده بكله ظاهراً وباطناً من قوى وجوارح ويستعين على ذلك الحد ومتى لم يكن المصلي بهذه المثابة من جمع عالمه على عبادة ربه كان كاذباً في قراءته إذا قال إياك نعبد وإياك نستعين فإن الله ينظر إليه فيراه متلفتاً في صلاته أو مشغولاً بخاطره في دكانه أو تجارته وهو مع هذا يقول نعبد ويكذب فيقول الله كذبت في كنايتك بجمعيتك على عبادتي ألم تلتفت ببصرك إلى غير قبلتك ألم تصغ بسمعك إلى حديث الحاضرين ألم تعقل بقلبك ما تحدثوا به فأين صدقك في قولك نعبد بنون الجمع فيحضر العارف هذا كله في خاطره فيستحي أن يقول في مناجاته في صلاته إياك نعبد لئلا يقال له كذبت فلا بدّ أن يجتمع من هذه حالته على عبادة ربه حتى يقول له الحق صدقت إذا تلافى جمعيتك عليّ في عبادتك إياي وطلب معونتي روينا في هذا الباب على ما حدثنا به شيخنا المقري أبو بكر محمد بن خلف بن صاف اللخمي عن بعض المعلمين من الصالحين أن شخصاً صبياً صغيراً كان يقرأ عليه القرآن فرآه مصفرّ اللون فسأله عن حاله فقيل له أنه يقوم الليل بالقرآن كله فقال له يا ولدي أخبرت أنك تقوم الليل بالقرآن كله فقال هو ما قيل لك فقال يا ولدي إذا كان في هذه الليلة فاحضرني في قبلتك واقرأ عليّ القرآن في صلاتك ولا تغفل عني فقال الشاب نعم فلما أصبح قال له هل فعلت ما أمرتك به قال نعم يا أستاذ قال وهل ختمت القرآن البارحة قال لا ما قدرت على أكثر من نصف القرآن قال يا ولدي هذا حسن إذا كان في هذه الليلة فاجعل من شئت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامك الذين سمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم واقرأ عليه واحذر فإنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تزلّ في تلاوتك فقال إن شاء الله يا أستاذ كذلك افعل فلما أصبح سأله الأستاذ عن ليلته فقال يا أستاذ ما قدرت على أكثر من ربع القرآن فقال يا ولدي اتل هذه الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن واعرف بين يدي من تتلوه فقال نعم فلما أصبح قال يا أستاذ ما قدرت طول ليلتي على أكثر من جزء من القرآن أو ما يقاربه فقال يا ولدي إذا كان هذه الليلة فلتكن تقرأ القرآن بين يدي جبريل الذي نزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم فاحذر واعرف قدر من تقرأ عليه فلما أصبح قال يا أستاذ ما قدرت على أكثر من كذا وذكر آيات قليلة من القرآن قال يا ولدي إذا كان هذه الليلة تب إلى الله وتأهب واعلم أن المصلي يناجي ربه وإنك واقف بين يديه تتلو عليه كلامه فانظر حظك من القرآن وحظه وتدبر ما تقرأه فليس المراد جمع الحروف ولا تأليفها ولا حكاية الأقوال وإنما المراد بالقراءة التدبير لمعاني ما تتلوه فلا تكن جاهلاً فلما أصبح انتظر الأستاذ الشاب فلم يجيء إليه فبعث من يسأل عن شأنه فقيل له أنه أصبح مريضاً يعاد فجاء إليه الأستاذ فلما أبصره الشاب بكى وقال يا أستاذ جزاك الله عني خيراً ما عرفت أني كاذب إلا البارحة لما قمت في مصلاي وأحضرت الحق تعالى وأنا بين يديه أتلو عليه كتابه فلما استفتحت الفاتحة ووصلت إلى قوله إياك نعبد نظرت إلى نفسي فلم أرها تصدق في قولها فاستحييت أن أقول بين يديه إياك نعبد وهو يعلم أني أكذب في مقالتي فإني رأيت نفسي لاهية بخواطرها عن عبادته فبقيت أردّد القراءة من أول الفاتحة إلى قوله ملك يوم الدين ولا أقدر أن أقول إياك نعبد إنه ما خلصت لي فبقيت أستحيي أن أكذب بين يديه تعالى فيمقتني فما ركعت حتى طلع الفجر وقد رضت كبدي وما أنا إلا راحل إليه على حالة لا أرضاها من نفسي فما انقضت ثالثة حتى مات الشاب فلما دفن أتى الأستاذ إلى قبره فسأله عن حاله فسمع صوت الشاب من قبره وهو يقول له يا أستاذ:ليلة فاجعل من شئت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامك الذين سمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم واقرأ عليه واحذر فإنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تزلّ في تلاوتك فقال إن شاء الله يا أستاذ كذلك افعل فلما أصبح سأله الأستاذ عن ليلته فقال يا أستاذ ما قدرت على أكثر من ربع القرآن فقال يا ولدي اتل هذه الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن واعرف بين يدي من تتلوه فقال نعم فلما أصبح قال يا أستاذ ما قدرت طول ليلتي على أكثر من جزء من القرآن أو ما يقاربه فقال يا ولدي إذا كان هذه الليلة فلتكن تقرأ القرآن بين يدي جبريل الذي نزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم فاحذر واعرف قدر من تقرأ عليه فلما أصبح قال يا أستاذ ما قدرت على أكثر من كذا وذكر آيات قليلة من القرآن قال يا ولدي إذا كان هذه الليلة تب إلى الله وتأهب واعلم أن المصلي يناجي ربه وإنك واقف بين يديه تتلو عليه كلامه فانظر حظك من القرآن وحظه وتدبر ما تقرأه فليس المراد جمع الحروف ولا تأليفها ولا حكاية الأقوال وإنما المراد بالقراءة التدبير لمعاني ما تتلوه فلا تكن جاهلاً فلما أصبح انتظر الأستاذ الشاب فلم يجيء إليه فبعث من يسأل عن شأنه فقيل له أنه أصبح مريضاً يعاد فجاء إليه الأستاذ فلما أبصره الشاب بكى وقال يا أستاذ جزاك الله عني خيراً ما عرفت أني كاذب إلا البارحة لما قمت في مصلاي وأحضرت الحق تعالى وأنا بين يديه أتلو عليه كتابه فلما استفتحت الفاتحة ووصلت إلى قوله إياك نعبد نظرت إلى نفسي فلم أرها تصدق في قولها فاستحييت أن أقول بين يديه إياك نعبد وهو يعلم أني أكذب في مقالتي فإني رأيت نفسي لاهية بخواطرها عن عبادته فبقيت أردّد القراءة من أول الفاتحة إلى قوله ملك يوم الدين ولا أقدر أن أقول إياك نعبد إنه ما خلصت لي فبقيت أستحيي أن أكذب بين يديه تعالى فيمقتني فما ركعت حتى طلع الفجر وقد رضت كبدي وما أنا إلا راحل إليه على حالة لا أرضاها من نفسي فما انقضت ثالثة حتى مات الشاب فلما دفن أتى الأستاذ إلى قبره فسأله عن حاله فسمع صوت الشاب من قبره وهو يقول له يا أستاذ: أنا حيّ عند حيّ … لم يحاسبني بشي قال فرجع الأستاذ إلى بيته ولزم فراشه مريضاً مما أثر فيه حال الفتى فلحق به فمن قرأ إياك نعبد على قراءة الشاب فقد قرأ ثم قال الله  » يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين  » فيقول الله هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العارف اهدنا احضر الاسم الإلهيّ الهادي وسأله أن يهديه الصراط المستقيم أن يبينه له ويوفقه إلى المشي عليه وهو صراط التوحيدين توحيد الذات وتوحيد المرتبة وهي الألوهية بلوازمها من الأحكام المشروعة التي هي حق الإسلام في قوله صلى الله عليه وسلم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله فيحضر في نفسه الصراط المستقيم الذي هو عليه الرب من حيث ما يقود الماشي عليه إلى سعادته أخبر الله تعالى عن هود أنه قال إن ربي على صراط مستقيم فإن العارف إذا مشى على ذلك الصراط الذي عليه الرب تعالى على شهود منه كان الحق أمامه وكان العبد تابعاً للحق على ذلك الصراط مجبوراً وكيف لا يكون تابعاً مجبوراً وناصيته بيد ربه يجرّه إليه فإن الله يقول ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فدخل في حكم هذه الآية جميع ما دب علواً وسفلاً دخول ذة وعبودية والناس في ذلك بين مكاشف يرى اليد في الناصية أو مؤمن فكل دابة دخلت عموماً ما عدا الإنس والجنّ فإنه ما دخل من الثقلين إلا الصالحون منهم خاصة ولو دخل جميع الثقلين لكان جميعهم على طريق مستقيم صراط الله من كونه رباً يقول تعالى  » وإن من شيء إلا يسبح بحمده  » وقال في حق الثقلين خاصة على طريق الوعيد والتخويف حيث لم يجعلوا نواصيهم بيده وهو أن يتركوا إرادتهم لإرادته فيما أمر به ونهى  » سنفرغ لكم أيها الثقلان  » ولهذا قال  » صراط الذين أنعمت عليهم  » يريد الذين وفقهم الله وهم العالمون كلهم أجمعهم والصالحون من الأنس مثل الرسل والأنبياء والأولياء وصالحي المؤمنين ومن الجانّ كذلك فلم يجعل الصراط المستقيم إلا لمن أنعم الله عليه من نبي وصديق وشهيد وصالح وكل دابة هو آخذ بناصيتها فإذا حضر العارف في هذه القراءة جعل ناصيته بيد ربه في غيب هويته ومن شذ شذ إلى النار وهم الذين استثنى الله تعالى بقوله  » غير المغضوب عليهم  » أي إلا من غضب الله عليهم لما دعاهم بقوله حيّ على الصلاة فلم يجيبوا ولا الضالين فاستثنى بالعطف من حار وهم أحسن حالاً من المغضوب عليهم فمن لم يعرف ربه أنه ربه وأشرك معه في إلوهيته من لا يستحق أن يكون إلهاً كان من المغضوب عليهم فإذا أحضر العبد مثل هذا وأشباهه في نفسه عند تلاوته قالت الملائكة آمين وقال باطن الإنسان الذي هو روحه المشارك للملائكة في نشأتهم وطهارتهم آمين أي أمنا بالخير لما كان والتالي الداعي اللسان ثم يصغي إلى قلبه فيسمع تلاوة روحه فاتحة الكتاب مطابقة لتلاوة لسانه فيقول اللسان مؤمّناً على دعائه أي دعاء روحه بالتلاوة من قوله اهدنا فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة في الصفة موافقة طهارة وتقديس ذوات كرام بررة أجابه الحق عقيب قوله آمين باللسانين فإن ارتقى يكون الحق لسانه إلى تلاوة الحق كلامه فإذا قال آمين قالت الأسماء الإلهية آمين والأسماء التي ظهت من تخلق هذا العبد بها آمين فمن وافق تأمين أسمائه أسماء خالقه كان حقاً كله فهذا قد أبنت لك أسلوب القراءة في الصلاة فاجر عليها على قدر اتساع باعك وسرعة حركتك وأنت أبصر فما منا إلا من له مقام معلوم ومنا الصافون والمسبحون.

فصل بل وصل في قراءة القرآن في الركوع

وأمّا قراءة القرآن في الركوع فمن قائل بالمنع ومن قائل بالجواز والذي اتفقوا عليه التسبيح في الركوع واختلفوا هل فيه قول محدود أم لا فمن قائل لا حدّ في ذلك ومن قائل بالحدّ في ذلك وهو أن يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثاً وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاثاً والقائل بهذا منهم من يرى وجوبه وإن الصلاة تبطل بتركه وأدناه ثلاث مرات ومنهم من لا يقول بوجوبه وهم عامة العهلماء ومن قائل ينبغي للإمام أن يقولها خمساً حتى يدرك من وراءه أن يقولها ثلاثاً فأقول في باب الأسرار لما كان المصلي في وقوفه بين يدي ربه في الصلاة له نسبة إلى القيومية ثم انتقل عنها إلى حالة الركوع الذي هو الخضوع وكذلك السجود لم تنبغ أن تكون هذه الصفة لله فشرع النبي صلى الله عليه وسلم على ما فهم من كلام الله لما نزل عليه فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم ثم نزل قوله تعالى  » سبح اسم ربك الأعلى  » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في سجودكم فاقترن بهما أمر الله بقوله سبح فأمر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بمكانها من الصلاة يقول نزهوا عظمة ربكم عن الخضوع فإن الخضوع إنما هو لله لا بالله فإنه يستحيل أن تقوم به صفة الخضوع وأضافه إلى الاسم الرب لأنه يستدعي المربوب وهو من الأمّهات الثلاث وهو اسم كثير الدور والظهور في القرآن أكثر من باقي الأسماء فإن أمّهات الأسماء في القرآن ثلاثة الله والرحمن والرب ثم إنّ هذا الاسم لما تعلق التسبيح به لم يتعلق به مطلقاً من حيث ما يستحقه لنفسه وإنما تعلق به مضافاً إلى نفس المسبح فقال سبحان ربي العظيم وإنما تعلق به مضافاً في حق كل مسبح لأن العلم به من كل عالم يتفاضل فيعتقد فيه شخص خلاف ما يعتقد فيه غيره فكل شخص يشبح ربه الذي اعتقده رباً وكم شخص ما يعتقد في الرب ما يعتقده غيره ويرى إن ذلك المعتقد الآخر فيما نسبه إلى ربه مما يستحيل عند هذا أن تكون له تلك الصفة ويكفر من أجلها فلو سبحه مطلقاً باعتقاد كل معتقد لسبح هذا الشخص من لا يعتقد أنه ينزه فلهذا أضافه كل مسبح لما يقتضيه اعتقاده وحظ العارف أن يسبحه بلسان كل مسبح وينظر في عظمة الله وتنزيهها عن قيام الخضوع بها وعلوّه عن السجود فإنّ العبد في سجوده يطلب أصل نشأة هيكله وهو الماء والتراب ويطلب بقيامه أصل روحه فإن الله يقول فيهم وأنتم الأعلون وصارت حالة الركوع برزخاً متوسطاً بين القيام والسجود بمنزلة الوجود المستفاد للممكن برزخاً بين الواجب الوجود لنفسه وبين الممكن لنفسه فالممكن عدم لنفسه فإن العدم لا يستفاد فإنه ما ثم من يفيده والواجب الوجود وجوده لنفسه وظهرت حالة برزخية وهي وجود العبد بمنزلة الركوع فلا يقال في هذا الوجود المستفاد هو عين الممكن ولا هو غير الممكن ولا يقال فيه هو عين الحق ولا هو غير الحق فله نسبتان يعرفهما العارف فيخطر للعارف في حال الركوع الحال البرزخي الفاصل بين الأمرين وهو المعنى المعقول الذي به يتميز الرب من العبد وهو أيضاً المعنى المعقول الذي به يتصف العبد بأوصاف الرب ويتصف الرب بأوصاف المربوب لا بالصفات فإنه وصف لا صفة وإنما قلنا وصف لا صفة فإن الصفة يعقل منها أمر زائد وعين زائدة على عين الموصوف والوصف قد يكون عين الموصوف بنسبة خاصة مالها عين موجودة فافهم.

فصل بل وصل في الدعاء في الركوع

اختلفوا في الدعاء في الركوع بعد اتفاقهم على جواز الثناء على الله فيه ووجوبه في مذهب من يراه شرطاً في صحة الصلاة فمنهم من كره الدعاء في الركوع ومنهم من أجازه وبه أقول واختلفوا في الدعاء في الصلاة فمنهم من قال لا يجوز أن يدعى في الصلاة بغير ألفاظ القرآن ومنهم من أجاز ذلك فأقول لما كانت الصلاة معناها الدعاء صح أن يكون الدعاء جزأ من أجزائها ويكون من باب تسمية الكل باسم الجزء وأما من يكره الدعاء في الركوع فإن الحالة البرزخية لها وجهان وجه إلى الحق ووجه إلى الخلق فمن كان مشهده من الركوع الوجه الذي يطلب الحق كره الدعاء في الركوع ولم يحرّمه لأن صفة القيومية قد يتصف بها الكون قال تعالى  » الرجال قوّامون على النساء  » ومن رجح الوجه الذي يطلب الخلق من الركوع قال يجوز الدعاء في الركوع وبه جاءت السنة وهو مذهب البخاري رحمه الله وكذلك من رجح أن لا يدعى في الصلاة بغير ألفاظ القرآن فإنه نظر إلى أن الله تعالى قد شرع الأدعية في القرآن فالعدول عنها إلى ألفاظ من كلام الناس من مخالفة النفس التي جبلت عليها حتى لا توافق ربها وهو الأدب الصحيح فإني كما لم أناجه في الصلاة إلا بكلامه كذلك لا ندعوه إلا بما أنزل علينا وشرعه لنا في القرآن أو في السنة مما شرع أن يقال في الصلاة ومن أطلق الدعاء في الصلاة بأي نوع كان غلب على قلبه إنه ما ثم إلا الله ولا متكلم إلا الله إما يفعل بفعله كما ورد أن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده يعني في الصلاة أو أمر آخر. فصل بل وصل في التشهد في الصلاة اختلف العلماء في وجوب التشهد في الصلاة والمختار منه فمن قائل بوجوبه ومن قائل لا يجب فأقول لما كان التشهد على الحقيقة معناه الاستحضار فإنه تفعل من الشهود وهو الحضور والإنسان مأمور بالحضور في صلاته فلا بد من التشهد وهو الأولى والأوجه ولما كان الشاهد مخاطباً بالعلم بما يشهد به بخلاف الحاكم لم يصح الحضور ولا الاستحضار من غير علم المتشهد بمن يريد شهوده فلا يحضر معه من الحق الأقدر ما يعلمه منه وما خوطب بأكثر من ذلك واختلفت مقالات الناس في الإله وإذا اختلفت المقالات فلا بد للعاقل إذا انفرد في علمه بربه أن يكون على مقالة من هذه المقالات التي أنتجها النظر وهي مختلفة فالسليم العقل من يترك ما أعطاه نظره في الله ونظر غيره من أصحاب المقالات بالنظر الفكريّ ويرجع إلى ما قالته الأنبياء عليهم السلام وما نطق به القرآن فيعتقده ويحضر معه في صلاته وفي حركاته وسكناته فهو أولى به من أن يحضر مع الله تعالى بفكره وقد يطرأ لبعض الناس في هذا غلط وذلك أنه يرى أن الإنسان ما يثبت عنده الشرع إلا حتى يثبت عنده بالعقل وجود الإله وتوحيده وإمكان بعثه الرسل وتشريع الشرائع فيرجح بهذا أن يحضر مع الحق في صلاته بهذا العلم وليس الأمر كذلك فإنه وإن كان نظره هو الصحيح في إثبات وجود الحق وتوحيده وإمكان التشريع وتصديق الشارع بالدلالات التي أتى بها فيعلم أن الشارع قد وصف لنا نفسه بأمور لو وقفنا مع العقل دونه ما قبلناها ثم إنا رأينا أن تلك الأوصاف التي جاءت من الشارع في حق الله ومعرفته تطلبها أفعال العبادات وهي أقرب مناسبة إليها من المعرفة التي تعطيها الأدلة النظرية التي تستقل بها فرأينا أن نحضر مع الحق في تشهدنا وصلاتنا بالمعرفة الإلهية التي استفدناها من الشارع في القرآن والسنة المتواترة أولى من الحضور معه بمقالات العقول ثم ننظر فيما ورد من التشهد في الصلاة حتى نجري على ذلك الأسلوب كما فعلنا في التوجيه والقراءة وما يقال في الركوع والسجود انتهى الجزء الثامن والثلاثون.

بسم الله الرحمن الرحيم

فنقول من ذلك تشهد عمر رضي الله عنه وهو التحيات لله الزاكيات لله السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أخذت به طائفة وأما تشهد عبد الله بن مسعود وهو التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أخذ به الأكثر من الناس لثبوت نقله وأما تشهد ابن عباس وهو التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أخذت به طائفة وكلها أحاديث مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالعارف إذا تشهد بهذا التشهد فإما أن يكون في حال قبض وهيبة وجلال عن اسم إلهيّ وإما أن يكون في حال أنس وجمال وبسط عن اسم نفسه في صلاته وكل جارحة من جوارح جسمه في صلاته بما يليق بها مما طلبه الحق منه من الهيآت أن يكون عليها في صلاته بالنظر إلى كل جارحة وقوّة فيعمرها سواء كان في حال هيبة أو أنس وهو أكمل الأحوال فانحصر الأمر في ثلاثة مقامات مقام جلال ومقام جمال ومقام كمال فيتشهد بلسان الكمال وهو الأول للسالك فيقول التحيات لله أي تحيات كل محيّ ومحي بها في جميع العالم والنسب الإلهية كلها لله أي من أجل الله الاسم الجامع الذي يجمع حقائقها وذلك لأن كل تحية في العالم إنما هي مرتبطة بحقيقة إلهية كانت ما كانت فمتى ما لم يجمع الإنسان بنيته وقلبه كما جمع بلفظة التحيات بقوته من الحقائق الإلهية كلها إلى الحقيقة الواحدة المشروعة له في تحيته من حيث ما هو مقيد بها من جهة شرعه خاصة لم يستبر لنفسه في كمال صلاته وقوله الزاكيات لله يقول التحيات المطهرات الناميات أي التي ينمي خيرها على قائلها من الحقائق الإلهية التي أوجدت تلك التحيات بحسب ما تعطيه أسماؤها ثم يقول السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته بالألف واللام التي للجنس لا التي للعهد فيكون سلامه على النبيّ صلى الله عليه وسلم مثل تحياته للشمول والعموم أي بكل سلام وهذا يؤذن بأنّ العبد قد انتقل من مشاهدة ربه من حيث الإطلاق أو أمر ما من الأمور التي كان فيها في سجوده إلى مشاهدة الحق في النبيّ صلى الله عليه وسلم فلما قدم عليه بالحضور سلم عليه مخاطباً مواجهة بالنبوة لم يسلم عليه بالرسالة فإن النبوّة في حق ذات النبيّ أعمّ وأشرف فإنه يدخل فيها ما اختص به في نفسه وما أمر بتبليغه لأمته الذي هو منه رسول فعم وعرف ما ينبغي أن يخاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الحضور وأنه به من غير حرف نداء يؤذن ببعد لما هو عليه من حال قربه ولهذا جاء بحرف الخطاب ثم عطف بعد السلام عليه بالرحمة الإلهية لشمولها الامتنان والوجوب فأضافها إلى الله لما رزقه صلى الله عليه وسلم من السلامة من كل ما يشنوه في مقامه ذلك وعطف بالبركات المضافة إلى الهوية والبركات هي الزيادة وقد أمر أن يقول رب زدني علماً فكأن هذا المصلي في هذه التحيات يقول له سلام عليك ورحمته تقتضي الزيادات عندك من العلم بالله الذي هو أشرف الحالات عند الله كما جاء بالزاكيات في التحيات فناسب بين الزكاة والبركة ولهذا جعل الله تعالى البركة في الزكاة التي هي الصدقات لارتباطها بها لأن الصدقة إخراج ما كان في اليد وهي الزكاة ولا تبقى في الوجود خلاء فيعوّضه الله ويملأ يديه من الخير العلمي وغيره من الثواب المحسوس في دار الكرامة ما لا يقدر قدره في مقابلة ما أخرجه ثم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فسلم على نفسه بشمول السلام وأجناسه كما سلم على النبي صلى الله عليه وسلم يقول تعالى فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم والدخول في كل حال من أحوال الصلاة كالبيوت في الدار الجامعة تحية من عند الله مباركة طيبة فجعلك رسولا من عنده إلى نفسك بهذه التحية المباركة لما فيها من زوائد الخير الطيبة فإنها حصلت له ذوقاً فاستطابها كما أنها طيبة الأعراف بسير أنها من نفس الرحمن وجاء بنون الجمع في قوله السلام علينا يؤذن أنه مبلغ سلامه لكل جزء فيه مما هو مخاطب بعبادة خاصة وإنما سلم عليهم لكونه جاء قادماً من عند ربه لغيبته عن نفسه حين دعاه الحق إلى مناجاته فكبر تكبيرة الإحرام فمنعته هذه الحالة أن ينظر إلى غير من دعاه إليه فلهذا سلم على نفسه بنون الجماعة وذلك إذا كان هذا العبد قد دخل إلى بيت قلبه ونزه الحق أن يكون حالاً فيه وإن وسعه كما قال الله لما يقتضيه جلال الله من عدم المناسبة بين ذاته تعالى وبين خلقه ورأى بيت قلبه خالياً من كل ما سوى الله والحق لا يسلم عليه فإنه هو السلام وقد نهوا عن ذلك لأنهم كانوا يقولون السلام على الله في التشهد فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام فلما دخل بيته ولم ير فيه أحداً أو نزه الحق أن يحوي عليه بيت قلبه فما بقي له أن يشهد سوى عالمه المكلف وليس سوى نفسه وقد أمره الله إذا دخل بيتاً خالياً من كل أحد أن يسلم على نفسه في قوله فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم فيكون العبد هنا مترجماً عن الحق في سلامه لأنه قال تحية من عند الله مباركة كما جاء في سمع الله لمن حمده فكذلك يقولها في الصلاة نيابة عن الحق جل جلاله وتقدّست أسماؤه لأنه ما ثم من حدث له حال دخول أو خروج فيكون السلام منه أو عليه فدل على أنه تجل خاص ولابدّ فافهم إن أردت أن تكون من أهل هذا المقام في الصلاة ثم عطف من غير إظهار لفظ السلام على عباد الله الصالحين فشمل بالألف واللام ليصيب سلامه كل عبد صالح لله في السموات والأرض ولا ينوي من الصالحين ما هو المعهود في العرف ما ثم إلا صالح فإن الله يقول وإن من شيء إلا يسبح بحمده فكل شيء ينزه ربه فهو إذن صالح هذا من علوم الإيمان والكشف فانو بالصالحين الذين استعملوا فيما صلحوا له وليس سوى التسبيح فإن الله أخبر عنهم أنهم بهذه الصفة فلم يبق كافر ولا مؤمن إلا وقد شملت تفاصيله هذه الآية ولكن أكثر الناس لا يعلمون لأنهم لا يسمعون ولا يشهدون ولهذا لم يذكر لفظة السلام في هذا العطف واكتفى بالواو وتنبيهاً فإنه يدخل فيه من يستحق السلام عليه بطريق الوجوب ومن لا يستحق ذلك بطريق الوجوب فسرّ حتى لا يتميز المستحق من غير المستحق رحمة منه بعباده إنه هو الغفور الرحيم ولم يعطف السلام الذي سلم به على نفسه على السلام الذي سلم به على النبي صلى الله عليه وسلم بل جعله مبتدأ فإن النبوّة أعني نبوّة التشريع طور آخر متميز عن طور الاتباع فإنه لو عطف عليه لفظ السلام على نفسه لسلم على نفسه أيضاً من جهة النبوّة للواو الذي يعطي الاشتراك وباب النبوّة قد سدّه كما سدّ باب الرسالة وأعني نبوّة التشريع وما بقي بأيدينا إلا الوراثة إلى يوم القيامة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرسالة والنبوّة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبيّ فعين بهذا أنه لا مناسبة بيننا وبين الرسل في هذا المقام فحصل له الأولية صلى الله عليه وسلم على التعيين وحصل له الآخرية صلى الله عليه وسلم لا على التعيين فدخل بالسلام الثاني بحرف العطف في عباد الله الصالحين فإنه من الصالحين بلا شك من كل وجه فهو في المرتبة التي لا تنبغي لنا فابتدأنا بالسلام علينا في طورنا من غير عطف واعلم أنه لم نقف على رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تشهده الذي كان صلى الله عليه وسلم يتشهد به بلسانه في تشهده في الصلاة في قولنا السلام عليك أيها النبيّ هل كان يقوله بهذا اللفظ أو يقوله بغير هذا اللفظ مثل عيسى عليه السلام إذ قال والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً أو لا يقول شيئا من ذلك ويكتفي بقولنا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإن كان قال مثل ما علمنا أن نقول من ذلك فله وجهان أحدهما أن يكون المسلم عليه هو الحق وهو نائب مترجم عنه تعالى في ذلك كما جاء في سمع الله لمن حمده والوجه الآخر أن يقوم في دعائه في تلك الحالة في مقام غير مقام النبوّة ثم يخاطب نفسه من حيث المقام الذي أقيم فيه نفسه أيضاً من كونه صلى الله عليه وسلم نبياً ويحضره من أجل كاف الخطاب فيقول صلى الله عليه وسلم بلسانه للمقام الذي أحضره فيه أي أحضر نفسه فيه السلام عليك أيها النبيّ فعل الأجنبيّ ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله فأمّا معنى الشهادة فقد تقدّم في أوّل التشهد وهذا التوحيد هنا إنما هو توحيد ما يقتضيه عمل الصلاة عموماً وما يقتضيه حال كل مصل في صلاته خصوصاً فإنّ أحوال المصلين تختلف في الصلاة بلا شك من كل وجه من وجوه الأحكام ومن وجوه المقامات فإن صلاة المتوكل تخالف صلاة الزاهد ومن وجوه الأذواق فإن صلاة الراضي تخالف صلاة الشكور وصلاة الصاحي تخالف صلاة السكران في الطريق الذوقي فإن الصحو والسكر هو من علوم الأذواق ثم عطف الشهادة بالعبودية لله والرسالة على شهادة التوحيد ليعلم أنه من أطاع الرسول فقد أطاع الله فإنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى وما عليه إلا البلاغ والإبلاغ لا يكون إلا حال مبلغ من مبلغ عنه إلى مبلغ إليه وهو العطف بواو الاشتراك يؤذن بالقرب الإلهيّ من السيد بما فيه من العبودية لله وبالقرب من المرسل بما فيه من ذكر الرسالة المضافة إلى الهوية التي هي غيب لمن أرسلوا إليهم وللرسول من حيث أن الروح الأمين جاء بها إليه من عند ربه فهو أقرب سند أمناً إلى المرسل وتلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروح بربه لا بنفسه كما يتلقى العارفون ما يأتيهم من ربهم على ألسنة العالم وحركاتهم بربهم لا بأنفسهم فإنه من يرى ربه في نفسه يراه في غيره بلا شك كما يقول أهل الله في حال المتوكل من صح توكله في نفسه صح توكله في غيره وإنما قلنا تلقاها بربه لا بنفسه إذ لو تلقى المتلقي أمر ربه ووحيه بنفسه دون ربه لاحترق في موضعه من سطوات أنوار الروح الأمين ألا تراه مع القوّة الإلهية التي أيده الله بها كيف جاء إلى بيت خديجة ترجف بوادره يقول زمّلوني زمّلوني دثروني لاضطراب فيه من المحامد أي بها استحق العطف بحرف التشريك ثم قال عبد الله فذكره بعبودية الاختصاص ليعلم بحريته عن كل ما سوى الله وخلوص عبوديته لله ليس فيه شخص لكون من الأكوان ثم عطف بالرسالة على العبودية وعلى الله بالهوية فزاده في العبودية اختصاصين وهما النبوّة والرسالة وذكر الرسالة دون النبوّة لتضمنها إياها فلو ذكر النبوّة وحدها كان يبقى علينا ذكر اختصاصه بالرسالة فيحتاج إلى ذكرها حتى نعلم بخصوص أوصافه ونفرق بينه وبين من ليس له منزلة الرسالة من عباد الله النبيين فهذا تشهد لسان الكمال التشهد بلسان الجمال وأما تشهد لسان الجمال فهو تشهد عبد الله بن مسعود الذي ذكرناه وهو على هذا الحدّ إلا ما اختص به فما أذكره وهو أن يقول صاحب هذا المقام بلسانه والصلوات والطيبات فأتى بالصلوات لعموم ما تدل عليه في الرحموتيات والدعاء وأنواعه من الأحوال وكلها صلاة هو الذي يصلي عليكم وملائكته وعطف عليها الطيبات من باب عطف النعوت فهي نعت معطوف للصلوات وعليها ليطيب بها نفساً واختص أيضاً في هذا التشهد بإضافة العبودية إلى الهوية لا إلى الله وهو مقام شريف في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخبر أنه صلى الله عليه وسلم في حال نظره في ربه من حيث ما تستحقه ذاته التي لا يحاط بها علماً بل لا تعرف أصلاً بالصفة الثبوتية وليست سوى واحدة لا يصح أن تكون اثنتين لأن الفصل المقوم في حق ذاته يستحيل فلا مناسبة بين الله وبين خلقه فإنه من ليس كمثله شيء كيف يصح أن يشبه شيئا أو يشبهه شيء وهذا بخلاف اللسان الأوّل فإن الإضافة بالعبودية كانت إلى الله لا إلى الهوية وهو أن ينظر فيه من حيث ما يطلبه الممكن ويليق وهو دون ما تشهد به ابن مسعود التشهد بلسان الجلال أمّا التشهد بلسان الجلال فزاد على ما احتوى عليه التشهدان أن نعت التحيات بالمباركات أي التحيات التي يكون معها البركات وأسقط الزاكيات وكذلك أسقطها ابن مسعود فإنهما راعيا الاشتراك في الزيادة وراعى عمر ما في الزكاة من لتقديس مع وجود الزيادة التي تشترك فيها مع البركة فاكتفى بالزاكيات لذلك وأنكر الزاكيات في التشهد جماعة من علماء الرسوم ممن لا علم له بعلوم الأذواق ومواقع اختلاف خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت في هذا اللسان في نعت التحيات بحرف عطف وقال فيه سلام بالتنكير وهو تشهد ابن عباس وذلك أنه راعى خصوص حال كل مصل فإن أسماء الله مثل الممكنات لا نهاية لها وكل ممكن له خصوص وصف فله من الله اسم خاص به من ذلك الاسم خص بالوصف الذي يتميز به عن كل ممكن وهذا من أشرف علوم أهل الله وهو مذكور في قوله في دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك وأما أسماء الإحصاء فتسعة وتسعون مائة إلا واحد ولم يصح في تعيينها على الجملة نص ولا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هي هذه فما جاء ابن عباس بتنكير السلام إلا ليأخذ كل مصل من الاسم الذي يلقى إليه ويناجي الحق فيه وهو المسلم على نبيّ الله منا صلى الله عليه وسلم وعلينا وعلى عباد الله الصالحين وكذلك اختص بعدم تكرار لفظ الشهادة فتركها فلم يشهد له بعبودية ولا رسالة بشهادة مستأنفة بل شهادته بالتوحيد أغنت واكتفى بالواو لما فيها من قوّة الاشتراك وذلك مثل قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم ولم يعطف بذكر الشهادة تشريفا لهم وإن كان قد فصلهم عن شهادته لنفسه بذكره لا إله إلا هو وأسقط هنا لفظ العبودية لتضمن الرسالة إياها في تعيينها على الجملة نص ولا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هي هذه فما جاء ابن عباس بتنكير السلام إلا ليأخذ كل مصل من الاسم الذي يلقى إليه ويناجي الحق فيه وهو المسلم على نبيّ الله منا صلى الله عليه وسلم وعلينا وعلى عباد الله الصالحين وكذلك اختص بعدم تكرار لفظ الشهادة فتركها فلم يشهد له بعبودية ولا رسالة بشهادة مستأنفة بل شهادته بالتوحيد أغنت واكتفى بالواو لما فيها من قوّة الاشتراك وذلك مثل قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم ولم يعطف بذكر الشهادة تشريفا لهم وإن كان قد فصلهم عن شهادته لنفسه بذكره لا إله إلا هو وأسقط هنا لفظ العبودية لتضمن الرسالة إياها فصل بل وصل في الصلاة على رسول الله في التشهد في الصلاة اختلفوا في الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم في التشهد فمن قائل أنها فرض وبه أقول ومن قائل أنها ليست بفرض وكذلك اختلفوا في التعوذ من الأربع المأمور بها في التشهد وهو أن يتعوذ من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات فمن قائل بوجوبها ومن قائل بمنع وجوبها وبوجوبها أقول ولو لم يأمر بالتعوذ منها لكان الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أولى إذ كان التعوذ منها من فعله لقوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي فكيف وقد انضاف إلى فعله أمره أمته بذلك فالصلاة على النبي في الصلاة وغيرها دعاء من العبد المصلي لمحمد صلى الله عليه وسلم بظهر الغيب وقد ورد في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه من دعا من العبد المصلى لمحمد صلى الله عليه وسلم بظهر الغيب وقد ورد في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه من دعا بظهر الغيب قال له الملك ولك بمثله وفي رواية ولك بمثليه فشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها الله في قوله يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ليعود هذا الخير من الملك على المصلى عليه من أمّته صلى الله عليه وسلم وأمر بالسلام عليه بقوله وسلموا تسليما فأكده بالمصدر فقد يحتمل أن يريد بذلك السلام المذكور في التشهد ويحتمل أن يريد به السلام من الصلاة أي إذا فرغتم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فسلموا من صلاتكم تسليما وبهذا الاحتمال تعلق من رأى وجوبها في الصلاة وأما الاستعاذة من عذاب جهنم فإنها الاستعاذة من البعد فإن جهنم معناه البعيدة القعر والمصلى في حال القربة وهو قريب من الانفصال من هذه الحالة المقربة فاستعاذ بالله أن لا يكون انفصاله إلى حال تبعده من الله بل إلى قرب من حالة دينية أخرى وأما الاستعاذة من فتنة المسيح الدجال فلما يظهره في دعواه الألوهية وما يخيله من الأمور الخارقة للعادة من إحياء الموتى وغير ذلك مما ثبتت الروايات بنقله وجعل ذلك آيات له على صدق دعواه وهي مسئلة في غاية الأشكال لأنها تقدح فما قرّره أهل الكلام في العلم بالنبوات فيبطل بهذه الفتنة كل دليل قرروه وأي فتنة أعظم من فتنة تقدح في الدليل الذي أوجب السعادة للعباد فالله يجعلنا من أهل الكشف والوجود ويجمع لنا بين الطرفين المعقول والمشهود وأما فتنة المحيا والممات ففتنة الدجال وكل ما يفتن الإنسان عن دينه الذي فيه سعادته وأما الممات فمنها ما يكون في حال النزع والسياق من رؤية الشياطين الذين يتصورّون له على صورة ما سلف من آبائه وأقاربه وإخوانه فيقولون له مت نصرانيا أو يهوديا أو مجوسيا أو معطلا ليحولوا بينه وبين الإسلام ومنها ما يكون في حال سؤاله في القبر وهي حين يقول الملك له ما تقول في هذا الرجل ويشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذ لم يبرا الميت تعظيم الملك للرسول صلى الله عليه وسلم لأن المراد الفتنة ليتميز الصادق الإيمان من الكافر والمرتاب فأما المؤمن يقول هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات والهدى فآمنا وصدقنا وأما المنافق أو المرتاب وهو الذي يشك في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم أنها من عند الله ويجعل ذلك من القوى الروحانية وغرها ثم يرى عدم تعظيم الملك للرسول بهذا السؤال وهو قولهم ما تقول في هذا الرجل ولم يقولوا ما تقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول المرتاب لو كان لهذا القدر الذي كان يدعيه في رسالته لم يكن هذا الملك يكنى عنه بمثل هذه الكناية فيقول عند ذلك لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلت مثل ما قالوه فيشقى بذلك شقاء عظيما لم يكن يتخيله فهذا من فتنة الممات والقبر فاعلم ذلك وقد فرغ التشهد على التقريب والاختصار فيشقى بذلك شقاء عظيما لم يكن يتخيله فهذا من فتنة الممات والقبر فاعلم ذلك وقد فرغ التشهد على التقريب والاختصار

فصل بل وصل في التسليم من الصلاة 

اختلفوا في التسليم من الصلاة فمنهم من قال بوجوبه وبه أقول ومنهم من قال ليس بواجب التسليم من الصلاة واختلف القائلون بوجوبه فمن قائل الواجب من ذلك على المنفرد والإمام تسليمة واحدة ومنهم من قال اثنتين ومن قائل أن الإمام يسلم واحدة والمأموم يسلم اثنيتن وقد قيل عن صاحب هذا القول أن المأموم يسلم ثلاثا الواحدة للتحليل والثانية للإمام والثالثة لمن هو عن يمينه والذي يقتضيه النظر إذا لم يكن هناك نص يوقف عنده لا في التوقيت ولا في التحجير أن يزاد على الثالثة تسليمة رابعة للمأموم إن كان على يساره أحد وللإمام تسليمتان أو ثلاثة من أجل التحليل إن كان الناس عن يمينه ويساره فإن لم يكن عن يساره أحد فيسلم اثنتين واحدة للتحليل والثانية لمن هو عن يمينه والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم تسليمتان وما في الحديث ما يقتضي أن الخروج من الصلاة يكون بعد التسليم واعلم أن السلام لا يصح من المصلي إلا أن يكون المصلي في حال صلاته مناجيا ربه غائبا عن كل ما سوى الله من الأكوان والحاضرين معه فإذا أراد الخروج من الصلاة والانتقال من تلك الحالة إلى حالة مشاهدة الأكوان والجماعة سلم عليهم سلام القادم لغيبته عنهم في صلاته عند ربه فإن كان المصلي لم يزل مع الأكوان والجماعة إن كانفي جماعة فكيف يسلم عليهم من هذه حالته فإنه ما برح عندهم فهلا استحسن هذا المصلي حيث يرى بسلامه من صلاته أنه كان عند الله في تلك الحالة فسلام العارف من الصلاة لانتقاله من حال فيسلم تسليمتين تسليمة على من ينتقل عنه وتسليمة على من قدم عليه إلا أن يكون عند الله في صلاته فلا يسلم على من انتقل عنه لأن الله هو السلام فلا يسلم عليه فصل بل وصل فيما يقول الذي يرفع رأسه من الركوع وفي الركوع  يقول العارف الجامع لأكمل الصلوات إذا رفع رأسه من الركوع سمع الله لمن حمده نيابة نعن ربه سبحانه ومترجما عنه فإنه من كلام ربه تبارك وتعالى ثم يسكت ثم يقول يردّ على نفسه بلسانه اللهم ربنا ولك الحمد وذلك أنه ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد فإن الله قال على اللهم ربنا ولك الحمد مليء السموات ومليء الأرض ومليء ما بينهما ومليء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد كما أنه يقول في حال ركوعه بعد قوله فيه سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات إن كان منفردا أو مأموما وإن كان إما ما فانه يقولها خمس مرات ليدرك المأموم أنه يقولها ثلاثا ثم يقول بعد هذا التسبيح اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمى وعصبي اعلم أن العبد إذا ركع فقد أعلمتك أنه في حال برزخيّ بين القيام والسجود فيقول العارف بعد تسبيحه ربه التعظيم كما أوردناه يقول اللهم لك ركعت أي من أجل عزك وعلوك في كبريائك خضعت تعظيما لك يقول لقوميتك التي لا تنبغي إلا لك فإني لما قمت بين يديك لم أقم إلا امتثالا لا لأمرك حيث قلت وقوموا الله فقمت وأنا أخضع في ركوعي من خاطر ربما خطر لي في حال قيامي إني قمت لنفسي فأعترف بين يديك بركوعي أني لك ركعت وبك آمنت يقول بسببك أي بتأيدك صدقت لا بحولي ولا بقوتي أي لا حول ولا قوة إلا بك إذ القلوب بيدك التي هي محل الإيمان ولك أسلمت أي من أجلك كان انقيادي ولولاك ما تغيرت أحوالي معك في عبادتي فإنك الذي شرعت لي ذلك على لسان رسولك فعلا وقولا صلى الله عليه وسلم فصلى وذكر ثم أمرنا فقال صلوا كما رأيتموني أصلي وأنت القائل وما ينطق عن الهوى فعلمنا أنه مأمور بأن يأمرنا فذلك أمرك لا أمره فإنك القائل من يطع الرسول فقد أطاع الله ثم يقول خشع لك سمعي فيما كلمتني به في حال مناجاتي إياك بكلامك ثم يقول وبصري بواب التشريك وما ثم إلا الخشوع فكأنه يقول وخشع لك بصري حياء منك لعلمي بأنك تراني في حال ركوعي بين يديك فإنك في قبلتي كما أخبرني رسولك صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أجعلك مشهودا في صلاتي كأني أرك بل ياربي وإن مثلت في نفسي أني أراك فما أقدر أن أنكر علمي أنك تراني وما سبب الحياء مني غلا علمي بأنك تراني لا بأن أرك فإنه لا يعزب عنك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض يا من يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار ويقول ومخي وعظمي وعصبي فإنك جعلت في كل ما ذكرت قوة يكون بها قوام نشأتي وثبات هيكلي لتحصل نفسي بهذه القوى لبقاء هذه الصورة المكلفة ما أمر تهابه أن تحصله من المعرفة بك فربما خطر لمخي وعظمي وعصبي الموصوفين بالخشوع لك لما كانت أسبابا لما ذكرناه فيدركها لذلك عجب وزهو فوجب على كل واحدة من هؤلاء أن يخشع لك بتبريه من الحول والقوّة في السببية بأنك أنت الذي تحفظ على قوام نشأتي لتحصيل معارفي فإذا رفع العارف رأسه من الركوع يقول نيابة عن ربه سمع نفسه خطاب ربه سمع الله لمن حمده في قوله في حال ركوعه سبحان ربي العظيم وكل حمد وثناء حمده به وأثنى عليه به من أول شروعه في صلاته ثم يرد بربه على ربه بحضور نفسه من كونها بربه بتأييده إياها في حولها وقوتها فيقول اللهم ربنا فيحذف حرف النداء لأن ومنك فلا حامد ولا محمود إلا أنت ولك عواقب كل مثن في العالم وكل مثنى عليه وهو قوله ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ماشئت من شيء بعد يقول كل جزء من العالم العلوي والسفلي وما بينهما وما في الإمكان من الممكنات مما توجده ويبقى في العدم عينا ثابتة كل جزء منه معلوم بحكم الوجود والتقدير له ثناء خاص عليك من حيث عينه وإفراده وجمعه بغيره في قليل الجمع وكثيره أحمدك بلسانه وبلسان كل حامد من حمدك لنفسك وحمد من سوا لك ذلك فيكون لهذا الحامد بهذه الألسنة جمع ما يستدعيه من التجلي الإلهي ومن الأجور المحسوسة لأجل طبيعته وتركيبه فإنه حمده لسانا وقلبا ظاهرا وباطنا وقوله أحق ما قال العبد أي أوجب ما يقوله عبد مثلي ولي أمثال لسيد مثلك ولا مثل لك وكلنا لك عبد يقول أنوب عن أمثالي وهم جميع الممكنات موجودها ومعدومها ممن يقول بك في علمه عن حضور وممن يقول بنفسه عن غيبة فأنوب عنهم في حمدك لمعرفتي بك التي منحتني وجهلهم بما ينبغي لجلالك لا مانع لما أعطيت من الاستعداد لقوبل تجل مخصوص وعلوم مخصوصة ولا معطى لما منعت وإذا لم تعط استعداد عاما فما ثم سيد غيرك يعطى أنت ولا ينفع ذا الجد منك الجد أي من كان له حظ في الدينا من سلطان وجاه ومال وتحكم بغيرك في علمه لا في نفس الأمر لم ينفعه ذلك عندك في الآخرة عند كشف الغطاءفسه عن غيبة فأنوب عنهم في حمدك لمعرفتي بك التي منحتني وجهلهم بما ينبغي لجلالك لا مانع لما أعطيت من الاستعداد لقوبل تجل مخصوص وعلوم مخصوصة ولا معطى لما منعت وإذا لم تعط استعداد عاما فما ثم سيد غيرك يعطى أنت ولا ينفع ذا الجد منك الجد أي من كان له حظ في الدينا من سلطان وجاه ومال وتحكم بغيرك في علمه لا في نفس الأمر لم ينفعه ذلك عندك في الآخرة عند كشف الغطاء فصل بل وصل في السجود في الصلاة فإذا سجد وسبح بربه الأعلى وبحمده الأعلى وبحمده كما تقدم يقول في سجوده بعد تسبيحه اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا وفوقي نورا وتحتي نورا واجعل لي نورا واجعلني نورا يقول العارف سجد وجهي أي حقيقتي فإن وجه الشيء حقيقته للذي خلقه أي قدره من اسمه المدبر وأوجده من اسمه القادر البارىء المصور وشق سمعه بما أسمعه في كن وأخذ الميثاق ثم التكليف وبصره بما أدركه ليعتبر في المبصرات فإن ذلك في حق هذه النشأة وأمثالها كما فطر السموات والأرض وفتقتهما بعد رتقهما ليتميزا فيظهر المؤثر والمؤثر فيه لوجود التكوين تبارك الله أحسن الخالقين إثباتا للأعيان ليصح قوله لقوم يتفكرون ثم دعا بالنور في كل عضو نور السموات والأرض الذي مثله بالمصباح في الزجاجة مقام الصفا في المشكاة مقام الستر من الأهواء فلم تصبه مقالات القائلين فيه بأفكارهم الموقد بالزيت المضيء بالمقاربة وهو حكم الإمداد من الشجرة وهي الممد لا شرقية ولا غربية في مقام الاعتدال لا تميل عن عرض إلى شرق فيحاط بها علما ولا إلى غرب فلا تعلم رتبتها نور على نور وجود على وجود عيني على وجود مفتقر ثم دعا بجعل النور في كل عضو والنفور هو النور وكل عضو فله دعوى بما خلقه الله عليه من القوة التي ركبها فيه وفطره عليها ولما علم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا أن يجعل الله فيه علما وهدى منفر الظلمة دعوى كل مدع من عالمه هذا ربط هذا الدعاء وآخر ما قال اجعلني نورا يقول اجعلني أنت فإنه نور السموات والأرض فهناك قال الحق تعالى كنت سمعه وبصره ورجله ويده ولسانه عندما يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش ويسعى يقول اجعلني نورا يهتدي بي كل من رآني في ظلمات بر ظاهره وبحر نفسه وباطنه فأعطاه القرآن وأعطانا الفهم فيه فإن هذه المنحة من أعلى المنح في رتبة هي أسنى المراتب ومعناه غيبني عني وكن أنت بوجودي فيرى بصري كل شيء بك ويسمع سمعي كل مسموع بك فإن نور كل عضوا إدراكه وهكذا جميع ما فصله ولكن بنور يقع به التمييز بين الأنوار ولذلك نكره في كل عضو وفي نفسه وذاته فيتميز نور الشمال من نور اليمين ونور الفوق من نور التحت وكذلك أنوار القوى والجوارح ثم أقمنى بعد هذا في عين الجمع والوجود فتتحد الأنوار بأحدية العين فإن لم أكن هناك فبجعلك إياي نورا وإن كنت هناك فبجعلك في نورا أهتدي به في ظلمات كوني فصل بل وصل فيما يقول المصلي بين السجدتين في الصلاة : اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني أجبرني واهدني وعافني واعف عني يقول العارف استرني واستر من أجلي استرني من المخالفات حتى لا تعرف مكاني فتقصدني نفسك عني إذ قد قلت أن سبحانك محرقة أعيان كل موصوف بالوجود وإن كان وجودك ولكن كما أثر في الممكن صفة الوجود ولم يكن بالوجود موصوفا كذلك أثر نسبته إلى الممكن إن قيل فيه بوجود وإن كان مقيد بالحدوث حادث ولكن الحضرة الإلهية موصوفة بالغيرة على وجودها من أجل دعوى هذا المدعى فلو لم تصدر منه الدعوى لما تسلط عليه فلا بد إذا ارتفعت الحجب أن تحرق سبحات ما أدركه البصر من الخلق يعني الطبيعي فإن عالم الأمر أنوار قلما يحترق بل يندرج في النور الأعظم فإن عالم الأمر ما عنده دعوى فيحترق عالم الخلق فيصير رمادا فما ألحقه بالعدم فبقي رماد غلا دعوى له فإذن ما أعدمت سوى الدعوى بإحالة العين التي أعطى استعدادها الدعوى إلى عين ما لها دعوى وقوله وارحمني برحمة الوجوب التي لا تحصل إلا بعد رحمة الامتنان بما أعطيتني من التوفيق لتحصيل رحمة الوجوب حتى أكون كل شيء وسعته رحمتك فيطلب العارف رحمة الإمتنان في عين الوجوب بالتوفيق للعمل الصالح الموجب لرحمة الإختصاص فيريد أخذها من عين المنة التي يطلبها إبليس وأشياعه من الجن والأنس مع وصف هذا العارف بالعصمة والحفظ عن المخالفة والخذلان الموجب للحرمان ثم يقول وارزقني يعني من غذاء المعارف الذي يحيا به قلبي كما رزقتني من غذاء الجسوم بما أبقيت به جسدي الطبيعي وهيكلي ثم يقول أجبرني الجبر لا يكون إلا بعد كسر وهو المهيض في اللسان والمهيض هو المكسور بعد جبر وهو كسر العارفين فإن العبد مكسور في الأصل بإمكانه فجبره إنما هو بأن ألحقه بالوجوب ولكن بغيره فلما أوجده بهذا الجبر كسرته المعرفة بنفسه وبربه نفردته إلى إمكانه فهذا كسر بعد جبر والجبر لا يكون إلا عن كسر فلهذا قلنا هو المهيض في اللسان كما أيضا يقول واجبرني يعني أوقفني على جبري في اختياري فإن العبد مجبور في اختياره وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين يقول الله أنا مع المنكسرة قلوبهم من أجلي ثم يقول واهدني بين لي ما نتقي للبيان في الترجمة عنك لعبادتك بما تهبني من جوامع الكلم ليصح ورثي من رسولك صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم أعطيت شيئا لم يعطهن نبي قلبي وذكر منها فقال وأوتيت جوامع الكلم ثم يقول وعافني من أمراض القلوب التي هي أغراضها لا من أمراض الجسوم فإنك في غاية القرب عند من أمرضت جسمه فإنك لي في الخبر الصحيح الذي بلغه إلى رسولك صلى الله عليه وسلم عنك أنك قلت مرضت فلم تعدني فأقول لك وكيف تمرض وأنت رب العالمين فقال صلى الله عليه وسلم أنك تقول مجيبا لي أن عبدي فلأن مرض فلم تعده إما أنك لوعدته لوجدتني عنده ومن أنت عنده سبحانك فما شقي وما أمرضت عبدك إلا لتعوده وتكون عنده فمن أراد أن يجدك فليعد المرضى سبحانك تسبيحا لا ينبغي إلا لك ثم يقول واعف عني يقول كثر خيرك لي وقلل بلاءك عني أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر وليس عفوك عن خطيئتي التي طلبت منك أن تسترني عنها حتى لا تصيبني فاتصف بها والعفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة فنبب تعني يارب فإني لا أستطيع التحرك إلى ما أمرتني بعمله لزمانتي مع إرادة التحرك

فصل بل وصل في القنوت في الصلاة

اختلفوا في القنوت فمن قائل أنه مستحب في صلاة الصبح ومن قائل أنه سنة ومن قائل أنه لا يجوز القنوت في صلاة الصبح وإنما وموضعه الوتر ومن قائل يقنت في كل صلاة ومن قائل لا قنوت إلا في رمضان ومن قائل لا قنوت إلا في النصف الآخر من رمضان ومن قائل في النصف الأول من رمضان وهو دعاء يدعو به المصلي ومنهم من يراه قبل الركوع ومنهم من يراه بعد الركوع ومن الناس من لا يرى القنوت إلا في حال الشدة وبه أقول وهو مستحب عندي وقد روى في صفة قنوت الوتر دعاء خاص وقد روى في قنوت الصبح دعاء خاص لم يثبت فليدع من يرى القنوت بأي شيء شاء بحسب حاله غير أنه يجتنب السب واللعنة في القنوت وليدع بخير الدنيا والآخرة وما يزلف عند الله مثل ما ثبت في قنوت الوتر من قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وأنه لا يذل من واليت ولا يضل من هديت تباركت وتعاليت فهذا تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم كيف ندعو الله في قنوتنا وفي كل دعاء فالعارف ينظر فيما علم أن يدعو به أو بما يشبهه فهو يطلب من الله أن يهديه فيمن هذا فإن وقف مع صفة اللفظ فهو يطلب في المستقبل أن يكون في الماضين والمستقبل لا يكون في الماضي إلا أن يجمعهما وجه فينظر العارف فيجد أن الجامع بين الماضي والمستقبل إنما هو العدم إذ كان الوجود لا يصح إلا للحال والوجود لا يكون إلا لله فإن وجود الحال وجود ذاتي لا يصح فيه العدم وله الدوام وبهذا وصفه أهل العربية فقالوا في تقسيم الأفعال أن فعل الحال يسمى الدائم وهو موجود بين طرفي عدم لا يمكن فيهما وجود أصلا وهو الماضي والمستقبل وهو عين العبد فهو الموصوف بالعدم نفيده بالماضي وهو العدم وبالمستقبل وهو عدم فاهدني للمستقبل وهديت للماضي والعدم لا يقع فيه تمييز فلهذا شرع له أن يقول اهدني فيمن هديت وأمثاله فإذا حصلته الهداية وهي عين وجود الحال والحال ظرف محقق ولهذا جاء يفي فقال فيمن والعدم لا يكون ظرفا لأن المعدوم لا شيء والعدم عبارة عن لا شيء ولا شيء لا يكون ظرفا لغير شيء فالمفهوم من قوله اهدني فيمن هديت وأمثاله بقوة ما تعطيه في أي إذا كسوتين وجود الهداية والتولي وما وقع السؤال فيه فليكن في الحال الذي له الدوام فلا يوصف بالماضي فيلحق العدم ولا بالمستقبل ولا يكون له وجود والحق منزه عن التقييد في أفعاله بالزمان والعبد الذي هو المخلوق في الماضي موصوف أليس وفي المستقبل كموصوف ليس وفي حال اتصافه بالوجود من حيث ذاته موصوف ليس فكما أن ليس له حقيقة لا ينفك عنها بل هي عينه كذلك ليس الذي هو الوجود هو للحق سبحانه حقيقة لا يوصف بالماضي فيلحق بالعدم ولا بالمستقبل ولا يكون له وجود والحق منزه عن التقييد في أفعاله بالزمان والعبد الذي هو المخلوق في الماضي موصوف بليس وفي المستقبل موصوف بليس وفي حال اتصافه بالوجود من حيث ذاته موصوف بليس فكما أن ليس له حقيقة لا ينفك عنها بل هي عينه كذلك ليس الذي هو الوجود هو للحق سبحانه حقيقة لا يوصف بنقيضه بل الوجود والعدم لا ينسب إليه شيء وفي ذلك قلنا تقول بهم وتعتبهم وماذا … بتحقيقي فقل لي ما أقول أقول بهم وهل علموا بأني … أقول بهم فقل لي ما تقول إذا عبد تحقق إذ يقول … بأني قائل وهو المقول أءعتب مثله والعدل نعتي … فقل بي ما تقول وما نقول يقول الله على لسان فرعون أنا ربكم الأعلى وهو سبحانه الأعلى حقيقة فإن الله هو ربنا الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى العبرة في ذلك للعالم فإن الله وصف العلماء فأخذه الله فقال إنما يخشى الله من عباده العلماء فيعتبر العالم كما أخبر الله من أين أخذ فرعون وهذه صفة الحق ظهرت بلسان فرعون فعلم أنه ما قالها نيابة عن الحق كما يقول المصلي سمع الله لمن حمده فلما غاب عن النيابة في ذلك القول طلبت الصفة موصوفها فرجعت إلى الحق جل جلاله وبقي فرعون معرى عنها على أنه ما لبسها قط عند نفسه فإن الله قد طبع على كل قلب متكبر جبار أن يدخله كبرياء إذ لا ينبغي ذلك الوصف إلا لمن لا يتقيد فهو إلا على عن التقييد فكان الجزاء لفرعون لغيبته عن هذا المقام أن أخذه الله نكال الآخرة والأولى أي أوقفه على تقييده أنه ليس له هذا الوصف فالأولى للماضي وهي كلمة ما علمت لكم من إله غيري والآخرة للمستقبل وهي كلمة أنا ربكم الأعلى وهما عندنا أن الله أخذه نكال الآخرة والأولى في الأولى فاطلع بما أعلمه الله في أخذه ذلك عن الإطلاق الذي ادعاه بالتقييد الذي هو النكال فأن النكل في اللسان هو القيد ولما رأينا الله قد عبر بالنكال عرفنا أن النقيض هو الذي سلبه وهو العلم له فهو كائن ولا ينجي حذر من قدر وفي ذلك قلت بيتين فيهما رمز حسن وهما إذا قلت يا الله قال لما تدعو … وإن أنا لم أدعو يقول ألا تدعو فقد فاز باللذات من كان أخرسا … وخصص بالراحات من لا له سمع فينبغي للعبد إذا قرأ القرآن أو تكلم بما تكلم به أو كلمه غيره أو سمع من سمع بأي لسان كان يتكلم فإنه ليس في العلام صمت أصلا فإن الصمت عدم والكلام على الدوام إذ فائدة الكلام الإفهام بالمقاصد للسامعين والأحوال مفهمة وهي الكلام ولا يخلو موجود أن يكون على حال ما فحاله هو عين كلامه لأنه المفهم الذي ينظر إليه ما هو عليه نفي وقته فلا لسان أفصح من لسان الأحوال وقرائن الأحوال تفيد العلوم التي تجيء بطريق العبارات والعبارات من جملة الأحوال عندنا فانطلق في الإصطلاح اسم الكلام على العبارات والعارفون بالله عندهم الوجود كله كلمات الله لا تنفذ أبدا فافهم ما ينبغي للعبد أن يعرف من ذلك إذا سمع كلاما أو تكلم هو أن يفرق ما بين ما هو العبد فيه نائب عن الله وما هو الله فيه مترجم عن العبد ويميز ذلك بالصفة فإن الصفة تطلب موصوفها فإنه لا يقبلها إلا من هي له فإذا تضمن الكلام صفة لا تنبغي إلا للعبد فالعبد صاحبها وإن وصف الحق بها نفسه وإذا تضمن الكلام صفة لا تنبغي إلا الله فالله صاحبها وإن وصف العبد بها نفسه فهكذا تعتبر الكلام كله ممن وقع سواء كان بالعبارات أو بالأحوال فهذا معنى قوله إن في ذلك لعبرة لمن يخشى وهو العالم وقوله في ذا إشارة إلى ما تقدم في القصة والذي تقدم في القصة قوله أنا ربكم الأعلى وأخذ الله له نكال الآخرة والأولى أي هذه الدعوى أوجبت هذا الأخذ وأن الصفة طلبت موصوفها وهو الله وبقي فرعون عريا عنها فلم يكن له من يحميه عن الأخذ يقول الله عن نفسه جعت فلم تطعمني نيابة عن عبد جاع فلم تطعمه فطلبت الصفة موصوفها وهو العبد فهكذا العافون الحقائق

فصول بل وصول في أفعال الصلاة

فصل بل وصل في رفع الأيدي في الصلاة

اختلف العلماء في رفع الأيدي في الصلاة أعني في حكمها وفي المواضع التي يرفعها فيها وفي حد إلى أين ينتهي بها فأما الحكم فمن قائل أن رفع اليدين سنة في الصلاة ومن قائل أنه فرض وهؤلاء انقسموا أقساما فمنهم من أوجب ذلك في تكبيرة الإحرام فقط ومنهم من أوجب ذلك في الاستفتاح وعند الانحطاط إلى الركوع وعند الرفع من الركوع ومنهم من أوجب ذلك في هذين الموضعين وعند السجود وأما المواضع التي ترفع فيها الأيدي في الصلاة فمن قائل عند تكبيرة الإحرام فقط ومن قائل عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع ومن قائل يرفعها عند السجود عند الرفع من السجود وهو حديث وائل بن حجر ومن قائل إذا قام من الركعتين وهو رواية مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما أنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤيا مبشرة فأمرني أن أرفع يدي في الصلاة عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع وأما الحد الذي ترفع إليه اليدان فمن قائل إلى المنكبين ومن قائل إلى الصدر ولكل قائل حديث مروي أثبتها إلى المنكبين وحديث الأذنين أثبت من حديث الصدر والذي أذهب إليه في هذه المسئلة أن الأحاديث المروية في ذلك إنما هي في حكاية فعله صلى الله عليه وسلم ما روى أنه أمر بذلك وقد قال صلوا كما رأيتموني أصلي ومعلوم أن الصلاة تحوي على فرائض وسنن فلا يفهم من هذا الحديث أن أفعال الصلاة فرض جميعها المعارضة الإجماع لهذا المفهوم فلنصلها ونرفع أيدينا في علم الشارع من غير تعيين فرض أو سنة كما أحرم علي بن أبي طالب بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يعلم بما أحرم وأقره على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنكر عليه فنرفع أيدينا في الصلاة على حكم الشرع فيها فنقبلها على ذلك الحكم وأما الحد فمذهبي فيه أنه بفعله يقتضي التخيير فإن الأحاديث وردت بحدود مختلفة فعليه فأية حالة فعل المصلي أجزأته فرضا كان أو سنة والأولى الرفع إلى الأذنين ولكن ينبغي أن يكون رفعهما على الصدر إلى حذو المنكبين إلى الأذنين فيجمع بين الثلاثة الأحوال وكذلك المواضع تعمها كلها عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع وعند السجود وعند الرفع من السجود وعند القيام من الركعتين فإن ذلك لا يضره فإنه قد ورد وما ورد أن ذلك يبطل الصلاة فما ورد ما يعارض ذلك وغاية المفهوم من حديث ابن مسعود والبراء بن عازب أنه كان عليه السلام يرفع يديه عند الإحرام مرة واحدة لا يزيد عليها أي أنه رفع مرة واحدة لم يصنع ذلك مرتين نعند الإحرام ويحتمل أن يريد بقولهما لا يزيد عليها أي لا يرفعهما مرة أخرى في باقي الصلاة فما هو نص وقد ثبتت الزيادة برفعه عند الركوع وعند الرفع منه وغير ذلك والزيادة من العدل الثقة مقبولة فالأولى رفعهما في جميع المواطن التي جاءت الرواية بالرفع فيها وأما اعتبار العارف في ذلك فإن رفع الأيدي يؤذن بأن الذي حصل فيها قد سقط عند رفعها فكان الحق يقول له معلما إذا وقفت بين يدي فقف فقيرا محتاجا لا تملك شيئا وكل شيء ملكتك إياه فارم به وقف صفر اليدين واجعله خلف ظهرك فإني في قبلتك ولهذا يستقبل بكفيه قبلته قائمة ليعلم أنه صفر اليدين مما كان فيهما ثم إنه إذا حطهما رجعت بطون إلا كف تنظر إلى خلف وهو موضع مارمته من يدها ثم إن الله يعطيه في كل حال من الأحوال أحوال الصلاة ما يقتضيه جزاء ذلك الفعل فإذا ملكه تركه وأعلم الحق برفع يديه أنه قد تركه في الموضع الذي ينبغي له أن يتركه وقد توجه طالبا فقيرا صفر اليدين إلى الوهب الإلهي فيعطيه أيضا فرفع يديه وهي خالية هكذا في جميع المواطن التي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع فيها يديه وقد يرفعها من باب الحول والقوة إذ كانت محل القدرة إلا يدي فيرفع يديه إلى الله معترفا أن الإقتدار لك لا لي وأن يدي خالية من الإقتدار فمن رفعها إلى الصدر اعتبر كون الحق في قبلته ومن رفعها إلى الأذنين اعتبر كون الحق فوقه ممن قوله وهو القاهرة فوق عباده في كل خفض ورفع يفعل ذلك يقول بذلك الرفع من يديه أن لا حول لي ولا قوة في كل خفض ورفع وأن القوة لك لا إله إلا أنت انتهى الجزء التاسع والثلاثون

فصل بل وصل في الركوع وفي الإعتدال من الركوع

اختلف العلماء في الركوع وفي الإعتدال من الركوع فمن قائل أنه غير واجب ومن قائل بوجوبه الاعتبار في ذلك الخضوع واجب في كل حال إلى الله تعالى باطنا وظاهرا فإذا اتفق أن يقام العبد في موطن يكون الأولى فيه ظهور عزة الإيمان وجبروته وعظمته لعز المؤمن وعظمته لعز المؤمن وعظمته وجبروته فيظهر في المؤمن من الأنفة والجبروت ما يناقض الخضوع ففي ذلك الموطن لا يكون الخضوع واجبا بل ربما الأولى إظهار صفة ما يقتضيه ذلك الموطن قال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك هذا موطن يجب أن تكون المعاملة فيه كما ذكر وقال في الموطن الآخر يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم فهو من باب إظهار عزة الإيمان بعز المؤمن وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة وقد نتراءى الجمعان من يأخذ هذا السيف بحقه فأخذه أبو دجانة فمشى به بين الصفين خيلاء مظهر الإعجاب والتبختر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن فإذا علمت أن للمواطن أحكاما فافعل بمقتضاها تكن حكيما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي علمه فروض الصلاة اركع حتى تطمئن راكعا وارفع حتى تطمئن واقفا فالواجب اعتقاد كونه فرضا فصل بل وصل في هيئة الجلوس فمن قائل يفضي بأليتيه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى ويثني اليسرى والرجل والمرأة في ذلك على السواء وقال آخرون ينصب الرجل اليمنى ويقعد على اليسرى وفرّق آخرون بين الجلسة الوسطى والآخرة فقال في الوسطى ينصب اليمنى ويقعد على اليسرى وقال في الجلسة الآخرة يفضي بأليتيه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى ويثنى اليسرى وكل قائل له مستند إلى حديث فما فعل من ذلك اجزأه الاعتبار في ذلك الجلوس في الصلاة جلوس العبدين يدي السيد وليس له أن يجلس إلا أن يأمره سيده وقد أمر المصلي بالجلوس في الصلاة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا عبد أجلس كما يجلس العبد فأحسن الحالات في الجلوس في الصلاة هو الجلوس الذي يكون فيه أقرب إلى الوقوف بين يدي سيده هذا إذا كان حال العارف ما ينبغي أن يكون عليه العبد من حيث ما هو فبد وإن كان العارف في محل النظر في أصل معرفته بنفسه ليعرف ربه فالأولى في جلوسه إن يفضي بأليتيه إلى الأرض في آخر جلوسه ولابد فإنه أقرب إلى النظر في ذاته بخلاف الجلسة الوسطى فإن جلوسه فيها عارض عرض له من الحق أجلسه أي رده في النظر إلى نفسه لمعرفة بريد تحصيلها فيكون كالمستوفز لأنه مدعوا إلى الوقوف وهي الركعة الثالثه والطمأنينه في الركوع والسجود وأحوال الإنتقالات كلها في أحوال الصلاة المراد بها الثبات لتحقيق ما يتجلى له فيها لأنه إذا أسرع بأدنى ما ينطلق عليه اسم راكع يفوته علم كبير لايناله إلامن ثبت فلهذا أمر بالطمأنينة في هذه المواطن فإن العجله من الشيطان إلا في خمس وهي مذكورة في بابها فالمسارعات إلى الخيرات مشروع يعد الثبات والإطمئنان في الخير الذي أنت فيه فلا مناقضة بين الطمأنينة والمسارعة.

فصل بل وصل في الجلسة الوسطى والأخيرة

اختلف العلماء في الجلسة الوسطى والأخيرة فقائل في الوسطى أنها سنة وليست بفرض وشذ قوم فقالوا إنها فرض والأصل الذي اعتمد عليه في أفعال الصلاة كلها أن لا تحمل أفعاله صلى الله عليه وسلم على الوجوب حتى يدل الدليل على ذلك وأما الجلسة الأخيرة فبعكس الوسطى إنها فرض وشذ قوم فقالوا إنها ليست بفرض ومن قائل إن الجلستين سنة وهو أضعف الأقوال وبقي الجلوس في وتر من الصلاة يذكر بعد هذا أن شاء الله في فصله الاعتبار في ذلك أما الجلسة الوسطى فإنها كما قلنا عارض عرض لأجل القيام بعدها إلى الركعة الثالثة والعارض ليتنزل منزلة الفرض ولهذا سجد من سها عنه وفرق بينه وبين الركن إذا فاته ولم يقترن بالجلسة الوسطى أمر فيحمل على الوجوب وإنما هو أمر عارض عرض للمصلي في مناجاته من التجليات البرزخيات دعاه أن يسلم عليه لما شرع فيه من التحيات فلما رأى أن ذلك المقام يدعوه إلى التحية تعين عليه أن يجلس له كما يفرض عليه في الجلسة الآخرة التي هي ركعتان إلا الوتر فإن له خصوص وصف أذكره في الوتر إذا جاء إن شاء الله ولما ثبت عين الشفع بوجود الركعتين فتميز الرب من العبد فقد حصل المقصود فلابد من الجلوس كما يكون في صلاة الصبح وفي صلاة الليلية مثنى مثنى وفي الصلاة السفر وقول الراوي أول فرض الصلاة إنها فرضت ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر وأقرت في السفر على الأصل فلما لهذا الشفع في الصلاة الثلاثية والرباعية إن الشيئين إذا تألف صح على كل واحد منهما اسم الشيئين ومن الناس قال كنا شيأً واحداً وقد تألف بوجود الركعتين الأوليين نسبة شيئية الصلاة للعبد وننفي نسبة شيئية الصلاة للرب فإنه قال عن نفسه أنه يصلي علينا فكانت الركعتان في الرباعية لهذا ولما أراد أن يفصل بين الشيئين الأوليين والأخريين ليتميزا فصل بينهما بالجلسة وهذا هو العارض الذي عرض له حتى جلس فإنه سجد له ولم يأت به كما يأتي الركن إذا فاته وأما وقوع الجلوس بعد الثنتين في المغرب فلأمر آخر خلاف هذا وما هي بجلسة وسطى لأنه ليس بعدها ركعتان فهي في الثلثين وفي الرباعية في النصف وذلك أن ينبه بأن الشيئين إذا تألفا كانا شيئا واحدا فذلك الواحد هو عين الركعة الثالثة من المغرب بشير بأن هاتين الركعتين المقسمتين بين عبد ورب هي في المعنى واحدة لأن المعنى الواحد يتضمن الثاني من جميع وجوهه وليس الآخر كذلك لأن الآخر يتضمنه من وجه فمن الوجه الذي يتضمنه ظهرت للرباعية ركعتان بعد الجلسة الوسطى الركعة الواحدة للواحد لتضمنه معنى الآخر والأخرى للآخر لتضمنه معنى الأول ويبقى الوجه الواحد الذي لا أخ له بمنزلة الوتر الذي زادنا الله إلى صلاتنا وهو ركعة واحدة لا ثاني لها وهو الوجه الذي ينفرد به الحق عنا من حيث ذاته وصورة ذلك في المعارف أن العبد يطلب الواجب الوجود لنفسه لأنه ممكن فلا بد له من مرجح فالعبد يتضمن الرب بوجوده بلا شك فركعة المغرب اكتفى بها لأنها تتضمن الثانية ووجود الواجب لنفسه له وجه لتضمن الممكن وهو وجه كونه إلها قادرا مريد فقد تكون ركعة المغرب إلهية من هذا الوجه وله سبحانه وجه أيضا إلى نفسه لا يتضمن وجود الممكن جملة واحدة وهو الغني الذي له على الإطلاق فهو بالنظر إليه سبحانه لا يلزم من النظر فيه من حكم ذاته وجود العالم ولا بد إلا أن ننظر فيه من حيث ما يطلبه الممكن فتظهر النسب عند ذلك وكونه قادرا فيطلب المقدور ومريدا فيطلب المراد فالوتر المفروض المراد له هو الوجه الذي للحق من حيث ما لا يطلب الأكوان ولا تطلبه الأكوان إذا لم ننظر في ذواتها قال الله عز وجل والله غنيّ عن العالمين والعالمون هنا هو الدلالات على الله فهو يقول في هذه الآية أنه غنيّ عن العالمين وهو الذي تسميه أهل النظر وجه الدليل يقول الحق ما ثم دليل عليّ فيكون له وجه ير بطني به فأكون مقيدا به وأنا الغنيّ العزيز الذي لا تقيدني الوجوه ولا تدل عليّ أدلة المحدثات فدليل الحق على الحق وجود الحق في عين الممكن لا يفتقر إلا لأمر ممكن يعني أنه يمكن أ، يحصل له ويمكن أن لا يحصل والإفتقار إلى الممكن من الممكن محال والإفتقار إلى الواجب بنفسه من الممكن في غير ممكن محال فلا إفتقار لممكن ولا لواجب أصلا فالواجب الوجود غنيّ على الإطلاق والممكن ليس بفقير لممكن على الإطلاق ولا لغير ممكن فإن تحصيل ما ليس بممكن لممكن محال فالحق لا يحصل منه في العبد شيء ولا للعبد منه شيء فالظاهر من الممكنات وأعيانها وجود الحق والممكنات باقية على أصلها من الإمكان لا تبرح أبدا فمعنى الإستفادة هي دلالة الحق بوجوده عليها لا دلالتها عليه فإنها لا تدل عليه أبدا فالناظر في هذه المسئلة يتوهم أن الكون دليل على الله لكونه ينظر في نفسه فيستدل وما علم أن كونه ينظر راجع إلى حكم كونه متصفا بالوجود فالوجود هو الناظر وهو الحق فلو لم تتصف ذاته بالوجود فبماذا كان ينظر فما نظر إلا الحق في الحق فأنتج له الحق نفسه فقال عرفت الله بالله وهو مذهب الجماعة إذا ضربت الواحد في الواحد كان الخارج واحد فافهمل فالحق لا يحصل منه في العبد شيء ولا للعبد منه شيء فالظاهر من الممكنات وأعيانها وجود الحق والممكنات باقية على أصلها من الإمكان لا تبرح أبدا فمعنى الإستفادة هي دلالة الحق بوجوده عليها لا دلالتها عليه فإنها لا تدل عليه أبدا فالناظر في هذه المسئلة يتوهم أن الكون دليل على الله لكونه ينظر في نفسه فيستدل وما علم أن كونه ينظر راجع إلى حكم كونه متصفا بالوجود فالوجود هو الناظر وهو الحق فلو لم تتصف ذاته بالوجود فبماذا كان ينظر فما نظر إلا الحق في الحق فأنتج له الحق نفسه فقال عرفت الله بالله وهو مذهب الجماعة إذا ضربت الواحد في الواحد كان الخارج واحد فافهم فصل بل وصل في التكتيف في الصلاة اختلف العلماء في وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة فكرهها قوم في الفرض وأجازها في النفل ورأى قوم أنه من سنن الصلاة وهذا الفعل مرويّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى في صفة صلاته أيضا أنه لم يفعل ذلك وقد ثبت أيضا أن الناس كانوا يؤمرون بذلك اعتبار ذلك عند أهل الله تختلف أحوال المصل بين يدي ربه عز وجل في قيامه بحسب اختلاف ما يناجيه فإن اقتضى ما يناجيه به التكتيف تكتف وإن اقتضى السدل وهو إسدال اليدين أرسلهما كما أنه إذا اقتضت الآية الإستغفار استغفرو إذا اقتضت الدعاء سأل وإذا اقتضت تعظيم الجناب العالي عظم وإذا اقتضت السرور سرّ وإذا اقتضت الخشوع خشع فهو بحسب ما يناجيه به فلذلك ما ينبغي أن يقيد المصلي في مناجاته بصفة خاصة ولهذا قال بالتخيير في هذه المسئلة من قال وكل هذه الهيئات جائزة وحسنة فصل بل وصل في الإنتهاض من وتر صلاته ذهبت طائفة المصلي إذا كان في وتر من صلاته أن لا ينهض حتى يستوي قاعدا واختار آخرون أن لا يقعد وإن انتهض من سجود نفسه اعتبار أهل الله في ذلك المصلي بحسب ما يدعوه الحق إليه فإن دعاه وهو في حال سجوده إلى القعود قعد ثم ينهض وإن دعاه إلى النهوض نهض فهو بحسب ما يلقى إليه في نفسه وقد تقدّم الكلام في الجلوس في الصلاة قبل هذا فالتجر على ذلك الإعتبار وأما الجلوس بين السجدتين فهو ليجمع في سجوده بين السجود عن قيام والسجود عن قعود فمن السجود عن الجلوس يقف منه على أسرار نزول الحق من العرش الذي استوى عليه سبحانه بالاسم الرحمن إلى السماء الدنيا فيكون العبد في حال جلوسه بين السجدتين يناجي الرحمن من حيث أنه استوى على العرش وفي سجوده من جلوسه يناجي الحق بالاسم الرب من حيث نزوله إلى عباده في الثلث الباقي من الليل فيتجلى له من هذه الأحوال ما يكون له به مزيد علوم مما تعطيه ما تتضمنه هذه الأحوال من الذكر والدعاء والهيئات كل على حسب شربه

فصل بل وصل فيما يضع في الأرض إذا هوى إلى السجود

اختلف الناس فيما يضع المصلي في الأرض إذا هوى إلى السجود هل يضع يديه قبل ركبته أم لا فذهب طائفة إلى وضع اليدين قبل الركبتين وذهب قوم إلى وضع الركبتين قبل اليدين اعتبار أهل الله في ذلك اليدان محل الإقتدار والركبتان محل الاعتماد فمن اعتمد على ربه مع الاقتدار الذي يجده من نفسه كالحلم مع القدرة قال بوضع الركبتين قبل اليدين ومن رأى أن اليدين محل العطاء والكرم ورأى قوله تعالى فقدّموا بين يدي نجوا كم صدقات قدّم اليدين عل الركبتين ثم إن المعطى لا يخلو من إحدى حالتين إما أن يعطى وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمل الحياة وإما أن يعطي وهو من الثقة بالله والاعتماد على الله بحيث أن لا يخطر له الفقر والحاجة ببال لعلمه بأن الله أعلم بمصالحة فمن كانت هذه حالته قدم ركبتيه على يديه ومن كانت حركاته الشح يجاهد نفسه خشي الفقر وبذل المجهود من نفسه في العطاء قدّم يديه على ركبتيه والساجد أي حال قدّم من هاتين الحالتين فإن الأخرى تحصل له في سجوده ولا بد فمن اعتمد وتوكل حصل له صفة الجود والإيثار وجميع مراتب الكرم والعطاء ومن أعطى لله عن جبن وفزع أثمر له ذلك العطاء بهذه الحال التوكل والاعتماد على الله والذي رجح الشارع تقديم اليدين

فصل بل وصل في السجود على سبعة أعظم

اتفق العلماء رضي الله عنهم على أنه من سجد على الوجه واليدين والركبتين وأطراف القدمين فقد ثم سجوده واختلفوا إذا سجد على وجهه ونقصه عضو من تلك الأعضاء هل تبطل صلاته أم لا فمن قائل تبطل ومن قائل لا تبطل ولم يختلفوا أن من سجد على جبهته وأنفه فقد سجد على وجهه واختلفوا فيمن سجد على جبهته دون أنفه أو على أنفه دون جبهته وعلى جبهته دون أنفه ومن قائل أنه لا يجوز إلا أن يسجد عليهما معا والاعتبار في ذلك السبع الصفات ترجع إليها جميع الأسماء الإلهية وتتضمنها وهي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر فلو نقص منها صفة أو نسبة على الإختلاف الذي بينا في كونها نسبا أو صفات فقد بطل الجميع أي لم يصح كون الحق إلها وهذا اعتبار الذي لا يجيز الصلاة إلا بالسجود على السبعة الأعضاء فإنها لحضرة الإلهية بمنزلة الأعضاء لهذا الساجد والذي يقول أن الوجه لا بد منه بالإتفاق كالحياة من هذه الصفات التي هي شرط في وجود ما بقي من الصفات السبع أو النسب على الاختلاف الذي بينا فمن عالم يقول أن السمع والبصر راجعان إلى لعلم وأن العلم يغني عنهما وأنهما للعلم مرتبتان عينهما المسموع والمبصر فهما من العلم تعلق خاص قال بجواز الصلاة إذا نقض عضو من هذه الأعضاء مع سجود الوجه كالحياة ولما كانت الحياة تقتضي الشرف والعزة لنفسها على سائر الصفات والأسماء لكون هذه الصفات في وجودها مشروطة بوجود الحياة وكانت العزة والحياة مرتبطتين كالشيء الواحد مثل ارتباط الجبهة والأنف في كونهما عظما واحدا وإن كانت الصورة مختلفة فمن قال أن المقصود الوجه وأدنى ما ينطلق عليه اسم الوجه يقع به الاجتزاء أجاز السجود على الأنف دون الجبهة وعلى الجبهة دون الأنف كالذي يرى أن الذات هي المطلوبة الجامعة ومن نظر إلى صورة النف وصورة الجبهة ونظر إلى الأولى باسم الوجه فغلب الجبهة وأن الأنف وإن كان مع الجبهة عظما واحدا لم يجز السجود على الأنف دون الجبهة لأنه ليس بعظم خالص بل هو للعضلية أقرب منه إلى العظمية فتميز عن الجبهة فكانت المعتبرة في السجود كذلك الحياة هي المعتبرة في الصفات وإن العزة وإن كانت لها بالإحاطة فإن العلم له الإحاطة أيضا فاشتركا فلم ير للعزة أثرا في هذا الأمر ومن قال لا بد أن يكون وجه الحق منيع الحمى عزيزا لا يغالب قال بالسجود على الجبهة والأنف مع ولما كان الأنف في الحس محل التنفس والتنفس هو الحياة الحيوانية كانت نسبته إلى الحياة أقرب النسب وبوجود هذه السبعة تم نظام العالم لأنه ليس في الوجود أكمل من الحق وكماله في ألوهيته بهذه الصفات المنسوبة إليه سبحانه فلو انعدمت صفة واحدة من هذه الصفة أو نسبة لم تصح المرتبة التي أوجدت العالم ولم يكن العالم وجود وقد وجد فالمرتبة موجودة فالكمال حاصل والارتباط معقول ولو ارتفع السبب لارتفع المسبب ولو زال المسبب من العقل لم يجد السبب من يظهر فيه أثره فيزول كونه سببا وكونه سببا إنما هو لذاته فينعدم السبب لانعدام المسبب من كونه سببا لا غير لا من حيث العين المنسوب إليها السببية فإن الله غني عن العالمين من ذاته وكلامنا إنما هو من كونه إلها فكلامنا في المرتبة لا في قوته بحيث لا يبقى عنده شيء يعطيه هلك من كونه معطيا والمعتبر في بقاء العالم إنما هو عين جوهره الذي أظهرت كونه صورة ما فالصور لا يلزم من انعدام شيء منها انعدام العالم من حيث جوهريته إلا أن لا تكون الصورة أصلا فيعدم العالم من حيث جوهره لانعدام جميع الصور ويتعلق بهذا الباب مسائل من الإلهيات كثيرة

فصل بل وصل في الإقعاء

أريد أن أعطي أصلا في هذه المسئلة يسري في جميع مسائل الشرع فنقول أن الشارع إذا أتى بلفظ مّا فإنه يحمل ذلك اللفظ على ما هو المفهوم منه بالمصطلح عليه في لغة العرب إلى أن يخصص الشارع ذلك اللفظ بوصف خاص يخرجه بذلك الوصف عن مفهوم اللسان المصطلح عليه فإذا عين الشارع ما أراده بذلك اللفظ صار ذلك الوصف بذلك اللفظ أصلا فمتى ورد اللفظ به من الشارع فإنه يحمل على المفهوم منه في الشرع حتى يدل دليل آخر من لشرع أو من قرائن الأحوال أنه يريد بذلك اللفظ المفهوم منه في اللغة أو أمر آخر بعينه أيضا هذا مطرد في جميع ما يتلفظ به الشارع ومثاله لفظة الوضوء والصلاة والصيام والحج والزكاة وأمثال هذا ثم نرجع إلى ما نحن بسبيله فأقول أن الإقعاء المفهوم منه في اللغة إقعاء الكلب والسبع ولا خلاف أذكر بين العلماء أن هذه الهيئة ليست من صفات الصلاة وقد ورد النهي عن الإقعاء في الصلاة فنحن نحمله على الإقعاء المعروف في اللسان فإن خصصه الشرع بهيئة مخصوصة تخرجه عن المفهوم منه في اللسان منطوق بها وقفنا عندها ونعلم أن تلك الهيئة التي نهى عنها فقالت طائفة أن الإقعاء المنهيّ عنه هو أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين وأن يجلس على صدور قدميه ليس من سنة الصلاة وكان ابن عباس يقل الإقعاء على القدمين في السجود على هذه الصفة هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم الاعتبار في ذلك هيئة الإقعاء هيئة المستفز المحتفز وهكذا ينبغي أن يكون العبد مع الله في أحواله ولهذا قال ابن عباس الإقعاء سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فإن العبد ينبغي أن يكون على هيئة الاحتفاظ من أجل ورود أوامر سيده عليه لا يغفل مراقب لها حتى إذا وردت عليه وجدته متهيأ لقبول ما جاءته به فسارع إلى امتثالها ولهذه الحالة أثنى على من هذه صفته بقوله تعالى أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون فيهم قال ومنهم سابق بالخيرات وكل من يطلب المسارعة في الأمور يكون حاله اليقظة والحضور والإنتباه والإستيفاز والاحتفاظ فاعلم ذلك فيخرج النهي عن الإقعاء في الصلاة أن لا يفعل من حيث التشبه بالكلاب والسباع في ذلك وليفعل ذلك من حيث أنه مشروع على الهيئة المعقولة المنقولة في الموطن المنقولة إلينا فإنه من صفة الإقعاء اللغويّ أن تكون يداه في الأرض كما يقعي الكلب وليس هذا في الهيئة المشروعة في الإقعاء فهذا قد ذكرنا من أفعال الصلاة وأقوالها ما يجري مجرى الأصول لما يتفرع منها

فصل بل وصل في ذكر الأحوال في الصلاة

وبعد أن ذكرنا أكثر الأقوال والأفعال في الصلاة فلننتقل إلى الأحوال مثل صلاة الجماعة وحكمها وشروط الإمامة ومن أولى بالتقديم وأحكام الإمام الخاصة به ومقام الإمام من المأموم وأحكامهم الخاصة بهم وما يتبع المأموم فيه الإمام مما ليس يتبعه فيه وصفة الإتباع وما يحمله الإمام عن المأموم والأشياء التي بها إذا فسدت صلاة الإمام تعدّت إلى المأموم على حسب ما فصلته الأئمة من علماء الشريعة واختلاف العلماء في ذلك ونذكر اعتبارات ذلك كله عند العلماء بالله بحسب ما يقتضيه الطريق إلى الله في أعمال القلوب والأسرار فإن هذا الطريق عند أصحاب الذوق ما هو طريق نقل فلنذكر أوّلا قبل ذكر هذه الأحوال حديثين مما يتعلق بأقوال الصلاة وأفعالها التي في الفصل قبل هذا فهما كالخاتمة له وإنما جعلتهما في فصل الأحوال لحاجة في نفس يعقوب قضاها وأنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون الحديث الواحد في تعليم النبيّ صلى الله عليه وسلم الصلاة للرجل الذي سأله أن يعلمه كيف يصلي والحديث الثاني في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أما الحديث الأول فهو حديث البخاري عن أبي هريرة وذكر حديث الرجل الذي دخل المسجد وصلى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع فصل فإنك لم تصل فقال الرجل علمني يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها وله في طريق أخرى ثم ارفع حتى تستوي قائما يعني من السجدة الثانية وقال عليّ بن عبد العزيز عن رفاعة بن رافع في هذا الحديث أن الرجل قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم لا أدري ما عبت عليّ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ويغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ويمجده ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر ثم يكبر ويركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم يقول سمع الله لمن حمده ويستوي قائما حتى يأخذ كل عظم مأخذه ويقيم صلبه ثم يكبره فيسجد ويمكن وجهه من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال أنتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك خرّجه النسائي وهذا أبين وقال النسائي في طريق آخر عن رفاعة أيضا فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقضت منها شيئا انتقض من صلاتك ولم تذهب كلها وقال في أوّله إذا ق