Er-Rihla Ech-Chouaibiya Mouloud 2011

 سيدي شعيب أبي مدين

في رحلته الأخيرة

من بجاية  إلى قرية عين تقبالت

 محمّد بن أحمد باغلي

 

      * عاد صيت سيدي شعيب أبي مدين في {المكان الذي تقطّب فيه بثلاث ساعات قبل أن يغرغر} بقرية عين تقبالت، من خلال ما ترك لنا تلامذته وأتباعهم من سيدي محيي الدين بن عربي الحاتمي، صاحب « الفتوحات المكية » إلى الشيخ الأمير سيدي عبد القادر الجزائري، صاحب كتاب « المواقف الروحية في بعض إشارات القرءان إلى الأسرار والمعارف والإلقاءات السبوحية».

  * بدأ بعض الأوفياء لهذا القطب الربّاني يقصدون بتورّع موضع قطبيّته بقرية « عين تقبالت » قرب تلمسان ما بين بلدية « بن سكران » – التي كانت تسمّى في عهد شعيب أبي مدين « وادي يسرا » – وبلدية « الكيحل » بولاية « عين تموشنت »، وذلك مرّتين في السّنة : في يوم الجمعة التي تلي كلّ مناسبة للمولد النّبوي الشّريف ؛ وفي يوم  الجمعة التي تقارب تاريخ 13 نوفمبر من كلّ سنة –. تحكي الأسطورة المتداولة أنّ سيدي شعيب أبي مدين توفي ظهيرة يوم 13 نوفمبر من سنة 1197م الذي وافق غرّة محرّم لعام 594هـ -.

تقام هذه السنة الزيارة إلى مقامات سيدي شعيب أبي مدين يوم الجمعة 16 ماي 2003م انطلاقا من مسجد سيدي « المجاصي » بمشور تلمسان عند الساعة 9 التاسعة صباحا لمحطّة أولى بمقام « سيدي أبي عبد الله بن علي » بأعالي « قرية العبّاد » حيث بدأ سيدي شعيب أبي مدين دروسه لمريديه الأوائل ؛ ثمّ يتوجّه الموكب بحولقة ذكرية إلى « قرية عين تقبالت » ؛ وبعد أداء صلاة الجمعة وتضرّع في مقام قطبية سيدي شعيب أبي مدين كما ذكره لنا سيدي محيي الدين بن عربي ؛ يرجع الموكب إلى مقام « سيدي الدّاودي بن نصر » بأقادير تلمسان حيث توقف الموكب المرافق لسيدي شعيب أبي مدين في أوّل رحلته ؛ وتنتهي الرحلة بزيارة ضريح سيدي شعيب أبي مدين بمكان مثواه الأخير.

 * أخبر سيدي محيي الدين بن عربي بـ{أنّ الشّيخ أبا مدين رحمه الله تعالى لم يمُت حتّى تقطّب قبل أن يغرغر بثلاث ساعات}.كان سيدي شعيب أبي مدين قد وصل إلى قرية عين تقبالت مع طلبته الأوفياء القادمين معه من « بجاية » في موكب تحت الحراسة للتّوجّه إلى مقابلة السلطان يعقوب المنصور بمراكش. كان سيدي شعيب أبي مدين يردّد لمن حوله:

       » أنا لا أرى السّلطان وهو لا يراني « .

من هذا المقام بقرية « عين تقبالت » أعجبته النظرة إلى الوجهة الجنوبية حيث أعالي قرية العبّاد بتلمسان على بعد ثلاثين كيلومترا مسافة الطير، أين أقام أوّل مدرسة بعد مغادرته لمدينة فاس في بداية مشواره الروحي.

وحين التفت إلى الوجهة الشمالية الغربية تذكّر من وراء أحرف ساحل الأندلس مسقط رأسه بقنطيانة قرب إشبيلية على ضفّة الوادي الكبير.

وتذكّر كيف انتقل من « قنطيانة » إلى « فاس » « لكسب الخير الرابح والاشتغال بحرفة الدرازة ».

قرأ بفاس على أبي الحسن علي بن حرزهم « الرّعاية » للمحاسبي و »إحياء علوم الدين » للغزالي، و »جامع » الترمذي، و »موطّأ » مالك. وأخذ الورد والذّكر عن أبي عبد الله الدّقّاق وعن الشيخ يعزى يَلَنُّور.

مرّ بتلمسان أوّلا وأقام قرب ضريح الولي « سيد أبي عبد الله بن علي » بأعالي « قرية عبّاد » تلمسان، بعد أن وضع أوراق الورود البيضاء وسط جرّة الحليب التي قُدّمت إليه من طرف أعيان المدينة مشيرا له بأن المدينة كافية بعلمائها.

 * من قرية عين تقبالت تذكّر سيدي شعيب أبي مدين وهو بأعالي العبّاد كيف كان يلقّن لأوّل مرّة حِكم أبي القاسم الجنيد، سيد الأقطاب، لمريديه الذين بقوا بالمغرب الأوسط والأقصى والذين كوّنوا النوّات الأولى لمدرسته عبر العصور.

…كما تذكّر رحلته من تلمسان إلى المشرق ومشاركته في معركة حطين مع صلاح الدين الأيوبي الذي أمدّه بأوقاف ببيت المقدس الشريف بحي المغاربة وتساءل سيدي شعيب أبي مدين عن هذه الأوقاف التي وهبها للمغاربة عبر العصور المقبلة . فهل لأبناء الجزائر من حرس وعناية لاسترجاع هذه الأوقاف إلى أهاليها؟

…كما تذكّر سيدي شعيب أبي مدين تلك الوقفة بجبل عرفة بمناسبة أداء مناسك الحج مع الشيخ سيدي عبد القادر الجيلالي وتلك الدروس معه في الحرم الشريف.

…وتذكّر رجوعه إلى المغرب الأوسط وإقامته بمدينة بجاية لتدريس العلوم بمسجد أبي زكريا يحيى الزواوي بحي اللؤلؤة .

لقد قال سيدي شعيب أبي مدين عن مدينة بجاية :  » بجاية مُعِينة على طلب الحلال » .

ولقد قيل لأبي مدين بهذه المدينة :  » بُثّ العلمَ ولا تبالي، ترتع مع العوالي… »  وجمع غفير من الأساتذة والطلبة تتوافد عليه وكلّ من مرّ على بجاية إلاّ وله وقفة مع سيدي شعيب أبي مدين إلى أن وشي به بعض العلماء عند يعقوب المنصور الموحدي : « إنّه يخاف منه على دولتكم، فإنّ له شبهًا بالإمام المهدي، وأتباعه كثيرون في كلّ بلد « . فبعث يعقوب المنصور إلى والي بجاية بقدوم أبي مدين إليه ليختبره.

– « إنّ منيّتي قربت وبغير هذا المكان قُدّرت. ولا بدّ لي منه وقد كبُرتُ وضعفتُ، لا أقدرُ على الحركة. فبعث الله تعالى لي من يحملُني إليه برفق ويسوقُني إليه أحسن سوقٍ وأنا لا أرى السلطان، وهو لا يراني « .

قال الشيخ العارف بالله سيدي محيي الدين بن عربي :

  » وكان آخر كلامه من الدّنيا بقرية عين تقبالت قرب وادي يسرا بتلمسان: « الله الحق -الله الحقّ -الله الحقّ -« .

مكان قطبية سيدي شعيب أبي مدين بقرية عين تقبالت

حضرت هذه اللحظات الحاسمة جماعة كبيرة من تلاميذ سيدي شعيب أبي مدين التي رافقته انطلاقا من بجاية.

فستبقى الرؤيا الممتدّة بين « قرية عين تقبالت » و »قرية العبّاد » قائمةً عبر الأجيال كبصيص للنور الروحانية بين المعْلَمَيْن: » أيُّ موضعٍ هو للرُّقاد ؟ »

وبعد أن أشار إليهم لأحلى مكان للرقاد بقرية العبّاد، توجّه الموكب المهيب في غدٍ مشهودٍ من قرية عين تقبالت إلى قرية العبّاد مع وقفة بسيدي الدّاودي بن نصر بمدخل المدينة.

ترتكز الوقفة الروحية بمقام سيدي شعيب أبي مدين بقرية عين تقبالت في موسميها الروحي في التّعمّق في الحقيقة المطلقة من مكان سطعت فيه قطبية سيدي شعيب أبي مدين منذ أجيال .

وكلّ من زار مسجد سيدي شعيب أبي مدين بقرية عين تقبالت إلاّ وأخذ من معاني القصيدة الرّائعة لسيدي محيي الدين بن عربي وهو يعرّف فيها بحال شيخه ومطلعها :

ضياؤك نور الشمس بل هو أرفع *  وكفّك ثيب الغيث بل هو أنفع

وهي تقع في لوحتين على الجدار الخلفي للمسجد بقرية عين تقبالت.

أو يتأمّل في الخطبة الفريدة التي بقيت بين أيدي الباحثين حيث يظهر لنا موقف سيدي شعيب أبي مدين وهو يعايش ويعاني من محنة فتنة بني غانية مع الموحدين من الجهتين، فيرفع للجميع شعار التّوبة والمغفرة كحلّ وحيدٍ لمجتمعه.

كما أنّ المناسبة في تأمّل معاني موقف من « المواقف الروحية في بعض إشارات القرءان إلى الأسرار والمعارف والإلقاءات السبوحية » للشيخ الأمير سيدي عبد القادر الجزائري وهو يكشف في إشارات آية من الآيات الكريمة ؛

– ومعاني آيات سورة الملك التي هي الهاجس الأساسي لسيدي شعيب أبي مدين…

التّعامل مع مواقف سيدي شعيب أبي مدين وسيدي محيي الدين بن عربي وسيدي عبد القادر الجزائري حول التّوبة والمغفرة وشفاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في بداية الألفية الجديدة هي معالم روحية عريقة ببلادنا تنير طريق الشمولية الروحية المستقبلية .

هل تشهد الألفية الثالثة مناسك للرحلة الروحية الشعيبية

ما بين أعالي العبّاد بمقام سيد عبد الله بن علي

إلى قرية عين تقبالت قرب وادي يسرا

إلى سيدي الدّاودي بن نصر

إلى ضريح سيد شعيب أبي مدين ؟

إنّها الرحلة التي تسترجع فيها بلادنا سكينة عقيدتها الحضارية.

محمّد بن أحمد باغلي

 

Sur les traces

de Sidi Chouaïb Aby-Madyan

Aïn-Taqbalet, 

Lieu de la Qotbiyya

de Sidi Chouaïb Aby-Madyan

Aïn-Taqbalet – Al-Eubbad Tlemcen

42,195 km