باب الزكاة من مختصر سيدي خليل

ترجمة سيدي خليل

  عند ابن مريم في كتابه « البستان »

جاء في كتاب البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم:

أكتب في كتابي سيدي خليل صاحب التوضيح والمختصر إلتماس بركته

.

سيدي خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب

المعروف بالجندي ضياء الدين أبو المودة

الإمام العلامة العالم القدوة الحجة الفهامة حامل لواء المذهب بزمانه بمصر ذكره ابن فرحون في الأصل [أي في الديباج]

وقال : إنه من جملة أجناد الحلقة المنصورة يلبس زيهم متقشفا منقبضا عن أهل الدنيا جامعا بين العلم والعمل مقبلا على نشر العلم والعمل واجتمعت به في القاهرة وحضرت مجلس إقرائه الفقه والحديث والعربية كان صدرا في علماء القاهرة مجمعا على فضله وديانته استاذا ممتعا من أهل التحقيق ثاقب الذهن أصيل البحث مشاركا في فنون من فقه وحديث وعربية وفرائض فاضلا في مذهبه صحيح النقل نفع الله به المسلمين

ألف شرح لابن الحاجب شرحا حسنا وضع الله عليه القبول وعكف الناس على تحصيله

ومختصرا في المذهب بيَّن فيه المشهور مجردا عن الخلاف فيه فروع كثيرة جدا مع الايجاز البليغ أقبل عليه الطلبة ودرسوه وكانت مقاصده جميلة

حج وجاور وله مناسك وتقاييد مفيدة انتهى ملخصا.

وقال ابن حجر في الدرر الكامنة : 

سمع من ابن عبد الهادي وقرأ على الراشدي في العربية والأصول وعلى الشيخ المنوفي في فقه المالكية وشرع في الاشتغال بعد شيخه وتخرج به جماعة ثم درس بالشيخونية وأفتى وأفاد ولم يغير زي الجند وكان صينا عفيفا نزيها

شرح ابن الحاجب في ست مجلدات انتقاه من ابن عبد السلام وزاد فيه على منوال الحاوي

وجمع ترجمة لشيخه المنوفي وهي تدل على معرفته بالأصول

وكان أبوه حنفيا يلازم الشيخ أبا عبد الله ويعتقده فشغل ولده مالكيا بسببه انتهى

قال الإمام أبو الفضل ابن مرزوق الحفيد:

تلقيت من غير واحد ممن لقيته بالديار المصرية وغيرها أن خليلا رحمه الله من أهل الدين والصلاح والاجتهاد في العلم إلى الغاية حتى أنه لا ينام في بعض الأوقات إلا زمانا يسيرا بعد طلوع الفجر ليريح النفس من جهد المطالعة والكتب وكان مدرس المالكية بالشيخونية وهي أكبر مدرسة بمصر وبيده وظائف أخرى تتبعها

وكان يرتزق على الجندية لأن سلفه منهم

وحدثني الإمام العلامة المحقق الفاضل قاضي القضاة بمصر والإسكندرية ناصرالدين التنسي أنه اجتمع به حين أخذت الإسكندرية في عشر السبعين وسبعمائة وكان نزل من القاهرة مع الجيش لاستخلاصها من أيدي العدو وقال التنسي واختبر فهمي بقول ابن الحاجب والصرف في الذمة والصرف في الدين الحال يصح خلافا لاشهب انتهى

ومن تصانيفه شرحه على ابن الحاجب شرح مبارك لين تلقاه الناس بالقبول وهو دليل على حسن طويته يجتهد فيه في عزو الانقال ويعتمد كثيرا على اختيارات ابن عبد السلام وانقاله وابحاثه وهو دليل على علمه بمكانة الرجل وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه ورأيت شيئا من شرح ألفية ابن مالك قيل أنه من موضوعاته.انتهى كلام ابن مرزوق .

قلت:  

وله شرح على المدونة لم يكمل وصل فيه إلى كتاب الحج .

قال ابن غازي : كان عالما مشتغلا بما يعنيه حتى حكي عنه أنه أقام عشرين سنة لم ير النيل بمصر وحكي عنه أنه جاء يوما لمنزل بعض شيوخه فوجد  كنيف المنزل مفتوحا ولم يجد الشيخ هناك فسأل عنه فقيل له أنه شق عليه أمر هذا الكنيف فذهب يطلب من يستأجر له على تنقيته فقال خليل أنا أولى بتنقيته وشمر على ذراعيه ونزل ينقيه فجاء الشيخ فوجده على تلك الحال والناس قد حلقوا عليه ينظرون إليه تعجبا من فعله فقال الشيخ من هذا قالوا خليل فاستعظم الشيخ ذلك وبالغ في الدعاء له عن قريحة ونية صادقة فنال بركة دعائه ووضع الله تعالى البركة في عمره فسبحان الفتاح العليم .

وحدثنا شيخنا الحافظ الكاواني عمن رأى خليلا بمصر عليه ثياب قصيرة أظنه قال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؛

وسمعت شيخنا القوري يقول

أنه من أهل المكاشفة وأنه مرَّ بطباخ دلس على الناس ببيع لحم الميتة فكاشفه فأقرَّ وتاب على يده انتهى.

قلت : وغالب ظني أني وقفت على مسألة الطباخ في ترجمة المنوفي ذكرها الشيخ خليل في مناقب شيخه والله أعلم.

وذكر التتائي عن ابن الفرات أن خليلا رءى بعد موته  فقيل له :  

ما فعل الله بك؟   

فقال : غفر لي ولجميع من صلى علي  انتهى.

قلت : ولقد وضع الله القبول على مختصره وتوضيحه من زمانه إلى الآن فعكف الناس على قراءتها شرقا وغربا حتى لقد آل الحال في هذه الأزمنة المتأخرة إلى الاقتصار على المختصر في هذه البلاد المغربية مراكش وفاس وغيرهما ؛

فقل‎َ أن ترى أحدا يعتني بابن الحاجب فضلا عن المدونة بل قصاراهم الرسالة والمختصر فذلك من علامات درس العلم وذهابه

وأما التوضيح فهو كتاب أشهر شروح ابن الحاجب بين الناس شرقا وغربا ليس من شروحه على كثرتها ما هو أنفع منه ولا أشهر ولقد اعتمد عليه الناس بل وأئمة المغرب من أصحاب ابن عرفة كابن ناجي وغيره مع حفظهم للمذهب وكفى بذلك حجة على إمامته .    

ولقد حكي عن العلامة شيخ شيوخنا ناصر الدين اللقاني أنه حيث عورض كلام خليل بكلام غيره كان يقول : نحن أناس خليليون (أي خليل خليلنا) إن ضل ضللنا ، مبالغة في الحرص على متابعته .     

وبالغ الشيخ ابن غازي في مدح المختصر فقال : إنه من أفضل نفائس الأعلاق وأحق ما رمق بالأحداق وصرفت له همم الحذاق إذ هو عظيم الجدوى بليغ الفحوى بيِّن ما به الفتوى وما هو المرجح الأقوى قد جمع مع الاختصار شدة الضبط والتهذيب وأظهر الاقتدار على حسن المساق والترتيب فما نسج أحد على منواله ولا سمحت قريحة بمثاله انتهى.

ولذلك كثر على المختصر الشروح والتعاليق حتى وضع عليه أكثر من ستين تعليقا من بين شرح وحاية

وقد وضعت عليه شرحا جمعت فيه لباب كلام من وقفت عليه من شراحه وهم أزيد من عشرة مع الاختصار والاعتناء بتقرير ألفاظه منطوقا ومفهوما وتنزيله على النقول بحيث لو كمل لأغنى عن كثير أعانني الله عليه ونفع به .

وأما وفاة الشيخ خليل فذكر الشيخ زروق أنه توفي سنة 69 تسع وستين وقال ابن مرزوق : حدثني الشيخ الفقيه القاضي تاج الدين الإسحاقي وكان من أصحاب المصنف ومن حفاظ هذا المختصر أن المصنف توفي ثالث عشر ربيع الأول سنة 776 ست وسبعين وسبعمائة (الموافق 22 أوت 1374م)وإن هذا المختصر إنما لخص منه في حال حياته إلى النكاح فقط وباقيه وجد في تركته في أوراق مسودة فجمعه أصحابه وضموه إلى ما يخص فكمل الكتاب انتهى  ونحوه لابن الغازي وغيره. 

وذكر ابن حجر أن وفاته في ربيع الأول سنة 767 سبع وستين وسبعمائة انتهى.   

وقال الإمام العلامة محمد بن محمد بن الحطاب شيخ شيوخنا الصواب ما ذكره ابن حجر انتهى.  

قلت : بل الأشبه ما ذكره ابن مرزوق وابن غازي لإسناده إلى بعض تلامذة المصنف وهو أعلم به من غيره لكونه ممن حضر وفاته وصحبه في حياته أيضا  فقد ذكر أن الشرف الرهوني وقع بينه وبين خليل منازعة في مسألة غضب فيها خليل فدعا على الرهوني فتوفى بعد أيام ووفاة الرهوني على ما ذكره ابن فرحون وغيره سنة خمس وسبعين أو ثلاث وسبعين على ما ذكره ابن حجر فخليل في ذلك الوقت حي على مقتضى هذه الحكاية .

وقد سمعت شيخنا العلامة سيدي محمد بن سيدي محمود ابن أبي بكر الونكري التنبكتي عرف ببَغْيُع يذكر عن بعض شيوخ مصر أن خليلا بقي في تصنيف هذا المختصر خمسا وعشرين سنة وقد ذكر خليل في ترجمة شيخه المنوفي أن شيخه مات سنة تسع وأربعين وأنه كان لا يعرف في ذلك الوقت الرسالة يعني المعرفة التامة ولا يمكن أن يبقى في تصنيفه المدة المذكورة إن صحَّ إلاَّ أن يكون اشتغل به بعد الخكسين وتكون وفاته سنة ست وشبعين فتأمله والله أعلم .

وقد قرأت مختصره مرارا عديدة على شيخنا الفقيه محمد بن محمود بغيع الونكري وأجازنيه سيدي والدي في عميم إجازاته وقرأه شيخنا المذكور على والده وعلى سيدي أحمد بن سعيد ووالده وسيدي أحمد بن سعيد ووالدي رحمهم الله تعالى ؛ كلهم أخذوه عن سيدي محمود ابن عمر عم والدي وهو عن عثمان المغربي وهو عن النور السنهوري وهو عن الشمس البساطي عن تلامذة خليل عنه رضي الله عنه ولله الحمد انتهى من نيل الابتهاج بتطريز الديباج.

من كتاب البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان تأليف أبي عبدالله محمد بن محمد ابن أحمد الملقب بابن مريم الشريف المليتي المديوني التلمساني رحمه الله من إعداد وتحقيق الشيخ محمد ابن أبي شنب في طبعة 1326 هـ/م 1908  ص 96-100 لمطبعة رودوسي قدور بن مراد بالجزائر.

إعداد: محمد بن أحمد باغلي

[email protected]