Mosquee devant Minaret AGADIR Tlemcen
من قلب الغــرب الإسلامي

* جـامـع أقـاديـر * تلمسان

*     محمد بن أحمد باغلي  *

إذا استرعى انتباهكم أحد الأسماء أو المواقع التالية، فسيحوا معنا في هذا المسلسل لبعض المواقف المغمورة من تاريخ حضارة الغرب الإسلامي النابع من قلب تلمسان : عقبة بن نافع – أبو المهاجر – كسيلة ابن ملزم – الكاهنة – صولات ابن وازمار – سليمان بن عبد الله – عيسى بن عبد الله – إدريس بن عبد الله – طارق بن زياد – الكونت جوليان – أبوقرة الإيفريني – هارون الرشيد – الشماخ – محمد بن خزار –  سيدي راشد – سيدي الداودي بن نصر – عبد المؤمن بن علي – يغمراسن – سيدي محمد بن عيسى – سيدي عبد الرحمن بن موسى – سيدي إبراهيم المصمودي . أقادير – باب عقبة – عين الحوت – العباد – بغداد – وجدة – فاس – تلمسان.

1.– نوفمبر 1989 – أعلنت الصّحافة الوطنية عن تظاهرة ثقافيّة علميّة لإحياء ذكرى المائة الثانية عشرة لافتتاح مسجد أقادير تلمسان . كانت آنذاك مساهمة مديريّة التّربية من خلال مؤسستها التعليمية القريبة من المعلم التاريخي، وها قد توفّرت مساهمة الحضيرة الوطنية بتلمسان في سنة 2000.

2.– ومن 1989 إلى يومنا، اعتاد الأوفياء لهذا الإرث التّاريخي أن يجعلوا من كلّ  9 ديسمبر، تاريخ الانطلاق في التشييد ؛ و19 جوان، تاريخ افتتاح مسجد أقادير تلمسان: مناسبة لإحياء ذكرى تشييد وافتتاح هذا المسجد – مسجد أقادير تلمسان- ماأصبح يعرف فيما بعد بالجامع العتيق للمغرب الأوسط ؛  وفكّه من فترات النّسيان واللامبالاة التي لحقت به . إنّه بحث عن الذّات لحقب تاريخيّة ثابتة لا تمحى لميراث تلمسان .

3.– » في السّنوات الممتدّة مابين 1973-1974 ، قام السيد « دحماني» والسيد « خليفة » بتنقيب أوّليّ لإبراز معالم مسجد « أقـادير. ومنذ ذلك الحين بعد وضع سيّاج حديد حول الورشة، تصاعَدَ عليه الصّدأ، ووضع فاصل بين الصّومعة وأرضية المسجد، توقفت الأعمال.

4.– أمّا المارّون من أبناء جيل آخر الألفية الثانية، لو يلقوا ولو نظرة خاطفة على مايحيط بهذا الممرّ، يتأتّى لهم وكأنهم برواق مليء بالأحداث والرّموز. والسّؤال الّذي يفرض نفسه هو :  » ماجدوى وُجود الطريق الفاصل بين الجامع والصومعة ؟  » .

5.– فإذا  اجتزنا هذا الممرّ قابلنا انحدار قبل التواء. ماذا لحق بباب عقبة ؟ وما لدينا من الوجه الحقيقي لهذا المعلم إلاّ بعض الرسومات. لكن ماهي أسباب تسمية هذا الباب « بباب عقبة « ؟ . ولمن يتسنى الدخول إلى المدينة من هذا الباب يترك هذا المعلم التاريخي وجهة خارجية جميلة لكن يبقى النظر في اسم هذا الباب  » بباب عقبة  » . ربما يتعلق الأمر بالباب التي توقف عندها « عقبة  بن نافع « -رضي الله عنه- لما أراد اجتيازها لمتابعة طريقه . ولكن تعذر عليه ذلك بتلمسان ولم يتمكن من اجتيازها كما فعله « بتيهرت  » وغيرها .

صورة لباب عقبة بتلمسان كما رسمت في بداية القرن19م

 هذا الموقع  الرائع يستحقّ التقدير والاعتبار في مخطّطات عمران هذا الحي.

 

 7. في عام 55 للهجرة الموافق لسنة  675م كان الملازم الأول ل »عقبة بن نافع »، « أبو المهاجر دينار » قد توقّف قرب تلمسان وقد نظّم لقاءات هامّة مع القبائل البربرية في أحوازها، قرب وادي صفصيفها. ومن جهة أخرى ها هو « كسيلة بن ملزم » وها هي « الكاهنة » في لقاء حضاري تاريخي قرب مرتفعات « بني بوبلان » الذي عُرِف فيما بعد  » بعين مهاجر « .

        – من  » أقادير » غربا، وفي الأفق، تتراءى لنا تلك الجمعة التي تمّ فيها مناضرة ما بين الحضارتين التي كان من المزمع عقدها بالقيروان ولكنها أقيمت بتلمسان في « عين مهاجر ».

                – فمن يستطيع أن يتخيّل ماجرى بين « أبي المهاجر دينار » و »كسيلة بن ملزم » و »الكاهنة » على هذه المرتفعات ؟ من يستطيع أن ينقل إلينا ماقرّره التاريخ هناك من تزاوج للحضارة ببلدنا ؟

 – إنّ أبناء قبائل مغراوة لهذه الناحية يتذكرون رحلة أميرهم « صولات بن وازمار » إلى المدينة المنوّرة، في استضافة « عثمان بن عفان  » . كما أنّ أحفاد أحفادهم يتذكرون وصول « سليمان بن عبد الله » للمرّة الأولى وهو يحسّس أهل المنطقة في الدعوة ومناصرة أهل البيت لإعادة شرعية الحكم إليهم آنذاك .

 9. – في عام 89 للهجرة أي سنة 708م توقّف « موسى بن نصير » في هذا المكان وصلّى مع زملائه في أقادير وفي المكان نفسه الّذي يزمع فيه وضع الحجر الأول لمسجد المغرب الأوسط في 9 ديسمبر من سنة 789م.

10.– وها هو « طارق ابن زياد » مقيم بأقادير تلمسان، ولعلّه يستمع إلى  « الكونت جوليان « ، بهذا الممرّ، لمشروع لم يخطر في باله من قبل، ألا وهو اقتحام مضيق البحر الأبيض المتوسط من سبتة إلى الجزيرة الخضراء. وترك « جوليان » ابنتيه بتلمسان كرهينتين وظلّ هذا الحديث محلّ تشابك أحداث عنيفة قبل الملحمة الخيالية لأجيال تعاقبت في آثر الأندلس المفقودة .

11.– وقبل 9 ديسمبر من سنة 789م كانت كل قبائل « بني يفرن » و »مغيلة » لا تزال تذكّر ابن بلدها البار «أبو قرة اليفريني » الذي بويعت مملكته سنة 732م قرب باب حمل اسمه  » باب أبي قرة  » بجانب « باب سيدي أبي مدين » و »باب زير » في اتجاه أقادير . والذي يعوض ذكرى سنة 732م لتلمسان هو ردّ الاعتبار « لباب أبي قرة »  الّذي استأصلوا عنه مابقي في لاوعي الأمّة الّتي تناقلت بشدّة من أنّ في سنة 732م « شارل مارتيل  » قد أوقف العرب في  » بواتييه « وأن أجدادهم هم « الغالوة !  »

– والأسطورة تحكى أن  » أباقرّة  » خرج من تلمسان على رأس 40 ألفَ فارسٍ ووصل إلى أبواب القيروان مع 85 ألفَ وعاد إلى مرّاكش ، ليختفي بعد ذلك بالأندلس إلى سنة 765م.

12.-كان « سليمان بن عبد الله  » مقيمًا بتلمسان لمّا وصل إليها أخوه « إدريس بن عبدالله » ولقد رافقه في اتصالاته بالقبائل البربرية للناحية لتوعيتهم في دعوته.

– وانتقل بعد ذلك « إدريس بن عبد الله » إلى المشرق ليعود مرّة أخرى إلى تلمسان ليواصل حملته مع أخيه « يحي بن عبد الله » الذي نجى من اقتتال معركة  » الفخّ « .

– ولما كانت تلمسان آنذاك، صفحة دائرة بالمغرب، شاءت الأقدار أن يلتقي الإخوة الثّلاثة ثانيّةً : « إدريس  » و »عيسى » و »سليمان » أبناء « عبد الله » بن « الحسن المثنى » بن « الحسن السبط » بن « فاطمة الزهراء » رضي اللّه عنها بنت « رسول الله » صلّى الله عليه وسلّم . وكان اللّقاء بتلمسان للقيام بالدّعوة لأخيهم من أبيهم  « يحي بن عبد الله  » في  » طبرستان « . وقليل ما نجد في المراجع المتداولة الاستفسارات حول هذه الإقامة التي لم يقع مثلها في الغرب الإسلامي على هذا المستوى.

13.– وفي هذه الفترة بالذات توصّلت مصالح بغداد بإمارة « هارون الرشيد » إلى معرفة ما يدور في الشارع التلمساني، إذ شغلوا بالشعبية الكبرى التي حضّ بها  » إدريس » وأخواه بتلمسان مع العلم أنّه قد أخفق في الاستيلاء على الحكم في المدينة المنوّرة وفي طبرستان، إلى جانب اخفاقات أخرى لمحاولات متعددة.

– ويشهد المؤرخون « لهارون الرشيد  » بعبارة شهيرة صدرت عنه يوم سمع بنشاطات « إدريس » واخوته بتلمسان وهي : » تلمسان باب إفريقيا، من ملك  هذا  الباب، ملك  إفريقيا  « .

– وعليه تمّ نقل أحسن طبّاخ من بغداد إلى تلمسان، المعروف باسم « سليمان بن جرير » وهذا من قصر العباسيين إلى حاشية « إدريس » بتلمسان…، وكان يعرف تحت اسم « الشماخ » .

– والقائم بتلمسان لكلّ هذه الأحداث كان « محمد بن خزار بن صولات « بالمغرب الأوسط ، إلاّ أنّ الحكمة كانت هي الرّائدة حول تلمسان ونقط التأثير بها كانت تتوسّع حول : عين الحوت – رشقون – مغراوة – بني يفران – وقبائل مغيلة  التي  تعرّضت لأحداث مدّ وجزر وانقسام إذ عاشت تلمسان فترة في حلقة مفرغة تتقاذفها مرّة أمواج الهدم، ثم تهب عليها نسائم الأمن والاستقرار.

– قدم « إدريس بن عبد الله » إلى تلمسان بجحفل من ممثلي القبائل المغربية وقد بدأ « بنو خزار » بالاحترام الذي يستحقّونه، منذ عشرين سنة و »إدريس بن عبد الله » لم يرفع عينيه عن تلمسان وها هو بعاصمة المغرب الأوسط يشيّد مسجدا  يشهد على إرادته في بناء إمبراطورية بأكملها من قلب هذا المغرب الإسلامي.

– عرض عليه بني خزار الاختيار بين « هضبة  تاقرارة » التي شيّد في محلّها فيما بعد الجامع الكبير لتلمسان، برعاية « علي بن يوسف » ابن تاشفين في سنة 1136م وبين فناء معبد « أوسليفا » مهملا منذ أمد طويل، وأهالي أقادير تلمسان حارصين على إقامة المسجد محل مقام المعبد لعبادة الله الواحد القهّار..

– خلال هذه الفترة « إدريس بن عبد الله » يعلن عن استراتيجة عمله في خطبه، ومقالاته تسفر عن  اتّجاهاته بعودته الدّائمة لكتاب الله وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، والدّعوة إلى العدالة والتّسوية بين العباد ، والقسمة العادلة في الممتلكات ومحاولة اتّباع طريق الخير واجتناب الشرّ.

– وانتهت أشغال البناء والتأثيث لجامع « أقادير » بمحرابه وقد تمكّن  المؤرّخون  من معرفة تاريخ هذا المكان الذي تمّ تدشينه في 19 جوان من سنة 790م .

– وفي هذا الجوّ نظّم « سيدي راشد » سفر « إدريس » من تلمسان إلى مناطق مجاورة من قبائله للاحتماء بهم، خوفا من وقوع المحضور. إذ أنّ بغداد كانت في إثر «إدريس بن عبد الله » عن طريق الطبّاخ الماهر الّذي كان قد أعدَّ قارورته لإنهاء حياة  » إدريس ». ونفّذ خطّته بجبل زرهون قرب ما سيكون فيما بعد حوله مدينة « فاس »، ولحقه « سيدي راشد » قرب ما سمّيّت فيما بعد مدينة وجدة، حيث وُجد « الشمّاخ ».

– قبل مغادرته لتمسان تمكّن إدريس بن عبد الله من إرسال رسول إلى أخيه « سليمان » يستدعيه للعودة إلى تلمسان ليحلّ محلّه.

24.– وهكذا استقرّ »سليمان » وأبنائه بقرية « عين الحوت » المضيافة، تحفّظا ممّا كان يجري من أحداث بأقادير تلمسان، بعد وفاة إدريس بعيدًا عنها بعد افتتاحه لمسجدها العتيق.

– وتاريخ عهد السليمانيين بتلمسان يبقى في الذاكرة المنسيّة لأبناء تلمسان وما جاورها، لعدم إقامة الفتن فيه.

25. ومع ذلك تخرّج من مسجد أقادير تلمسان أساتذة متميزين ، نحتوا عقول تلاميذتهم وغرسوا فيهم أرواح الحضارات المتعاقبة للأجيال المتتالية، ودورها في تحديد تطورات الغرب الإسلامي.

 26.– أهمّ شخصية قَدِمت إلى تلمسان من مسيلة بعد إقامة طويلة بطرابلس هي :  » أبو جعفر  بن نصر الدين الداودي » الذي التزم بشرح صحيح البخاري من خلال دروسه المسجّلة في كتاب « النّصيحة ». وكان من مهامّ هذا المسجد الإحاطة بحياة وأعمال الرّسول صلّى الله عليه وسلم، إلى جانب البحث على أصول هذه السنّة في « موطأ  » الإمام « مالك  بن أنس » الّذي صار بعد ذلك موضوع لكتاب « النّامي » في شرح موطّأ الإمام مالك   وهذا عمل آخر جليل في السيرة النبوية الشريفة .

– ضلَ مقام « سيدي الدّاودي » محطة أنظار الدنيا إذ كانت تؤُمُهُ أجيال من الحجاج المغاربة، ويبقى هذا المقام الحجر الكريم لأقادير بعد جامع إدريس وباب عقبة لأبناء الألفية الثالثة الغيورين على مساهمة تربتهم في حضارة الغرب الإسلامي.

 27.– وقد تخرّج من جامع أقادير التلميذ المرموق  « عبد المؤمن بن علي » الشخصية البارزة التي  نحتت  اسمها بأحرف من ذهب في ضمير حضارة الغارب الإسلامي . وعند عودته إلى تلمسان مع أستاذه ورفقائه، اعتزلوا بقرية العباد  « بجامع الرحمة  » المعروف اليوم بمسجد « سيدي بومدين » وهذا لوضع دستور جديد لدولة الموحدين. إلا أنهم اختلفوا مع فقهاء تلمسان في التّعامل مع مفهوم الإمامة، مما سبب الانشقاق بينهم . فرحل  « عبد المؤمن بن علي  » إلى مراكش مع قائده  « المهدي بن تومرت » لتأسيس امبراطورية شامخة امتدّت حدودها من الأندلس إلى جبل النفوسة، وشكّلت بالتالي ملحمة أخرى للغرب الإسلامي بتحفّظ من علماء تلمسان.

28.– لو رفعت رأسك إلى جامور صومعة  أقــادير لأُعجبت بتحديها ووجه الشبه الكبير بينها وبين صومعة الجامع الكبير بتلمسان اللّتان بناهما « يغمرسان »

ولعلّك تعلم ذلك القدر الكبير الذي كان  يكنّه يغمراسن إلى « سيدي محمّد بن عيسى »، عالم رياضي فقيه، كان يدرّس بجامع أقادير وكان يغمراسن يحضر لدروسه والصومعة ما زلت شامخة بدون لوحة تذكارية حجرية الذي كان يكتفي بقول « يصنت ربي » (الله يعلم من بناه)

 29.– وإذا صعدت سلم درج هذه الصومعة تتراءى لك نظرة ملائكية حالمة لبيئة تلمسان الساحرة .

30.– وبعد الاستقلال أصبح ضريح  « سيدي علي بن يحي السلكساني » قائما بجانب مسجد أقــاديــر الذي كان يلقي فيه دروسا هامة. أمّا تلميذه « سيد عبد الرحمن بن محمّد بن محمّد بن موسى » لعلّه تأسّف للوصيّة بدفنه في مقبرة الأمراء قرب مسجد « سيدي إبراهيم المصمودي » . مهما أنّ أهالي أقادير ما زالت تتذكّر تلك الجنازة من أقادير إلى مقبرة الأمراء الزيايين. في إحدى جمعة فيفري سنة 1603م.

31.– كم من ذكريات وأحداث تقف آسفة على تجاهلها . لو يؤخذ تلامذة المدارس إلى عين المكان ليشهدوا التاريخ بأعينهم. ولكن من يأخذ المبادرة ؟ ومن يسعى ليخلّد هذا التاريخ أمام الأجيال : « حي الجدار  »  « باب الرواح  » وأضرحة  « الأميرة  » ، و « سيدي وهب  » و »سيدي  يعقوب التفريسي »  و »الغابة المقدسة  » وغيرها . كلها  مواضيع تبكي آسفا على هجرها  وما يبقى مجهولا هو : متى ولــمــاذا انــدثــر مــســجــد  أقادير تلمسان ؟

32.– يوجد الجواب في كتاب  للقصّ » بارجس  » الذي زار أقــاديــر سنة 1846 ودوّنه في كتابه ] تلمسان أقدم عاصمة لمملكة هذا الاسم [ :  » ففي  1845  إثرى حصار تلمسان، حطم الفرنسييون هذا المبنى  » . أما الاخوة « مارصي » في كتابهما [ الآثار العربية بتلمسان] « عند دخول القوات الفرنسية إلى تلمسان، تمّ اختفاء الجامع العتيق الذي لم يبقى منه إلى أحجار ».

33.– لعلّ الألفية الثالثة تعيد لتلمسان جوهرتها الضائعة بعدما كادت تنحدر من تاج العروس للغرب الإسلامي خلال الألفية الثانية.

*     محمد بن أحمد باغلي  *