من وصية سيدنا الخَضِرِ عليه السّلام

.

كُنْ نَفَّاعًا وَلاَ تَكُنْ ضَرَّارًا ؛

كُنْ بَشَّاشًا وَلاَ تَكُنْ غَضْبَانَ ؛

ارْجِعْ عَنِ اللُّجَاجَةِ وَلاَ تَمْشِ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ ؛

وَلاَ تَضْحَكْ إِلاَّ مِنْ عَجَبٍ.

إِنَّ النَّاسَ مُعَذَّبُونَ فِي الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ هُمُومِهِمْ بِهَا .

يَسَّرَ اللهُ عَلَيْكَ طَاعَتَهُ يَا طَالِبَ العِلْمِ .

إِنَّ القَائِلَ أَقَلَّ مَلاَمَةً مِنَ المُسْتَمِعِ، فَلاَ  تُمِلّ جُلَسَاءَكَ إِذَا حَدَّثْتَهُمْ .

وَاعْلَمْ أَنَّ قَلْبَكَ وِعَاءٌ، فَانْظُرْمَا ذَا تَحْشُو بِهِ وِعَاءَكَ

وَاغْرِفْ مِنَ الدُّنْيَا وَانْبُذْهَا وَرَاءَكَ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ بِدَارٍ وَلاَ لَكَ فِيهَا مَحَلَّ قَرَارٍ،

وَإِنَّمَا جُعِلَتْ بَلْغَةً لِلْعِبَادِ وَالتَّزَوُّدِ مِنْهَا لِيَوْمِ المِعَادِ .

وَرَضِّ نَفْسَكَ عَلَى الصَّبْرِ تَخْلَصْ مِنَ الإِثْمِ .

تَفَرَّغْ لِلْعِلْمِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُهُ، فَإِنَّمَا العِلْمُ لِمَنْ تَفَرَّغَ لَهُ ؛

وَلاَ تَكُنْ مِكْثَارًا لِلْعِلْمِ مِهْذَارًا،

فَإِنَّ كَثْرَةَ المَنْطِقِ تُشِينُ العُلَمَاءَ وَتُبْدِي مَسَاوِي السُّخَفَاءِ

وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالاقْتِصَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ.

وَأَعْرِضْ عَنِ الجُهَّالِ وَمَاطِلْهُمْ وَاحْلِمْ عَنِ السُّفَهَاءِ

فَإِنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الحُكَمَاءِ وَزِينُ العُلَمَاءِ.

إِذَا شَتَمَكَ الجَاهِلُ فَاسْكُتْ عَنْهُ حِلْمًا، وَجَانِبْهُ حَزْمًا،

فَإِنَّ مَا بَقِيَّ مِنْ جَهْلِهِ عَلَيْكَ وَسَبِّهِ إِيَّاكَ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ.

وَلاَ تَرَى أَنَّكَ أُوتِيتَ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً،

فَإِنَّ الانْدِلاَثَ وَالتَّعَسُّفَ مِنَ الاقْتِحَامِ وَالتَّكَلُّفِ.

لاَ تَفْتَحَنَّ بَابًا لاَ تَدْرِي مَا غَلْقُهُ، وَلاَ تَغْلِقَنَّ بَابًا لاَ تَدْرِي مَا فَتـْحُهُ.

مَنْ لاَ تَنْتَهِي مِنَ الدُّنْيَا نَهْمَتُهُ وَلاَ تَنْقَضِي مِنْهَا رَغْبَتُهُ،

وَمَنْ يَحْقِرْ حَالَهُ وَيَتَّهِمِ اللهَ فِيمَا قَضَى لَهُ كَيْفَ يَكُونُ زَاهِدًا.

هَلْ يَكُفُّ عَنِ الشَّهَوَاتِ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ

أَوْ يَنْفَعُهُ طَلَبُ العِلْمِ وَالجَهْلُ قَدْ حَوَاهُ

لِأَنَّ سَعْيَهُ إِلَى آخِرَتِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى دُنْيَاهُ .

تَعَلَّمْ مَا تَعَلَّمْتَ لِتَعْمَلَ بِهِ وَلاَ تَعَلَّمْهُ لِتُحَدِّثَ بِهِ

فَيَكُونُ عَلَيْكَ بَوَارُهُ وَلِغَيْرِكَ نُورُهُ.

اِجْعَلِ الزُّهْدَ وَالتَّقْوَى لِبَاسَكَ وَالعِلْمَ وَالذِّكْرَ كَلاَمَكَ ؛

وَاسْتَكْثِرْ مِنَ الحَسَنَاتِ فَإِنَّكَ مُصِيبُ السَّيِّئَاتِ

وَزَعْزِعْ بِالخَوْفِ قَلْبَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُرْضِي رَبَّكَ .

وَاعْمَلْ خَيْرًا فَإِنَّكَ لاَ بُدَّ عَامِلُ سُوءٍ .

قَدْ وُعِظْتَ إِنَ حَفِظْتَ .

( من كتاب « البداية والنّهاية  » لابن كثير ج1 ص329 )

إعداد: محمد بن أحمد باغلي