كتاب الأموال

 

لأبي جعفر أحمد بن نصر الداوودي

الجزء الأوّل

بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليم.

1.- قال أبو جعفر أحمد بن نصر الدّاوودي المالكي–رحمه الله-:

2.- الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، الملك الجبار، خالق الليل والنهار، الذي خلق الخلق لا من شيء كان، ولا على مثال احتذاه ولا بظهير ولا بمعين أعانه عليه، فجرى كلّ على ما سبق له في علمه، وهو العدل في حكمه، والحكيم في أمره، وارتضى الإسلام لعباده ديناً، وأنزل كتابا مبينا بيّن فيه الحلال والحرام، والشّرائع والأحكام، وحذّر اقتراف الآثام، وجعله إماما وحجّة على جميع الأنام {لاَ يَأْتِيهِ البَـطِلُ مِن بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدِ} وتعبد عباده بأشياء منها ما لم يجر عليه النسخ ولا التّبديل، ولا يتغيّر حكمه إلى يوم يبعثون.
 

3.- فمن ذلك الإسلام، وهو الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وكلّ ما أتى فيه الخبر من الله تعالى فلا يجري عليه النسخ وما نهى عنه من الظلم فلا يبدل حكمه.

4.- قال تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} 5.- وقال:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً} إلى قوله{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}.

6.- وَقَالَ:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[فعظم الله] وزرها وعظم أجرها. 7.- وَقَالَ:{وَلاَ تَقْتُلُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ}.

8.- وَقَالَ:{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.

9.- وَقَالَ:{وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}.

10.- وَقَالَ:{إِنَّ الذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الغَافلاَتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}.

11.- وَقَالَ:{وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ}.

12.- وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ كِتَابِهِ وَجَعْلِهِ مُهَيْمِنًا عَلَى كُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، وَنَسَخَ بِهِ مَا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ نَسْخُهُ مِنَ الكُتُبِ التي قبله، وَأَمَرَ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ وَنَهَى عَنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ.

13.- فَقَالَ:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ}. 14.- وَقَالَ:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَّبِّكُمْ}. 15.- وَقَالَ:{يَاأُيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}.

16.- وَقَالَ:{وَمَا َأرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ}.

17.- وَقَالَ:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}. 18.- وَقَالَ:{فَلْيَحْذرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

19.- وَقَالَ:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.

20.- وَقَالَ:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلأنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

21.- وَقَالَ:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}.

22.- فَبَيَّنَ –صَلَّى الله عليه وسلّم- عن الله سبحانه ما أنزل، وفسّر ما أجمل، وبلّغ ما به أرسل –ص- ونصح لأمّته وبصّرهم وبشّرهم، وحذّرهم وأنذرهم. ثمّ اختار الله له ما لديه وقبضه إليه حميدًا فقيراً سعيدًا رشيدًا –صلى الله عليه وسلم تسليماً وعلى أهله وأزواجه وذريّته-.

23.- وقال –ص- في يوم حرام في شهر حرام في بلد حرام يوم النحر بمنى: »إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ. اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ »

24.- وَقَالَ: »وَلاَ تَمْسِكُوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ لاَ أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللهُ وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللهُ » يعني لا يقول إلا ما يؤمر به. فالدماء والأموال والأعراض بغير حق نحرمات بالكتاب والسنة والإجماع.

الفصل الأوّل:

ذكر ما يجري على أيدي الأمراء

من الأموال التي يلونها للناس

وذكر الخمس

25.- قَالَ اللهُ تَعَالَى:

{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}

26.- وَقَالَ الرُّسُولُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

« كَمْ مِنْ مُتَخَوِّضٍ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَهُ النَّارُ »

27.- وَقَالَ سُبْحَانَهُ:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا إَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَىا وَاليَتَـمَىا وَالمَسَـكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ}

28.- وَقَالَ: {وَمَآ أَفَآءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَآءُ} فَكَانَ مِنْ سَبِيلِ مَا جَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ مِنْ أَهْلِ الكُفْرِ بِغَيْرِ قِتَالٍ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ خَصَّ بِهِ نَبِيَّهُ –عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَمَا اسْتَأْثَرَ بِهِ دُونَ أُمَّتِهِ وَلاَ حَجَبَهُ عَنْهُمْ. كَانَ يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ لأَهْلِهِ قُوتَ سََنةٍ، وَيَجْعَلُ بَاقِيَهُ فِي [3/س] الكِرَاع وَالسِّلاَح عُدَّةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ.

29.- وَقَالَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : {مَّآ أَفَآءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَـمَى وَالمَسَـكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}     إِلَى قَوْلِهِ {أُوْلَـئِكَ هُمُ الصَّـدِقُونَ }

30.- فَالَّذِي أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا ذَكٍَرَهُ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ هُوَ المَذْكُورُ فِي سُورَةِ الأَنْفَالِ[وَهُوَ الخُمُسُ] وَزَادَ فِي هَذِهِ الآيَةِ:{لِلْفُقَرَاءِ المُهَـجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَـرِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} وَهُمْ المَسَاكِينُ المَذْكُورُونَ فِي آيَةِ الخُمُسِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ أَنَّ قَوْلَهُ:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدََّارَ وَالإِيمَـنَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا  إِنَّك رٍََءُوفٌ رَحِيمٌ} مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ المُهَـجِرِينَ}. وَظَاهِرُ الآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ هَذَا التَّأْوِيلِ، لِأَنَّ الكَلاَمَ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: {المُفْلِحُونَ}. وَابْتَدَأَ بِذِكْرِ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالإِيمَـنَ}، وَجَعَلَ الخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، وَتَمَّ الكَلاَمُ، ثُمَّ ابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}، وَجَعَلَ الخَبَرُ فِي قَوْلِهِ:{يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَـنِ}.

31.- وَقَالَ ابن إدريس (الإمام الشافعي)–رضي الله عنه- : إِنَّ القُرَى العَرَبِيَّةَ الَّتِي فُتِحَتْ عَلَى النَبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم- بِغَيْرِ قِتَالٍ أَنَّهَا تُخَمَّسُ وَيَكُونُ َأرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمِ. وَهَذَا قَوْلٌ مَا سَبَقَهُ بِهِ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ.

32.- وَقَالَ: « وَيُخَمَّسُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمِنْ أَهْلِ الحَرْبِ إِذَا سَافَرُوا إِلَيْنَا، وَأَنَّ الأَسْلاَبَ تُخَمَّسُ وَيُعْطَى المُقَاتِلُوَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا ». وَهَذَا تَ؛َكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ.

33.- وَأَجْمَعَ العُلَمَاءُ أَنَّ جَمِيعَ مَا غَنَمَ الجُيُوشُ –مِمَّا يَصِلُونَ بِهِ إِلَى عَسْكَرِهِمْ مِنَ الأَمْوَالِ سِوَى الأَسْلاَبِ وَالطَّعَامِ- أَنَّ خُمُسَهُ مَصْرُوفٌ فِيمَا ذَكَرَ اللهُ –تَعَالَى- فِي آيَةِ الخُمُسِ وَأَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ الأَحْرَارِ مِنْ أَهْلِ الجَيْشِ إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرًا لاَ يُطِيقُ القِتَالِ أَوْ اِمْرَأَةً فَلاَ سَهْمَ لَهُمْ.

34.- وَإِنَّ رَأْيَ الإِمَامِ أَنْ يَرْضَخَ لَهُمْ مِنَ الخُمُسِ فِعْلٌ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الأَسْلاَبِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ كَسْوَةٍ أَوْ سِلاَحٍ وَمَا يَرْكَبُونَ.

35.- وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي السَّلْبِ: قِيلَ: »هُوَ لِلْقَاتِلِينَ »، وَقِيلَ: « مَعَ سَائِرِ الغَنِيمَةِ بِخُمُسٍ وَيَكُونُ أَرْبَعَةُ َأخْمَاسِهِ لِأَهْلِ الجَيْشِ.

36.- وَقَالَ ابن إدريس: » تَخْمُسُ الأَسْلاَبُ وَيُعْطَى القَاتِلُونَ أَرْبعَةَ أَخْمَاسِهَا ».

37.- وَقَالَ: »وَيَقْسِمُهُمْ سَهْمُ ذِي القُرْبَى عَلَى بَنِي هَاشِمْ وَبَنِي عَبْدِ المُطَّلِب عَلَى عَدَدِهِمْ، صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ، الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، فِيهِ سَوَاء. وَيُقْسَمُ لِمَنْ حَضَرَ القِتَالَ وَيَرِثُهُ وَرْثَتَهُ فَيُعْطُونَ خُمُسَ الخُمُسِ بِالقُرْءَانِ، وَيُعْطَى كُلَّ صَنْفٍ مِمَّنْ مَعَهُمْ بِالصَّنْفِ خُمُسًا » وَهَذَا لاَ يُوصَلُ إِلَى حَقِيقَتِهِ وَلاَ يَصِحُّ مَعَهُ قِسْمٌ أَبَدًا، وَيَلْزِمُهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْيَتَامَى بِاسْمِ اليَتِيمِ.

إعداد: محمد بن أحمد باغلي