طائفة الخوارج
من كتاب صبح الأعشى للقلقاشندي
وهُم قومٌ ممّن كانوا مع أمير المؤمنين عليّ بنِ أبي طالب-رضي الله عنه-،
حَمَلُوهُ على أنْ رَضِيَ بِالتَّحْكِيمِ بينه وبين مُعَاوِيَةَ،
وَأَشَارُوا بِإِقَامَةِ أَبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ حَكَمًا عن عَلِيِّ، وَإِقَامَة عَمْرو بنِ العَاصِ حَكَمًا عَنْ مُعَاوِيَةَ. فَخَدَعَ عَمْرٌو أَبَا مُوسى بِأَن اتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَخْلِعَا عَلِيًا وَمُعَاوِيَةَ جَمِيعًا، وَيُقِيمَ المُسْلِمُونَ لَهُمْ خَلِيفَةً يَخْتَارُونَهُ. فَتَقَدَّمَ أَبُو مُوسَى وََأشْهَدَ مَنْ حَضَرَ أَنَّهُ خَلَعَهُمَا. فَوَافَقَ عَمْرٌو عَلَى خَلْعِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَخْلَعْ مُعَاوِيَةَ، وَبَقِيَ الأَمْرُ لِمُعَاوِيَةَ. فََأنْكَرُوا ذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَرَفَضُوا التَّحْكِيمَ، وَمَنَعُوا حُكْمَهُ، وَكَفَّرُوا عَلِيًا وَمُعَاوِيَةَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا بِصِفِّينَ، وَقَالُوا: لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ،وَخَرَجُوا عَلَى عَلِيٍ، فَسُمُّوا بِالخَوَارِجِ، ثُمَّ فَارَقُوهُ وَذَهَبُوا إِلَى النَّهْرَوَانِ فَأَقَامُوا هُنَاكَ، وَكَانُوا َأرْبَعَةَ آلاَفٍ غَوْغَاءَ لاَ رَأْسَ لَهُمْ.
فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ عَلِيُّ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَاتَلَهُمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ سِوَى تَسْعَةِ أَنْفُسٍ: ذَهَبَ مِنْهُمْ اثْنَانِ إِلَى عُمَان، واثْنَانِ إِلَى كَرْمَان، وَاثْنَانِ إِلَى سِجِسْتَانِ، وَاثْنَانِ إِلَى الجَزِيرَةِ، وَوَاحِدٌ إِلَى اليَمِن. فَظَهَرَتْ بِدْعَتُهُمْ بِتِلْكَ البِلاَدِ وَبَقِيَتْ بِهَا.
ثُمَّ مِنْ مَذَْهبِهِمْ مَنْعُ التَّحْكِيمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَتَخْطِئَةُ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، وَمُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ بِصِفِّينَ فِي اعْتِمَادِهِمْ إِيَّاه، بَلْ تَكْفِيرُهِمْ عَلَى مَاتَقَدَّمَ.
وأنَّهُمْ يَمْنَعُونَ التَّأْوِيلَ فِي كِتَابِ اللهِ تعالى.
ومنهم من يقول: إنّ سورة يُوسُفَ –عليه السلام- لَيْسَتْ مِنَ القُرْءَانِ،وإنّما هي قصّةٌ من القِصصِ، وَمن أدخلها في القُرءَانِ فقد زاد فيه ما ليس منه، على ما سيأتي ذكره.
ويقولون: إنّ إمارة بني أُمِيَّة كانت ظُلْمًا، وإنّ قََضَاءَهُمْ الذِي رَتَّبُوهُ عَلَى التَّحْكِيمِ بَاطِلٌ.
ويَذْهَبُونَ ِإلَى تَخْطِئَةِ عَمرو بن العاص وأَبي موسى الأشعري فيما اتّفق عليه عند تحكيمهما،ويُشَنِّعُونَ على معاوية وأصحابه، ويقولون: استباحوا الفُرُوجَ وَالأَمْوَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يُكَفِّرْ بِالكَبَائِرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَفِّرْ بِالإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ بِخِلاَفِ الكَبَائِرِ مِنْ غَيْرِ إِصْرَارٍ على مايأتي ذكره.
وَيُصَوِّبُونَ فِعْلَةَ عَبد الرحمن بن ملجم في قتله عليًّا –رضي الله عنه-،
وَيُنْكِرُونَ على من ينكر ذلك عليه، ولاسيّما من ذهب من الشّيعة إلى أنَّ ذلك كفر، وفي ذلك يقول شاعرهم:
يَا ضَرْبَةً مِنْ وَلِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا * إِلاَّ لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا
إِنِّي لَأَذْكُـرُهُ يَوْمًا فَأَحْسَبُهُ * أَوْفَى الخَلِيقَةِ عِنْدَ اللهِ مِيزَانَا
وَكَذَلِكَ يُصَوِّبُونَ فِعْلَ عَمْرو بن بكر الخَارِجِّي فِي قَـْلِ خَارِجَةَ بنِ أَبِي حَبِيبَة، صَاحبَ شُرْطَةِ عمرو بن العاص بِمِصْر، حين قَتَلَهُ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُ عَمرو بن العاص، لِمَا لَهُمْ عِنْدَهُ مِنَ الإِحَنِ وَالضَّغَائِنِ.
وَأَنَّهُمْ يُصَوِّبُونَ فِعْلَ قَطَامِ زَوْجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُلْجَمٍ في « اشتراطها على ابن ملجم حين خطبها ثلاثة آلاف وعبدا وقينة وقتل عليّ »،
وَأَنَّهُمْ يَسْتَعْظِمُونَ خَلْعَ طَاعَةِ رُءُوسِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ كَوْنَ الإِمَامِ غَيْر قُرَيْشِيّ، بل هُمْ يُجَوِّزُونَ إِمَامَةَ الحُرِّ وَالعَبْدِ جَمِيعًا،
وَيَنْسِبُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَى الخَطَإِ، وَيَسْتَبِيحُونَ دِمَاءَهُمْ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ.
وهـأنا أَذْكُرُ بَعْضَ فِرَقِهِمْ،وَبَعْضَ مَا اخْتَصَّتْ به كُلّ فرقةٍ منهم..
-
1. فَمِنْهُمْ المُحَكِّمَةُ – وَهُمْ الَّذِينَ يَمْنَعُونَ التَّحْكِيمَ.
-
2. وَمِنْهُمْ الأَزَارِقَةُ – وَهُوْ أَتْبَاعُ نَافِع بنِ الأَزْرَقِ،وَهُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا بِفَارِسَ، وَكَرْمَانَ أَيَّامَ ابنِ الزَّبَيْرِ، وَقَاتَلَهُمْ المُهَلَّبُ بن أَبِي صُفْرَة، وَهُمْ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا مَعَ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ،وَيُصَوِّبُونَ فِعْلَ ابْن ِمُلْجَمِ،وَيُكَفِّرُونَ القَعَدَةَ عَنِ القِتَالِ مَعَ الإِمَامِ وَإِنْ قَاتَلَ أَهْلَ دِينِهِ، وَيُبِيحُونَ قَتْلَ أَطْفَالِ المُخَالِفِينَ وَنِسَائِهِمْ، وَيُسْقِطُونَ الرَّجْمَ عَنِ الزَّانِي المُحْصِنْ،وَحَدَّ القَذْفِ عَنْ قَاذِفِ الرَّجُلِ المُحْصِنِ دُونَ قَاذِفِ المَرْأَةِ المُحْصَنَةِ،وَيُخْرِجُونَ أَصْحَابَ الكَبَائِرِ عَنِ الإِسْلاَمِ، وَيَقُولُونَ: التَّقِيَّةُ غَيْرُ جَائِزٍ.
-
3. وَمِنْهُمْ النَّجَدَاتُ – وَهُمْ أَصْحَابُ نَجْدَةَ بنِ عَامِرِ، يُكَفِّرُونَ بِالإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ دُونَ فِعْلِ الكَبَائِرِ مِنْ غَيْرِ إِصْرَارٍ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ أَهْلِ العَهْدِ وَالذِّمَّةِ وَأَمْوَالَهُمْ فِي دَارِ التَّقِيَّةِ، وَيَتَبَرَّءُونَ مِمَّنْ حَرَّمَهَا.
-
4. وَمِنْهُمْ البَيْهَسِِيَّةُ – وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي بَيْهَسَ بنِ خَالِد، يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ حَرَامَ إِلاَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ النَّصُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا اُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية.وَيُكَفِّرُونَ الرَّعِيَّةَ بِكُفْرِ الإِمَامِ.
-
5. وَمِنْهُمْ العَجَارِدَةُ – وَهُمْ الذِينَ يَنْكُرُونَ كَوْنَ سورة يوسف من القرءان، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا هِيَ قِصَّةٌ مِنَ القِصَصِ، وَيُوجِبُونَ التَّبَرِّيَ مِنَ الطِّفْلِ فَإِذَا بَلَغَ دُعِيَ إِلَى الإِسْلاَمِ.
-
6. وَمِنْهُمْ المَيْمُونِيَّةُ – وَهُمْ فِرْقَةٌ يَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُرِيدُ الخَيْرَ دُونَ الشَّرَّ، وَيُجَوِّزُونَ نِكَاحَ بَنَاتِ البَنَاتِ، وَبَنَاتِ أَوْلاَدِ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ.
-
7. وَمِنْهُمْ الإِبَاضِيَّةُ – يَرَوْنَ أَنَّ مُرْتَكِبِ الكَبِيرَةِ كَافِرٌ لِلنِّعْمَةِ لاَ مُشْرِكٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ دَارَ مُخَالِفِيهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ دَارُ تَوْحِيدٍ، وَدَارَ السُّلْطَانِ مِنْهُمْ دَارُ بَغْيٍ.
-
8. وَمِنْهُمْ الثَّعَالِبَةُ – يَرَوْنَ وِلاَيَةَ الطِّفْلِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ إِنْكَارُ الحَقِّ فَيَتَبَرَّءُونَ مِنْهُ.
-
9. وَمِنْهُمْ الصُّفْرِيَّةُ – يَرَوْنَ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الكَبَائِرِ فِيهِ حَدٌّ كَالزِّنَا لاَ يُكَفَّرُ بِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ كَتَرْكِ الصَّلاَةِ يُكَفَّرُ بِهِ.
من كتاب صبح الأعشى للقلقاشندي ج13 ص 222-226
طائفة الخوارج بالغرب الإسلامي
· ظهور الخوارج مرتبط بفكرة التّحكيم إلى كتاب الله بين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب في موقعة صفين على شاطئ الفرات عام 37 هـ/م657-658.
· اعتبرت جماعة أنّ قبول التّحكيم جريمة كبرى وطلبت من علي أن يتوب عما ارتكب لأنّه كفر عندما وافق على ذلك كما كفرت هي وتابت.
· آراءهم تتلخص في :
– لا يكون خليفة المسلمين إلاّ بانتخاب حرّ.
– لا تكون الخلافة في مباشرة مهامه ما دام مستقيمًا، فإن حاد عن الصواب وجب عزله أو قتله.
– الولاة الظلمة من معاوية وقومه الأمويين كفرة، يجب الخروج عليهم.
– كفروا أهل الذنوب بما في ذلك الخطأ في الرّأي، وهو ما جعلهم يكفرون الإمام علي لأنّه قبل التّحكيم وكتاب الله واضح لا يقبله .
– اتّفقوا على أن العمل جزء من الإيمان.
· إشكالية الصراع بين أهل السنة وبين الخوارج :
– الدعاية بأن الخلافة مغتصبة من بداية عثمان بن عفان ومن ثم لا يعتبر الخروج عليهم إثما بل حقّ وواجب لأنّهم سلبوهم أموالهم ونسائهم.
– التمرّد على النّظام القائم دون إنشاء نظام جديد.
· تأسس بالمغرب الأوسط خمسُ إمارات من الخوارج:
-
1. إمارة بني رستم الأباضية التي استقرت بتيهرت
-
2. إمارة بني يفرن الصفرية بتلمسان على يد أبي قرّة اليفريني
-
3. إمارة بني دمر الأباضية بتامغيلت ( ناحية قصر البخاري)
-
4. إمارة هوارة بالقلعة المنسوبة إليهم بناحية غليزان
-
5. إمارة بني مسرة بمدينة أوزكي ( سعيدة)
· كما تأسست إمارة صفرية بسجلماسة
· وقع انشقاق في صفوف الخوارج عرف « بالمحنة »
– كان نافع بن الأزرق يرى » البراءة من سائر المسلمين وتكفيرهم والاستعراض (أي قتل نسائهم) وقتل الأطفال واستحلال الأمانة » وأنّ من خلّف عنه لا نجاة له ودعا أصحابه « الأزارقة » إلى البراءة من هؤلاء المتخلّفين وحرّم مناكحتهم وأكل ذبائحهم وقبول شهادتهم وأخذ علم الدّين عنهم وميراثهم .
– ومن معارضي ابن الأزرق : ابن أباض وابن الصفار
· الصفرية : امتازوا بفكرة « القعدة » عن القتال ( أي المتخلفين عن القتال)
فهم لم يكفروهم » إذا كانوا موافقين في الدين والاعتقاد «
· تنقسم الصفرية إلى ثلاثة أقسام :
– واحدة تتفق مع الأزارقة في القول بأن أصحاب الذنوب مشركون غير أنّها لا ترى قتل أطفال مخالفيها ونسائهم
– الثانية ترى أن ما كان من الأعمال عليه حدّ واقع، لا يسمى صاحبه إلاّ بالاسم الموضوع له كزان وسارق … وليس صاحبه كافرًا ولا مشركاً .
وكلّ ذنب ليس فيه حدّ كترك الصلاة والصوم فهو كفر وصاحبه كافر .
وأنّ المؤمن المذنب يفقد اسم الإيمان في الوجهين .
– الثّالثة ترى أن صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع إلى الوالي ويحده
· كما أن الصفرية : – لم يسقطوا الرجم
– يجوزون التقية في القول دون العمل
– يجوزون تزويج المسلمات الصفريات من كفار قومهم في دار التقية دون دار العلانية .
· من قول أبي قرّة اليفريني لمبعوث عامل إفريقية للعباسيين، عمر بن حفص الذي كان محاصرا بطبنة عام 154 هـ/م 770
« بعد أن سلم علي بالخلافة أربعين سنة، أبيع حربكم بعرض قليل من الدنيا » (ابن الأثير : الكامل 5،33
· توافد دعاة الخوارج الصفرية على المغرب عام 114هـ/م732 (الكامل لابن الأثير ج3 ص47
· هذا نص يلخص ما دار بين الدعاة الصفريين وزعماء البربر الذين رفضوا دعوتهم أوّل الأمر قائلين :
« لا نخالف الأئمة بما تجني العمال ( ولا نحمل ذلك عليهم) »
فقالوا (أي الدعاة الصفرية) « إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك »
فقالوا «حتى نخبرهم».
واتفق الطرفان على إرسال وفد من بضعة وعشرين رجلا برئاسة ميسرة إلى الخليفة هشام بن عبد الملك.
فلم يستقبلهم وهو ما يكون قد جعلهم يقتنعون بما قيل لهم قبل سفرهم.
تركبكس / pingbacks