الأمير عبد القادر ابن محيي الدين

ابن مصطفى ابن محمّد ابن المختار

ابن عبد القادر ابن أحمد المختار

ابن أبي محمّد عبد القادر بن خدّة

.

وُلِدَ يوم الجمعة 23رجب 1222 هـ/م 1807-09-26

بقيطنة وادي الحمام ، قرب معسكر

.

19 تُوُفِي بدمشق من ليلة السبت‎َ

رجب عام 1300 هـ/م 1883-05-26
 

.

حفظ القرءان الكريم طفلا في زاوية أسلافه

حيث بدأ دراسة اللغة والنحو والفقه

.

وفي الرابعة عشر من عمره

واصل دراسته في وهران

وعني بالأدب والعلوم الدينية

من عقائد وتفسير وفقه

ثم عاد إلى زاوية القيطنة

.

في عام 1241 هـ/م 1825

سافر الأمير عبد القادر مع والده من وهران برًّا إلى الحجاز

وبعد أداء فريضة الحج

قصد المدينة المنورة

ومنها توجّه إلى دمشق

وتتلمذ على الشيخ خالد النقشباندي

ثم سافر إلى بغداد

فزار مع أبيه مقام سيدي عبد القادر الجيلالي

وأخذ كل منهما الإجازة بالطريقة القادرية

عن الشيخ محمود القادري

ثم رجعا إلى دمشق ومنها عادا إلى الحجاز

فحجا مرّة ثانية

ثم رجعا إلى الوطن

وذلك عام 1243 هـ/م 1827

.

تدريس الأمير عبد القادر بالجامع الكبير بالمدية

أمّ البراهين للإمام سيدي محمد بن يوسف السّنوسي

(ت 18 جمادى الآخرة895 هـ/م 1490-ماي- 09)

 » فكان مدّة وجوده بالمدية يدرّس درسا عاما في التوحيد

وكان يوم ختمـــه أمّ البراهين للسنوسي يوماً مشهوداً

حضره العلماء من القطر الجزائري وقدّموا له المدائح

..ومن جملة من امتدحه العلامة السيدقدوربن رويلة فقال

أغيوث السماء سحت بروض

أم نسيم الصبا زكت بربوع

أم شموس الضحى تجلت لسعد

أم بدا البدر في سعود الطلوع

… أم عقود من البراهين تبدو بقياس يزهو ببهجة الترصيع

.

هَذَا الذِي سَبَقَ القَضَاءُ بِهِ * وَالدَّهْرُ فِي الانْسَانِ ذُو دُوَلِ

مَا قَرَّ فِي أَيْدِي قَوَابِلُهُ * حَتَّى اُذِيقَ الصَّابُ بِالعَسَلِ

.

إِلَى الغَالِبِ جَرَتْ عَادَةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ بِذَلِكَ

فَلَمْ يَسَعْهُ حِينَئِذٍ إِلَّا النَّظَرُ فِي أَمْرِهِ

وَانْتِهَازِ الفُرْصَةِ فِي خَلاَصِهِ مِنْ مَكَائِدِ العَدُوِّ وَمَكْرِهِ

فَجَمَعَ خَاصَّتَهُ وَذَوِيهِ وَقَالَ

يَا قَوْمُ، إنَّ الأَحْوَالَ كَمَا تَرَوْنَ

وَالأَخْبَارَ عَلَى مَا تَسْمَعُونَ فَمَا الرَّأْيُ ؟

وَمَا الحِيلَةُ ؟

فَقَالُوا

الرَّأْيُ لِسَيِّدِنَا.

فَالَّذِي يَرَاهُ نَحْنُ مَعَهُ فِيهِ

فَقَالَ

لاَ أَرَى إِلآَّ التَّسْلِيمَ لِقَضَاءِ اللهِ تَعَالَى وَالرِّضَى بِهِ

وَلَقَدْ اِجْتَهَدْتُ نَفْسِي فِي الذَّبِّ عَنِ الدِّينِ وَالبِلاَدِ

وَبَذَلْتُ وَسْعِي فِي طَلَبِ رَاحَة الحَاضِرِ مِنْهَا وَالبَادِ

وَذَلِكَ مِنْ حِينِ اهْتَزَّ غُصْنُ شَبَابِي

وَافْتَرَّ عَنْ شُبَاةِ الهِنْدِي نَابِي

وَأَقَمْتُ عَلَى ذَلِكَ مَا يَنِيفُ عَلَى سَبْعِ عَشْرَةِ سَنَةٍ أَقْتَحِمُ المَهَالِكَ

وَأَمْلَأُ بِالجُيُوشِ الجَرَّارَةِ الفِجَّاجَ وَالمَسَالِكِ

اَسْتَحْقِرُ العَدُوَّ عَلَى كَثْرَتِهِ وَاسْتَسْهِلُ اسْتِصْعَابَهُ

وَتَوَغُّلِ غَيْرُ خَائِفِ أَوْدِيَّتِهِ وَشِعَابِهِ

وَأَرْتَبُ لَهُ فِي طَرِيقِهِ الرَّصَائِدِ

وَأَنْصِبُ لَهُ فِيهَا المَكَائِدَ وَالمَصَائِدَ

تَارَةً أَنْقَضُّ عَلَيْهِ اِنْقِضَاضِ الجَارِحِ

وَأُخْرَى أَنْصُبُ إِلَيْهِ اِنْصِبَابَ الطَّيْرِ إِلَى المَسَارِحِ

وَكَثِيرًا مَا كُنْتُ أَبِيتُهُ فَأَفْنِيهِ

وَأُصْبِحُهُ فَأُبْرِدْ غَلِيلِي مِنْهُ وَأَشْفِيهْ

وَلاَ زِلْتُ فِي أَيَّامِي كُلِّهَا أَرى المَنِيَّةَ وَلاَ الدَّنِيَّةَ

وَأُشَّمِّرُ عَنْ أَقْوَى سَاعِدٍ وَبَنَانِ

وَأَقْضِي حَقَّ الجِهَادِ بِالمُهَنَّدِ وَالسِّنَانِ

إِلَى أَنْ فَقَدْتُ المُعَاضِدَ وَالمُسَاعِدَ

وَفَنِيَ الطَّارِفُ مِنْ أَمْوَالِي وَالتَّالِدِ

وَدَبَّتْ إِلَيَّ مِنْ بَنِي دِينِي الأَفَاعِي

وَاشْتَمَلَتْ عَلَيَّ مِنْهُمْ المَسَاعِي

وَالآنَ بَلَغَ السَّيْلُ الرُّبَى

وَالحِزَامُ الضَّبْنَيْنِ

فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ يَكِيدُهُ كَائِدٌ وَلاَ يُبِيدُ مُلْكَهُ

وَكُلُّ شَيْءٍ بَائِدٍ

.

إِنْ يُسْلِبَ القَوْمُ العِدَا * مُلْكِي وَتُسْلِمَنِي الجُمُوعُ

فَالقَلْبُ بَيْنَ ضُلُوعِهِ * لَمْ تُسْلِمِ القَلْبَ الضُّلُوعَ

أَجَلِي تَأَخَّرَ لَمْ يَكُنْ * يَهْوَاهُ ذُلِّي وَالخُضُوعُ

مَا سِرْتُ قَطٌّ إِلَى القِتَا * لِ وَكَانَ مِنْ أَمَلِي الرُّجُوعُ

شِيَمُ الأُولَى أَنَا مِنْهُمْ * وَالأَصْلُ تَتْبَعُهُ الفُرُوعُ

.

فَاسْتَكَانَ القَوْمُ لِهَذَا الخِطَابِ وَتَذَكَّرُوا أَيَّامَ اللهِ فِيهِمْ

وَإِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الاَلْبَابِ

ثُمَّ أَخَذُوا يَتَدَاوَلُونَ الرَّأْيَ بَيْنَهُمْ

إِلَى أَنْ قَرَّ القَرَارُ

عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ إِلَى الفَرَنْسِيسِ

.

تحفة الزائر ج1 ص 323-324

.

في الثالث والعشرين من ديسمبر 1847

صلّى الأمير مع صحبه وأتباعه بمقام سيدي إبراهيم

تابع سيره في موكبه إلى مكان قريب من مرسى الغزوات

واستقبله فيه الدوق هنري دومال حاكم الجزائر

والجنرال لاموريسيار

وغيره من القواد والأعيان

بعد أن جلس الجميع قال الأمير مخاطباً الدوق

لقد قدّر االه تعالى أن تكون هذه السّاعة ونحن على ما نحن عليه

إنّني أخذت من الجنرال لاموريسيار عهودًا ومواثيق

لا شكّ أنّ ابن ملك فرنسا سيحافظ عليها

أجابه الدوق مؤكّداً عهود لاموريسيار ضامنا لها

ثمّ قدّم له الأمير سيفه قائلاً

(إنّني أحسب أنّ هذا شرفٌ وفخرٌ حصَّلَت عليه فرنسا)

وأهداه جواده الأدهم وطبنجته وساعته

وقام الدوق بدوره وقدّم للأمير طبنجته وساعته

ثمّ سأله عمّن يريد أن يرافقه

فذكر له أهله وأتباعه وعددهم 200 شخصٍ

.

في أمبواز بفرنسا 1848-1852م

داوم الأمير في مدّة إقامته بفرنسا

على تدريس العلم وإفادة الطلبة من جماعته

فقرأ العقيدة الصغرى للإمام السنوسي في التوحيد

ورسالة أبي زيد القيرواني في الفقه

وغيرهما من المصنفات المفيدة

وقرأ كتاب الشفاء للقاضي عياض

وقرأ صحيح البخاري على نية تفريج كربهم

.

انتقل إلى مدينة بروسة في 1853م

عُرِف الأمير مدّة إقامته بمدينة بروسة

بالمواضبة على الصلوات الخمس بالجامع القريب من إقامته

المعروف بجامع العرب

حيث كان يدرّس فيه

كما ذكر ابنه محمد

ألفية ابن مالك) بشرح المكودي)

العقيدة الصغرى) للسنوسي بشرح المصنف)

(أمّ البراهين)

وإيساغوجي للفناري

ويقرأ لنا في الدار

الإبريز في مناقب سيدي عبد العزيز الدباغ

وفي عام 1272هـ/م1855

غادر بروسة لتوالي الزلازل الهائلة بها

.

حلّ بدمشق في موكب مع رفقائه

لم يعرفه إنسان منذ عهد صلاح الدين الأيوبي

فتلقاه أهلها باحتفال عظيم على مقربة المدينة

مع كتيبة من الجيش والموسيقات العسكرية

وتوجّه بهم إلى مقام الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي

وأنزله (عزّت باشا) في الدار

التي توفي فيها محيي الدين بن عربي

عام 638هـ/م1240

.

في عام 1273 هـ/م 1857

زار بيت المقدس والخليل

ثم رجع إلى دمشق

وبدأ في إلقاء الدروس بالجامع الأموي

حيث تكونت حلقة من نيف وستين طالبا لمتابعة دروسه

كما سعى ببدل أمواله على استرجاع

(دار الحديث)

التي كان قد استولى على قسم منها بعض الأجانب

وفي عام 1274 هـ/م1858

قام بتمويل أوّل طبعة حجرية

لكتاب الفتوحات المكيّة

.

في عام 1277 هـ/م 1860

بذل الأمير جهده في إسعاف وحماية المسيحيين المضطهدين بدمشق

ونال إثر ذلك إعجاب كل الدول آنذاك

في حسن تدبيره للعملية

ثم سافر إلى حمص

فزار مقام أسد الله خالد بن الوليد رضي الله عنه

ثم رجع إلى دمشق

بعد زيارة حماة

.

في عام 1279هـ/م 1862

قصد الأمير عبد القادر الحجاز

وأقام بها مدّة سنة ونصف

أقبل على عبادة الله عند البيت الحرام

لازم الرياضة والخلوة والاجتهاد

وتتلمذ على الشيخ محمد الفاسي الشاذلي

– مدح الأمير شيخه في نهاية مقدمة (المواقف)في 270 بيتا

وعكف على الوظائف والأوراد

إلى أن رقي معارج الأسرار

إلى حضائر القدس ذات الأنوار

ووقعت له كرامات وخوارق

وأحرز بقوة سعده أحوالاً سنية وأنفاساً محمدية

وما تمّ له الارتقاء إلاّ في غار حراء

لأنه انقطع فيه أياماً عديدة إلى أن جاءته البشرى بالرتبة الكبرى

ووقع له الفتح النوراني

وتفجّرت ينابيع الحكم على لسانه

وفاضت عيون الحقائق بين أدواح جنانه

وانفتح له باب الواردات

واستظهر من القرآن آيات

ومن الحديث النبوي أحاديث صحيحة

فكتب من خلوته

أمسعود جاء السَّعدُ والخيرُ واليسرُ × وولّت جيوشُ النّحسِ ليس لها ذِكرُ

ثم أقبل على المدينة المنورة

في عام 1280 هـ/م 1863

ويذكر لنا في الموقف 13

نفحات خلوته بدار أبي بكر الصديق

.

اشتهر الأمير عبد القادر

في فترة حياته التي قضاها بدمشق

باهتمامه العميق وإقباله الكامل على قراءة مصنفات الشيخ الأكبر

محيي الدين بن عربي

ولا سيما

(الفتوحات المكية)

وفصوص الحكم) بشكل خاص)

وفي عام 1288 هـ/م 1871

أرسل نسخة من الفتوحات المكية

(مع عالمين جليلين إلى مدينة (قونية

لمقابلتها وتصحيحها على نسخة موجودة هناك بخط مؤلفها

وبعد تصحيحها بكل إتقان

قرأها على بعض الخواص من العلماء

.

ألف الأمير كتاب

(المواقف الروحية والإلقاءات السبوحية)

في السنوات العشرين الأخيرة من حياته

من 1280هـ/م1863 إلى 1300هـ/م1883

تمت الطبعة الأولى بتاريخ 1329هـ/م1911

والطبعة الثانية في 1389هـ/م1966

والمواقف متفاوتة في الطول

بعضها سطور قليلة

وبعضها في صفحة أو صفحات

أما بقية المواقف وهي حوالي ثلاثة أرباعها

فهي شروح وتعليقات على آيات من القرآن الكريم

والأحاديث النبوية

وتفسيرات لأبيات في الحياة الروحية

وأجوبة عن أسئلة وشروح لبعض فصوص الحكم

(لمحيي الدين بن عربي(ت 638هـ/م 1240

-(التلميذ الروحي لأبي مدين شعيب (ت 594هـ/م1197-

.

تُوُفِي بدمشق في الساعة السابعة

19 من ليلة السبت‎َ

رجب عام 1300 هـ/م 1883-05-25

وتولى غسله وتكفينه الشيخ عبدالرحمن عليش

أحد علماء الأزهر

وحمل نعشه على أكتاف الرجال الأمجاد إلى الجامع الأموي

وبعد الصلاة عليه بإمامة الشيخ محمد الخاني

شيعه أهل دمشق

سائرين بجنازته

إلى أن أوصلوه إلى حجرة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي

فدفن بها في جواره

.

وبعد استقلال الجزائر من وطءة أعداء الأمير

نُقِلَت تُرْبَةٌ مِنْ تُرْبَتِهِ الطَّيِّبَةِ

إلى مقبرة الشهداء بالجزائر العاصمة

لتكون خَيْرَ نُقْلَةٍ وأَعْظَمَ بَرَكَةٍ لِلْبِلاَدِ

.

إعداد: محمد بن أحمد باغلي

.