السيدة خديجة بنت خويلد
كَانَ أَبُو طَالِبٍٍ حَلِيفَ فَقْرٍ كَثِيرَ عِيَالٍ.
لِذَلِكَ رَأَى أَنْ يَجِدَ لِابنِ أَخِيهِ، محمّد، يومًا سَبَبًا لِلرِّزْقِ أَوْسَعَ مِمَّا يَجِيئُهُ مِنْ أَصْحَابِ الغَنَمِ الَّتِي يَرْعَى.
فَبَلَغَهُ يَوْمًا أَنَّ خَدِيجَةَ بِنْتُ خُوَيْلِد تَسْتَأْجِرُ رِجَالاً مِنْ قُرَيْش فِي تِجَارَتِهَا.
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَات شَرَفٍ وَمَالٍ، تَسْتَأْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا، يُضَارِبُونَ لَهَا بِهِ بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ.
وَلَقَدْ زَادَ فِي ثَرْوَتِهَا أَنَّهَا، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي أَسَد، قَدْ تَزَوَّجَتْ مَرَّتَيْنِ فِي بَنِي مَخْزُوم بِمَا جَعَلَهَا مِنْ أَوْفَرِ أَهْلِ مَكَّةَ غِنًى. وَكَانَتْ
تَقُومُ عَلَى مَالِهَا بِمَعُونَةِ أَبِيهَا خُوَيْلِد وَبَعْضِ ذَوِي ثِقَتِهَا.
وَقَدْ رَدَّتْ خِطْبَةَ الَّذِينَ خَطَبُوهَا مِنْ كِبَارِ قُرَيْشن لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى مَالِهَا، وَاعْتَزَمَتْ أَنْ تَقِفَ جُهْدَهَا عَلَى تَنْمِيَّةِ ثَرْوَتِهَا.
وَإِذْ عَلِمَ أَبُو طَالِب أَنَّهَا تُجَهِّزُ لِخُرُوجِ تِجَارَتِهَا إِلَى الشَّامِ مَعَ القَافِلَةِ ننَادَى ابِنَ أَخِيهِ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ فِي الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ مِنْ سِنِّهِ،
وَقَالَ لَهُ:
– يَا بْنَ أَخِي، أَنَا رَجُلٌ لاَ مَالَ لِي، وَقَدِ اشْتَدَّ الزَّمَانُ عَلَيْنَا، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ خَدِيجَةَ اسْتَأْجَرَتْ فُلاَنًا بِبَكْرَيْنِ، وَلَسْنَا نَرْضَى لَكَ بِمِثْلِ مَا أَعْطَتْهُ. فَهَلْ لَكَ أَنْ أُكَلِّمَهَا ؟
قَالَ مُحَمَّدُ:
– مَا أَحْبَبْتَ !
فَخَرَجَ أَبُو طَالِب إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا:
– هَلْ لَكِ يَا خَدِيجَة أَنْ تَسْتَأْجِرِي محمّدًا ؟ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّكِ اسْتَأْجَرْتِ فلانًا بِبَكْرَيْنِ، وَلَسْنَا نَرْضَى لِمُحَمَّد دُونَ َأرْبَعَة بِكَار.
وَكَانَ جَوَابُ خَدِيجَة:
– لَوْ سَأَلْتَ ذَلِكَ لِبَعِيدٍ بَغِيضٍ فَعَلْنَا، فَكَيْفَ وَقَدْ سَأَلْتَهُ لِحَبِيبٍ قَرِيبٍ !
وَعَادَ العَمُّ إِلَى ابْنِ أَخِيهِ يَذْكُرُ لَهُ الأَمْرَ وَيَقُولُ لَهُ:
– هَذَا رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ.
خَرَجَ مُحَمَّدُ مَعَ مَيْسَرَة، غُلاَم خَدِيجَة، بَعْدَ َأنْ أَوْصَاهُ أَعْمَامُهُ بِهِ.
وَانْطَلَقَتِ الٌَافِلَةُ فِي طَرِيقِ الصَّحْرَاءِ إِلَى الشَّامِ مَارَّةً بِوَادِي القُرَى وَمَدْيَنَ وَدِيَارِ ثَمُود وَبِتِلْكَ البِقَاعِ الَّتِي مَرَّ بِهَا مُحَمَّد مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِب، وَهُوَ فِي الثَّانِيَّةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ.
وَأَحْيَتْ هَذِهِ الرِّحْلَةُ فِي ،َفْسِهِ ذِكْرَيَاتِ الرِّحْلَةِ الأُولَى، كَمَا زَادَتْهُ تَأَمُّلاً وَتَفْكِيرًا فِي كُلِّ مَا رَأَى وَسَمِعَ، مِنْ قَبْلِ سَفَرِهِ، بِالشَّامِ أَوْ بِالأَسْوَاقِ المُحِيطَةِ بِمَكَّةَ.
فَلَمَّا بَلَغَ بُصْرَى اِتَّصَلَ بِنَصْرَانِيَّةِ الشَّامِ وَتَحَدَّثَ إِلَى رُهْبَانِهَا وَأَحْبَارِهَا. وَتَحَدَّثَ إِلَيْهِ رَاهِبُ نَسْطُورِيّ وَسَمِعَ مِنْهُ.
وَلَعَلَّهُ أَوْ لَعَلَّ غَيْرُهُ مِنَ الرُّهْبَانِ قَدْ جَادَلَ مُحَمَّد فِي دِينِ عِيسَى، هََّا الدِّينُ الَّذِي كَانَ قَدِ انْقَسَمَ يَوْمَئِذٍ شِيَعًا وَأَحْزَابًا.
وَاسْتَطَاعَ مُحَمَّدُ بِأَمَانَتِهِ وَمَقْدَرَتِهِ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَمْوَالِ خَدِيجَةٍ تِجَارَةً أَوْفَرَ رِبْحًا مِمَّا فَعَلَ غَيْرُهُ مِنْ قَبْلِ. وَأسْتَطَاعَ بِحُلْوِ شَمَائِلِهِ وَجَمَالِ عَوَاطِفِهِ أَنْ يَكْسِبَ مَحَبَّةَ مَيْسَرَةَ وَإِجْلاَلِهِ.
فَلَمَّا آنَ لَهُمْ أَنْ يَعُودُوا اِبْتَاعَ لِخَدِيجَةَ مِنْ تِجَارَةِ الشَّامِ كُلَّ مَا رَغِبَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيهَا بِهِ.
فَلَمَّا بَلَغَتِ القَافِلَةُ مَرَّ الظَّهْرَان فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهَا، قَالَ مَيْسَرَة:
– يَا مُحَمَّد ! أَسْرِعْ إِلَى خَدِيجَة، فََأخْبِرْهَا بِمَا صَنَعَ اللهُ لَهَا عَلَى وَجْهِكَ، فَإِنَّكَ تَعْرِفُ ذَلِكَ لَكَ.
وَانْطَلَقَ مُحَمَّد، حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ فِي سَاعَةِ الظَّهِيرَةِ. فَرَأَتْهُ خَدِيجَةُ، وَكَانَتْ فِي عِلِّيَّةٍ لَهَا، وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ.
وَنَزَلَتْ حِينَ دَخَلَ دَارَهَا وَاسْتَقْبَلَتْهُ. وَاسْتَمَعَتْ إِلَيْهِ يَقُصُّ بِعِبَارَتِهِ البَلِيغَةِ السَّاحِرَةِ خَبَرَ رِحْلَتِهِ وَرَبْحِ تِجَارَتِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ صِنَاعَةِ الشَّامِ، وَخَدِيجَةُ تُنْصِتُ مُغْتَبِطَةٌ مَأْخُوذَةٌ.
وََأقْبَلَ مَيْسَرَة مِِنْ بَعْدُ، فَرَوَى لَهَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَرِقَّةِ شَمَائِلِهِ وَجَمَالِ نفْسِهِ مَا زَادَهَا عِلْمًا بِهِ فَوْقَ مَا كَانَتْ تَعْرِفُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى شَبَابِ مَكَّةَ.
وَلَمْ يَكُ إِلاَّ ردُّ الطَّرْفِ حَتَّى انْقَلَبَتْ غِبْطتُهَا حُبًّا جَعَلَهَا وَهِيَ فِيء الأَرْبَعِينَ مِنْ سِنِّهَا، وَهِيَ الَّتِي رَدَّتْ مِنْ قَبْلُ أَعْظَمَ قُرَيْشَ شَرَفًا وَنَسَبًا، تَوَدُّ أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ هَذَا الشَّابِّ الَّذِي نَفَذَتْ نَظَرَاتُهُ وَنَفَذَتْ كَلِمَاتُهُ إِلَى أَعْمَاقِ قَلْبِهَا.
وَتَحَدَّثَتْ فِي ذَلِكَ إِلَى أُخْتِهَا عَلَى قَوْل، وَإِلَى صَدِيقَتِهَا نُفَيْسَة بِنْتُ مُنْيَةَ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ.
وَذَهَبَتْ نُفَيْسَةُ دَسِيسًا إِلَى مُحَمَّد فَقَالَتْ لَهُ:
– مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ؟
قَالَ:
– مَا بِيَدِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ.
قَالَتْ:
– فَإِنْ كُفِيتَ ذَلِكَ وَدُعِيتَ إِلَى الجَمَالِ وَالمَالِ وَالشٍََّفِ وَالكَفَاءَةِ، أَلاَ تُجِيبُ ؟
قَالَ:
– فَمَنْ هِيَ ؟
أَجَابَتْ نُفَيْسَةُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ
– خَدِيجَةٌ
قَالَ مُحَمَّدُ:
– كَيْفَ لِي بِذَلِكَ ؟
وَكَانَ قَدْ أَنِسَ هُوَ أَيْضًا إِلَى خَدِيجَةَ وَإِنْ لَمْ تُحَدِّثْهُ نَفْسُهُ بِزَوَاجٍ مِنْهَا، لِمَ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ رَدِّهَا أَشْرَافُ قُرَيْش وَأَغْنِيَاءُهَا.
فَلَمَّا قَالَتْ لَهُ نُفَيْسَةُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِ:
– عَلَيَّ ذَلِكَ !
سَارَعَ إِلَى إِعْلاَنِ قَبُولِهِ
وَلَمْ تَبْطِئْ خَدِيجَةُ أَنْ حَدَّدَتْ السَّاعَةَ الَّتِي يَحْضُرُ فِيهَا مَعَ أَعْمَامِهِ لِيَجِدُوا أَهْلَهَا عِنْدَهَا، فَيَتِمُّ الزَّوَاجَ.
وَزَوَّجَهَا عَمُّهَا عُمَر بنُ أَسَد.
من كتاب « حياة محمد » لمحمد هيكل حسنين
إعداد: محمد بن أحمد باغلي
و
من إعداد د. عبود ناصر
ينبوع الكوثر السيدة خديجة بنت خويلد – عليها السلام
اسمها ونسبها
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصّي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر(1)، جدّها «خويلد» كان بطلاً مغواراً دافع عن حياض الكعبة المشرّفة في يوم لا ينسى.
والدتها «فاطمة» بنت زائدة بن أصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر(2)، كانت سيّدة جليلة مشهود لها بالفضل والبرّ(3).
هذه السيّدة العظيمة سلام الله عليها تنتسب إلى قبيلة قريش، ويلتقي نسبها بنسب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عند جدّها الثالث من أبيها، وعند جدّها الثامن من أمّها(4).
( 2 ) ملامح السيدة خديجة في مرآة الوحي
بعد عامين من بعثة الرسول صلى الله عليه وآله التي بدأت من بيت خديجة(5)، وفي طريق عودته من معراجه في شهر ربيع الأول، جاءه أمين الوحي جبريل وقال له: «حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام»(6)، وعندما أبلغ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله زوجته خديجة سلامَ الله تعالى، قالت: إنّ الله هو السلام، منه السلام وإليه السلام(7).
في إحدى الحملات الوحشية لقريش انتشرت إشاعة اغتيال النبي الكريم صلى الله عليه وآله ، فهامت السيّدة خديجة عليها السلام على وجهها في الوديان والصحاري المحيطة بمكة بحثاً عن حبيبها، وكانت الدموع تنهمر على خديها، فما كان من جبريل إلا أن نزل على الرسول الأكرم وقال له: لقد ضجّت ملائكة السماء لبكاء خديجة ، أُدعُها إليك وأبلغها سلامي وقل لها بأنّ ربّها يقرؤها السلام ويبشّرها بقصر في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب(8).
( 3 ) الأحاديث الشريفة
رويت عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أحاديث كثيرة في مناقب السيّدة خديجة عليها السلام، نسلّط الضوء على بعضاً منها:
1. يا خديجة إنّ الله عزّوجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا(9).
2. والله ما أبدلني الله خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمنـي الناس، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد الناس(10).
3. خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله(11).
4. خير نساء الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم (امرأة فرعون)(12).
5. خديجة سبقت جميع نساء العالمين بالإيمان بالله وبرسوله(13).
6. أحببتها من أعماق فؤادي(14).
7. أحبّ من يحبّ خديجة(15).
8. لم يرزقني الله زوجة أفضل من خديجة أبداً(16).
9. لقد اصطفى الله عليّاً والحسن والحسين وحمزة وجعفر وفاطمة وخديجة على العالمين(17).
10. وقال صلى الله عليه وآله يخاطب عائشة: لا تتحدّثي عنها هكذا، لقد كانت أوّل من آمن بي، لقد أنجبت لي وحُرِمتِ(18).
( 4 ) السيّدة خديجة في أقوال بعض أصحاب السير والتراجم
ابن هشام صاحب المصنَّف الشهير «السيرة النبوية»:
خديجة صاحبة النسب الكريم، والشرف الرفيع، والثروة والمال، وأحرص نساء قريش على صون الأمانة والتمسّك بالأصول الأخلاقية والعفة والكرامة الإنسانية، فهي التي تربّعت على قمة الشرف والمجد.
الذهبي وهو رائد علم الرجال يقول:
خديجة، سيّدة نساء الجنة، حكيمة قريش، من قبيلة أسد، عظيمة القدر، ذات دين ومروءة وعزّة، من نساء الجنة وإحدى النساء اللائي تربّعن على قمة الكمال(19).
ابن حجر العسقلاني:
لقد صدّقت خديجة بالرسالة في اللحظات الأولى لبعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وكان رسوخ إيمانها وثبات قدمها نابعين من يقين تام، وعقل راجح، وعزم راسخ(20).
السهيلي الذي له تصانيف كثيرة في السير والمغازي :
خديجة سيدة نساء قريش، لقبّت بـ«الطاهرة» في الجاهلية والإسلام(21).
( 5 ) السيّدة خديجة وكتابة التاريخ
قد كان التاريخ مجرّد قلم بيد المتملّقين يخطّونه خدمة لأغراض المستبدين، فاستبيحت الكثير من الحقائق وزوّرت الكثير غيرها حتى اشتبه الأمر وأصبحت الأكاذيب كأنّها وقائع تاريخية، وبلغت حدّاً من السوء بحيث إذا ما أماط الباحث اللثام عن الوقائع بالاستناد إلى الحقائق العلمية، أثار عمله دهشة الجميع واستغرابهم.
لقد صرّح الكثير من الرواة بأنّ السيّدة خديجة كانت باكراً قبل الزواج، وأنّه لم يدخل عليها أحد قبل النبي قطّ، ومن هؤلاء:
الشريف المرتضى علم الهدى ، في كتابه «الشافي في الإمامة».
الشيخ الطوسي، في كتاب «تلخيص الشافي».
البلاذري، في كتاب «أنساب الأشراف»(24).
أبو القاسم الكوفي، في كتاب «الاستغاثة في بدع الثلاثة».
هذا، وقد أيّد الكثير من الرواة والمؤرخين هذا الرأي(25)، حيث يؤكدون أنّ السيدة خديجة عليها السلام في ذلك الوقت لمّا تتجاوز الـ25 أو الـ28 عاماً، وأنّها لم تختر زوجاً آخر غير النبي قطّ، لأنّها كانت تكفل زينب ورقية وأم كلثوم بنات أختها «هالة».
ولكن الأمر الذي اتّفق عليه جميع المؤرخين هو أنّها كانت من أجمل بنات الحجاز. والإمام الحسن ابن علي » المجتبى » عليه السلام الذي كان آية في الجمال كان يعتبر نفسه أشبه أهل البيت بأمّه خديجة الكبرى عليها السلام.
( 6 ) السيدة خديجة أول سيّدة في الإسلام
كانت السيّدة خديجة على دين أبيها إبراهيم عليه السلام قبل أن يُبعث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وكانوا يُعرفون بالحنفاء، وقد آمنت في اليوم الأول من بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله .
عندما رجع الرسول الكريم صلى الله عليه وآله من غار حراء وهو ينوء بثقل الرسالة العظيمة، كانت السيّدة خديجة في استقباله حيث قالت له: أيّ نور أرى في جبينك؟ فأجابها: إنّه نور النبوّة، ومن ثمّ شرح لها أركان الإسلام، فقالت له: «آمنت وصدّقت ورضيت وسلّمت»(29).
كانت السيّدة خديجة أول سيّدة في الإسلام تصلّي، إذ أنّه لسنوات طويلة انحصر الإيمان بالدين الإسلامي بخديجة والإمام علي ، وكان الرسول الأعظم يذهب إلى المسجد الحرام ويستقبل الكعبة وعلي إلى يمينه وخديجة خلفه، وكان هؤلاء الثلاثة هم النواة الأولى لأمّة الإسلام، وكانوا يعبدون معبودهم الواحد إلى جانب كعبة التوحيد(30).
أول سيّدة تأكل من فاكهة الجنّة
نعم، إنّها أول سيّدة مسلمة تأكل من فاكهة الجنّة حيث ناولها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بيده الشريفة عنقوداً من عنب الجنّة(33).
( 7 ) الزوجة الوحيدة
السيّدة خديجة هي الزوجة الوحيدة من بين أزواج النبي الكريم صلى الله عليه وآله التي أنسلها واستمرّ نسلها الطاهر حتى يومنا هذا. لقد ارتأت المشيئة الإلهية أن تكون السيّدة خديجة وعاءً لأنوار الإمامة وضيائها. والرسول الكريم صلى الله عليه وآله في معرض بيان عظم منزلة هذه السيّدة الجليلة، نجده يخاطب ابنته الأثيرة على قلبه الزهراء البتول عليها السلام بقوله: يا ابنتي، إنّ الله تعالى جعل خديجة وعاء لنور الإمامة (34).
رزقت السيّدة خديجة من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ولدين هما «القاسم وعبد الله)، وبنت واحدة، فاختطف الموت ولديه وهما صغيران وأبقى على بضعته كوثر الخلق ووالدة أئمة النور والهدى ، سيدة النساء الزهراء البتول عليها السلام .
يتّفق أهل السير والمؤرخين على أنّ الرسول الكريم صلى الله عليه وآله أنجب من السيّدة خديجة عليها السلام ومارية القبطية فقط، حيث أنجبت الأخيرة له ابنه «إبراهيم» الذي فارق والده المكرّم وهو في الثالثة من عمره.
إنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لم يتزوّج على السيّدة خديجة في حياتها أبداً حتى ماتت، لقد كانت كوثر النبوة الصافي ، في اللحظات الختامية من عمر هذه السيّدة الجليلة، بشّرها زوجها بأنّها ستكون زوجه في الجنّة أيضاً(35).
( 8 ) خطبتها وزواجها
اشتهرت السيّدة خديجة بالجمال والكمال والثروة والشرف الرفيع والعلم والحلم وصلابة في اتّخاذ القرار، ودقة في الرأي، ورأي سديد، وعقل راجح وفكر صائب، ومن الطبيعي أنّ من تجتمع لها صفات الكمال والفضل يتسابق الرجال إلى خطبتها والزواج بها، وهذا ما كان مع السيّدة خديجة حيث سارع رؤوس بني هاشم وأقطابها، لا بل وصل الأمر إلى ملوك اليمن وأشراف الطائف، الذين سعوا عبر إغداق الأموال والهدايا للفوز بقلبها، والتربّع على قمّة الشرف والمجد، لكنّها خذلتهم جميعاً، ووقع اختيارها على أمين قريش ومؤتمنها لكي يفوز بقلبها.
وتشرح السيّدة خديجة سبب هذا الاختيار بالقول:
«يا بن عمّ إنّي رغبت فيك لقرابتك منّي وشرفك من قومك وأمانتك عندهم وصدق حديثك وحسن خلقك»(36).
كما أفشت بسرّ هذا الاختيار إلى صفيّة بقولها: «إنّي قد علمت أنّه مؤيّد من ربّ العالمين»(37).
لقد استشارت السيّدة خديجة عليها السلام سيّدة أخرى جليلة في هذا الأمر حتى ذهبت بمعيّتها إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وعرضت عليه الزواج قائلة: لقد اخترت لك امرأة من قريش، فأجاب الرسول العظيم: ومن تكون؟ فقالت السيّدة خديجة: هي مملوكتك خديجة(38).
حضر هذه المراسيم أبو طالب وكان أول المتكلمين إذ ألقى خطبة ذكر فيها عظمة منزلة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وشرفه وفضله، ثمّ خطب خديجة للنبي من والدها خويلد، الذي خيّرها، بعدها استأذنت خديجة عمّها «عمرو بن أسد» كبير قومه، فأعلنت موافقتها وقالت بأنّ مهرها سيكون من مالها. ثم قام عمّها فخطب في الحاضرين خطبة بليغة ختمها بقوله: زوّجناها ورضينا به(39). بعد ذلك أعلنها على الملأ بكل صراحة: من ذا الذي في الناس مثل محمد(40).
وقال خويلد في مراسيم الخطبة: يا معشر العرب، لم تظلّ السماء ولم تقلّ الأرض رجلاً أفضل من محمد، فاشهدوا أنّي أنكحته ابنتي وأنّي لأفخر بهذا الارتباط المقدّس(41).
بعد ذلك أرسلت السيّدة خديجة إلى أبي طالب أموالاً وأغناماً وقوارير العطور وأنواع اللباس ليعدّ لوليمة العرس. ولم يأل أبو طالب جهداً في التحضير لأعظم مأدبة، حيث أطعم أهالي مكة وأطرافها لثلاثة أيام متتالية(42). وكانت أول وليمة يعدّها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله(43).
( 9 ) ثروة السيّدة خديجة
لسنوات طويلة كانت القوافل التجارية للسيّدة خديجة عليها السلام من أكبر قوافل قريش، وقد ربحت من تجارتها ثروات طائلة، وضعتها جميعها تحت تصرّف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، لينفقها فيما يراه مناسباً.
يقول العلامة المامقاني: لقد وصلنا بالتواتر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال: ما قام الدين إلاّ باثنتين: سيف عليّ وأموال خديجة(44).
( 10 ) حكمة السيّدة خديجة
يكفي في رجاحة رأيها وصلابة فكرها ما رواه المؤرّخون من أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يشاورها في جميع أموره(45).
كان عليه الصلاة والسلام يتطلّع إلى أن تُسلم قريش لتنجو من عذاب الله وسخطه، فكان يجابه بعنادهم ورفضهم وإصرارهم على باطلهم، فيعتصر قلبه الشريف ألماً وحزناً، في تلك اللحظات العصيبة كان يلجأ إلى بيت العطف والرسالة فيشكو بثّه ومعاناته إلى زوجه وشريكة همّه السيّدة خديجة ، فكانت تواسيه وتشدّ من أزره بكلماتها الحكيمة ونظرات العطف والحنان، فتسكن من آلامه وأحزانه(46).
في مراحل الشدّة والمشقة والحصار الاقتصادي في شعب أبي طالب، كان لأموال السيّدة خديجة عليها السلام الدور الكبير والحاسم في التخفيف من آثار الحصار الجائر الذي فرض على آل أبي طالب، فكانت هذه السيدة الجليلة تشيع الأمل والفرح في قلوب القوم وترفع الحزن والشقاء عن كاهلهم. وعلى الرغم من أنّ الله تعالى كان سنداً وظهيراً لنبيه الكريم ولم يقطع عنه حبل كرمه ولطفه طيلة تلك الفترة العصيبة، إلاّ أنّ وجه السيّدة خديجة المضيء والمشرق، ونظراتها المتفائلة كانت تجعله أكثر إصراراً وعزماً على مواجهة قدره والاستعداد لأيّام أصعب وأقسى .
( 11 ) نظرة إلى سيرة السيّدة خديجة عليها سلام الله
كانت هذه السيّدة الكريمة إلى جانب شريك حياتها في جميع الأحداث المريرة والمسرّة، تتقاسم معه حلوها ومرّها، وكانت دوماً تحرص على سلامته فتبعث غلمانها ليطمئنوها عليه ويتفقّدوا أحواله، وفي بعض الأحيان تفعل ذلك بنفسها، فقد رافقته مراراً إلى غار حراء(47).
وذات مرّة صعدت إلى جبل النور قاطعة مسالكه الوعرة وحاملة صرّة طعام تريد إيصالها إلى النبي الكريم صلى الله عليه وآله في غار حراء، فأنهكها التعب، فوقعت عيناها على زوجها المشفق، فنزل الوحي ليشكر لها جهودها المخلصة.
كان أبو لهب وزوجته أمّ جميل يجمعان الأشواك من الصحاري والقفار ليضعاها في طريق الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وكانت السيّدة خديجة عليها السلام تبعث بغلمانها ليرفعوا تلك الأشواك عن طريقه(48).
لقد حاصرت قريش النبي وآل بيته في شعب أبي طالب لثلاث سنوات متتالية فمنعت عنهم الطعام والشراب والبيع والشراء، وكاد القوم أن يهلكوا لولا أنّ السيّدة خديجة عليها السلام سارعت بأموالها لنجدتهم، حيث كانت تهيّئ الطعام من السوق بأضعاف قيمته وترسله إليهم عن طريق ابن أخيها حكيم بن حزام ليسدّوا رمقهم به(49).
لقد كانت السيّدة خديجة طيلة ربع قرن نجماً ساطعاً يشعّ بنوره على بيت النبوة والرسالة، تجلي بنظراتها الحانية الهمّ والشجن عن نبي الرحمة صلى الله عليه وآله، حتى حان موعدها مع القدر في العاشر من رمضان في السنة العاشرة من البعثة عندما أسلمت الروح لبارئها وألقت برحيلها المفجع ظلالاً من الكروب والأحزان على قلب النبي، وكان ذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة(50)، ودفنت في الحجون، حيث دخل النبي صلى الله عليه وآله قبرها ووضعها في لحدها بيديه الشريفتين، في ذلك الوقت لم تكن صلاة الميّت قد شرّعت بعد، وكانت وفاتها بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أشهر، وقيل بأنّ الفترة بين الوفاتين هي من ثلاثة أيام إلى ثلاثة أشهر، ، كان وقع ذلك شديداً على النبي الكريم(51) الذي فقد نصيرين له، وقد سمّي ذلك العام بعام الحزن، وأعلن الحداد فيه(52).
( 12 ) وصايا السيدة خديجة
لقد أوصت السيّدة خديجة عليها سلام الله النبي الكريم صلى الله عليه وآله عدّة وصايا وهي على فراش الموت هي:
أن يدعو لها بالخير ، وأن يلحدها بيده ،وأن يدخل قبرها قبل دفنها ،وأن يضع مرطه الذي ادّثر به عند نزول الوحي، على كفنها(56).
السيّدة خديجة التي وهبت كل ثروتها وأموالها إلى الحبيب المصطفى لم تطلب في مقابل ذلك سوى مرط، ومع ذلك فهي لم تطلبه منه مباشرة، بل بواسطة ابنتها الزهراء (57). حينذاك نزل الوحي من عند الله العلي القدير بكفن من الجنّة.
قامت أمّ أيمن وأم الفضل (زوجة العباس) بغسل جسد السيّدة خديجة ثم ألقتا عليها نظرة الوداع الأخيرة(58).
في البداية قام الرسول الأكرم بوضع مرطه على الكفن، ثمّ وضع كفن الجنة عليها. كانت السيّدة خديجة عليها السلام في الرمق الأخير من عمرها تنظر بقلق إلى ابنتها الزهراء عليها السلام، فما كان من أسماء بنت عميس إلا أن تعهّدت لها بأن تكون أمّاً لها ليلة زفافها(59).
( 13 ) المزار الطاهر للسيدة خديجة
يقع المرقد الطاهر » الضريح » للسيّدة خديجة في بطن جبل حجون حيث كان على مدى أربعة عشر قرناً مزاراً للملايين من مسلمين في موسم الحجّ والعمرة، لينهلوا من فيض نوره ،لقرون عديدة كانت تعلو القبر ضريح وقبة شامخة، حتى جاء العام 1344 هـ، فسوّي الضريح بالأرض من قبل الزمر الوهابية.
السيدة خديجة يوم الحشر
يصف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ورود خديجة يوم الحشر بهذه العبارات البليغة: يأتي لاستقبالها سبعون ألف ملك يحملون رايات زيّنت بعبارة «الله أكبر»(64).
بيت السيّدة خديجة
بعد وفاة السيّدة خديجة عليها السلام، أصبح منزلها أحد الأماكن المقدسة التي يؤمّها آلاف الحجاج سنوياً، يقول الرحالة المسلم المشهور ابن بطوطة: من المشاهد المشرّفة التي تقع على مقربة من المسجد «قبة الوحي» وهو منزل أم المؤمنين خديجة(67).
يقول الشيخ الأنصاري في كتابه مناسك الحج: إذا نزلت مكة المكرمة، يستحبّ للحاج أن يزور بيت خديجة عليها السلام(68).
ولكن للأسف الشديد لم تترك الفرقة الوهابية قبة الوحي فقد امتدّت إليها بالتخريب والتدمير كما هو شأن باقي الآثار الإسلامية، وسوّتها بالأرض.
مرقد وضريح السيدة خديجة في جبل جيجون
المصادر والمراجع
———————————————
Nous aimons Khadidja notre mère et nous aimons sa fille Fatima, la mère de Hassan et Houssein sibtay Ahl mohammed et notre mère, Allahoumma salli ala el batoul wa 3ala oummiha wa oummina khadidja, ma 3ala Mohammed wa Ahl mohammed à travers les sciecles
khadidja notre mère a une maison de 9assab, la sakhaba fiha wala nassab, nchallah on sera avec eux, auprés d’eux dans le paradis, auprés de Mohammed et son Ahl, de Ali et Fatima les deux lumières à coté de sayyid bani adam et leurs descendance à travers les sciecles et loin de leurs ennemis qui veulent corrompre la religion, et nous attendons le faradj 3adjalahou Allah
السلام عليكم و رحمت الله و بركاته
يا استذتنا اردت بمنسابة ذكرى المولد النبوي الشريف ابلاغكم جزيل الشكر على مجهوداتكم الكبيرة التى اضهرتم بها حقاءق علمية و تارخية في ما يخص ال البيت و خاصة السيدة خديجة رضي الله عنها
وفاء